أردوغان.. وفن الانحناء أمام العاصفة

تعلم من إخفاقات أربكان «التنازل».. ويفهم طبيعة الدولة التركية المعقدة وعيوبها وحساسياتها تجاه المساس بالعلمانية

TT

لم يخرج رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من معركته مع المؤسسة العلمانية في تركيا منتصراً، كما لم يخرج منهزماً. لكن هذا بحد ذاته نصر له ولتجربة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية، في الحكم. خرج أردوغان من معركته مع المؤسسة العلمانية، بعد اتهامه بالمساس بمبادئ العلمانية بسبب محاولاته تمرير قانون يسمح بارتداء الحجاب في الجامعات، بغرامة مالية فرضتها عليه المحكمة الدستورية اول من أمس وتحذير من المحكمة بأن أنشطة حزبه «تحت أعين السلطات». لكن التحذير وفرض الغرامة المالية كانا أخف العقوبات المتوقعة، فيما كان اشدها هو اغلاق حزب العدالة، في تكرار لتجارب حزبي الرفاه والفضيلة الاسلاميين اللذين أسسهما استاذ اردوغان نجم الدين اربكان في التسعينات من القرن الماضي. الفرق بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب الاسلامية السابقة في تركيا، ليس فقط تراكم خبرات الاسلاميين الأتراك على مدار العقدين الماضيين، بل ايضا الفرق بين شخصيتي اردوغان واربكان ابو الاسلام السياسي في تركيا. ففيما كان اربكان دائما ما يلجأ عند الازمات مع المؤسسة العلمانية، والتي أدت الى اغلاق الاحزاب الاسلامية التي انشائها، «الى الشارع» بسبب الشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها والتي اوصلته للسلطة في التسعينات، لم يفعل اردوغان هذا. لم يلجأ للشارع او للقواعد الشعبية التي اوصلت حزبه للسلطة. وفيما كان اربكان يعتقد ان دعم الناخبين لحكومته ولحزبه يحميه من اذرع المؤسسة العلمانية الطويلة، كان اردوغان على العكس يرى انه في اي خلاف او صراع بين حزبه والشارع من ناحية وبين المؤسسة العلمانية من ناحية اخرى، فإن المؤسسة العلمانية، او بمعنى اصح المؤسسات العلمانية، ستكون لها الكلمة الأخيرة. فما من حكومة او حزب في تاريخ تركيا المعاصرة كان اقوى من الجيش والمؤسسة القضائية، والمحكمة الدستورية. فمن تجارب اخفاق اربكان تعلم اردوغان فن الانحناء أمام العاصفة. وهو خلال أسبوع محاكمة حزبه، اعترف بـ«أخطاء» ارتكبت من قبله ومن قبل حزب العدالة والتنمية، ووعد بالتراجع عنها، ملمحا الى قرار السماح بالحجاب في الجامعات الذي كان شعلة هذه الازمة الأخيرة. كما أظهر اردوغان أنه يفهم الطبيعة المركبة للدولة التركية، فهي ليست دولة مؤسسات منتخبة فحسب. هذا فقط جزء من طبيعة الدولة التركية، فيما هناك جزء آخر خفي، وربما مخيف، متأصل في روح الدولة التركية منذ نشأتها على يد أبو تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك. هذا الجزء الخفي والمخيف من الدولة عبارة عن «شبكة» من العسكرين وجنرالات الجيش وناشطين يمينيين متشددين، وصحافيين قوميين، واحزاب علمانية، وسياسيين على المستويات المحلية والاقليمية والقومية، مستعدين وجاهزين لتدبير انقلابات، حقيقة ومعنوية، ضد من يرون انه قد يهدد أسس علمانية اتاتورك. وهذه الشبكة التي لا تعمل في منطقة معينة وليس لها بالضرورة رأس واحد كانت دائما موجودة. وعندما اعلنت السلطات التركية قبل أسابيع