صحوات أم ميليشيات؟

قائد في الصحوات: نحذر الحكومة من مواجهتنا لأنها ستكون الخاسرة.. ونحن لسنا ميليشيات بل عشائر عربية

عناصر من قوات صحوة الأعظمية قرب مرقد الامام الأعظم (أ.ف.ب)
TT

الطريق بين مركز بغداد ومدينة الرمادي، التي تبعد مائة كلم غربا عنها، لم يكن على مدى السنوات الخمس الماضية آمنا أو مستقرا. هذه المسافة التي تتبعها مئات الكليومترات حتى مركز طريبيل الحدودي العراقي المتاخم للحدود الأردنية، كانت مسرحا للمئات من العمليات الإجرامية التي روعت المسافرين، الذين تعرضوا لحوادث النهب والسلب والاختطاف والقتل. وبين هذه العمليات حادثة اختطاف وقتل فريق التايكوندو العراقي، الذي كان يتألف من شباب لا تتجاوز اعمارهم الواحد والعشرين عاما. وهكذا تحولت عملية السفر برا بين بغداد والحدود العراقية الأردنية، والعكس، الى كابوس حقيقي، وأصيب هذا الطريق بالشلل التام لبضع سنوات. ومن كان يتجرأ ويقدم على مغامرة قطعه بواسطة السيارة، كان كمن يعرض حياته للموت عمدا.

اليوم اصبح الطريق آمنا. لم تعد «القاعدة» تهدد المارين. ولا يشهر من يطلقون على أنفسهم المجاهدين، سلاحهم في وجوه المسافرين. ولا حتى اللصوص الحقيقيون يحاولون ممارسة نشاطاتهم هناك. الطريق اصبح آمنا بفعل ما بذله مقاتلو الصحوة، وبدعم من القوات الأميركية والعراقية من جهود، وما قاموا به من عمليات ضد عناصر «القاعدة» واللصوص والقتلة.

مدينة الرمادي لا تزال واجهاتها تحمل آثار الرصاص مثل بقايا بثور مرض الجدري على وجه حسناء. تجد آثار الرصاص تشوه واجهات ابنية المدينة، مركز محافظة الأنبار. الظاهرة لا تستحق عناء السؤال. هذه بقايا أو آثار معارك حاسمة، ان لم نقل دامية، كانت قد دارت هنا بين عناصر تنظيم «القاعدة» وقوات الصحوة التي استطاعت بفعل تماسك ابناء الانبار، أن توقع الهزيمة بالعناصر الارهابية التي هددت السكان المحليين.

منذ اكتوبر (تشرين الأول) 2006، بدأ تحالف من شيوخ العشائر بجمع ابنائهم للقتال ضد عناصر القاعدة التي كانت قد سيطرت على الرمادي واعتبرتها عاصمة امارتها. وكانت «القاعدة» قد اعلنت في اكتوبر2006 أن الرمادي اصبحت عاصمة ما تسمى بـ«الدولة الإسلامية في العراق»، وتحدت الحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة. لكن سرعان ما فقدت تأييد ودعم سكان المحافظة عندما انطلقت قوات الصحوة ضدهم. وباتت الرمادي بشكل شبه كامل في ايدي ابناء العشائر، والقوى الأمنية العراقية التي حققت نجاحا باهرا في طرد «القاعدة» خارج المدينة. كما رحب المسؤولون الاميركيون، ومن بينهم الرئيس جورج بوش، بالتقدم الذي يتحقق في الانبار.

وكان الشيخ عبد الستار ابو ريشة، وهو شيخ الريشاويين، أحد أبرز عشائر الدليم، أول من قاد ما اطلق عليه وقت ذاك بـ«مؤتمر صحوة الانبار». وكانت نتيجة انتصاراتهم على الارهابيين في واحدة من اكبر المحافظات العراقية مساحة، ان التقى الرئيس الاميركي بوش في الثالث من سبتمبر(ايلول) 2007 بالشيخ ابو ريشة مع مجموعة من شيوخ عشائر الدليم، وذلك خلال زيارة مفاجئة لقاعدة الأسد الجوية الاميركية. وهناك اثنى بوش على جهود مقاتلي الصحوة. ولكن بعد عشرة أيام من اللقاء، تعرض ابو ريشة لعملية اغتيال.. ناجحة. حيث اغتيل على ايدي مسلحين مجهولين في 13 سبتمبر(ايلول) 2007. فخلفه شقيقه أحمد أبو ريشة في قيادة الصحوة في الأنبار. ووصف القائد الاميركي الجنرال ديفيد بترايوس اغتيال ابو ريشة، بأنه «خسارة مأساوية لمحافظة الانبار، ولكل العراق»، وقال ان عملية الاغتيال «تظهر مدى أهميته (ابو ريشة)».

