الحياة.. جريا

نوال المتوكل من الأزقة الخلفية للدار البيضاء.. إلى قلب العالم بدقة الساعة السويسرية

TT

عاد أسم نوال المتوكل، البطلة الأولمبية السابقة التي حصدت الذهب في اولمبياد لوس انجليس عام 1984، ووزيرة الشبيبة والرياضة المغربية الحالية، ليقفز إلى واجهة الأحداث، ليس بسبب فوزها بميدالية ذهبية جديدة، بعد أن اعتزلت مباريات التباري منذ سنوات، بل بعدما انتخبت أخيرا عضوا باللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية الدولية، خلال اجتماعها أخيرا في بكين، وكذا مشاركتها في حمل الشعلة الأولمبية لتكون بذلك أول امرأة مسلمة افريقية تدخل اللجنة التنفيذية الاولمبية. سيرة المتوكل فذة بكل معنى الكلمة، فهي حولت الرياضة من مجال لاظهار الكفاءة الرياضية والمهارة والصلابة، الى مشروع اجتماعي، ففي عرفها ترى المتوكل أن الرياضة أداة لابعاد الشباب عن التهميش والعنف، وهي الآفة التي باتت تؤرق المجتمعات العربية كلها. اذاً بين الرياضة والسياسة وجدت نوال المتوكل نفسها مع أنها لم تكن تتوقع هذا، وكانت تقول دائما، على امتداد مسيرتها الرياضية، إن برلمانها هو الملعب، وان السياسة لا علاقة لها بها، قبل أن تجد نفسها كوزيرة داخل الحكومة، منغمسة في تدبير السياسة الرياضية والشباب. ولدت نوال المتوكل يوم 15 أبريل (نيسان) 1962، ونشأت وسط أسرة متواضعة في حي «بوركون» بمدينة الدار البيضاء. هناك عاشت طفولتها، واكتشفت العالم والناس والأشياء، ومشاعر المراهقة والشباب، قبل أن تقودها قدماها إلى منصات التتويج الرياضي بميداليات الذهب.

لقد سألها كاتب هذه السطور يوما، حين لمع اسمها، عن ذكريات طفولتها وملاعب صباها، انطلقت قائلة: «لقد عشت طفولة عادية، مثل كل طفلة مغربية بشرائط ملونة في ضفائرها، وآمال وأحلام في صدرها، أجري في الأزقة، وأقفز فوق الجدران، وألعب كرة القدم مع الصبيان، وأركض على رمال الشاطئ، أو في الحديقة وراء فراشة ملونة، أو ألعب «الغميضة» مع أبناء وبنات الحي».

تتذكر المتوكل أنها كانت الطفلة الوحيدة وسط ثلاثة اخوة، وكانت تدخل معهم في تحد طفولي. إذا تسلقوا شجرة كانت وراءهم، وإذا تسابقوا سارعت إلى الفوز عليهم، ويظلون يجرون خلفها للحاق بها، كأنها جنية صغيرة خرجت للتو من مغارة يغلفها ضباب الأساطير. وحين ذهبت المتوكل إلى إجراء حصة تدريبية، لأول مرة، وهي يومئذ طفلة صغيرة، خضعت لاختبار رياضي، ركضت مع البنات وتجاوزتهن، جرت مع أطفال صغار في مثل سنها، فتفوقت عليهم. كانت تقول إنها ولدت للجري، «ولا مفر لي من قدري، إن الجري جزء من نسيجي اليومي، ودورتي الدموية، ومما ساعدني أكثر على تحقيق أمنيتي هو تشجيع العائلة لي. خاصة الوالد. ومنذ السنين الأولى لطفولتي وأنا أعشق هذا القدر. أركض في كل مكان يمتد أمامي منبسطا، كأنني أسرع إلى تلبية نداء سحري قادم من بعيد».

وفي حديقة الجامعة العربية، وسط مدينة الدار البيضاء، وبالضبط في ملعب «كازابلانكيز»، كانت خطواتها الأولى على المضمار ترسم طريقها نحو التألق في المستقبل. عيناها تعانقان خضرة العشب وهو ينمو على جوانب الممرات، تحت رشات الماء وضوء النهار، وقلبها يخفق، وهي تركض لاهثة، وتتطلع نحو العصافير الطليقة في السماء، وتحاول أن تعدو بأكبر سرعة ممكنة، وتأمل، كما قالت، أن ينبت لها في ظهرها جناحان، لتطير نحو الشمس.