اعتقال عدد من قادتها، وهم جنرالات في الجيش وقيادات سابقة، وسياسيون وصحافيون وكتاب، خططوا لإطاحة حكومة العدالة والتنمية اولا بالدعاية المضادة ثم بحركة عصيان واسعة في الشارع التركي، لم يكن هذا حدثاً غير عادي او غريب على المسار السياسي التركي. فبهذه الشبكات «تحت الارضية» المتداخلة والسرية تم اسقاط اربكان من قبل. لكن اردوغان شيء مختلف. فمنذ اليوم الاول له في السلطة في مارس (آذار) 2003 نعته معارضوه بـ«مكيافلي» يفعل ويقول أي شيء للوصول إلى ما يريد، فيما اعترف مؤيدوه بأنه «مرن»، لا يمانع من ان يضحي بقضايا او يقف مواقف وسطية ربما لا ترضي المجموعات الأكثر ورعاً واصولية بين الأتراك، لكنها ترضي التيار العريض من الشارع التركي العلماني والأصولي معاً. لم تولد هذه الخبرة السياسية لدى اردوغان خلال سنوات توليه رئاسة الوزراء، بل قبل ذلك بكثير، حتى قبل ان يصير اول عمدة اسلامي لاسطنبول اكبر مدن تركيا وعاصمتها الحقيقية غير المتوجة، والمدينة التي تنعكس على أضواء بحر مرمرة فيها تناقضات تركيا المعاصرة. ولد رجب طيب أردوغان في 26 فبراير (شباط) عام 1954، ووالده كان يعمل بالحرس البحري التركي على ساحل البحر الأسود، ولم تكن أسرته، المتحدرة من الأتراك الجورجيين الذين هاجروا من جورجيا إلى مدينة ريز التركية، ثرية بل متواضعة الحال. وكان يبلغ من العمر 13 عاما عندما قرر والده الانتقال إلى اسطنبول للعمل هناك، أملا في أن يوفر لأسرته المكونة من زوجته وخمسة أبناء، حياة أفضل. وفي مراهقته، باع أردوغان «الليموناضة» والكعك بالسمسم في شوارع اسطنبول، لكسب أموال إضافية تساعده وأسرته. وأدى التعليم الديني دورا في التطور الفكري والعقلي لأردوغان، إذ انه درس أصول الدين في مدرسة «الإمام الخطيب» في اسطنبول، قبل أن يدرس علم الادارة في جامعة «مرمرة». ومنذ شبابه، اكتشف اردوغان الذي عاش في أفقر أحياء اسطنبول، انه حساس جدا تجاه مسألتين: الفقر والتدين. ففي شوارع اسطنبول العشوائية الفقيرة المعدمة التي تنتشر فيها المياه الآسنة وتتراكم القمامة وتزاحم الأرصفة مع السكان المكتظين، بدأ اردوغان يهتم بفكرة العمل العام والسياسي. اما الحساسية الثانية، التي تكونت لديه فهي مسألة الدين، اذ كان يحافظ على الصلاة في المساجد والصيام. وكان هذا شيئاً غير عاديٍّ لدى الكثير من أقرانه. وإلى جانب دراسته، كان أردوغان شغوفا بكرة القدم، وظل يمارسها كلاعب محترف خلال دراسته الاعدادية والثانوية والجامعية لمدة 16 عاماً، وكان على وشك احتراف اللعبة، لولا انشغاله بالسياسة. وهناك قصة شهيرة تفسر تحول اردوغان من الرياضة إلى السياسة مطلع شبابه. فبعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال كنعان افرين عام 1980، تواجه أردوغان لأول مرة مع القوانين العلمانية في تركيا، إذ أن رئيسه في ادارة المواصلات في اسطنبول، وكان برتبة عقيد متقاعد من الجيش، طلب منه أن يحلق شاربه تطبيقاً لمجموعة من القوانين الجديدة التي طبقها افرين، ومن بينها حلق الشارب والذقن ومنع النساء من دخول الجامعات والمؤسسات الحكومية بالحجاب. فرفض أردوغان حلق شاربه، وكلفه هذا العناد عمله، إذ اضطر بسبب ذلك للاستقالة. وفي الجامعة، التقى أردوغان أربكان الذي أصبح لاحقا أول رئيس وزراء