نساء.. في ملعب الرجال

من سيقان رايس و أحمر شفاه أولبرايت و عيون بالين و أناقة رشيدة داتي.. إلى نعومة سيغولين رويال

أميركيات يرفعن احمر شفاه في إحدى جولات بالين الانتخابية («الشرق الأوسط»)
TT

ما أن أعلن مرشح الحزب الجمهوري، جون ماكين، عن اختيار سارة بالين، حاكمة ولاية ألاسكا، لمنصب نائب الرئيس، حتى استعر فضول الرأي العام لمعرفة أدق التفاصيل المتعلقة بالسيدة الوافدة الى البطاقة الرئاسية للحزب الجمهوري. «سي إن إن» أوردت ان عمليات البحث على الانترنت عن بالين بلغت في الثلاثين من أغسطس (آب) الماضي، أربعة أضعاف عمليات البحث عن باراك أوباما، وحوالي 10 أضعاف البحث عن نائبه جو بايدن، وثمانية أضعاف البحث عن ماكين، لتسجل مستويات قياسية. وخلال يومين فقط، وصلت عمليات البحث في الولايات المتحدة عن بالين الذروة، وزادت عن أي شخصية أميركية خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

الاهتمام بسارة بالين لم يقتصر على عامة الشعب وإنما طاول النخبة من رجال النادي السياسي المحلي والعالمي، فكانت محط أنظارهم وتعليقاتهم خلال مناقشات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والستين في نيويورك. لكن ما من شيء كان يعد بالين، التي كانت يوما ملكة جمال بفضل عينيها وقوامها الرشيق، لما انتظرها على يد الرئيس الباكستاني آصف زرداري، الذي جعل «السى إن إن» تصف لقاءه بها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه كان اشبه بلقاء غرامي. فقد قال زرداري والصحافيون حوله وحول بالين: «أنت رائعة جدا على الطبيعة.. الآن أعرف لماذا جن بك الأميركيون». وعندما سأله مصور أن يصافح بالين كى يلتقط لهما صورة معا، رد زرداري عليه: «إذا واصلت أصرارك. فقد أعانقها». كانت بالين محرجة، لكنها حاولت إخفاء حرجها بالابتسام. لا شك ان دخول النساء مجال السياسة ما زال امرا ابعد ما يكون عن الطبيعي او العادي، فالتجارب السياسية من الشرق والغرب تشير الى ان النساء في مجال السياسة يعاملن في كثير من الحالات كنساء وليس كسياسيات متساويات مع السياسين الرجال. فقد اعتبر اعجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون بساقي الوزيرة الحالية للخارجية في الإدارة الأميركية كوندوليزا رايس عنوانا يوازي بأهميته الخطط الاستراتيجية والقضايا المصيرية في تبويبات الصحافة. كما أحتل أعجاب وزير الخارجية الباكستاني السابق شوكت عزيز برايس نفس الاهتمام الذي أحتلته مناقشتهما حول الارهاب في باكستان، لدرجة أن مسؤولي الخارجية الاميركية أضطروا الى التعليق على مسألة اعجاب عزيز برايس، بقولهم أن الموضوع لا يستحق التوقف عنده. وفي الإطار المصيري نفسه فضل وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي مواجهة أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة لتحاشي ازمة داخلية مع المحافظين في طهران، وذلك إثر انسحابه من مكانه في أحد الفنادق المصرية في شرم الشيخ، حيث كان يستمع إلى موسيقى أم كلثوم ألف ليلة وليلة ومقطوعات من أوبرا عايدة. والسبب كما برر في حينه تجنبه النظر إلى السيدة التي تواجهه. ولم يتضح فورا آنذاك ما إذا كان متكي يتجنب الفتاة المصرية التي كانت تعزف على آلة الهارب الفرعونية القديمة، والتي كانت ترتدي فستانا من الحرير الشفاف، أو أنه كان يقصد وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التي كانت ترتدي ثوبا احمر يكشف عن جزء من ساقيها. اتضح لاحقا ان السبب هو فستان رايس الأحمر. المهم ان متكي قرر تغيير مكانه. وبالطبع اعتبر ان تصرفه هذا يمكن ان يسبب أزمة سياسية وقبل المواجهة. الا انه لم يشغل باله اذا صنفه المراقبون في خانة التمييز بين الرجل والمرأة، حتى لو كانت الاخيرة «نظيرته» في الموقع والمهنة.

