أقلية الـ50 مليون مسلم

المسلمون الأوغور في الصين مزيج من العقيدة السنية والصوفية التي تأثرت بالتراث الشعبي والتقاليد الريفية

صينيات في إحدى مدارس تعليم الإسلام («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي تحول فيه الانتباه إلى العاصمة الصينية بكين لمتابعة فعاليات دورة الألعاب الأولمبية، يتم تركيز الضوء على الاستعدادات غير المسبوقة التي قامت بها الصين لكي تكون واحدة من الدورات التي لا تنسى في تاريخ الألعاب الأولمبية، لكن الضوء تم تسليطه على سجلها في حقوق الإنسان في التبت وإقليم زيانج المسلم ايضا. فما هي أحوال الأقلية المسلمة والإسلام في هذه الدولة ذات الكثافة السكانية الكبيرة؟ وما هي مطالبهم؟ يمتد تاريخ المسلمين بالصين إلى حوالي 1000 عام وقد تم الاعتراف بهم رسميًا كأقلية لكنهم مع ذلك لا يزالون يعتبرون كغرباء وغامضين ومتخلفين وموضع شكوك سياسية. وتتعدد الأعراق واللغات الصينية بالنسبة للجماعة التي تشكل الأقلية الإسلامية في الصين وتختلف علاقاتهم بالحكومة الصينية بالاعتماد على موقعهم والشعور المتنامي بالقومية الثقافية. ومكانهم ووضعهم في المجتمع الصيني. تلك العوامل تؤثر في كيفية فهمهم لذاتهم في المجتمع الصيني وما إذا كانت مجتمعاتهم تشعر بنوع من الاغتراب أو القناعة بكونهم أقلية في المجتمع الصيني.

تتكون الأقلية المسلمة في الصين من عشر أقليات عرقية أكبرها هي الهو التي تشكل ما يزيد عن نصف تعداد المسلمين الموجودين في الصين موزعة في أرجاء الصين أما البقية منهم فتنتمي إلى المجموعات التي تتحدث اللغة التركية ويتحدرون من أصول تركية والتي تنقسم إلى اوغورز وأوزبك وكازاخ وقيزغز وتتر ودونجشيانج وغالبًا ما يتركز المسلمون التورك في الأقاليم الغربية في كانسو وزيانج أما أكبر المجموعات الإسلامية وهم الأوغورز فيقطنون في إقليم زيانج. ويرجع نسب الهو إلى التجار الذين اتوا من الشرق الأوسط والصينيين الذين تحولوا إلى الإسلام. وبالرغم من أن الصين اعترفت بالأقلية الإسلامية الموجودة في السنوات الأخيرة لكن ذلك لم يعق المحاولة الرامية إلى تهميش تلك المجموعة من المواطنين. وتشي التقديرات الرسمية إلى أن أعداد المسلمين في الصين تبلغ حوالي 10ملايين فرد لكن معظم الخبراء يقدرون عددهم بـ 50 مليونًا. وتعامل مدينة زيانج احدى أكبر المدن الإسلامية والتي يعود تاريخها إلى 1000 عام والتي كانت منطلق رحلة طريق الحرير الشهير من قبل المتشددين الماويين كمنطقة معادية. فخلال حقبة ما كانت تسمى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التي أطلقها الزعيم الصيني ماو واجه الإسلام في الصين العديد من الصدمات حينما كانت هناك حملات شرسة تحاول اقتلاع كل الجذور الإسلامية، حيث أجبر المسلمون على التخلي عن عقيدتهم وحرموا من أداء شعائرهم الدينية وأجبروا على الدخول في مراكز «التصحيح» التابعة للحزب الشيوعي. وخلال تلك الفترة الظلامية للثورة الثقافية التي عُد فيها طباعة أو امتلاك القرآن جريمة كبرى، كان المسلمون يلجأون إلى الحفظ حيث يقوم أحد الرجال أو السيدات في أحد الأحياء يسمى «بالنص السائر» بتحفيظ الناس القرآن، وكان الأمر يتطلب المزيد من السرية والكتمان في الاحتفالات الدينية.

