الأسواق.. ليست دائماً على حق

العالم يواجه أخطرَ كسادٍ متوقعٍ منذ «الكساد العظيم» عام 1929.. والدولار يكاد يفقد عرشه

3 صور تظهر بعض المراحل التي مرت بها بورصة نيويورك. الصورة الاولى بورصة نيويورك بعد وقت قصير من انشائها. الصورة الثانية داو جونز يوم 19 أكتوبر عام 1987 عندما انخفضت البورصة أكثر من 500 نقطة وكان ذلك ساعتها أكبر انخفاض في تاريخ داو جونز. اما الصورة الاخيرة أخذت يوم 6 أكتوبر الجاري عندما سجل داو جونز أقل من 10 آلاف نقطة («الشرق الأوسط»)
TT

لا شك أن الأزمة المالية الحالية أثرت على كثير من الدول حول العالم. ورغم أنها بدأت في الولايات المتحدة فقد انتشرت بسرعة إلى غالبية أوروبا وكثيرٍ من دول آسيا بالإضافة إلى اليابان وأستراليا وبعض دول أميركا اللاتينية والعالم العربي. فقد أثبتت أميركا فعلاً أنها عندما تعطس يُصاب بقية العالم بالزكام. الى متى يستمر هذا الزكام؟ لا أحد يعلم على وجه الدقة. فالتقديرات تشير الى ان الكساد قد يستمر ما بين عام الى عامين. كذك من غير المعروف ما اذا كانت الأزمة ـ التي قارنها صندوق النقد الدولي بـ«الكساد العظيم» عام 1929 ـ ستفيد بعض الدول الناشئة بقوة مثل الصين والهند اللتين يتوقع صندوق النقد الدولي أن تقودا النمو الاقتصادي فيما ينخفض هذا النمو في الغرب إلى درجة الصفر تقريباً، مصحوباً بالازمة التي يتعرض لها الدولار، والتي تضافرت مع أزمة الائتمان في المصارف الأميركية حتى راح البعض يتساءل ما اذا كانت العملة الأميركية بدأت تفقد هيمنتها على العالم، مثلما حدث للجنيه الإسترليني. وبعدما كانت اميركا قبل نحو اسبوع هي قلب الازمة والمتأثر الأكبر بها، تحركت آثار الأزمة سريعاً لتضرب الاقتصادات الاوروبية وبشدة طالت خصوصاً بريطانيا وايسلندا، التي هي على وشك الافلاس، وفرنسا والمانيا وروسيا، مما دفع المؤسسات المالية العالمية الى توقع شتاء اقتصادي طويل. ففي بريطانيا، التي عادة ما تكون أكثر الدول تأثراً بما يحدث بالولايات المتحدة، أعلنت الحكومة عن خطة لدعم النظام المصرفي بـ 50 مليار جنيه إسترليني (نحو 88 مليار دولار). وستستفيد من هذه الأموال 8 من أكبر البنوك البريطانية، في مقابل أن تحصل الحكومة على حصص في هذه المصارف. كما ستضع الحكومة 200 مليار جنيه إسترليني إضافية كاحتياطي في حال احتاجت إلى ضخ مزيد من السيولة في النظام المصرفي. من جانبه، أعلن بنك انجلترا المركزي، ضمن 6 بنوك مركزية غربية، خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار نصف نقطة مئوية، في خطوة منسقة بين هذه البنوك، وهي: مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية في كل من كندا وسويسرا والسويد، بالاضافة إلى البنك المركزي الأوروبي. وفي هذه الأثناء، أعلنت غرفة التجارة البريطانية أن بريطانيا دخلت فعلياً حالة من الكساد وفق التعريف البريطاني للمصطلح «وهو أن يكون إجمالي الناتج المحلي سالباً لمدة 6 أشهر متتالية». كما رفعت الحكومة ضمانها لودائع المدخرين من 35 ألف إسترليني إلى 50 ألفاً، ويعني هذا أن الدولة ستعيد لأي مدخر مدخراته بحد أقصى يعادل المبلغ المذكور اذا انهار بنكه. وأخيراً، فقد أممت الدولة بنكي «نورذرن