تساؤلات.. حول خطة الإنقاذ

هل تؤدي خطة بولسون إلى تبادل أدوار بين واشنطن وبكين.. بحيث تصبح أميركا اشتراكية والصين اقتصاداً حراً؟

علما الصين وأميركا في «وول ستريت».. هل تتعلم واشنطن من بكين تدخل الدولة في إدارة الاقتصاد («الشرق الأوسط»)
TT

تتجه أنظار الأسواق المالية العالمية كلها هذه الايام نحو خطة الإدارة الاميركية بضخ 700 مليار دولار في النظام المصرفي بهدف إنقاذه، من ثم انقاذ الاقتصاد الاميركي برمته، والعالمي ايضا. وبعد ان رفض مجلس النواب في البرلمان هذه الخطة على اساس ان بها مخاطر كبيرة لم يتم دراستها بدقة، عاد مجلس الشيوخ وقبلها بأغلبية كبيرة. اثارت الخطة كثيراً من الجدل داخل الولايات المتحدة وخارجها، ووقعت في تجاذبات سياسية بسبب اقتراب واحتدام معركة الرئاسة الاميركية، وطرحت قضايا عملية ونظرية عديدة وغير مسبوقة؛ بينها علاقة الدولة بإدارة الاقتصاد في نظام رأسمالي، لدرجة ان الكثير من المحللين قالوا ان كارل ماركس، أبا النظرية الاشتراكية، ينقذ النظام الرأسمالي في اميركا، وذلك لاحتواء الخطة على تدخل للدولة ولوزارة الخزانة الاميركية في ادارة الاقتصاد بطريقة لم تشهدها اميركا من قبل. والواقع ان خطة الانقاذ معقدة للغاية، وفيها مئات التفاصيل الاقتصادية الدقيقة التي جعلت مرشحي الرئاسة الأميركية جون ماكين وباراك اوباما، ونائبيهما سارة بالين وجوزيف بيدن، يتعثرون بشكل ملحوظ في الاجابة عن تساؤلات متعلقة بالخطة. فما هي الملامح الاساسية التي تحتويها الخطة، والاهم ما هي عواقب نجاحها او فشلها، والحجج التي تؤيدها وتلك التي تنتقدها؟

* تبلغ قيمة الخطة 700 مليار دولار، مما يجعلها اكبر تدخل للسلطات الاميركية في الاسواق المالية منذ ازمة «الركود الكبير» في الثلاثينات من القرن الماضي.

* ستوفر الحكومة الاميركية هذا المبلغ لتعويض البنوك والمؤسسات المالية التي تعاني مما يُعرف بـ«الديون الهالكة»، وهي الديون التي فشل اصحابها في ارجاعها الى البنك ومن ثم تحمل البنك خسارتها وتسبب في ازمة السيولة الحالية لدى البنوك.

* مقابل هذا المبلغ ستحصل الحكومة على حصصٍ كبيرة في المؤسسات المتعثرة التي ستشتري منها الحكومة ديونها الهالكة، في خطوة اعتبرها البعض شبه تأميم.

* يتم تطبيق خطة الانقاذ على مراحل: تشمل المرحلة الاولى ضخ 250 مليار دولار في البنوك مع احتمال رفع هذا المبلغ الى 350 مليار دولار بطلب من وزارة الخزانة. اما 350 مليار الباقية فهي تتطلب تصديقا من الكونغرس لصرفها، كما يملك اعضاء الكونغرس حق الفيتو على عمليات الشراء التي تتعدى المبلغ الاجمالي (700 مليار دولار).

* بما ان مبلغ 700 مليار دولار سيأتي من الخزينة العامة (اي، في نهاية المطاف سياتي من دافعي الضرائب، اي المواطنين العاديين)، فإن حصة من المصارف التي ستستفيد من خطة الانقاذ ستذهب الى المواطن لأن الدولة ستصبح شريكا في رؤوس اموال هذه المؤسسات. والفكرة من وراء حصول الحكومة على اسهم في البنوك التي تستفيد من خطة الانقاذ هي ضمان استفادة دافعي الضرائب من اي مكاسب قد تحققها هذه البنوك في المستقبل بعد انتهاء الأزمة.