وتحت حجة توحيد التعليم الوطني تم إغلاق المدارس الإسلامية وتم تحويل طلابها إلى تعلم الماركسية والماوية، كما شملت تلك الإجراءات التعسفية أيضًا إغلاق المساجد وتعذيب الأئمة وإعدام المسلمين. وفي أعقاب وفاة ماو وانتهاء سياسته الماركسية المتشددة بدأت الحكومة الشيوعية الصينية منح مزيد من الحرية للمسلمين إلى حد كبير حيث سمحت لأقليتها المسلمة بإعادة بناء المساجد والمؤسسات التي دمرت خلال الهجمات التي كانت تديرها الدولة خلال حقبة الثورة الثقافية ، فتم افتتاح المدارس وتم تشجيع المدرسين المسلمين على السفر إلى الخارج لمتابعة تعليمهم.

ومنذ إعلان الحرية الدينية في عام 1978 لم يأل المسلمون الصينيون جهدًا في التعبير عن معتقداتهم حيث يوجد اليوم في الصين نحو 28.000 مسجد يوجد منها 12.000 في مقاطعة زيانج وحدها، إضافة إلى وجود عدد كبير من الأئمة لقيادة المجتمعات المسلمة هناك، حيث يوجد 28.00 في إقليم زيانج وحده.

وخلال السنوات العشرين الماضية أتيح العديد من الفرص التعليمية أمام المسلمين الصينيين لتلبية احتياجاتهم فإلى جانب المدارس الإسلامية والمساجد بنيت كليات إسلامية حكومية وكليات إسلامية مستقلة وتم إرسال العديد من الطلبة إلى الخارج لإكمال تعليمهم في الجامعات الدولية في مصر وسورية والسعودية وباكستان وإيران وماليزيا. والأدب الإسلامي واضح الأثر في المجتمع الصيني فهناك ثماني ترجمات للقرآن الكريم باللغة الصينية إضافة إلى ترجمة بلغة الأوغور واللغات التركية الأخرى. كما تم السماح للحجاج الصينيين بالذهاب إلى الحج دونما قيد. والإسلام مصرح به طالما ترعاه الدولة وهو ما يسمى بالإسلام الاشتراكي ذي الملامح الصينية ولذا فإن المسلمين المتدينين منهم مكبلون من قبل الدولة.

ويقول نيكولاس بيكولن بمنظمة حقوق الإنسان: «عادة ما يذهب الرجال إلى أداء صلاة الجمعة وتخرج النساء مرتديات أغطية الرأس لكن يحظر على المساجد الجهر بالأذان من خلال مكبرات الصوت ويتم تعيين الأئمة من قبل الدولة يحظر على الشباب دخول المسجد قبل أن يتعدى عمره 18 عاما». ولمنع الشباب من وراثة ثقافتهم الدينية التقليدية، حظرت الحكومة على الأطفال الدخول إلى المساجد وتعلم الإسلام أو الاحتفال بالعطلات الإسلامية وخلال شهر رمضان الذي يفترض أن يكون شهر صيام بالنسبة للمسلمين، توجه العناية إلى المدارس للتشديد على ضرورة تناول الطلاب للطعام. كما لا تسمح الحكومة للشباب بإطلاق اللحى وإذا ما تجرأ أحدهم على فعل ذلك تقوم الحكومة بإرساله إلى معسكرات العمل الإجباري. ويشير «بيكولن» إلى أن هناك إطار عمل صارم بالنسبة للدين في الصين وأي أمر خارج إطار الدولة يعد عملاً غير شرعي للناشطين الإسلاميين وتدعو إلى عقاب فوري صارم من قبل الدولة. ويقول هونج يانج أحد زعماء الأقلية الصينية المسلمة ويتبعه مليون صيني في مقابلة مع أحد مراسلي «بي بي سي» بأن هناك قيودا فهي تعتمد على تفسيرك لكلمة حرية، فحريتنا الدينية لا يمكن مقارنتها بالحريات التي يحصل عليها المسلمون في الدول الأخرى، نحن مطالبون بإقامة شعائرنا في حدود يحددها القانون والسياسة الصينية غير أن أهم الأنماط التقدمية للإسلام موجودة في الصين بوجود أئمة من الإناث وهو محظور في الأماكن الأخرى.