أحمد أبو ريشة كان قد استهل نشاطه كرئيس لمؤتمر صحوة الانبار، بمطالبته بعدم انسحاب القوات الاميركية من العراق، ما لم يتم بناء قوات عراقية وأمنية قوية.

وقال أبو ريشة في تصريحات صحافية وقتذاك: «في الوقت الحاضر، أي انسحاب سريع للقوات الاميركية قد يؤدي الى نتائج كارثية في البلد، لأن الجيش العراقي غير قادر على تسلم المسؤولية الأمنية». وأضاف: «اي انسحاب لا بد ان يحدث فقط عندما يكون الجيش العراقي قادرا بنسبة مائة في المائة على حماية اراضيه، فالحكومة لا يمكنها ان تعمل في لوقت الحاضر من دون مساعدة القوات الاميركية». في بداية يونيو(حزيران) الماضي، توجه عدد من أعضاء مجلس محافظة الأنبار برفقة المحافظ مأمون العلواني وأحمد أبو ريشة رئيس مجالس صحوة الأنبار، وعدد من شيوخها وشيوخ بعض المدن العراقية، الى واشنطن للقاء بوش، ليؤكد دعمه لهم في مرحلة مهمة من تاريخ العراق، وهي اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، خصوصا وأن هناك صراعا معلنا بين قادة الصحوة والحزب الإسلامي العراقي، الذي يحكم المحافظة من خلال المحافظ ورئيس مجلس المحافظة.

الشيخ حميد الهايس، احد القادة البارزين لقوات صحوة الانبار، ومن اوائل من قاتل عناصر «القاعدة» في المحافظة في وقت كانت «القاعدة» بأوج قوتها، استضافنا في مضيفهم في منطقة الجزيرة في الرمادي، وتحدث عن بداية انطلاق شرارة الصحوة، قائلا: «كانت عناصر القاعدة قد عاثت الفساد في المحافظة، لم يكن هناك تصرف غير انساني وغير اخلاقي، الا ومارسته القاعدة، منها قتل شيوخ العشائر، الابتزاز والسرقة، الاختطاف والقتل، وترويع المواطنين، واغتصاب النساء.. وما زاد في هذه المشاكل هو ان من تطلق على نفسها بالمقاومة العراقية، تركت مهماتها في مواجهة القوات الاميركية، وراحت تنظم عمليات إبادة جماعية ضد العراقيين وتتخطف وتقطع رؤوس وتبتز الآخرين باسم الجهاد». ويضيف: «عناصر القاعدة خطفوا نساء وبنات واغتصبوهن، وتزوجوا بعضهن بالقوة، واعتدوا على اعراض كثير من العائلات الشريفة. والأكثر من هذا اننا عثرنا على فتوة صادرة عمن يطلق على نفسه محافظ الدولة الإسلامية، واسمه قتيبة، يعطي لأفراده الإذن بأن يتزوج كل 3 رجال امراة واحدة بسبب ظروف الجهاد، كما حلل السرقة والاغتصاب».

ويمضي الهايس قائلا: «في شهر مايو (ايار) عام 2006، شعرنا ان الأمور تجاوزت حدودها بكثير، وان من كنا نعتبرهم مقاومين للقوات الاميركية هم اعداء لشعبنا. لهذا انطلقنا بتنفيذ عمليات سريعة ومهمة ضد عناصر القاعدة ومن يسمي نفسه زورا بالمقاومة، وشكلنا من ابناء العشائر فصائل مسلحة اطلقنا عليها تسمية (ثوار الانبار). واعتمدنا على اسلحتنا الشخصية في مقاومة الإرهابيين، واعتمدنا أساليبهم في مقاومتهم اذ كنا نرتدي ازياء مشابهة لأزيائهم ونقود سيارات تشبه تلك التي يستخدمونها هم. وهكذا تسللنا اليهم وصرنا نقاومهم وجها لوجه. وبدأنا بعشرين مقاتلا وخلال شهر اقترب عددنا من سبعة آلاف!».