روك» و«برادفورد آند بنغلي» العقاريين بعد أن انهارا بفعل الديون الهالكة. اما في المانيا، فقد سحب المواطنون كثيراً من ودائعهم من المصارف الخاصة وأودعوها بنوك الادخار المملوكة للدولة لأنها تطبق تأميناً بنسبة 100% على جميع مدخراتها. كما تعهدت الدولة بضمان ودائع صغار المدخرين الأفراد وليس الشركات والأعمال التجارية. أما بنك «هيبو ريال إستيت»، ثاني أكبر بنك عقاري في ألمانيا، فلا يزال يصارع من أجل البقاء بعد أن فشلت محاولة حكومية لإنقاذه الأسبوع الماضي في أعقاب انسحاب كونسورتيوم مصرفي من صفقة الإنقاذ. وينتظر البنك الآن محاولة جديدة لإنقاذه بـ 68 مليار دولار، أي أعلى بـ 20 مليار دولار من الصفقة الأولى. من جانبها، دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الأزمة من الذين «اتخذوا قرارات تجارية تتسم بعدم المسؤولية». فيما وجّه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انتقادات حادة إلى النظام الرأسمالي العالمي وتعهد بحماية اقتصاد بلاده، مشيراً إلى أن الأزمة الأميركية ستؤثر على الاقتصاد العالمي لشهور قادمة، وستكون لها آثار سلبية على النمو الاقتصادي العالمي ومعدلات البطالة، لكنه شدد على أن الحكومة الفرنسية ستتدخل لحماية أموال المودعين في البنوك إذا تطلب الأمر ذلك. وقال أيضاً إن «النظام المالي العالمي على وشك كارثة، وإننا في حاجة لإعادة بناء النظام المالي والنقدي العالمي من جذوره». ووجه انتقادات حادة للنظام الرأسمالي قائلاً «إن فكرة وجود أسواق بصلاحيات مطلقة دون قيود ودون تدخل الحكومات هي فكرة مجنونة.. فمقولة إن الأسواق دائماً على حق بالفعل فكرة مجنونة». ويرى عدد من الخبراء الماليين أن الأزمة المالية الحالية لن تمر دون إحداث تغييرات كبيرة في النظام المالي العالمي حتى بعد أن تنقشع. ويتساءل بعض هؤلاء ما اذا كان النظام الرأسمالي سيستطيع تصحيح مساره، كما فعل في السابق، أما أنه سيبدأ هذه المرة في اتاحة المجال لاقتصادات ناشئة بقوة مثل الصين والهند لكي تلعب دوراً أكبر في النظام المالي والاقتصادي العالمي الذي ظل الغرب يحتكره تقريباً منذ الحرب العالمية الأولى. فالشيء المؤكد الآن أن الاقتصاد الغربي يتجه بسرعة نحو الكساد ويمر بأزمة كبيرة. وفي هذا الصدد، أعلن صندوق النقد الدولي أخيراً أن هذه الأزمة ستدفع بمعدلات النمو الاقتصادي العالمي إلى أدنى مستوياته منذ عام 2002. وقال أوليفر بلانشيرد، رئيس الاقتصاديين في الصندوق، إن إمكانية حدوث كساد شبيه بذلك الذي ضرب العالم عام 1929 أصبحت واردة بشدة، إذ أن اقتصاد الولايات المتحدة والدول الأوروبية إما دخلت في مرحلة الكساد بالفعل أو على وشك الدخول فيه.

وحسب التعريف البريطاني، وهو الأكثر انتشاراً في العالم، لمصطلح «الركود الاقتصادي»، فإن الاقتصاد يُعتبر راكداً في حال كان إجمالي الناتج المحلي سالباً لمدة ستة أشهر متتالية. غير استخدام المصطلح يتغير قليلا في الولايات المتحدة حيث يُحسب التراجع سنوياً وليس كل ستة أشهر، كما أن معدل البطالة يؤخذ في الحسبان. وتوقع الصندوق في آخر إحصاءاته أن يتراجع النمو الاقتصادي العالمي من 5% خلال العام الجاري إلى 3.9%، ثم إلى 3% عام 2009.