ولا يعرف الكثيرون من متتبعي مسيرة المتوكل الرياضية، أنها تعرضت في طفولتها لحادث منزلي صغير كاد يحرمها من ممارسة هذا العشق المجنون للجري، بل كاد يصيب حركتها بالشلل التام.

لقد سقط جزء من المدفأة الرخامية على إحدى قدميها، حين كانت وحدها تلعب في البيت مع أخيها الأكبر فؤاد، وأصيبت بجروح بليغة، وحين عاد الوالد والوالدة أخفت عنهما القصة، وارتدت جوارب طويلة، تغطي ساقيها، وبقيت تلك الليلة تتألم في صمت حتى الصباح، حيث انفضاح الأمر، وأحيلت على المستشفى للعلاج، قبل وقوع مضاعفات أكثر خطورة كانت تهدد إحدى رجليها.

ولم تولد البطلة الرياضية من فراغ. فوالدها كان بطلا في لعبة الجودو، الوالدة كانت تلعب الكرة الطائرة، والإخوة يمارسون ألعابا رياضية أخرى، مثل كرة القدم وغيرها.

ولا تنسى المتوكل فضل «النادي البلدي البيضاوي» عليها، فهو الذي احتضنها، ومعه كبرت، وفي أجوائه تربت وتدربت، ومن أرضه كانت الانطلاقة بالنسبة لها لتمثيل المغرب في المسابقات الدولية في مختلف أنحاء العالم. وتعترف المتوكل بجرأة، ومن دون أي مركب نقص، أنها جرت لأول مرة حافية القدمين. ومن دورة رياضية عربية، إلى دورة افريقية، إلى دورة أولمبية، أو دولية، شهد التاريخ المعاصر ميلاد نجمة سمراء جديدة سطع بريقها في سماء البطولات، واكتسح سبورة البطولات. إلا أن الحدث البارز في مسارها الرياضي هو يوم فوزها بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية بلوس انجليس في أميركا سنة 1984، كأول شابة عربية وافريقية وإسلامية تنال قصب السبق في هذه التظاهرة العالمية، في مشهد حبس فيه العالم أنفاسه، ووقف مبهورا، وهو يتابعه مباشرة عبر أجهزة التلفزيون.

توكلت المتوكل على الله، وانطلقت تعدو بسرعة، وكأنها تنتعل الريح.

وحين تتذكر تلك اللحظة تقول: «كنت اقفز فوق الحواجز، وكأن روحا جديدة، أضيفت إلى جسمي».

امتزج الفرح بدموع البكاء عند المتوكل، وهي تطوف جنبات الملعب الكبير، وتلوح بالعلم المغربي، «أخيرا تحققت نبوءة والدي الراحل. كان يقول لي حين يصحبني إلى التدريب، سوف تصبحين يوما بطلة أولمبية، ولكنه رحمه الله مات بشهور قليلة، في حادث سير مفجع، دون أن يقاسمني الإحساس بنشوة الفوز».

ولأنها تعرف متى تغادر المائدة، كما يقول الفرنسيون، فقد انسحبت من الميدان، وهي في عز عطائها، لتفسح المجال، كما قالت حينها، لأجيال ووجوه مغربية جديدة، دون أن تقطع علاقتها مع الممارسة الرياضية، متمنية أن تتفرغ لخدمة بلدها بصفة أكثر فاعلية.

وفسر النقاد الرياضيون، أن هذا الانسحاب بأنه «خطوة ذكية من المتوكل»، تبرز بعد نظرها.

