هيلاري تصارع.. ديونها

كلينتون تلجأ إلى كل الوسائل لإقناع مؤيديها بالتبرع لها وتغريهم بعشاء معها تحت النجوم

TT

عندما ظهر مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الاميركية باراك اوباما، الاحد الماضي على تلفزيون «ان بي سي»، سئل إن كان سيختار السناتور هيلاري كلينتون لتترشح كنائبة له. لم يجب اجابة مباشرة، بل قال: «ابحث عن شخص يتفق معي في الرأي. وعن شخص لم يرتبط كثيرا بالعمل السياسي في واشنطن». بعد نهاية المقابلة، وفي نقاش اشترك فيه صحافيون، قال أحدهم إن معنى كلام اوباما هو انه لن يختار هيلاري نائبة له.

كانت هذه الطامة الكبرى لهيلاري، أما الطامة الصغرى فهي ان اوباما لم يتعهد، كما تعهد في الماضي، بمساعدتها على دفع ديونها من القروض التي استدانتها خلال حملة الانتخابات التمهيدية. وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» بعد ذلك: «يتذمر مستشارون في معسكر هيلاري ان اوباما لن يساعدها في دفع ديونها. ويتذمر مستشارون في معسكر اوباما ان هيلاري تتوقع منه اكثر مما يقدر (او مما يريد)». واضافت الصحيفة: «اوضحت هيلاري انها مستعدة لفعل اي شيء...»، ولكن، يبدو ان الشقة بينها وبين اوباما اتسعت اكثر.

وبعد تنصل اوباما من وعده بمساعدته على دفع ديونها وتركيزه على جمع تمويل لحملته الخاصة، لم تجد هيلاري مخرجا سوى ترتيب حملات لجمع تبرعات لدفع ديونها. وأطلقت اكثر من برنامج، واحد منهم اسمه «عشاء تحت النجوم». والجائزة الاولى للمسابقة الاسبوعية، عشاء معها «تحت النجوم» لاكثر المتبرعين.

لم تخف هيلاري أن في اسم البرنامج إغراء، وربما اغراء جنسيا. وقالت في رسالة وزعتها على كبار المتبرعين: «بعد حملة الانتخابات الاولية التي ساعدتموني فيها كثيرا، عندي وقت فراغ كثير. لهذا، سيكون لدي وقت لاجلس واتحدث معك (الفائز بالجائزة). سنجلس وسنتناول العشاء معا!»، وهي أضافت علامة التعجب.

لكن مراسلة صحيفة «سنت لويس ديسباتش» في واشنطن سارة لوهمان، وضعت علامة استفهام بدلا عن علامة التعجب عندما كتبت عن الامر. وسألت: «هل تريد هيلاري صديق عشاء؟» (او هل تريد دفع الديون عليها؟). وعلق احدهم بالقول: «انا مستعد. اتصلي بي يا هيلاري. عندي بطاقة اميركان اكسبريس». واضاف جملة غير محترمة. وعلق ثان: «لتدفع لي هيلاري لاتعشى معها». وايضا، اضاف جملة غير محترمة. وعلق ثالث تعليقا محترما، اشار فيه الى حقيقة ان ثروة هيلاري اكثر من ثلاثين مليون دولار (بدون وضع اعتبار لثروة زوجها). وان ديونها اثنان وعشرون مليون دولار.  وقال: «اي جرأة هذه؟  اولا: تجرأت عندما طلبت المساعدة وهي تملك كل هذه الملايين من الدولارات. ثانيا: تجرأت عندما قالت ان سبب الديون هو كثرة نقفات الحملة الانتخابية. لماذا لم تضع ميزانية عاقلة تحميها من الديون؟ وكيف ستخطط لميزانية دولة كاملة؟» لكن، لم يثن ذلك هيلاري، وهي السياسية الجريئة. اسست موقعا على الانترنت اسمه «عشاء مع هيلاري». وكتبت فيه: «لنتناول العشاء معا! تبرع الآن، وسنتناول العشاء معا! ونستمتع بعشاء في ليلة صيف لطيفة!  نحن معا، قريبا!» ووضعت، الى جوار الاعلان، صور رجل وامرأة (بدون وجه معين) يجلسان معا، وامامهما كؤوس نبيذ وملاعق وسكاكين وشوك، في انتظار العشاء. ووضعت قائمة تبرعات تبدأ من عشرة دولارت الى الفي دولار، او اكثر. وقالت ان القانون يسمح بتبرع كل شخص لكل مرشح في كل انتخابات بما لا يزيد عن الفي دولار. اي انها لا تريد ان تخرق القانون. لكنها، في الوقت نفسه، قالت للمتبرعين ان اي تبرع يعتبر «عمل خير»، لا يدفع الشخص ضرائب عنه.