ويؤكد الهايس ان عدد عناصر «القاعدة» في الانبار كان يتجاوز العشرة آلاف مسلح، وكانوا يجبرون الشباب وباسم الدين على الانضمام اليهم. وكانت غالبيتهم من العراقيين والسعوديين والسوريين واليمنيين والليبيين. ويقول ان السلطات السورية كانت تسهل عملية دخولهم الى الاراضي العراقية، من غير ان يحملوا حتى وثائق رسمية، مثل جوازات سفر وتأشيرات دخول. ويؤكد أنه يمتلك معلومات عن وجود معسكرات تدريب داخل سورية لهذه العناصر المسلحة. ويقول انه حقق مع بعض من القي القبض عليه من المسلحين، واعترفوا بأنهم تلقوا تدريبات عسكرية في سورية.

ويضيف الهايس: «لم نعلن عن وجودنا في البداية، بل قررنا العمل اولا، وتحقيق الانتصار على المجاميع الارهابية حتى عقدنا مؤتمرنا الأول في 14 سبتمبر عام 2006، واطلقنا عليه اسم مؤتمر صحوة الانبار، وعرضنا وثائق مصورة وتلفزيونية عن معاركنا ضد القاعدة». ويؤكد أن «الحكومة احتضنت شباب الصحوة، وتم دمجهم كأفراد في قوات الشرطة والجيش، ورئيس الحكومة نوري المالكي أشاد بجهودنا، وقال ان القوات المسلحة كلها معكم. هذا دعم كبير لما حققناه».

الشيخ علي حاتم، من شيوخ عشائر الدليم وأحد قادة الصحوة، يرأس الآن تنظيما يدعى الجبهة الوطنية لانقاذ العراق. ويؤكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ان ما حققته قوات الصحوة هو «من اجل العراق والعراقيين، سنة وشيعة، مسلمين وغير مسلمين، عربا واكرادا وتركمانا، فنحن عراقيون ولا نفكر الا في خير العراق».

ويقول ان ما تحقق في الانبار هو «الاستعداد للبداية وليست البداية ذاتها».

ولا يخفي حاتم، ان هناك حربا ضد الحزب الاسلامي، ويقول: «جبهتنا غير طائفية، ولا تستغل الدين الاسلامي للترويج عن سياستنا او برامجنا، ويجب ابعاد الدين عن السياسة احتراما للدين»، ولكنه يضيف ان «احزابا تعمل باسم الاسلام، سرقت اموال الشعب، وحاولت تهميش الآخرين من خلال ادعائها انها تمثلهم. نحن نمثل انفسنا وليس هناك من يمثلنا، لا نتحدث كسنة بل كعراقيين، حيث تدعي جبهة التوافق انها تمثل العرب السنة في العراق، بينما هي(التوافق) لا تمثل الا نفسها».

ويتحدث حاتم بصراحة مطلقة ويقول: «لنا مع الحزب الاسلامي معركة مصير، معركتنا مع القاعدة تقريبا انتهت، ومعركتنا الآن مع من يسرق اموالنا ويقتلنا باسم الدين والشرعية، واعني الحزب الاسلامي». ويضيف: «نحذر أي جهة من مواجهتنا، ونحذر حتى الحكومة من هذه المواجهة فنحن لسنا ميليشيات، بل نحن عشائر عربية. وأية جهة ستفكر في الاصطدام بنا ستكون خاسرة».

ويرفض حاتم الأحاديث عن امكانية أن تتحول الصحوة الى ميليشيات مسلحة، ويقول: «الصحوة لا تتحول الى ميليشيات، نحن عشائر قوية لم تشكل على اساس سياسي»، منبها الى ان «هناك بعض الصحوات التي شكلها الحزب الاسلامي او القاعدة، وهذه نحن غير مسؤولين عنها».