الصين والهند ستقودان النمو الاقتصادي العالمي في هذا الصدد، قال شارام تفازي، المحلل المالي في بنك «ميريل لينش» لـ«الشرق الأوسط» إن معدل النمو العالمي كان سيصبح أدنى بكثير لولا معدلات النمو المرتفعة في الدول الناشئة بقوة مثل الصين والهند. وحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي، فإن معدل النمو الاقتصادي المتوقع في الولايات المتحدة للعام المقبل قد انخفض إلى 0.1% وفي أوروبا إلى 0.2% (أي ما يقرب من الصفر) بينما سيصل في الصين إلى 9.3% وفي الهند 6.9% وفي أفريقيا جنوب الصحراء 6.3%. ويتفق تفازي مع عدد من المحللين الذين أصبحوا يتحدثون عن أن الصين والهند ستكونان، بلا شك، المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي خلال العامين القادمين، على الرغم من أنهما تأثرتا إلى حد ما بالأزمة الحالية في أسواق المال الغربية. وأوضحت احصاءات صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات الناشئة (وهذه تسمية أطلقها البنك الدولي قبل 25 عاماً) أنتجت عام 2005 أكثر من نصف اجمالي الانتاج العالمي للمرة الأولى منذ الثورة الصناعية في أوروبا. والحقيقة الثانية، أن العالم الناشئ شّكل أكثر من نصف الزيادة العالمية في إجمالي الناتج المحلي محسوبا بالدولار الأميركي. كما أن نمو الصين والهند الاقتصادي الحالي يعتبر أسرع من نمو الدول الصناعية الأوروبية عندما كانت في طور نشأتها. وعلى سبيل المثال، فقد استغرقت بريطانيا والولايات المتحدة، إبان تطورهما الصناعي في مراحله الأولى، نحو 50 عاما لكي يتضاعف دخل الفرد ـ بينما استطاعت الصين تحقيق ذلك خلال عقد واحد فقط. ويعود الفضل في ذلك جزئيا الى كون الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة نمت في ظل اقتصاد عالمي ساده الانفتاح وحرية الحركة، بما في ذلك حركة التكنولوجيا الحديثة والنظريات الاقتصادية المجربة ـ بينما كانت الدول الصناعية الأولى تضطر الى ابتداع صناعات وتقنيات جديدة باستمرار اذا ارادت لنموها الاقتصادي أن يتواصل. وقد ينسى الناس أن الصين والهند كانتا ـ على مدى غالبية الوقت عبر التاريخ (نحو 18 قرناً) ـ أكبر اقتصادين في العالم حتى مجيء الطفرة الصناعية والاقتصادية في أوروبا عام 1820. وطوال هذه القرون كان البلدان العملاقان ينتجان نحو 80% من إجمالي الانتاج العالمي، لكن حصتهما تراجعتا الى اقل من 40% مع مطلع القرن العشرين الذي هيمنت عليه الدول الغربية وظهرت فيه الولايات المتحدة لأول مرة كقوة اقتصادية كبرى. وبعد عقود من التدهور الاقتصادي في الهند والصين فإن تصدرهما للنمو الاقتصادي حاليا، ربما يعني أنهما تحاولان الآن استعادة عرش قديم وليس التربع عليه للمرة الاولى مثلما يظن البعض. فلا شك أن هذه أفضل أوقاتهم منذ أكثر من قرن. وفي أسواق العملات، فإن الدول الناشئة بشكل عام تملك الآن ثُلثي احتياطي العالم من العملات الأجنبية. أما النفط فهي تستهلك 47% من الاستهلاك العالمي. واذا استمرت الحال هكذا، فإنه خلال العشرين سنة المقبلة، سيصبح انتاج الدول النامية 66% من جملة الانتاج الدولي. ولكن في المقابل، فإن أسواق الأسهم تستقطب 14% فقط من رأس المال المستثمر عالمياً في أسواق الأوراق المالية، رغم أن بعض هذه الأسواق أصبح يجذب رؤوس الأموال الدولية، مما سيتسبب في نمو كبير في هذا القطاع خلال السنوات القليلة المقبلة. وفي الحقيقة، فإن معهد التمويل الدولي ذكر أن صافي رأس المال الخاص الذي تدفق على الأسواق الناشئة منذ عام 2005 بلغ رقما قياسيا: 358 مليار دولار. والأهم من ذلك، أن الحكومات لم تحتج لهذه المبالغ لسد عجز الحساب الجاري. فلأول مرة منذ زمن طويل تحقق غالبية هذه الدول فائضاً في حساباتها الجارية، وذلك لأن انتعاشها الاقتصادي ـ على عكس المرات السابقة ـ يعتمد هذه المرة على تمويل داخلي وليس على الديون الخارجية، ولكن على الرغم من أن الدول النامية اصبحت الآن تنتج أكثر من نصف الانتاج العالمي، فإن عدد سكانها يمثل 83% من سكان العالم، لذا فإن دخل الفرد في هذه الدول لا يزال أقل كثيراً من نظيره في الدول الغنية. من جهة أخرى، فإن مخاوف الغرب من نهضة العملاقيين الآسيويين، الصين والهند، ليس لها ما يبررها لأنه في الواقع كلما نمت دولة ما زادت صادراتها، ومن ثم ثروتها التي ستستخدمها في الاستيراد من دول منتجة أخرى. وتأكيداً لهذه الحقيقة، فإن التبادل التجاري بين الدول الغنية والعالم النامي تضاعف في سرعته مقارنة بالتبادل التجاري بين الدول الغنية فيما بينها. كما أن أكثر من نصف صادرات أميركا واليابان أصبحت تذهب الى الدول النامية، وكذلك صادرات الاتحاد الأوروبي الى الدول النامية اصبحت ضعفي صادراته الى أميركا واليابان مجتمعتين.