* تنص الخطة على حماية المواطنين المهددين بمصادرة منازلهم. فالإحصاءات توضح توقعا بمصادرة اكثر من مليوني منزل خلال عام 2009 بسبب فشل ملاكها في سداد اقساطهم الشهرية على القروض العقارية التي اشتروا بها منازلهم. كما تفرض الخطة على الحكومة مراجعة الشروط التي يتم على اساسها منح قروض عقارية جديدة، وذلك بغرض تفادي السهولة التي كانت تُمنح بها القروض القديمة دون التأكد من قدر المستدين على سداد دينه، وهو ما تسبب في مشكلة الديون الهالكة في الاساس.

* تمنع الخطة منح تعويضات باهظة لرؤساء مجالس ادارة الشركات والمصارف المتعثرة وغيرهم من كبار الموظفين الذين يتم تسريحهم او يقدمون استقالتهم طالما ان الخزينة العامة تملك اسهما في هذه المؤسسات. كما تحد الخطة من منح العلاوات والمكافآت لكبار الموظفين، وتحدد سقفا قدره نصف مليون دولار لتعويضات المديرين الذين سيفيدون من التخفيضات الضريبية. كما تنص على استعادة العلاوات التي تم تقديمها على ارباح متوقعة لكنها لم تتحقق.

* تشرف على تطبيق الخطة اربع مؤسسات؛ بينها مؤسسة مستقلة. وتكون المؤسسات الاربع هيئة مراقبة تضم رئيس «مجلس الاحتياطي الفيدرالي» (اي البنك المركزي الاميركي) ووزير الخزانة ورئيس «لجنة السندات والبورصة» التي تشرف على عمل سوق «وول ستريت». كما يحافظ مكتب المحاسبة العامة التابع للكونغرس على حضور في الخزانة لمراقبة عمليات شراء الاصول من البنوك المتعثرة والتدقيق في حساباتها. وفوق ذلك يتولى القضاء التدقيق في الاجراءات التي يتخذها وزير الخزانة في اطار الخطة.

* وأخيراً يحدد النص مهلة قصوى لتنفيذ الخطة تنتهي في 31 ديسمبر (كانون الاول) 2009 مع احتمال تمديدها بطلب من الحكومة لفترة اقصاها سنتان؛ اعتبارا من تاريخ اقرار الخطة. ويُكلف وزير الخزانة التنسيق مع السلطات والمصارف المركزية في دولٍ اخرى بهدف وضع خططٍ مماثلة. ما هي الاعتراضات على الخطة؟ ـ وجدت خطة الانقاذ المالية تاييداً من الحزبين الحاكم والمعارض (الجمهوري والديمقراطي)، كما واجهت معارضة من نفس الحزبين ايضا. وعندما قدمت الخطة للتصويت عليها للمرة الاولى في مجلس النواب فشلت بعد ان رفضها 228 نائبا وايدها 205 نواب. والجدير بالملاحظة ان حوالي ثلثي النواب الجمهوريين، حزب الحكومة التي اقترحت الخطة اصلا، صوتوا ضدها بالاضافة الى 95 نائبا ديموقراطيا ايضا اعترضوا عليها. ولكن ما هي الاسباب الاساسية التي ساقها المعترضون:

* يعتقد كثيرٌ من الجمهوريين (المحافظين) انه من ناحية ايديولوجية، لا ينبغي للحكومة ان تتدخل في مسار السوق لان تاريخ وفكرة الاقتصاد الحر يقومان على ترك المؤسسات الخاصة تواجه عقبات افعالها.. خيرا كانت ام شرا. فتدخل الدولة المباشر في الاسواق يشبه الاقتصاد الموجّه في الدول الاشتراكية، وايضا يشكل حماية سياسة للشركات لا تتفق مع فلسفة «السوق يضبط نفسه بنفسه».

