ماذا لو أصيب الرئيس بالإغماء؟

ربما صدفة وربما سوء طالع وربما شيء متوقع.. وهو أن نواب الرئيس يعيشون أطول من الرؤساء

بوش مع تشيني أقوى نائب رئيس في تاريخ أميركا.. وماكين مع بالين التي قد تصبح أول أمراة تشغل منصب نائب الرئيس في أميركا («الشرق الأوسط»)
TT

في الاسبوع الماضي، جرت أول مناظرة بين السناتور جوزيف بايدن، نائب الرئيس المرشح عن الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة، وسارة بالين، نائبة الرئيس المرشحة عن الحزب الجمهوري. في جانب، لم يكسب بايدن بالضربة القاضية، لأن استراتيجيي حزبه نصحوه بألا يتشدد معها حتى لا يخسر اصوات النساء اللائي سيتهمنه باستعلاء رجالي على النساء. وفي الجانب الآخر، لم تخسر سارة بالين بالضربة القاضية، لان استراتيجيي حزبها لقونها اجوبة عن كل سؤال متوقع، ولم تخيب آمالهم. لكن، لاحظ د. دانيال سيمونز، استاذ علم نفس في جامعة الينوي، ان ساره بالين كانت تتجاهل الاجابة عن الاسئلة التي لم تكن مستعدة للاجابة عنها. وقال ان هناك تفسيرين؛ اولا: انها ذكية، وتقدر على الانتصار على الصحافيين. ثانيا: انها غير ذكية، وسيعرف المشاهدون ذلك. ومال نحو التفسير الثاني. مرة قالت: «لا اريد الاجابة عن هذا السؤال». ومرة قالت: «سأجيب عن السؤال بطريقة اخرى». ومرة قالت: «اريد ان اخاطب الشعب الاميركي، وليس الذين يسألونني هذه الاسئلة». وعلق د. سيمونز: «ليست هذه اول مرة يواجه فيها سياسيون او سياسيات اسئلة لا يريدون الاجابة عنها. لكن، لا يرفض الذكي الاجابة عن السؤال، ولا يقول ذلك. يجيب في نفس خط السؤال وفي منتصف الطريق، يعود الى خط اجابته». ولم تكن هذه اول مناظرة بين رجل وامرأة ترشحا نائبين للرئاسة في اميركا. ففي سنة 1984، اعاد الرئيس رونالد ريغان ترشيح نفسه، ضد السناتور مونديل مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية. واعاد نائبه بوش الاب ترشيح نفسه، ضد جيرالدين فيرارو اول امراة ترشح في التاريخ الاميركي لمنصب نائب الرئيس. ولا تذكر تلك المناظرة إلا وتذكرة جملة بليغة قالتها جيرالدين: «السيد نائب الرئيس: انت تريد ان تعلمني السياسة الخارجية. وانا ارفض هذا». في ذلك الوقت، ناقش الاميركيون نفس الموضوع من جانبين: في جانب، قالوا عن بوش انه رجل «ارستقراطي» و«جنتلمان». وليس من نوع الرجال الذين يريدون إحراج النساء والافتخار بقهرهن. في الجانب الآخر، قالوا عن جيرالدين انها امرأة جريئة، من نيويورك، وعضو في الكونغرس، وتعرف واشنطن واساليبها، واساليب رجال واشنطن. لهذا، اعتبروا انها فازت في المناظرة، او، على الاقل، لم تنهزم. لكن هناك فرقا بين بوش وفيرارو وبين بايدن وبالين، فبايدن «شعبي»، وكان والده بائع سيارت، وعاطلا اكثر من مرة. وسارة بالين، رغم انها صارت حاكمة لولاية آلاسكا، لا تزال زوجة وأما (خمسة اولاد وبنات) في المرتبة الاولى، لكن في كل الحالات واحد منهما سيصير نائبا مقبلا للرئيس الاميركي. ولا يشعر الكثير من الاميركيين بالقلق إذا صار بايدن نائبا للرئيس او حتى رئيسا، لكن الكثير منهم يشعر بالقلق من ان تكون بالين نائبة للرئيس، ناهيك من كونها رئيسة. فماكين سيكون اكبر رئيس جمهورية سنا في تاريخ اميركا (سيكون عمره 73 سنة)، اذا ما فاز ويوجد احتمال كبير ان يتوفى وهو في البيت الابيض لأسباب طبيعية، وذلك بدون وضع اعتبار لاحتمالات الاغتيال، مما يزيد احتمالات ان تخلف سارة ماكين، عن ان يخلف بايدن اوباما. لكن إذا حدث ذلك، فلن تكون بالين اول