* وأزمة الدولار أيضاً

* عندما بلغ الدولار أدنى مستوى له في التاريخ مقابل سلة من العملات الدولية في وقت سابق من هذا العام، تساءل بعض الاقتصاديين ما اذا كانت العملة الأميركية بدأت تفقد وضعها كعملة الاحتياط النقدي الأولى في العالم. وخلال الثلاثين عاماً الماضية، تعرض الدولار إلى 4 انخفاضات كبيرة في قيمته. وآخر هذه المرات الأربع، هو الانخفاض الحالي الذي بدأ عام 2002، وخسر خلاله الدولار نحو 31% من قيمته مقابل اليورو و19% مقابل سلة من العملات المختلفة. وفي الواقع، فإن العالم غير عُملته مرة واحدة في التاريخ الحديث، وهي عندما كان الجنيه الإسترليني يتربع على العرش إبان العصر الذي كان فيه الذهب مقياساً للعملة. ولكن خلال سنوات الحرب العالمية الأولى تحولت بريطانيا من دولة دائنة الى دولة مستدينة. وبعد الحرب مباشرة، نحو عام 1920، برز الدولار الأميركي كالعملة الوحيدة التي يمكن استبدالها بالذهب دون مخاطر، رغم أن الجنيه الإسترليني كان لا يزال قريباً منه. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية لتوجه ضربة ثانية للإسترليني الذي اضطر الى تخفيض قيمته مرتين خلال تلك السنوات، ليصبح بعدها الدولار سيد الموقف دون منازع كعملة الملاذ الأولى في العالم، أي العملة التي تفضل البنوك المركزية حول العالم الاحتفاظ باحتياطياتها النقدية بها.