ويعد إقليم ننجزيا معقل الإسلام في الصين، فمدينة ننجزيا مشهورة بأنها مكة المسلمين في الصينيين، حيث فيها أكثر من ربع مليون مسلم وبها أكثر من تسعين مسجدا وبها الكثير من المدارس التي تذكر بحق بأنصار المدينة. وتعد بكين أكثر سيطرة على الشعائر الدينية، حيث يعد المسلمون الصينيون معزولين عن الاتجاهات الإسلامية السائدة في العالم الإسلامي. وقد أصبح المسلمون مندمجين بشكل كامل في المجتمع الصيني وأحد تلك الأمثلة على حدوث هذا الاندماج تغيير المسلمين الصينيين لأسمائهم، فمعظم مجموعة الـ هو يتشابهون في ثقافتهم مع مجموعة الـ هان الصينيين إلا أن الاختلاف الوحيد بينهم هو أن الأولى يعتنقون الإسلام، لهم سمات ثقافية خاصة بهم كتحريم أكل لحم الخنزير الذي يعد الطعام الأكثر شعبية في الأكلات الصينية كما تختلف أزياؤهم أيضا فالرجال المسلمون عادة ما يرتدون القبعات البيضاء وترتدي النساء أغطية الرأس. وحاليا يعد زيانج هو الإقليم الأوحد في الصين الذي تقطنه أغلبية مسلمة أوغورية تعود أصولهم إلى التركية التي يتحدثون بها مستخدمين نصوصا عربية في كتابتها. ويختلف الإقليم عن باقي الصين، حيث تسود فيه أنظمة القباب في المباني وتتميز المباني القديمة به بالأسلوب التركي الفارسي. وعقيدة المسلمين الأوغور في الصين مزيج من العقيدة السنية المعتدلة والصوفية الغامضة التي تأثرت إلى حد بعيد بالتراث الشعبي والتقاليد الريفية. وقد تمتع الإقليم بحكم ذاتي مثله مثل التبت حتى عام 1949 للعام الذي سيطرت فيه الحكومة الشيوعية على بكين، منذ ذلك الحين والإقليم ليس له من الحكم الذاتي سوى الاسم فقط. فور سيطرة الحكومة الصينية على الإقليم عام 1950 حاولت تغيير التركيبة السكانية هناك، فأدخلت الـ هان إلى الإقليم والذين ارتفعت نسبتهم من 6% عام 1949 إلى 40% الآن. وللإقليم أهمية استراتيجية بالنسبة للصين، فالتجارب النووية تجرى في منطقة لوب نور رانج وبه الكثير من الثروات المعدنية، حيث يحتوي على 38% من احتياطيات الفحم و25% من الغاز الطبيعي والنفط وبرغم تلك الثروات إلا أن 90% من المسلمين هناك يعيشون تحت خط الفقر، كما أدرك الصينيون أهمية الإقليم كمنصة انطلاق للمصالح الجيو استراتيجية للصين في دول وسط آسيا التي تسعى الولايات المتحدة إلى الهيمنة عليها. وتعبر الصين عن قلقها من احتمالية أن يشجع تفكك الاتحاد السوفيتي المسلمين الأوغور على تشكيل تركستان الشرقية.

وتعد الهوة الكبيرة في الدخول السبب وراء النزاعات بين المجموعتين العرقيتين في الإقليم، حيث الثراء الذي يتمتع به الـ هان بينما المسلمون يعيشون تحت خط الفقر. وتتنوع الحرف التي يمتهنها المسلمون في الصين ما بين التجارة والزراعة وتربية الماشية وتجارة المصنوعات الجلدية، كما يمتلك بعض المسلمين أيضا مطاعم في أرجاء مختلفة من الصين، تقدم طعاما يختلف إلى حد ما عن الطعام الصيني.