نائب رئيس يصبح رئيس بدون انتخابات، اذ ان هناك 3 نواب رؤساء في تاريخ اميركا أصبحوا رؤساء، إما لأن الرئيس توفيَّ لأسباب طبيعية او لانه استقال او لانه اغتيل. فقد خلف نائب الرئيس جون تايلور الرئيس وليام هنري هاريسون عام 1841 وذلك بعد وفاة هاريسون لاسباب طبيعية، ليكون بذلك اول وآخر رئيس اميركي يموت وهو في البيت الأبيض. وخلف نائب الرئيس ليندون جونسون الرئيس جون كنيدي، وذلك بعد اغتياله في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1963. ثم خلف نائب الرئيس جيرالد فورد الرئيس ريتشادر نيكسون الذي اضطر للاستقالة بعد فضيحة ووترغيت عام 1974. وينص الدستور الاميركي على أنه في حالة «وفاة او عجز رئيس الجمهورية عن أداء مهام منصبه» يخلفه نائبه «بكل سلطاته وواجباته». ولثلاثين سنة بعد كتابة الدستور، وحتى سنة 1841، لم يهتم كثير من الناس بالغموض في هذه الفقرة، لكن في تلك السنة، وعندما توفيَّ الرئيس هاريسون، وخلفه نائبه تايلور، بدأ نقاش عن وظيفته: هل هو «رئيس مؤقت»؟ ام «رئيس بالانابة»؟ ام «رئيس كامل» حتى الانتخابات القادمة؟. وطبعا، اصر تايلور انه سيكون رئيسا كاملا. وصارت خلافته الى نهاية الولاية عام 1845. لكن بقاء نائب الرئيس في منصب الرئيس حتى انتهاء الولاية لم يصبح جزءاً من الدستور إلا بعد مائة وعشرين سنة، وتحديدا في سنة 1967، في التعديل الخامس والعشرين. وصحح هذا التعديل ثغرة ثانية في منصب نائب الرئيس. فقد أشار الدستور الى حالتي «وفاة» و«عجز»، ولم يشر الى «استقالة»، وكان الذين وضعوا التعديل لا يعرفون ان ذلك سيحدث بعد ثماني سنوات، في سنة 1974، عندما استقال الرئيس نيكسون على إثر «ووترغيت». وصحح التعديل ثغرة ثالثة عن نائب الرئيس، فلم يوضح الدستور من سيحل محل نائب الرئيس عندما يصبح رئيسا. وكان الاعتقاد ان المنصب سيبقى شاغرا حتى الانتخابات التالية. لكن، نص التعديل: «كلما يخلو منصب نائب الرئيس، يختار الرئيس نائبا له، بعد ان يوافق عليه الكونغرس بمجلسيه». ومرة اخرى، كان الذين وضعوا التعديل لا يعرفون ان ذلك سيحدث بعد ثماني سنوات، في سنة 1974، عندما استقال الرئيس نيكسون، وخلفه فورد، ثم اختار فورد روكفلر نائبا له. كما صحح التعديل ثغرة رابعة عن نائب الرئيس. فلم يفسر الدستور كلمة «عجز» ومتى يصبح الرئيس «غير قادر» على اداء واجباته؟ وقبل التعديل بعشر سنوات، مرض الرئيس ايزنهاور مرضا شديدا ثلاث مرات. ومرتان، صار نائبه نيكسون «رئيسا بالانابة». لكن، عندما مرض للمرة الثالثة، نوه نيكسون بانه ربما يجب ان يكون «رئيسا دائما». لهذا، نص التعديل على ان يعلن الرئيس، نفسه، انه «لم يعد يقدر» على اداء واجباته. وفي هذه الحالة، سيكون نائب الرئيس «رئيسا بالانابة». وماذا اذا اصيب الرئيس باغماءة مفاجئة قبل ان يعلن ذلك؟ حسب التعديل، يعرض «الرئيس بالانابة» الموضوع على الكونغرس، ويفوز رأي الاغلبية. لهذا، اذا فاز ماكين، ثم مرض مرضا بسيطا، او مرضا خطيرا، او اصيب باغماءه مفاجئة، ستكون سارة بالين محور الانظار في نقاش دستوري سيكون مثيراً. وإذا كان هناك دائما خوف على حياة الرئيس الاميركي، فإن الخوف اقل على حياة نوابهم لسبب بسيط وهو ان الاحصاءات اظهرت ان نواب الرئيس في اميركا يعيشون أطول من الرؤساء. ولا يزال اربعة نواب رئيس احياء، منهم واحد صار رئيساً: بوش الاب. وولتر مونديل (نائب الرئيس همفري). ودان كويل (نائب الرئيس جورج بوش الاب). وآل غور (نائب الرئيس بيل كلنتون). وفي كتاب «نائب الرئيس: دقة