ولكن رغم خسائر الدولار خلال العامين الماضيين، فإن الارقام التي يصدرها صندوق النقد الدولي توضح أن نسبة 66% من جملة احتياطات العملات الأجنبية في دول العالم ما تزال محفوظة بالدولار، وذلك مقارنة بـ 25% باليورو و4% بالين الياباني و3% بالجنيه الاسترليني. وحتى بعد صدور هذه الأرقام، فهناك المتشككون الذين يعتقدون أن الدولار هذه المرة بدأ فعلا يهتز إن لم نقل يفقد عرشه تدريجيا. ويستدل هؤلاء على حجتهم بمجموعة من المؤشرات المهمة، بينها أن عدداً من البنوك المركزية حول العالم خفض بالفعل مشترياته من سندات الخزانة الأميركية بحيث ارتفعت قيمة هذه المشتريات خلال الأشهر الستة الأولى من العام الماضي بملياري دولار فقط، بينما كانت ارتفعت في العام الذي قبله بـ 295 مليار دولار. كما أن عجز الحساب الجاري الأميركي يبلغ 6% من إجمالي الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة يصلها في تاريخه على الاطلاق. وبالمثل، فقد بلغت الالتزامات الخارجية (أشبه بالديون) للولايات المتحدة 22% من إجمالي الناتج المحلي، وهو أيضا رقم قياسي. ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن هذه الأرقام لو تكررت في السنوات المقبلة، فلا شك أن بعض العملات الأخرى ستبدأ تنازع الدولار في هيمنته على العالم. وبالطبع، فإن العملة المرجحة لمنافسة الدولار هي اليورو. فالعملة التي يلجأ لها العالم للاحتفاظ باحتياطيه النقدي يجب أن تكون مستندة الى اقتصاد كبير، وله حصة معتبرة من إجمالي الناتج التجاري والمالي في العالم. وبهذا المقياس فالاقتصاد الأميركي لا يزال مسيطراً رغم الضربات القوية التي يتلقاها حالياً من الأزمة المالية الراهنة. لكن منطقة اليورو ـ المتوسعة باستمرار ـ اصبحت قريبة جداً منه من حيث الحجم، بل ان حجم التجارة الأوروبية يعادل تقريبا نظيرته الأميركي. وأصبحت أوروبا تُكمل نصف تعاملاتها التجارية بعملتها الجديدة، اليورو. غير أن عملة العالم للاحتياط النقدي يجب أيضا أن تستند الى سوق مالي كبير ومتطور. وبهذا المقياس، فإن البورصة الأميركية متفوقة كثيراً على البورصات الأوروبية، ربما لأنها بورصة واحدة بينما تتعدد البورصات الأوروبية بعدد بلدان الاتحاد الأوروبي. لذا فقد كان لقيام عملة موّحدة في أوروبا (اليورو) أثرٌ ضخمٌ في توحيد الاقتصادات الأوروبية ـ أو تقريبها الى بعضها البعض. وهذه هي البداية فقط، فقيام العملة الموحدة تحت إمرة بنك مركزي واحد يتحكم في سعر الفائدة سيساهم دون شك في تطور سوق مالية موّحدة تُطرح فيها أسهم جميع الشركات الأوروبية العامة. ويقول باري إتشينغرين، المحاضر في جامعة كاليفورنيا، في دراسة صغيرة إن سيطرة أي عملة على العالم تتطلب أيضا ثقة المستهلكين في قيمة تلك العملة. ويضيف أن احتفاظ الدولار بموقعه كعملة الاحتياط النقدي عالمياً سيتوقف على السياسات المالية التي ستتبعها الولايات المتحدة، خصوصاً بعد الأزمة المالية التي تعرض لها الآن. فاذا استمرت هذه الأزمة لفترة من الزمن، فإن الدول الأخرى ستصبح غير راغبة في حفظ احتياطاتها النقدية بالدولار، ومن ثم فستنخفض قيمته، الأمر الذي سيؤدي بدوره الى ضغوط تضخمية مما سيزيد من نفور الدول عن العملة الأميركية. فهذه هي الدائرة الخبيثة التي قد تفقد الدولار عرشه، ولن يجدي وقتها رفع اسعار الفائدة لجذب المستثمرين.