الحديث عن النساء في السياسة يستدعي التوقف عند دور النائبة نانسي بيلوسي التي تحتل مركز رئيسة مجلس النواب في الكونغرس، وهي بذلك الشخص الثالث في التسلسل لاحتلال منصب الرئاسة الأميركية في حال غدا شاغرا. مع الاشارة الى انه لم يسبق أن انتخبت أية امرأة لمنصب الرئيس أو نائب الرئيس الأميركي. وهي اليوم تقود ربما اهم مفاوضات في تاريخ اميركا، وهي مفاوضات صفقة انقاذ القطاع المصرفي الاميركي. ولا تهتم الصحافة او السياسيون بجمالها أو أناقتها، فالوضع اخطر من هذا بكثير. وبالرغم من انها خرجت خلال الايام الماضية ووجهها منهك، وعيناها متعبتان، الا ان احدا لم يقل عنها ما قالوه عن هيلاري كلينتون، فقد ركزت وسائل الإعلام الأميركية خلال حملة الحزب الديمقراطي لانتخاب مرشح له على «تعب هيلاري وإرهاقها وانتفاخ عينيها وبروز تجاعيد وجهها»، فيما لم يتحدث احد عن «تجاعيد باراك اوباما او انتفاخ عينيه». البعض ساعتها قال ان هذه ضريبة تدفعها المرأة السياسية، فهي يجب ان تكون مناظرة جيدة جدا خلال المناظرات السياسية، غير أنها يجب ان تكون جميلة ايضا.. لا يغفر للمرأة ان تكون بتجاعيد. التجاعيد تنهي حياة المرأة سياسيا، لكن نفس هذه التجاعيد تبدأ حياة الرجل السياسية، فهي دليل نضوج. وتجري ماجدة أبو فاضل، مديرة معهد التدريب الصحافي في الجامعة الأميركية، مفاضلة بين هيلاري كلينتون وسارة بالين فتقول: «هناك من رفض هيلاري كلينتون لأنها أخت الرجال اضافة الى شبهات عليها وعلى زوجها بشأن صفقات عندما كان حاكم ولاية آركنسو. وبالتالي عدا سلوكها كسياسية هناك نظرة اجتماعية شكلت عوامل رفضها، لا سيما في صفوف المحافظين الذين يرفضون المرأة المنفتحة بحيث تواجه صعوبات اكثر من المحافظة».

وتضيف: «عندما نتابع سارة بالين التي تمثل الجناح المحافظ، نلاحظ ان التأييد الذي تحصده ناتج عن الخط المحافظ. وحاليا يتم تداول فيديو كليب لها في كنيسة بلدتها ورجل دين اسود كان يزور البلدة عام 2005 ويضربها لإخراج الشياطين من جسدها ويدعو الناس الى مساعدته ومساعدتها لتتمكن من النجاح في حملتها الانتخابية. الا ان مقابلاتها تبين ان آراءها في السياسة الخارجية غير مريحة. لديها تفسيرات بدائية مخيفة في حال آلت اليها السلطة لسبب أو لآخر». وتوضح «ان النظرة اليها لأنها جميلة لا تعني انه خلف الكواليس ليس هناك اعتراض على بعض تصريحاتها لدرجة ان مساعدي ماكين يضطرون غالبا الى لجمها. ويشكون في قدراتها، والإعلام الاميركي يشير الى ان الفريق يعمل على الحد من حركتها وظهورها العلني».

الا ان ابو فاضل تتوقف عند دور سيغولين رويال التي قدمت نموذجا آخر للنساء المشاركات في السلطة، «فقد ظلمت لأنها غير استفزازية وغير هجومية بقدر ساركوزي»، أي ظلمت بسبب طبيعتها الأنثوية الناعمة. وكذلك الوزيرة الفرنسية رشيدة داتي التي «ظلمها الإعلام الفرنسي، فصوّرها على انها تلحق بالموضة لأنها انيقة وتحب الملابس الجميلة. ولم ينظر الى عمق دورها كوزيرة للعدل».