وسألت الصحافية سارة لوهمان بعض الاسئلة حول هذه النقطة: اولا: لماذا يدفع شخص الف دولار وهو يعرف انه لن يكون الفائز بالعشاء؟ ثانيا: من سيفوز بالعشاء اذا تبرع عدد كبير من الناس بألفي دولار (الحد الاقصى). ثالثا: ماذا اذا فاز شخص من خارج اميركا؟ من سيدفع تذاكر الطائرة؟ ثالثا: ما هو الضمان الا يكون العشاء ساندويتشا في مطعم مبنى الكونغرس او خارج المطعم، «تحت النجوم»؟

لكن بعض النساء دافعن عن «عشاء تحت النجوم»، رغم ما فيه من اثارة جنسية، منهن سوزان استرتش، من قائدات الحركة النسائية الاميركية، واستاذة قانون في جامعة جنوب كاليفورنيا، وقبلها في جامعة هارفارد، وكانت مستشارة لهيلاري خلال الانتخابات التمهيدية (قيل انها كانت ستكون وزيرة العدل اذا فازت هيلاري برئاسة الجمهورية)، ومن الكتب التي كتبتها: «الجنس والسياسة» و«دفاعا عن هيلاري كلينتون» و«اغتصاب حقيقي» (عن قصة اغتصابها وهي طالبة في الجامعة). وقالت: «يجب على اوباما ان يساعد هيلاري لتدفع ديونها. اذا لم يساعدها سيقدم انطباعا غير طيب عنه وعنها وعن الحزب الديمقراطي». واضافت: «انا، وبقية انصار هيلاري، لا نصدق انه لن يقدر على مساعدتها، لانه، نعم، يقدر. لكننا نعرف، ايضا، ان هناك فرقا بين يقدر، ويريد».

قبل شهر، ولأول مرة منذ بداية منافسة الانتخابات الاولية بينهما، التقى اوباما وهيلاري في احتفال في مدينة صغيرة اسمها «يونيتي» (اتحاد) في ولاية نيوهامبشير. وتعمدا ان يلتقيا هناك للاشارة الى انهما فتحا صفحة جديدة واتحدا، بهدف ان يفوز اوباما برئاسة الجمهورية.  لكنهما، وهما السياسيان الذكيان، ركزا على طلب التبرعات، ليس فقط  لمساعدة اوباما للفوز برئاسة الجمهورية، ولكن ايضا، لمساعدة هيلاري لدفع ديونها.  لهذا، في نفس يوم اللقاء في يونيتي، كتبت صحيفة هناك ان هذه ليست قمة (اتحاد) يونيتي ، ولكن قمة «غرين» (اخضر)، اشارة الى لون الدولار الاميركي. وقالت: «نعم يهتم اوباما وهيلاري باللون الاخضر، رمزا لاهتمامهما بنظافة البيئة. لكنهما يهتمان به اكثر لأنه لون الدولار الذي تعتمد عليه حملتهما الانتخابية».

ومنذ قمة «يونيتي»، صارت ديون هيلاري موضوع نقاش في الصحف والتلفزيونات والاذاعات والانترنت. وتناول النقاش من جانب النقاط التالية: اولا: يسهل إقناع انصار اوباما بالتبرع لهيلاري اذا شجعهم اوباما. وربما تقدر هيلاري على مساعدة اوباما في حملة انتخابات رئاسة الجمهورية. هي تحتاج له، وهو يحتاج لها، رغم ان ذلك ليس متساويا.

ثانيا: جرت العادة وسط السياسيين الذين ينتمون الى حزب واحد على ان يساعدوا بعضهم بعضا، حسب المثل الاميركي: «انت تحك ظهري، وانا احك ظهرك» حتى اذا كانا قد تنافسا على منصب، وحتى اذا صارت المنافسة ساخنة (مثلما حدث بين اوباما وهيلاري).

ثالثا: لا يمكن تقليل دور المال في العمل السياسي، وخاصة في تمويل الحملات الانتخابية. يستفيد السياسي، ويستفيد المتبرع. ورغم ان المتبرع لسياسي سقط لا يستفيد كثيرا، ربما تدور الدائرة، ويفوز السياسي في المرة التالية، ولا ينسى المتبرع. وفي الجانب الآخر، هناك النقاط الآتية: اولا: لم يعد اوباما يحتاج الى هيلاري (ولا الى زوجها). وبالتالي، لا يجب ان يساعدها في دفع ديونها. ثانيا: حتى اذا اختار اوباما هيلاري نائبه له، حسب قانون الانتخابات، يجب ان يكشف زوجها، بيل كلنتون، كل مصادر دخله، لكنه لا يريد ان يفعل ذلك (لان له علاقات مالية مشبوهة مع مليونيرات ومليارديرات اميركيين وهنود واندونيسيين وعرب).