وعن علاقة الصحوة بهيئة العلماء المسلمين، التي يترأسها حارث الضاري، يقول حاتم: «حارث الضاري يبحث عن زعامة سنية، ونحن نرفض هذه المسألة، نحن لسنا معه وليس لنا أي تعامل مع الهيئة، ولم نعقد أي اتفاق معهم».

الدكتور محمد بشار الفيضي، العضو البارز في هيئة العلماء المسلمين، هو الآخر يؤكد أن «الهيئة لا علاقة لها بالصحوات، ولم يسبق ان التقينا بأحد من قادتها او قاعدتها».

ويقول الفيضي عبر الهاتف من عمان، ان «ظاهرة الصحوات مؤقتة، وقد اوجدتها قوات الاحتلال لتحقيق اهداف مرحلية وقد حققتها، وفي اعتقادنا ان الصحوات لم يعد لديها المزيد لتقدمه للاحتلال». وعن سبب المواقف المتشنجة بين الهيئة والصحوة، يقول: «لقد قامت الصحوات بمحاربة المقاومة العراقية تحت غطاء محاربة القاعدة في العراق. الصحوة لن تتحول الى ميليشيات، لأنها لم تنشأ على ايديولوجية فكرية معينة، بل على اساس ردود الأفعال». ويؤكد عبد الكريم السامرائي عضو الحزب الاسلامي ونائب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس النواب (البرلمان) العراقي، أن «الحزب طالب وما يزال، بضم عناصر الصحوات الى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، كي لا تنفلت وتتحول الى ميليشيات»َ. ويقول السامرائي لـ«الشرق الأوسط» ان «مشروع الصحوات للاسف ما تزال تتبناه القوات الاميركية، وقد طالبنا مرارا ان يكون مشروعا وطنيا عراقيا خاصا، علما ان هناك مجالات واسعة في القوات المسلحة والشرطة لاستيعابهم».

وفي رده على اتهامات قادة صحوة الانبار للحزب الاسلامي، واتهامات الشيخ علي حاتم، قال السامرائي: «هؤلاء ليسوا هم قادة الصحوة في الانبار، ولا علاقة لهم بالصحوة. لن تكون هناك معركة بين الحزب الاسلامي والصحوة، حيث لا توجد لنا مشكلة معهم».

ويشير الدكتور اياد علاوي الرئيس الاسبق للحكومة العراقية ورئيس القائمة العراقية، الى ان «مواقف الحكومة من الصحوات، لا تبعث على التفاؤل، وهناك من يرى ان الصحوات اصبحت تشكل خطرا على الوضع السياسي العراقي، بينما كان يجب ان تكون هناك استراتيجية لضم الصحوات الى العملية السياسية، وزج رجالها في مؤسسات الدولة، سواء كانت مدنية او عسكرية». ويقول انه تحدث مع الإدارة الاميركية في هذا الشأن، ويضيف: «لا نعرف فيما اذا كان التحسن الأمني سيستمر، ليؤدي بنا الى تطور الأوضاع إيجابيا، اما اذا اخفق فإنه سيؤدي الى نكسات كبيرة».

ويؤكد نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي، أن ما ساعد على تحسن الأوضاع الأمنية في العراق، هو «تحسين اداء القوات المسلحة، ودعم القوات المتعددة الجنسيات ووقوف الناس في صحوة الانبار ضد الميليشيات المسلحة»، مشيرا الى ان «الحكومة عندما تستثمر اي ملف في المكان الصحيح يتحقق الهدف، وهذا ينطبق على ملفي الاقتصاد والخدمات والأمن».

صحوة الانبار سرعان ما انتشرت ظاهرتها او فكرتها وتكاثرت الى صحوات في مدن ومناطق مختلفة من العراق، بينها صحوات شيعية، ومنها ما تكون على نمط الصحوات السنية، خاصة في مدينة الثورة (الصدر) وحي الحرية. وهناك مجاميع تشكلت وفق اسلوب الصحوة، لكنها اطلقت على نفسها القابا وتسميات اخرى، مثل الثوار، والمتطوعين، وغيرها من الأسماء.