* يرى الكثيرون (جمهوريين وديمقراطيين) ان دفع 700 مليار دولار من الخزينة العامة امرٌ غير عادل، وان الخطة ستفيد الاثرياء في سوق وول ستريت وليس المواطنين العاديين. فلماذا يتحمل دافعو الضرائب، اي المواطنون العاديون، عبء الاخطاء التي ارتكبتها المؤسسات المالية الثرية، والتي كانت اصلا السبب في خلق هذه المشلكة عبر «تصرفاتها غير المسؤولية» في سياسة الاقراض المتساهلة سعيا وراء الربح والطمع. وتعبر عن هذا الرأي غالبية الشارع الاميركي، مما شكّل ضغطا على اعضاء مجلس النواب ودفعهم الى رفض الخطة.

* يعتقد البعض ان المبلغ المذكور سيحل الازمة على المدى القصير فقط، لكنه لن يغيّر الوضع ما لم تجد المصارف سبيلا لمنع تراكم الديون الهالكة، عبر شراء بولصات تأمين لتغطية مثل هذه الديون. كما ان سياسة الاقراض المتساهلة يجب ان تتوقف وتُفرض شروطٌ جديدة للاقراض تعتمد على تقييمٍ حقيقي لقدرة المقترض على السداد.

* يعترض معظم النواب على السرعة التي ارادت بها الحكومة تمرير الخطة في مجلس النواب، الذين قال احدهم «لم نُمنح حتى 24 ساعة لكي نضع المشروع على شبكة الانترنت لكي يطلع عليه الجمهور، ثم نعود لنناقشه».

* يعتقد بعض المراقبين ان السبب الخفي وراء رفض الخطة في مجلس النواب هو خوف النواب على وظائفهم لانهم شعروا بان الراي العام يعارض الخطة بدرجة كبيرة، وان اعدادا ضخمة من المواطنين في الدوائر الانتخابية كانت تدخل على موقع الكونغرس على شبكة الانترنت لترى كيف صوّت ممثلهم في مجلس النواب، وتحثه على التصويت ضد الخطة. والمعروف ان جميع اعضاء مجلس النواب (البرلمان) منتخبون، بينما ثلث فقط من اعضاء مجلس الشيوخ ينتخب، والبقية تُعين. وليس غريبا في هذه الحالة ان نعلم ان 26 (من اصلا 31 نائبا سيتقاعدون ويتركون مقاعدهم في انتخابات نوفمبر ـ تشرين الثاني المقبل) صوتوا لصالح الخطة، لانهم غير مضطرين للخضوع لراي ناخبيهم. وبشكل عام، حذر بعض المحللين من ان الخطة قد تفسد الامور اكثر مما قد تصلحها. وعلى سبيل المثال، نقلت وكالة «فرانس برس» للانباء عن نوريال روبيني، الخبير الاقتصادي في جامعة نيويورك، وصفه للخطة بانها «خطة انقاذ لمصرفيين ومستثمرين متهورين، بينما لا تقدم سوى مساعدة ضئيلة لتخفيف وطأة الديون على المقترضين والاسر التي تواجه مشاكل مالية. كما انها لا تتضمن اي اجراءات لحل المشاكل الحقيقية في الاسواق المالية». كما اعرب النائب الجمهوري مايكل بورجيس (من ولاية تكساس الشمالية) عن مخاوفه حيال الضغوط التي تعرض لها الكونغرس لدفعه على التصويت بسرعة على «اهم تعديل جوهري وواسع النطاق للنظام المالي في تاريخ بلادنا». وقال «دعونا على الاقل ننشر هذا النص على الانترنت لمدة 24 ساعة. فلم يسبق ان تلقيت هذا الكم الهائل من الرسائل والبريد الالكتروني حول اي موضوع طرحناه للتصويت من قبل». كما تشكلت حول النائب الديمقراطي براد شيرمان (من ولاية كاليفورنيا) مجموعة صغيرة من الديمقراطيين لقبت بـ«الناخبين المشككين» في اشارة الى مجالس الناخبين في الانتخابات التمهيدية الاميركية، نقلت آراء خبراء اقتصاديين شككوا في جدوى الخطة. وقال شيرمان «لقد كتب لنا 400 استاذ بارز في الاقتصاد ـ بينهم 3 من حائزي جائزة نوبل ـ يقولون لنا «نطلب من الكونغرس عدم التسرع في قبول الخطة قبل التدقيق بإمعان في جدواها وقدرتها على تسوية مشكلة الفورة العقارية والقروض الهالكة التي كانت سبباً في اندلاع الازمة الحالية». وبشكل عام، قال عددٌ كبير من اعضاء الكونغرس انهم يريدون الحصول على تأكيدات وضمانات بان الخطة ستفيد بالفعل اصحاب المنازل الاميركيين العاديين، بالاضافة الى الفائدة التي ستقدمها لوول ستريت.