أما المشكلة التي يواجهها المسلمون في إقليم زيانج فهي تعرضهم للتمييز في الوظائف فهم غير ممثلين في الحزب الشيوعي الحاكم الذي تحول إلى النخبة السياسية ورجال الأعمال في الآونة الأخيرة ولذا فمن الصعب أن تجد مسلما في الوظائف المدنية أو الجيش. وقد كان المسلمون نشيطين في الشؤون الداخلية الصينية فكالعادة كان المسلمون يرفضون تكميم أفواههم، حيث قاموا بمظاهرات عدة للاحتجاج على الأوضاع المعيشية التي يواجهونها، وخلال العام الماضي على سبيل المثال قام المسلمون بمظاهرة كبيرة في الصين يطالبون بإزالة الأدب المعادي للإسلام من الكتب المدرسية الصينية كما قامت المجموعة التركية بمظاهرة العام الماضي للمطالبة بمزيد من الحريات في إدارة شؤونهم وضد الهجرات الكبيرة لغير المسلمين إلى إقليمهم ومنذ العام 2001 استغلت الصين الهجمة الأميركية التي أسمتها الحرب عل الإرهاب كذريعة لملاحقة المسلمين الأوغور الذين اعترضوا بصورة سلمية من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية. والى ان تتم معالجة الكثير من أوضاعهم فإن التوترات مرشحة للاستمرار.

* حقائق عن الإسلام في الصين

* دخل الإسلام الصين في القرن السابع الميلادي، إلا أن أول اتصال بالإسلام كان قبل ذلك بكثير، من عدة طرق:

1 ـ من الغرب، وتمثل في فتح التركستان الشرقية في العصر الأموي، فقبل أن ينتهي القرن الهجري الأول وصلت غزوات (قتيبة بن مسلم الباهلي)، الحدود الغربية للصين، وعلى الرغم من أن الفتوحات الإسلامية لم تتوغل في أرض الصين، إلا أن طريق القوافل بين غرب آسيا والصين، كان له أثره في انتشار الإسلام عن طريق التجار في غربي الصين.

2 ـ المحور البحري، وتمثل في نقل الإسلام إلى شرقي الصين، ففي نهاية عصر الخلفاء الراشدين، في عهد عثمان بن عفان، وصل مبعوث مسلم إلى الصين في سنة 21هـ، ثم توالت البعثاث الإسلامية على الصين حتى بلغت 28 بعثة في الفترة بين سنتي (31هـ ـ 651) و(184 هـ ـ 800).

> ينتشر المسلمون في كافة أنحاء الصين، إلا أن الجزء الأكبر منهم يعيش في غرب الصين، خاصة في إقليم سينكيانغ أو المستعمرة الجديدة باللغة الصينية، وسكانها المسلمون من عرق الايغور، ومنطقة نينغشيا الذاتية الحكم، ومقاطعات قانسو وتشينغهاي ويوننان.

> يعتنق الإسلام في الصين أبناء قوميات عدة مثل (هوي، الايغور، التاتار، القرغيز، القازاق، الأوزبيك، دونغ شيانغ، سالا، وباو آن)، إلا أغلبهم من قومية «الايغور» وهؤلاء يقطنون إقليم سينكيانغ، وقومية «هوي» التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد، علماً بأن أبناء «الايغور» لا ينتمون من الناحية العرقية إلى الصينيين، بل إلى الشعوب التركية، أما أبناء «هوي» فهم ينتمون عرقيا إلى شعوب «هان» الصينيين، لكنهم يختلفون عنهم في الدين.

> حسب التقديرات فإن عدد المساجد يبلغ الآن حوالي 30 ألف مسجد، بها 40 ألف إمام، علما بأن أول مسجد ظهر إلى حيز الوجود في الصين كان في عهد أسرة تانغ (618 ـ 907م)، وهو مسجد هوايشينغ (الحنين إلى النبي) بمدينة قوانغتشو.

> واجه المسلمون الأوائل الذين قدموا إلى الصين مهمات عديدة للاستقرار في هذا البلد، على رأسها بناء المساجد في الأماكن التي أقاموا بها، ثم تبني اللغة الصينية كلغة لحياتهم اليومية بدلا من لغتهم الأصلية، سواء العربية أو الفارسية لتيسير التعامل مع الصينيين.

(*) وحدة الأبحاث بصحيفة «الشرق الأوسط»