أسمهان

غسان الإمام

TT

«كانت أسمهان تتصرف وكأنها تقوم بزيارة خاطفة إلى الدنيا» ـ مصطفى أمين /1995 ـ لو عاشت...

لبلغت اليوم السادسة والتسعين لكنها اكتفت باثنتين وثلاثين سنة رحلت منذ أربع وستين سنة وظلت باقية في الذاكرة لسنا بحاجة لامرأة تذكرنا بها حتى ولو أجادت تقليدها كلنا نفضِّل اسمهان كانت رديئة على شاشة السينما كانت باهرة على شاشة الحياة امرأة اختصرت مغامرات الرجال وهربت من ثلاثة أزواج

* اسمهان صوت لا يُنسى فيه الكبرياء ممزوجة بالحزن النبيل غنت مع عبد الوهاب «مجنون ليلى» ذكَّرته برنين حبات الكريستال وهي تنهمر متكسرة على الرخام تجاهلها كبار الملحنين غنت في ملهى بديعة فتنافسوا على التلحين لها لكن شقيقها فريد كان أنجحهم

* اسمهان جمال لا يُنسى عينان عسليتان لا تملكهما «سُلاف» جاذبية أشقت العشاق أناقة أثارت غيرة النساء بوهيمية تسهر. تشرب. تقامر مزاجية تحب. تنتحر. تغامر متقلبة ترقص وتصلي متعالية على العظماء متواضعة مع البسطاء مبذرة تتلف رصيد العمر لا «فِكَّة» تبقى لأجرة التاكسي

* امرأتان عاشتا عصرا واحدا جدَّتُكَ تقرأ الفنجان واسمهان تركب الجان الدروز انجليز سورية ولبنان ذكرها الانجليز بصداقتهم لقومها سفَّروها لتحرضهم على فرنسا أدت الدور لاحقتها العيون فرت متخفية برمال الصحراء ظلت اسمهان لغزا يعذب المؤرخين

* مصر تفتح قلبها لمن يأتي ولا تسخو بجنسيتها على من يقيم هربت علياء المنذر بأولادها الثلاثة لجأت إلى مصر «أم الدنيا» مطلقةً زوجها هاربةً من غضب فرنسا على الدروز تذكر سعد زغلول ثورة سلطان الأطرش فسمح لها بالدخول عضَّ الفقر الأسرة بأنياب الجوع تذكرت الأم عبد الرحمن الشهبندر شكت الحال إلى زعيم سورية المهاجر فنقد ابنتها (آمال) ريالا واحدا

* نهرب من رداءة الواقع نعيش الحنين إلى الماضي القريب نتذكر المكان نعيش الزمان نطارد فيهما الراحلين نستدعيهم إلى الشاشة نعبث بهم بلا رحمة نحذف منهم. نشطب التاريخ نسخرهم لخدمة الحاضر لا نتركهم في راحتهم الأبدية لكن الذكرى أرحب من «الكاميرا» الخيال أكثر صدقا ووفاء مات فريد الأطرش في لبنان أوصى بدفنه في «أم الدنيا» اختار قبرا بجوار اسمهان «فَرَّقْ ما بينّا ليه الزمان؟!»