التعديلات الجديدة على الخطة

* رفعت الحكومة سقف ضمانها على المدخرات من 100 الف دولار الى 250 الفاً. ويعني ذلك ان الدولة تضمن تعويضا اي ودائع او مدخرات للمودعين في المصارف التي انهارت او تعثرت.

* منح فترات سماح ضريبي لأعمال التجارة الصغيرة بهدف تشجيعها وتنشيطها.

* تشجيع ابحاث واستخدامات الطاقة المتجددة (كتلك المستخرجة من الريح او امواج البحر او الطاقة الشمسية).

* زيادة المساعدات المالية للاسر الفقيرة وضحايا الأعاصير الاخيرة. ما هي مزايا الخطة؟

* يقول مؤيدو الخطة ان انقاذ المصارف من الانهيار لا يعني ان هذه المؤسسات فقط هي التي ستستفيد، بل ان المواطن العادي ايضا سيستفيد منها لان عدم قدرة المصارف على توفير القروض للمواطنين وللأعمال التجارية سيضر بالجميع. والمعروف ان المجتمعات الغربية تعتمد الى درجة كبيرة على الائتمان المصرفي، أي القروض التي يحصل عليها الأفراد والشركات لتمويل غالبية مشترياتهم.. بضائع كانت أم منزلا ام سيارة. لذا فشح السيولة لدى المصارف او عدم رغبتها في التمويل سؤثر سلبا على المجتمع بشكل عام ويؤدي الى ركود اقتصادي وارتفاع في نسبة البطالة بسبب تعثر الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بل وعدد من الشركات الكبرى كما يحدث الآن.

* فضلا عن الدعم المادي، ستقدم الخطة دعما معنويا كبيرا لاعادة الثقة للمستثمرين في اسواق المال والبورصات، مما سينعكس ايجابا على انعاش السوق والاقتصاد مرة اخرى.

* في حال عادت المؤسسات المتعثرة إلى الربح في المستقبل، سيستفيد من ذلك المواطن العادي دافع الضرائب لانه سيحصل على حصة من تلك الارباح بعد ان اصبح يملك اسهما فيها عبر ملكية الدولة لها.