ودموع المتوكل قريبة جدا من عينيها. لقد انحدرت دمعة ساخنة على خدها في مناسبة أخرى، غير أولمبياد لوس انجليس، فيما بعد، فقد شاهدها العالم أجمع، عبر القنوات الفضائية، يوم أقصي المغرب من الترشيح لاحتضان نهائيات كأس العالم لسنة 2006، وكانت المتوكل احد أعضاء اللجنة المكلفة بالدفاع عن ملف المغرب، وقالت يومها في تصريح صحافي: «لقد كنت ضمن الفريق المكلف بمتابعة ملف المغرب لاستضافة كأس العالم 2006، حينما شاهد العالم بأسره، دموع الحسرة في عيوني على إخفاق المغرب مرة ثالثة على التوالي في نيل هذا الشرف. وكل ما أرجوه ألا يشاهد العالم دموعي مرة أخرى، حيث انه لا بد أن يحظى المغرب بشرف هذه الاستضافة، فالأولوية ينبغي أن تكون للمغرب».

بيد أن الإحساس بالمرارة وخيبة الأمل، عاشته المتوكل، أولا كمواطنة مغربية، وثانيا كعضو في اللجنة الساهرة على تدبير الملف مرة أخرى، حين ضاعت من المغرب، ومن جديد فرصة احتضان نهائيات كأس العالم لسنة 2010. وسرعان ما عادت المتوكل لتلامس جوانب الحقيقة، بعد إقصاء المغرب، لتقول، لـ «الشرق الأوسط»: «دعونا نعترف بصراحة وموضوعية، ان الملف المغربي كانت تنقصه أشياء كثيرة، ولم يكن ملفا طموحا يليق بمكانة المغرب، لا يكفي أن تكون المنشآت والطموحات على الورق فحسب، بل على ارض الواقع». وتحول «حلم امة»، الشعار الذي رفعه المغرب يومئذ لكسب تحدي تنظيم كأس العالم، إلى كابوس مزعج، يقض أحلام المواطنين والمواطنات، بعد أن تم صرف الكثير من الجهد والأموال على مستوى الدعاية والتواصل، دون نتيجة.

وما قالته المتوكل بصراحتها المعهودة، كان هو الحقيقة بعينها، ذلك أن البنيات التحتية، والتجهيزات الرياضية الأساسية، ضعيفة جدا، وغالبيتها مجرد تخطيطات وتصميمات هندسية لمركبات رياضية، غالبيتها ما زالت مجرد مشاريع تنتظر التطبيق.

ويتساءل المراقبون الرياضيون، عما اذا كانت المتوكل، وهي الآن في موقع القرار الرياضي، قادرة على قهر المستحيل، لتحقيق «حلم امة» في تنظيم كأس العالم، يوما ما؟ تحتل المتوكل في الحكومة الحالية منصب وزيرة الشبيبة والرياضة في المغرب، باسم حزب التجمع الوطني للأحرار (أغلبية حكومية).

ويوم أعلن عن مشاركتها في الحكومة باسم هذا التنظيم السياسي، ارتسمت علامات الاستفهام والاندهاش والاستغراب على ملامح المتتبعين للشأن السياسي في المغرب.

كلهم كانوا يدركون أن المتوكل لا علاقة لها نهائيا بالحزب، لا من قريب ولا من بعيد، ولم يسبق لها أبدا أن وطأت بقدميها مقره المركزي في زنقة اللاوس بالرباط، كمنتمية له، ولا شاركت في نشاط سياسي من أنشطته، ولا حملت بطاقة الانخراط فيه، فكيف تصبح بين عشية وضحاها وزيرة باسمه في الحكومة؟

والمتضررات أكثر، كن هن نساء الحزب المناضلات في صفوفه، خصوصا منهن، عضوات المكتب التنفيذي للحزب، اللواتي كن يمنين أنفسهن بالحصول على حقيبة وزارية، فطار الحلم أو المنصب من أيديهن في رمشة عين.