* شاهد عيان على كساد 1929.. وكساد 2008

* في الوقت الذي بدأ فيه الكثيرون، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، يتحدثون عن أن أزمة الائتمان الحالية هي الأسوأ منذ «الكساد العظيم» عام 1929، لا يدَّعي أحد بعد أن العالم اليوم شبيه بعالم 1929. فرغم وجود بعض أوجه الشبه بين الأزمتين، فإن الكساد العظيم استمر لسنوات طويلة ودفع بعض الدول الغربية إلى حافة الانهيار. وفي هذا الصدد، تحدثت «بي بي سي» إلى رسل بيكيل، الذي ربما يكون الشخص الوحيد في العالم اليوم عمل في بورصة وول ستريت عام 1929، وهو لا يزال الآن يعمل مستشاراً مالياً لأحد البنوك الأميركية رغم عمره البالغ 97 عاماً. وقال بيكيل إن وجه الشبه الأساسي بين الأزمتين هو كثرة القروض المتساهلة التي منحتها البنوك الأميركية في السنوات السابقة لعام 1929، والتي تحولت فيما بعد إلى ديون هالكة بعد أن فشل أصحابها في السداد. وأضاف بيكيل أن أسوأ انهيار في أسهم وول ستريت إبان كساد 1929 حدث أيضاً في شهر أكتوبر (تشرين الأول) حين خسرت البورصة خلال أسبوعين ما قيمته 30 مليار دولار. ومع هذه الخسائر عم الذعر في أوساط المستثمرين والمتداولين ثم انتقل الأمر إلى بقية المواطنين. وانتشرت اشاعات أن كثيراً من المستثمرين والمدخرين الذين خسروا جميع أموالهم ألقوا بأنفسهم من نوافذ مكاتبهم ليلقوا حتفهم.

وهذه هي الملامح الأساسية لكساد 1929 > رغم أن الكساد لم يكن مفاجئاً، بل حدث تدريجياً وتوقعه بعض الاقتصاديين، إلا أن المسؤولين ظنوا في البداية أنها حركة تصحيحية عابرة في سوق وول ستريت، ولم يعلم أحد أنها كانت بداية لأسوأ انهيار مالي في تاريخ الغرب المدوّن. > انهيار عدد من البنوك، مما أدى إلى شح في السيولة، ثم انتقل الانهيار إلى سوق وول ستريت بسبب أزمة المصارف.

> ارتفع عدد العاطلين عن العمل خلال عامين من 8 ملايين شخص إلى 15 مليوناً، أي ثُلث القوى العاملة في الولايات المتحدة. > انخفض إجمالي الناتج المحلي من 103.8 إلى 55.7 مليار دولار (نحو النصف تقريباً). > 40% من المزارع كانت معروضة للبيع في المزادات العامة. > اتبعت الدولة سياسات حمائية للمنتجات المحلية مما دفع الدول الأخرى إلى اتباع الشيء نفسه. وبالطبع أدى ذلك إلى انهيار في التجارة الدولية، الأمر الذي زاد بدوره في تعميق الكساد الاقتصادي داخل كل بلد على حده.

> اضطرت المدارس إلى خفض ساعات وأيام الدراسة بسبب نقص الميزانيات.

> بحلول عام 1933 بدأت الدولة تتخلص من رجال الشرطة والمطافئ بسبب نقص الميزانيات. > صفوف الخبز أصبحت مشهداً يومياً عادياً، وكثرت حالات الانتحار حتى بلغت 17 شخصا في كل ألف شخص. كما كثرت مظاهرات الاحتجاج الجماعية في الشوارع ضد الحكومة، مما اضطر الشرطة المصحوبة بدبابات إلى اطلاق النار وقتل 4 متظاهرين في العاصمة واشنطن عام 1932. > انتهى الكساد عندما وظفت الحكومة 6 ملايين جندي بالاضافة إلى 6 ملايين آخرين كعمال في وزارة الدفاع استعداداً للحرب العالمية الثانية. كما فرضت نظام ترشيد المؤن الغذائية والسلع الضرورة الأخرى. وبالطبع كان ذلك على حساب عجزٍ ضخمٍ في ميزانية الدولة.