إسلامي في تاريخ تركيا، والرجل الذي أدخل الإسلام السياسي إلى قلب دوائر صنع القرار. وتقارب أربكان وأردوغان بسرعة بعد انضمام الثاني إلى حزب الرفاه، وظلت علاقتهما وثيقة إلى أن انهار الحزب عام 1998 بعد أن أمر الجيش بحله عام 1997 بتهمة المساس بأسس العلمانية التركية. لكن حل حزب الرفاه جاء بعدما كان اردوغان قد اكتمل تقريبا كسياسي مستقل، وليس مجرد تلميذ لأربكان، وذلك من خلال تجربته كعمدة لاسطنبول. فقد انتخب اردوغان عمدة لاسطنبول عن حزب الرفاه، من 27 مارس (آذار) 1994 إلى 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 1998. وخلال ولايته لاسطنبول، أكبر المدن التركية من حيث المساحة وتعداد السكان، طبق أردوغان بعضا من أفكاره، ومن بينها الفصل بين الرجال والنساء في المسابح العامة وبعض النوادي الرياضية. كما حظر شرب الكحول في الأماكن العامة، وانتقد الاحتفالات التي تقام بالمدينة، وفي تركيا بمناسبة رأس السنة الميلادية، وقال إنها عادة اجتماعية لا تجبره هو على الاحتفال بها. ولكن حتى منتقدي أردوغان، لم يستطيعوا إنكار أنه أنجز الكثير خلال عمله كعمدة لاسطنبول، إذ عمل على بناء بنية تحتية قوية، ونظام مواصلات حديث، وجعل المدينة أكثر نظافة وخضرة. وبالرغم من أن قرار اردوغان حظر المشروبات الكحولية في المقاهي العامة باسطنبول أزعج العلمانيين، الا أنه استفاد من سمعته النظيفة، بوصفه شخصا غير فاسد في بلد طالما عانى من فساد السياسيين. لكن هذه الميول الدينية نفسها التي قربته من بعض أطياف الطبقة الوسطى التركية، أدت إلى إدانته من قبل المحكمة بتهمة إثارة الكراهية الدينية. وبدأت الحكاية عندما كان أردوغان يقرأ في تجمع عام شعراً إسلامياً، جاء فيه «المساجد هي ثكنة جنودنا. القباب هي خوذتنا. المآذن هي حربتنا. الإيمان هو جنودنا». ورأت المحكمة أن هذا الشعر تحريض على الكراهية الدينية، لأنه يعلي من شأن الاعتقاد الديني، وينقله من المجال الخاص إلى المجال العام، وحكمت عليه بالسجن 10 أشهر، إلا أنه قضى 4 أشهر فقط ثم أفرج عنه. وبسبب الحكم الجنائي ضده لم يسمح لأردوغان بالترشح في الانتخابات البرلمانية أو ممارسة العمل السياسي، وظل هذا الوضع قائما إلى أن غير البرلمان التركي الدستور عام 2001، فتمكن أردوغان من الترشح للانتخابات البرلمانية. بعد حل حزب الرفاه، قرر أردوغان عدم الانضمام لحزب الفضيلة الذي أسسه أربكان، وأنشأ بدلا من ذلك حزبا جديدا سماه «العدالة والتنمية»، واختار معه صديقه المقرب عبد الله غل لتأسيسه. كانت هذه «ثورة» وسط الأحزاب الإسلامية في تركيا، إذ أن أردوغان وغل أخذا منحنى مختلفا عن أربكان، وعملا على أن يكون خطاب حزبهما الجديد أكثر اعتدالا، بعيدا عن الشعارات الأخلاقية والدينية، وركزا على الاقتصاد وعلى جذب الاستثمارات الأجنبية. وعندما فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات عام 2002، بقيَّ يحاول تجنب القضايا الخلافية مع الجيش طوال سنوات حكمه، ومن بين هذه القضايا الحجاب مثلا. فزادت الفجوة بين أردوغان وحزب السعادة الذي أسسه أربكان بعد الفضيلة والذي بات يضم المحافظين وسط التيار الإسلامي في تركيا. اهتمام اردوغان بالاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية واعطاؤه اولوية