وعلق البعض على الحدث بنوع من السخرية المبطنة، بأن المتوكل كرياضية هبطت من الجو بالمظلة، ودخلت الحزب عبر السطح. وهي ليست في حاجة إلى الدخول إليه عبر الباب مثل باقي الأعضاء، في إشارة ضمنية إلى أنها فرضت على الحزب من إحدى الجهات النافذة في الدولة، والتي ربما رغبت في أن تكون المتوكل ضمن التشكيلة الحكومية، اعتبارا لرمزيتها كبطلة رياضية كبرت في الميدان الرياضي، وتعرف تضاريسه ومنعرجاته جيدا، سيما وسبق لها أن خبرته يوم عينها الملك الراحل الحسن الثاني كاتبة للدولة (وزيرة دولة) لدى وزير الشؤون الاجتماعية، مكلفة الشبيبة والرياضة يوم 13 أغسطس (آب)1997. وحين سئل مصطفى المنصوري، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار في الموضوع، لدى استضافته في برنامج تلفزيوني، عن سر قبول مشاركة المتوكل في الحكومة باسم حزبه، انبرى هو الآخر للرد قائلا في شكل تساؤل، وبنوع من الزهو: «هل هناك حزب سياسي في المغرب يرفض أن تكون نوال المتوكل ضمن صفوفه؟». وسادت القاعة حينها موجة من التصفيق، في حين اكتفت المتوكل التي كانت حاضرة وسط ضيوف البرنامج بالابتسام المغلف بالحياء، والكاميرا مسلطة عليها في لقطة مكبرة. وكما هي بطلة رياضية استثنائية، حصلت في مشوارها الرياضي على الكثير من الألقاب والجوائز الرياضية، فقد أرادت أن تكون وزيرة استثنائية كذلك، لا تكتفي بالجلوس في مكتبها في انتظار التقارير، وعقد الاجتماعات المتواصلة التي لا تنتهي إلا لتبتدئ من جديد، ولذلك خرجت المتوكل غداة تعيينها في منصبها الحالي، ابتداء من شهر سبتمبر (أيلول) 2007، في زيارة ميدانية مفاجئة إلى المؤسسات التابعة لوزارتها،محملة بآلة تصوير، مقتحمة أماكن لم يكن سابقوها من الوزراء الرجال يجرؤون على الدخول إليها بتلك الطريقة،دون سابق إعداد وترتيب.

وظهرت صورتها في الصفحات الأولى للجرائد المغربية الصادرة في اليوم التالي، وهي تدلف إلى إحدى دور الشباب، مرفوقة ببعض مساعديها الأقربين، غير أن تلك «الخرجة» لم تتكرر منذ ذلك الحين، ولعل المتوكل صرفت النظر عنها، أو تعرضت للانتقاد بسببها، وقيل لها إنها طريقة استعراضية للذات في معالجة وتدبير ملفات القطاع التابع لوزارتها.

إن المكانة التي أحرزتها نوال، ووضعتها دائما في الواجهة، جعلت بعض المتتبعين لمسارها الرياضي والمهني، يوعزون ذلك إلى أن الحظ يحالف خطواتها دائما، سواء في مضمار الركض أو في إسناد المسؤولية إليها، لكن مصطفى بدري، مدير جريدة «المنتخب»، أعرق صحيفة رياضية متخصصة في المغرب، قال لـ «الشرق الأوسط» «ان الحظ وحده لا يكفي، ولا يمكن الاعتماد عليه بصفة نهائية،إنه قد يطرق الباب مرة أو مرتين، وليس دائما.

ويوم فازت المتوكل بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية في لوس انجليس، قال الكثيرون إن غياب بطلات الكتلة الشرقية عن المشاركة في تلك الدورة، هو الذي فسح لها المجال للفوز، لكنني أرى أن نوال، حتى ولو كان الحظ بجانبها، فإنها تجعله دائما مقرونا بالاجتهاد المستمر، إذ لا احد بمقدوره أن ينكر قدراتها كبطلة رياضية، وكشخصية مسؤولة، تجيد ثلاث لغات، وتتمتع بالكثير من صفات الجاذبية، أو ما يسمى «الكاريزما». وأضاف بدري قائلا إنه يتمتع بعلاقة إنسانية جيدة معها، منذ أن كانت طفلة مغمورة، تأتي للجلوس عنده في مكتبه المواجه لبنك مغربي، بمدينة الدار البيضاء، في انتظار خروج أمها من العمل، ولكن ذلك لا يمنعه اليوم من أن يقول لها الحقيقة في إطار من الصراحة والمكاشفة، وبكامل التقدير والاحترام، ومن هذا المنطلق يدعوها «إلى إعادة النظر في فريقها بالوزارة، وفي المحيطين بها، أولئك الذين يجاملونها، وينثرون الورود عليها، وهي ليست في حاجة إلى ذلك، بل في حاجة إلى من يطرح أمامها واقع وعيوب الساحة الرياضية في المغرب بكل صدق ومسؤولية، من خلال إبراز الثغرات لتقويم الاعوجاج وإصلاح الأخطاء، واعتماد إستراتيجية حقيقية تروم النهوض بالرياضة في المغرب».