هل يحتاج اقتصاد السوق الحر إلى مراجعة نظرياته؟

ـ تقوم فكرة الاقتصاد الحر على عدم تدخل الدولة في السوق. والمقصود بعدم التدخل هنا هو ان الدولة لا تدخل كبائعٍ او مشترٍ، لكنها بالطبع تحتفظ بدورها كمراقب ومشّرع لجملة النشاط الاقتصادي في البلاد. وعلى عكس فكرة الاقتصاد الحر، تمارس بعض الدول فكرة الاقتصاد المركزي الذي تملك فيه الدولة وسائل الانتاج والشركات الكبرى والخدمات العامة والمرافق الحيوية. وبالطبع هناك بعض الدول التي خلطت بين النظامين، او ما يُعرف بالاقتصاد المشترك. وعبر التاريخ الحديث، ظلت الولايات المتحدة تقود فكرة الاقتصاد الحر الذي تترك فيه الدولة الغالبية العظمى من النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص وفق فلسفة؛ مفادها «ان السوق يضبط نفسه بنفسه». فحتى اوروبا، التي ايضا تطبق نظام الاقتصاد الحر، لم تصل الى درجة الولايات المتحدة قبل ان تبدأ في عمليات التخصيص التي قادتها بريطانيا إبان عهد رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر في الثمانينات من القرن الماضي حين شرعت اوروبا في بيع الشركات التي كانت تملكها الدولة الى القطاع الخاص. وتبعت بريطانيا كلا من المانيا وفرنسا التي لا تزال الدولة تملك فيها شركات كبيرة ومرافق خدمية. ورغم ان اوروبا الغربية كانت تعتبر نفسها رأسمالية في الاساس إلا ان كثيرا من الافكار الاشتراكية (الاقتصاد الموّجه) تسربت بعد الحرب العالمية الاولى الى اركان عديدة من انشطتها الاقتصادية بحيث اصبحت انظمتها الاقتصادية عبارة عن اقتصاد مشترك بين القطاعين الخاص والعام. وبالطبع كانت درجة هذا الاختلاط تختلف من دولة الى اخرى، ففرنسا مثلا كانت اكثر اختلاطا من بريطانيا والمانيا، والدولة فيها اكثر سيطرة على الاقتصاد من القطاع الخاص.