لانضمام تركيا للاتحاد الاوروبي، كل ذلك وسع قاعدته الشعبية لتصنع تحالفا قويا بين حكومته ورجال الاعمال والنقابات العمالية والمهنية والطبقة الوسطى، وهو تحالف عزز مكانة اردوغان وصورته في الداخل والخارج كرجل عملي، يتمتع برؤية اقتصادية واجتماعية وليس رجلا دخل عالم السياسة من باب الدين. ويحب أنصار حزب العدالة والتنمية صورة أردوغان في القمصان الزرقاء العمالية بلا ربطة عنق او جاكيت، او في الخوذة الصفراء المعدنية التي يرتديها العمال الحرفيون والتي ارتداها كثيرا خلال حملته الانتخابية يوليو (تموز) عام 2007. ويقولون أن أردوغان غير صورة السياسي في تركيا، فهو يتحدث بلغة بسيطة لكن مفوهة (تحدث مرة في احدى جولاته الانتخابية لمدة 70 دقيقة متواصلة من دون ورقة)، وهو قريب من قضايا الشارع التركي، ولم يتورط في أي قضايا فساد على عكس الكثيرين من السياسيين الأتراك. لكن «أبناء أتاتورك» الحريصين على مبادئ العلمانية؛ وعلى رأسها الأفكار الجمهورية والديمقراطية، يقولون إن أردوغان «ميكافيلي جديد». ويقولون إن ما يريده أردوغان تدريجيا، هو تغيير الكثير من المبادئ التي رسخها اتاتورك لصالح «نظام مشوه» بين الشرق والغرب. ويأخذون مثالا على ذلك مساعي اردوغان رفع الحظر على ارتداء الحجاب في الجامعات. كما يستشهدون بممارسة شهيرة لأردوغان، تعكس كما يقولون أنه ازدواجية، وهي أنه على عكس الكثير من الإسلاميين لا يرفض مصافحة النساء، لأن هذا في رأيه يفسد إمكانات الحوار والتواصل، لكنه على الجانب الآخر يستغفر الله كلما صافح امرأة. لكن المثال الأبرزَ الذي يقفز إلى ذهن الأتراك عند الحديث عن براغماتية أردوغان، هو إلغاؤه لقانون يجرِّم الزنى، من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي. لكن في الجانب الآخر، ينتقد بعض الأتراك من أنصار حزب العدالة أردوغان بسبب ما يرون أنه تنازل في المواجهة مع المؤسسة العلمانية، موضحين أن إعلان أردوغان عدم اصطحاب زوجته معه إلى المناسبات العامة بسبب حجابها، ليس موقفاً صائباً. وأن القرار يعني ضمنا أن النساء المحجبات مواطنات من الدرجة الثانية. لكن آخرين من أنصار حزب العدالة والتنمية يقولون إن أردوغان «سياسي بالسليقة»، وأن بقاءه في السلطة كل هذه السنوات دليل نجاح. فعندما انتخب أردوغان لأول مرة، لم يتحرك الجيش أو يعرب عن قلق من أي نوع، إلا أن عسكريين قالوا ساعتها إن الجيش اتخذ سياسة «دعنا ننتظر ونرى»، وترك أردوغان يتعلم بالتجربة والخطأ ما الذي يمكن أن يجنيه إذا ما تجاوز الخطوط الحمراء المعروفة للجيش. ويبدو أن أردوغان يدرك استراتيجية الجيش، فبعد أزمة الانتخابات الرئاسية في مارس (آذار) الماضي بسبب اعتراض العلمانيين على ترشيح غل لمنصب رئيس الجمهورية خلفا لأحمد نجدت سزر، قال أردوغان في بيان علني «أنا علماني»، في محاولة للتخفيف من ان يكون كل من الرئيس ورئيس الوزراء من حزب ذي جذور اسلامية. وعلى عكس اربكان، فإن علاقات اردوغان الدولية، سواء الاميركية او الاوروبية وثيقة، على الرغم من أنه لا يتحدث لغات أجنبية. ويقال إن معرفته بقضايا العالم الخارجية ليست واسعة. وخلال سنوات حكمه، عمل اردوغان على ان يجعل من تركيا «ممرا» بين العالم الاسلامي والعربي، وبين اميركا اوروبا، مستفيدا من علاقاته