وختم بدري تصريحه قائلا «إذا كانت المتوكل بطلة رياضية في القفز فوق الحواجز، فإن أمامها كوزيرة للرياضة تحديات وصعوبات في المجال الرياضي، سوف تضع اسمها وسمعتها على المحك، ولا سبيل لها إلى كسب هذا الرهان إلا باعتماد خطة ذات فاعلية، ربما تتضح معالمها أكثر في المناظرة الرياضية المقرر عقدها في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وكانت المتوكل أيضا، هي أول امرأة تسند إليها رئاسة لجنة تقييم ملفات المدن المرشحة لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية لسنة 2012.

وقال جاك روغ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، يومها إن المتوكل تملك بصفتها بطلة أولمبية سابقة معرفة كبيرة بالألعاب الأولمبية، وتعرف متطلبات تنظيمها.

ووصف روغ تعيين المتوكل في هذا المنصب، بأنه «ورقة رابحة وثمينة للجنة التقويم»، مشيدا «بالخبرة التي اكتسبتها المتوكل،سواء من خلال تعاونها الوثيق مع الحكومة المغربية،أو في المكتب التنفيذي الدولي لألعاب القوى، الذي يضم العديد من مكونات اللجنة الأولمبية الدولية»، بينما عقبت المتوكل، «بأنها تعتز أيما اعتزاز بهذا التشريف كمغربية أولا،وكأول امرأة تسند إليها رئاسة لجنة تقييم وملفات المدن المرشحة لتنظيم دورة أولمبية، ثانيا».

وكتبت جريدة «الفيغارو» الفرنسية، أن جميع البلدان المرشحة للظفر بتنظيم الألعاب الأولمبية لعام 2012، تسعى إلى كسب نوال المتوكل، رئيسة لجنة دراسة ملفات المدن الخمسة المعنية، وهي مدريد، وباريس، ولندن، وموسكو، ونيويورك.

ومن خلال هذه المهمة المسندة إليها، قابلت المتوكل قادة ورؤساء وزراء حكومات تلك الدول. وكان لافتا للانتباه، في صورة تناقلتها أجهزة الإعلام الدولية، أن الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، انحنى مقبلا يد المتوكل، تقديرا واحتراما لها كامرأة، ولعطاءاتها كبطلة رياضية أولمبية سابقة. كما التقت المتوكل، توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، وخوسي لويس ساباثيرو، رئيس وزراء إسبانيا حاليا، وفلاديمير بوتين، رئيس روسيا السابق.

أما الملكة إليزابيت الثانية،فقد فتحت أبواب قصرها الملكي في وجه المتوكل، واستضافتها في رحابه، مثل أي شخصية سياسية دولية بارزة، لها قيمتها ومكانتها الاعتبارية.

والمتوكل فاعلة اجتماعية أيضا، وأسست يوم 3 مارس (آذار) 2002 جمعية «رياضة وتنمية»، تعمل على إشاعة الرياضة، وسط مختلف شرائح المجتمع المغربي، ولا سيما المرأة، وتنظم كل عام في مدينة الدار البيضاء سباقا نسويا تحت شعار «الجري من أجل المتعة»، يستقطب مشاركة الكثيرات من النسوة، من كل الأعمار والأجيال، ويصل عددهن أحيانا إلى 15 ألف امرأة، كلهن ينخرطن في الركض، في مكان واحد، وزمن واحد، بملابسهن الرياضية، أو جلابيبهن التقليدية، ويجمع السباق في مشهد مثير، بين الجدة والوالدة والابنة والحفيدة. والمهم، تقول المتوكل، هو أن تكتشف المرأة أهمية الممارسة الرياضية في حياتها اليومية، مما يكسبها ثقة أكبر في النفس، ويجعلها أكثر قدرة على مواجهة مختلف التحديات.