تشير أبو فاضل الى ان الإعلام يفضل رفيقة السياسي على المرأة السياسية. تقول: «الإعلام ليس مضطرا لقبولها كفكر ناضج قادر على ادارة العملية السياسية. كما ان هناك خوفا من نجاح المرأة لأن من يدير الإعلام رجل في معظم الأحيان وفي موقع سياسي. عندما يتعلق الأمر بالمرأة يتم التعامل بخفة ومن خلال صورة نمطية، او من خلال التفتيش عن امور مثيرة عادة لا يحكم على الرجل من خلالها. هناك تسامح مع الرجل السياسي في الإعلام أكثر من المرأة. اما الإجحاف الكبير في حق المرأة المشاركة في السياسة فيكشفه الإعلام من خلال البرامج الحوارية. وذلك عبر عدد النساء السياسيات اللواتي تتم استضافتهن. والانكى ان التمييز يتم على أساس الشكل. اذ نلاحظ ان لا ضير في استضافة الرجل بمعزل عن مواصفات شكله. اما المرأة فتتعرض الى مقاطعة اذا لم تكن فوتوجينيك او تيليجينيك، فيصار الى تهميشها».

وتقدم زعيمة حزب «كديما الإسرائيلي»، تسيبي ليفني، نموذجا مختلفا للسياسية، فهي سياسية في بلد يعد متوسطيا غربيا بالجغرافيا، الا ان المجتمع الإسرائيلي، خصوصا المتدينين فيه، يظلون محافظين جدا من الناحيتين الآيديولوجية والفكرية. فالصحف الدينية في اسرائيل تقاطع صور ليفني، كما ان الاحزاب الدينية المتشددة تحذر من اختيارها رئيسة للوزراء لسبب وحيد وهو أنها امراة، والاسوأ أنها أمراة ليبرالية متحررة في نظر اليمين الديني، تهتم بنفسها وأناقتها، وتضع مساحيق التجميل بحرص يوازي حرصها على مهاجمة منافسيها، وبإبتسامة كبيرة واثقة على وجهها، بدون أن تفقد لوهلة واحدة صرامتها بوصفها رئيسة وزراء مرتقبة. وهي وأن وصفت نفسها بأنها «نظيفة الكف»... وبأنها «ليست غولدا مائير الثانية، بل تسيبي ليفني الأولى»، الا ان دورها على الخارطة السياسية الإقليمية لا يزال محور جدال. أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، الدكتور عدنان السيد حسين، يقول: «تسيبي ليفني ليست من جيل غولدا مائير، أي الجيل الصهيوني الأول من بناة اسرائيل. هي وريثة هذا الجيل. ووفق المؤرخ العربي ابن خلدون، الوريث يبقى ضعيفا. وعلى الرغم من امتلاكها مواصفات قيادية، إلا أنها تنتمي الى حزب وسطي يجمع بعض الليكود وبعض العمل. ومن الممكن ان تفشل بمواجهة نتانياهو زعيم الليكود. وهي تسلقت الى السلطة بسرعة. لم تمر باختبارات تبرهن على قدرتها في قيادة اسرائيل في ظروف حرب او مفاوضات. كما ان الجناح المحافظ المتطرف والمتدين في إسرائيل يرفض الاعتراف بمشاركة المرأة. حتى انه يعتبر صورتها عورة، لذا يمنع حتى نشر هذه الصورة في وسائله الإعلامية. لا سيما انها علمانية من اصل بولوني واتجاهاتها وسطية».

الحالة التي يحدثها الحضور النسائي في المنتدى السياسي الذي يعتبره الرجال حكرا عليهم، لا تحتاج الى اجتهادات. فالمرأة عندما تقتحم المعترك السياسي لا تمحو من سلوك الرجال خصوصيتها الانثوية. ولطالما حظي بالتعليقات احمر الشفاه الذي يرافق وزيرة الخارجية السابقة للولايات المتحدة مادلين اولبرايت لأنها، كما كانت قد صرحت، لا تستغني عنه.

أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين يقول لـ«الشرق الأوسط»: «التمييز ضد المرأة قديم منذ بدء فكرة الدولة. كلمة مواطن لم تكن تشمل النساء. ايام الحضارة الاغريقية كان المواطنون هم الذكور والأحرار. اما العبيد والنساء فهم ليسوا مواطنين. الامر تكرر في العصر الروماني. كما ان الفكر المسيحي لم يستطع تحرير المرأة من هذا القيد السياسي، لا سيما مع تحالف الكنيسة والإقطاع في القرون الوسطى في أوروبا. ففي الإسلام كان وضع المرأة أيام الخلفاء الراشدين أفضل منه في المراحل اللاحقة، وان بقيت المرأة لا تُولى مسؤوليات أولى في الدولة، (أي القضاء والرئاسة الاولى). الا ان ذلك لم يحل دون بروز نساء رائدات وقائدات. كما ان دور النساء لم يكن غائبا كليا، فزوجات الملوك والأمراء شكلن عاملا لا يستهان به في اتخاذ القرارات الكبرى للحرب والمعاهدات والتحالفات». ويضيف: «وبعد ذلك رغم التيارات العلمانية، لم تعط المرأة حقوقها السياسية حتى منتصف القرن العشرين. ففي بريطانيا منحت المرأة حق التصويت. أما في فرنسا فقد منحت هذا الحق عقب الحرب العالمية الثانية. وفي لبنان أعطيت الحق في الخمسينات مع عهد الرئيس الراحل كميل شمعون».

وتقول ماجدة أبو فاضل: «في الولايات المتحدة والدول الصناعية أخذت الأمور وقتها. حتى منتصف السبعينات كان مجلس الشيوخ نادي الرجال. واستوجب الأمر فترة حتى سمح للنساء بدخول بعض غرف الاجتماعات. في المنتديات الإعلامية لم يكن الوضع افضل. عندما كنت في نادي الصحافيين في واشنطن لم يكن قد مضى وقت طويل على رفع الحظر عن وجود النساء في القاعة خلال جلسات معينة. كان يسمح لهن بالمشاهدة من شرفات محيطة بالقاعة من دون المشاركة في النقاش. هيلين توماس، عميدة الصحافيين في البيت الأبيض، مهدت الطريق وفتحت الباب أمام النساء للمشاركة في النشاطات. ففي الولايات المتحدة لم تنل المرأة حقوقها الفعلية التي تنص عليها شرعة حقوق الإنسان إلا بعد مراحل عديدة».

إلا أننا نلاحظ أن دولا نامية مثل الهند والفلبين وباكستان أفسحت في المجال للمرأة لتصل الى المركز الجديرة به. فشهدت هذه الدول عهودا لأسماء منها بندرانايكا وأنديرا غاندي وبي نظير علي بوتو. وذلك ليس فقط انطلاقا من وراثة متجذرة وانما نتيجة عمل سياسي دؤوب فتح ابواب السلطة بطريقة ديمقراطية. وتفوقت هذه الدول في هذا الإطار على الدول المتقدمة حيث لم يخفف التطور قبضة «الديناصورات» على احزابها الأساسية.

يشير السيد حسين الى ان «بي نظير بوتو كانت من النساء البارزات نظرا لتأثيرها على الحياة السياسية في باكستان. فهي كانت ذات ثقافة واسعة. وهي الابنة الصغرى لذو الفقار علي بوتو، الذي أعدمه ضياء الحق عام 1979. كان الأب يستشير ابنته الصغرى في أمور مصيرية.

وغالبا ما كانت آراؤهما منسجمة، لأنها كانت صاحبة مواقف مبدئية ولديها فكر سياسي واضح وتحرري وديمقراطي وتعددي مع تمسكها بتقاليدها. وكانت أكثر وعيا من قادة كبار. واغتيالها منح السلطة لزوجها. زرداري. وربما هي ظاهرة نادرة اذ غالبا ما كانت المرأة ترث منصبها السياسي من زوجها وليس العكس».