المميزة مع كل من اسرائيل واميركا. فهو دفع من وراء الستار لمباحثات سرية بين سورية واسرائيل بواسطة أنقرة، ويعمل الآن من وراء الستار لوساطة تركية بين إيران واميركا. والمحرك الأساسي لاردوغان في هذا هو رغبته في ان يوازن بين «تركيا الاوروبية» و«تركيا الشرق اوسطية»، وهذا لا علاقة له بجذوره الاسلامية، كما قد يعتقد البعض، بل محركه الأساسي هو سعي أنقرة الحقيقي الى ان تلعب دورا أكبر في تفاعلات الشرق الأوسط، بوصفها قوى اقليمية كبيرة. كما ان هذا الدور المفترض يخفف على الأتراك مرارة وعناء انتظارهم الطويل أمام بوابة اوروبا. هذه السياسات ارضت الشارع التركي الى حد كبير، وعوضت احساسه بالضعف وربما بالمهانة بسبب طول انتظار بطاقة الانضمام لاوروبا. لكن ما من شيء ساهم في تعزيز شعبية اردوغان أكثر من الطريقة التي تعامل بها مع قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. فقبل اعادة انتخابه، كان الأتراك يتهمون اردوغان بالضعف وعدم الحسم، وانتظار اشارة خضراء من واشنطن للهجوم على قواعد حزب العمال الذي يعد، في نظر القوميين الأتراك، أكبر خطر يهدد تركيا. غير ان اردوغان تحرك عسكريا بشكل مباغت، وبالتنسيق مع إيران، وليس مع اميركا او العراق، وشنت القوات التركية عمليات ملاحقة عميقة داخل الحدود العراقية لاستئصال عناصر الحزب الكردستاني. وعززت عمليات الملاحقة هذه شعبية اردوغان في تركيا، خصوصا بين القوميين الأتراك الذين كانوا يتحسبون من أنه سيضع نشاطات الأسلمة على سلم الاولويات لحكومته. راوغ اردوغان ببراعة خلال الأشهر الاولى بعد اعادة انتخابه من اجل ان يثبت ان نشاطات الاسلمة ليست بنداً حقيقياً في اجندته بل مخاوف في أذهان معارضيه، وهو منذ اعادة انتخابه حاول النأي بنفسه عن الإسلاموية المفترضة لحزبه، والتركيز على الجوانب التي يمكن أن تؤدي إلى تقريب الفوارق بين الأتراك، إذ أنه أكد على أهمية الانتماء التركي إلى الاتحاد الأوروبي، والانفتاح على العالم الغربي والشرق الأوسط. كما أن علاقة تركيا مع إسرائيل وأميركا تعززت منذ وصوله للسلطة. والمفارقة أنه عندما أصبح أردوغان رئيس وزراء تركيا في 14 مارس (آذار) عام 2003، توقع الكثيرون ألا يكون قادرا على البقاء في المنصب لأكثر من عام، على غرار أربكان الذي اضطر للتخلي عن السلطة عام 1997 بعد ضغوط من الجيش، لكن أردوغان بقيَّ فترة كاملة، وتجاوز فترات صعبة في علاقته بالجيش، ونجح في الفوز بولاية ثانية في يوليو 2007، وهذا يعني أنه من أنجح السياسيين الأتراك عموما. فالأتراك لا يصوتون غالبا للحزب نفسه مرتين متتاليتين. وهناك تجارب واخفاقات سياسية كثيرة مرّ بها اردوغان منذ تولى اول منصب سياسي مهم له، وهو عمدية اسطنبول، ثم منعه من العمل السياسي وسجنه لأشهر، وعودته مجددا لساحة العمل السياسي بعد تركه عمدية اسطنبول، وتوليه منصب رئيس الوزراء، ثم أزمة الرئاسة التركية عندما دعا لانتخابات مبكرة للتصدي للمعارضين لتولي صديقه وشريكه في تأسيس حزب العدالة عبد الله غل منصب رئيس تركيا، ثم تجاوزه أزمته الاخيرة حول السماح بالحجاب في الجامعات. كل هذه الازمات أثبتت أنه استاذ في فن البقاء، كما أنه يعرف فن الانحناء امام العواصف. وهذه مهارات اساسية لخوض غمار السياسة التركية.. المتقلبة.