و«السباق من أجل المتعة»، تضيف المتوكل، هو «عرس رياضي يسعى بالأساس إلى زرع قيم التضامن الاجتماعي، وترسيخ القيم النبيلة للانفتاح والتنافس الشريف».

وتعتقد المتوكل أن ولوجها مجال العمل الاجتماعي يهدف بالأساس إلى خدمة بلدها، وتعميق الوعي بدور الرياضة في ترسيخ أسس التنمية، ودعم المرأة باعتبارها عماد الأسرة، وحافظة توازنها، في مجتمع منفتح ومتسامح، يتطلع إلى الحداثة دون التفريط في تقاليده الأصيلة.

معارف المتوكل والمقربون منها، والمتعاملون معها، يقولون عنها إن المناصب، التي تولتها لم تبدل شيئا من تصرفاتها، وظلت بسيطة في سلوكياتها كما كانت من قبل، بشوشة وودودة، ولكنها تخفي وراء تلك الشخصية اللطيفة وجها آخر، هو وجه الصرامة، تستعمله وقت اللزوم، حين يستدعي الموقف الحسم في بعض الأمور.

والمتوكل دقيقة في مواعيدها مثل ساعة سويسرية، وأحيانا تحضر إلى مكتبها في الوزارة قبل حضور الموظفين، ولا تغادر المبنى إلا بعد أن تنتهي كل المعاملات والتوقيعات التي يقتضيها المنصب.

ويقول عنها موظف في الوزارة رفض الكشف عن هويته، إنها لا تتردد في اتخاذ الإجراءات التي تراها ملائمة في حق البعض، متى اتضحت لها ضرورة القيام بها، حتى لا يتسرب أي نوع من التسيب إلى دواليب وأجهزة الوزارة.

ويبدو، حسب المراقبين الرياضيين، أن المتوكل تنتظرها أيام صعبة، خاصة بعد الضربات القوية التي تلقتها الرياضة المغربية في الألعاب الأولمبية ببكين، والنتائج الهزيلة التي حصدتها، وأحيت في بال الكثيرين أيضا ذكرى النكسة التي لحقت المنتخب المغربي لكرة القدم في كأس إفريقيا، مما جعل السياسة الرياضية للمغرب محل تساؤل وانتقاد من طرف البرلمان، وحيث استدعيت المتوكل آنذاك لجلسات محاسبة، امتدت لساعات لا شك أنها كانت أطول اللحظات في عمرها.

وبعيدا عن الملعب ومكاتب الوزارة، تعيش المتوكل حياتها كأي سيدة مغربية عادية يهمها الحرص على عشها الزوجي، وعلى سعادة أفراد أسرتها.

وهي متزوجة برجل الأعمال منير بنيس، ولها ابنان، ولد وبنت، محمد رضا وزينب. وقبل انشغالها بالوزارة، كانت تقوم بمرافقتهما إلى المدرسة ذهابا وإيابا. وهي تعتبر دور المرأة في الحياة والمجتمع لا يقل أهمية عن دورها في تحمل المسؤولية وممارسة الشأن العام.

واعتادت المتوكل،منذ صغرها في البيت العائلي،أن تقوم بكل شيء،بترتيب المنزل، وطهي جميع الأكلات التي يشتهر بها الطبخ المغربي. ولا تتردد المتوكل في التوجه إلى السوق أسبوعيا للتبضع، حيث تتواصل مع الناس بطريقة مباشرة.

وهي عاشقة للفن، ومتذوقة للموسيقى،وتحب سماع أغنيات محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، وأم كلثوم، وعبد الهادي بلخياط، وعبد الوهاب الدكالي، ونعيمة سميح، والراحلة رجاء بلمليح.

وتقول المتوكل ضاحكة: «لا تنسوا أنني ممثلة أيضا، رغم انني أديت دورا سينمائيا واحدا فقط في حياتي سنة 1988، ضمن فيلم من إخراج الفنان المغربي عبده عشوبة. تقمصت فيه دور أستاذة».