لكن، ليس الوقت في صالح هيلاري، وذلك لان قانون الانتخابات يفصل بين تبرعات لانتخابات رئاسة الجمهورية وتبرعات لانتخابات الكونغرس. ولا بد ان تبدأ قريبا في جمع تبرعات لحملة استمرارها في الكونغرس عن ولاية نيويورك. لكنها لن تقدر على ان تستعمل تبرعات الكونغرس لتسديد هذه الديون. اضافة الى ان اغلبية الذين ايدوها وتبرعوا لها بالحد الاقصى (الفي دولار) لن يقدروا على ان يتبرعوا مرة اخرى، لأن القانون يقول «تبرعٌ واحدٌ من شخصٍ واحدٍ الى مرشح واحد لانتخابات واحدة».

في الاسبوع الماضي، كتبت صحيفة «بوليتيكو»: «شخصيا، ربما يريد اوباما مساعدة هيلاري. لكن، لن يغفر مستشارو اوباما لهيلاري انها رفضت الانسحاب من الانتخابات الاولية عندما صار واضحا ان اوباما سيفوز عليها وانتظرت حتى النهاية، بل كادت ان ترفض الاعتراف بالهزيمة. يقولون: لماذا نساعدها، وهي التي مدت الانتخابات الاولية، وجعلتنا نصرف ملايين الدولارات الاضافية. ويقولون: كنا سنساعدها لو لم نصرف هذه الملايين الاضافية».

واضافت الصحيفة: «يريد هؤلاء المستشارون الاستفادة من قانون الانتخابات الذي يسمح للناس التبرع للانتخابات الاولية، ثم لانتخابات رئاسة الجمهورية. ولهذا يريدون العودة الى كل من تبرع بالفي دولار ليتبرع بالفي دولار اخرى، ليفوز اوباما برئاسة الجمهورية».

إلا ان هيلاري ليست اول سياسية اميركية تواجه مشكلة تسديد ديونها. ففي سنة 1984، فشل السناتور جون غلين في الانتخابات الاولية باسم الحزب الجمهوري، وواجه ديونا تزيد عن ثلاثة ملايين دولار.

وقضى عشرين سنة يدفعها. وفي سنة 1986، فشل السناتور الآن كرانستون في الانتخابات الاولية باسم الحزب الجمهوري، وواجه ديونا تزيد عن مليوني دولار. لكنه استطاع جمع تبرعات للعودة الى مقعده في الكونغرس. وساعده هذا، في وقت لاحق، على تسديد ديون الانتخابات الاولية. في سنة 1996، انسحب بيت ويلسون من الانتخابات التمهيدية باسم الحزب الجمهوري بعد عملية جراحية في حلقه جعلته غير قادر على الكلام. وواجه مليون دولار ديونا. وانتظر شهورا حتى عاد اليه صوته، ثم اقام احتفالات ومآدب لجمع التبرعات.

ولكن لم يضطر اي واحد من هؤلاء، وهم رجال كبار في السن، للجوء الى «عشاء تحت النجوم» مثلما تفعل هيلاري الآن. ربما اقرب واحد اليها كان تومي روبنسون، عضو الكونغرس (ديمقراطي من ولاية آركنسا). كلفته انتخابات سنة 1984 نصف مليون دولار ديونا. ولأن ولاية آركنسا ليست غنية، وليس فيها مليونيرات ومليارديرات كثيرين، تعب في تسديد ديونه، فاضطر لأن يتحدث امام رجال اعمال في الغرفة التجارية في الولاية، وقال لهم: «انا رجل شريف، لن تقدروا على ان تشتروني، لكنكم تقدرون على ان تستأجروني». الفرق الرئيسي بين روبنسون وهيلاري هو ان ثروتها اكثر من ثلاثين مليون دولار، ولا تحتاج الى تبرعات لتعيش. في سنة 1989، انتقل روبنسون من الحزب الديمقراطي الى الحزب الجمهوري، وقال ان من اسباب ذلك ان «رجال الاعمال الجمهوريين اكثر كرما من الديمقراطيين». وفي سنة 1990، ترشح ليكون حاكما لولاية آركنسا. لكن، لسوء حظه، ترشح ضده المليونير شفيلد نيلسون، وفاز عليه. وهذه المرة، لم يفشل روبنسون في دفع ديون الانتخابات فقط، بل في ان يعيش هو وعائلته، وذلك بعد ان فقد مقعده في الكونغرس. ثم حققت معه الشرطة عندما اشتكت بنوك انه كتب الف شيك طائر. لكن هيلاري لن تصل الى هذا المستوى. كل مستشاري هيلاري كلينتون السابقين في حملتها عادوا الى حياتهم القديمة، أو انتقلوا الى عمل جديد بعد ان خسرت السباق وانسحبت، باستثناء واحد، هو جوناثان مانتز. لايزال يعمل في حملتها كمدير مالي، يحاول مساعدتها على تسديد ديونها، وهو الذي وقع على كاهله عبء تخليصها من ديونها وتنظيم حفلات لجمع التبرعات.