وعلى طرفي النقيض من اوروبا كانت هناك الدول الاشتراكية (كالاتحاد السوفياتي والصين وشرق اوروبا) حيث تملك الدول جميع وسائل الانتاج ولا تسمح للقطاع الخاص بأي نشاط اقتصادي وتتحكم الدولة مركزياً في جميع الانشطة الاقتصادية والمالية الى حدّ تحديد سعر صرف العملة، بل وتحديد اسعار الخضروات في السوق. وفي المقابل كانت الدولة في الولايات المتحدة لا تملك شيئا، فحتى شركات المرافق الحيوية كالماء والكهرباء كانت قطاعا خاصا (على عكس اوروبا الغربية التي كانت حتى وقت قريب تملك فيها الدولة هذه الشركات، بل وشركات الطيران وحافلات النقل). غير ان خطة الانقاذ المالية الاخيرة في الولايات المتحدة، التي تعتبر اكبر تدخل للسلطات الاميركية في السوق منذ ازمة «الركود الكبير» في الثلاثينات من القرن الماضي، اثارت مخاوف بعض الاقتصاديين الاميركيين من ان بلادهم قد تكون على اعتاب «عصر الدولة المساهمة» في الولايات المتحدة مما يشكل منعطفاً تاريخياً يبقى حجمه مرهوناً بعواقب تطبيق خطة وزارة الخزانة. فوفق الخطة التي ستدفع فيها الدولة 700 مليار دولار (ليس كتبرعٍ، بل مقابل حصولها على اسهم في الشركات المتعثرة) ستصبح الدولة مالكة لحصصٍ كبيرة في مؤسسات مالية وشركات عديدة، مما يعني انها ستستفيد من الربح والخسارة التي ستحققها هذه الشركات في المستقبل، اي ان الدولة ستصبح صاحبة مصالح تجارية في السوق تتنافس مع شركات اخرى ذات ملكية خاصة 100%. والنص الذي اعد انطلاقا من مقترحات وزير الخزانة هنري بولسون يقول ان وزارة الخزانة لا تملك الحق في شراء الديون الهالكة دون الحصول على «ضمانات تمنحها الحق في الحصول على اسهم مشتركة دون حق التصويت او اسهم تفاضلية»، وذلك في حالة الشركات المتداولة اسهما في البورصة. اما في حالة الشركات غير المدرجة في البورصة، فان وزارة الخزانة ستحصل بصورة الزامية على «سند من الدين الاساس». غير ان النص لا يحدد حجم مشاركة الوزارة، وما اذا كانت رمزية او اقلية او حتى اغلبية. لكنه يفترض فقط ان توفر لها ضمانة الحصول على اسهم «معقولة» تضمن مصلحة الدولة. وعلى سبيل المثال لم تتردد الوزارة في 17 سبتمبر (ايلول) الماضي في تقديم مساعدة غير مسبوقة بقيمة 85 مليار دولار لشركة التأمينات العملاقة «ايه اي جي» مقابل امتلاك الدولة لـ 9.79 من اسهم الشركة. كما تضع الخطة شرطين مهمين لمساهمة الدولة في الشركات الخاصة، وهما اولا ألا تكون وزارة الخزانة مساهما كالاخرين فور دخولها الى راسمال شركةٍ ما مع الاستفادة من ضمانات محددة تكفل لها عدم خسارة حجم مشاركتها في حال زيادة راسمال الشركة او اندماجها مع شركة اخرى. وثانيا، ان الدولة لا يمكن ان تكون خاسرة. فبعد خمسة اعوام سيكون على الرئيس الاميركي حينها تقديم مشروع قانون يفرض رسوما على القطاع المالي تعادل الخسائر المالية للدولة في حال خسارتها. وبذلك تصبح الدولة مساهما في السوق وبشروطٍ تفضيلية. وبينما تبرر الدول هذه الاجرارت بحجة ان المال الذي ستستخدمه في شراء هذه الاسهم هو مالٌ عام ولا بد من حمايته من الخسارة، يخشى بعض الاقتصاديين من ان يمثل هذا تحولا جوهريا في دور الدولة في الاقتصاد الحر، خصوصا ان الولايات المتحدة ظلت تجادل عددا من الدول حول العالم لإقناعها برفع الحماية عن منتجاتها وفتح اسواقها أمام المنافسة الحرة. من جهة اخرى، يرى البعض ان المنافسة الحرة، رغم محاسنها العديدة لصالح المستهلك، فهي يمكن ان تؤدي الى ازمة مثل ازمة الديون الهالكة الحالية، والتي تسببت في ازمة الائتمان والنظام المصرفي ككل. ويشير هؤلاء الى أن ما دفع المصارف الاميركية الى تسهيل منح القروض العقارية هو المنافسة فيما بينها على «خطف الزبائن من السوق» قبل ان يخطفهم بنكٌ آخر. فكل بنك كان يسعى الى الحصول على عددٍ اكبر من العملاء، ومن ثم على حصة اكبر في السوق، فراح يمنح قروضا متساهلة بمئات الآلاف من الدولارات دون التدقيق في قدرة العميل على السداد. واستمر هذا الوضع لسنوات طويلة دون ان تتدخل الدولة بحجة انها لا تتدخل في السوق. وبالطبع فقد اضطرت البنوك الى تحمل خسائر هذه الديون بعد ان فشل اصاحبها في سدادها. ومع بداية عام 2007 وصل حجم «القروض الهالكة» في الولايات المتحدة الى اعلى مستوى له على الاطلاق، الامر الذي دفع بعض الخبراء الماليين الى التحذير من خطورة سياسة الاقراض المتساهلة، وامكانية تاثيرها على استقرار النظام المالي بشكل عام. وهذا ما حدث بالفعل في ربيع ذلك العام. ومن مفارقات القدر انه في الوقت الذي اضطرت فيه الولايات المتحدة الى التنازل، ولو قليلا عن مبادئها المقدسة في ترك السوق لحاله دون اي تدخل من الدولة، راح بلدٌ كبير مثل الصين الشيوعية ترفع يدها تدريجيا عن كثيرٍ من الانشطة الاقتصادية التي تركتها للقطاع الخاص المتنامي بسرعة هائلة. فربما صدق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عندما قال تعليقاً على الأزمة، «اننا في حاجة لاعادة بناء النظام المالي والنقدي العالمي من جذوره».