قلب من الرئاسة»: هناك عبارة معبرة تقول «ربما صدفة، وربما سوء طالع، وربما شيء متوقع، وهو ان نواب الرئيس يعيشون اطول من الرؤساء». وربما لسوء حظ سارة بولين، اذا فازت، ستأتي بعد نائب الرئيس ديك شيني، اقوى نائب رئيس في تاريخ اميركا. لكن، ربما ترد سارة بأنها، على اي حال، لن تكن اقل نائب رئيس شعبية في تاريخ اميركا، مثل شيني. ولن تقل شعبيتها في سرعة خيالية. فحسب استفتاءات «غالوب»، في ابريل (نيسان) سنة 2001، بعد ان صار شيني نائب رئيس لثلاثة شهور فقط، انخفضت شعبيته الى نسبة 60 في المائة، وفي هذه السنة، انخفضت الى نسبة 25 في المائة، اقل من الرئيس بوش. وتحمله الاغلبية العظمي من الاميركيين مسؤولية غزو العراق وترك افغانستان تتدهور، والمشاكل التي يواجهها الاقتصاد الاميركي، ووصفه بيدن خلال مناظرته مع بالين بأنه «أخطر نائب رئيس في تاريخ اميركا». بشيني او من دون شيني، تاريخيا ظلت اهمية نائب الرئيس تزيد تدريجيا. ومن الذين كتبوا كتبا عن هذا الموضوع د. جون ميرفي، استاذ الخطب والاتصالات في جامعة جورجيا. وفي كتابه اشار الى جملة تاريخية قالها همفري، نائب الرئيس ليندون جونسون: «يحكى ان امرأة كان لها ولدان: صار واحد بحاراً في سفن المحيطات البعيدة، وصار الثاني نائباً لرئيس الجمهورية. ولم تسمع عنهما بعد ذلك»، ويقال ان نائب الرئيس يعمل 7 ايام في الاسبوع، 24 ساعة في اليوم. طبعا، توجد مبالغة في نكتة همفري. وهو نفسه كان اكثر اهمية من نواب رئيس سبقوه، خاصة في القرن التاسع عشر. ثم ترشح لرئاسة الجمهورية بعد جونسون (لكنه لم يفز. فاز عليه نيكسون، سنة 1968). ربما اصدق نكتة قالها، قبل همفري بمائة سنة، نائب الرئيس جون بريكنريدج، سنة 1857: «لا يساوي نائب الرئيس غير وعاء ملآن بتقيؤ». وبدأت أهمية منصب نائب الرئيس بعد الحرب العالمية الثانية، وزيادة دور الولايات المتحدة العالمي، ودخل بعضهم التاريخ. مثل نيكسون، نائب ايزنهاور، الذي سافر، سنة 1959 الى موسكو لافتتاح معرض اميركي. واستقبله الزعيم الروسي خروشوف الذي اعجب بفرن كهربائي، وغسالة أوان كهربائية. وقال نيكسون مازحاً: «تصنع الرأسمالية ما لا تقدر عليه الشيوعية». وكانت تلك بداية نقاش فكري قصير بين الرجلين، سمي «مناظرة المطبخ» وفي وقت لاحق، ساهم في تحسين العلاقات بين الدولتين خلال الحرب الباردة التي كانت ساخنة في ذلك الوقت. واشتهر غور نائب الرئيس بيل كلنتون لسببين: اولا: لعب دورا رئيسيا في اجازة اتفاقية «نافتا» (تقليل رسوم الجمارك بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك). ثانيا: قدم مبادرة «تكنولوجي هايواي» (ادخال التكنولوجيا في المؤسسات الحكومية، وفي غيرها). لكن، كما كتبت د. ماري ستاكي، استاذة العلوم السياسية في جامعة جورجيا، ومؤلفة كتاب: «اخطاء استراتيجية في الرئاسات الحديثة»، فإن زيادة اهمية نائب الرئيس سببها الرئيسي هو زيادة اهمية الرئيس. فقد صار رئيس اميركا هو العالم الحر (وأخيرا، رئيس الدولة العظمى الوحيدة)، وواعظ يوم السبت (عادة خطاب قصير بالاذاعة كل سبت)، ونجما تلفزيونيا (تسجل كاميرات التلفزيون كل كبيرة وصغيرة يفعلها). واعترف الرئيس كلينتون انه تعمد تفويض نائبه غور، بل وزوجته هيلاري كلينتون، وذلك بسبب كثرة مسؤولياته. لكن، قالت مجلة «ايكونوميست» البريطانية ان الرئيس بوش الابن لم يفوض شيني عمدا، بقدر ما تعمد شيني زيادة سيطرته. وقالت: «يتمنى شيني ان يكون النظام الاميركي بريطانياً، وذلك حتى يصير رئيسا للوزراء».