أصداف ولآلئ

الشاعر المستقيل من المقاومة

(«الشرق الأوسط»)
TT

«تسمع بالمعيديِّ خير من أن تراه» ـ مثل عربي قديم ـ هذا زمن السذاجة أمة، إن أحبت، قدست المحبوب أمة، إن كرهت، رجمت المكروه أمة تثرثر أكثر مما تفكر أمة ترثي وتقرِّظ أكثر مما تقيِّم بات محمود درويش أيقونة الشعر فهو الأعظم والأشعر كأن فلسطين لم تنجب إبراهيم طوقان كأن مصر لم تنجب شوقي كأن سورية لم تنجب نزار والبدوي كأن العراق لم ينجب الجواهري كأن لبنان لم ينجب رومانسية الشعراء > «سَجِّلْ، أنا عربي» شاعر الأرض إصبعه على الزناد يطلق الرصاص بالكلمات شعر مُضَمَّخ بحماسة العاطفة ممزوج بمرارة الاحتكاك بالمحتل شاعر المنفى أكثر طلاوة شعر رَخْوٌ. سهل. ممتنع شعر مصقول بكسل الراحة اللذيذة شاعر وسيم يستعرض عضلاته الشعرية في عكاظ المشرق ومرابد المغرب > «لغتي ديبلوماسية» لغة مثقلة بعبارات مُرَكّبَة ومعقدة دار الشاعر يبخِّر بأيقونته نَاسَ متقلباً في مواقفه فرفضوا منه شيوعيته اتهموه بحمل علم إسرائيل اكتشف الشاعر عروبته فما كفروه ولا زندقوه ارتقى بإنسانية عروبته «لست مراسلا حربيا للقضية الفلسطينية» تعامت الجماهير عن تحولاته بقي عندها. «شاعر المقاومة» > شاعر يملك طاقة اعتذار هائلة يفلسف القبول والرفض بمهارة يرفض أوسلو لكن يقبل بـ«حتمية السلم»! يرفض الاستيطان لكن يقبل بإسرائيل! يرفض الدولة الفلسطينية يترك لليهود «مساحة في التاريخ» يعتذر: «العرب قبلوا بالواقع» يعتذر: «الحل ممكن» يعتذر: «وإن لم يكن الحل العادل»! دفن محمود درويش نفسه قبل الأوان مشاكس إلى حد الصراخ عصبي إلى حد الانفجار نزق إلى حد الشجار مزاجي إلى حد الغرور مدمن على التدخين ملوِّث للبيئة مدمن في «الطَفَر» لعرق «أبوكلبشة» مدمن في الغنى لأفخر الخمور زوج خائب مرتين بوهيمي عاشق مخيِّب لـ«الستّات» شاخ الجسد فتوارت الوسامة تعب القلب فأعلن الإضراب > عَوْلَمَ الشاعر «الختيار» رسمه «قائداً للواقع» حمَّله غصن الزيتون صاغ له دستوره السلمي استوعب «الختيار» الشاعر مَنَعَ حيناً. أغدق حيناً لكن لم يستطع امتلاكه غاب الختيار والشاعر تنفس أدونيس الراحة قال «وداعاً» لمنافسه على النوبلة شاعر رفض حراسة المقاومة وشاعر دمر ذائقة العرب الشعرية