كيف يأخذ المصرفيون ساعتك ثم يخبرونك عن الوقت

ظهرت البنوك في إيطاليا.. وحمل العاملون فيها دائما سمعة غير حسنة من شكسبير إلى بولسون

TT

يحكى أن أحد موظفي البنوك حصل على ترقية بعد نجاحه في استثمار للاوراق المالية فقرر أن يفصل بدلة جديدة عند الخياط، وحين ذهب لتجربتها للمرة الاولى اكتشف عدم وجود جيوب في السترة فسأل الخياط عن السبب وهل هو النسيان فأجاب الخياط : لقد أخبرتني أنك تعمل كمصرفي فهل سمعت أن أحدا منهم يضع يديه في جيوب سترته أو بدلته؟ المغزى واضح هذه الأيام بعد وصول النظام المالي الدولي الى شفير الهاوية بسبب افلاس بعض البنوك لذا يتساءل المرء: ما هي الصفات السبع الأساسية المطلوبة للعمل في المصارف أو البنوك وادارتها وتوظيف المدخرات المودعة فيها بشكل مربح ؟ اذا أحببنا المزاح وبدأنا تسجيل الأولويات بشكل معكوس نلحظ انها: الثقة ـ الاحترام ـ النزاهة ـ المهنية ـ التفوق ـ الروح التجارية ـ خدمة الزبائن. لكن بعد انطلاق زلزال الأزمة المالية الأخيرة في العالم كيف أصبحت صورة المصرفي في ظل الظروف الحاضرة؟

لم تكن صورة المصرفي طيبة عموما في أذهان الكثيرين من الناس، لا قبل الأزمة ولا بعدها، فالصورة النمطية عن المصرفي هو أنه شخص مثله مثل مندوب المبيعات أو العاملين في شركات بيع العقارات وتأجيرها، شخص لا يوثق به، لا يهتم فقط الا بالمال وتحقيق الربح. وعلى هذا الاساس، فإن الاشخاص الذين يهتم بهم المصرفي حقا هو الاغنياء فقط، اما الفقراء، اي الذين يعيشون على مرتباتهم، فإن المصرفي لا يريد منهم غير أن يودعوا رواتبهم الشهرية في بنكه، لتحقيق ارباح على حسابهم، فهم لا يحققون أية ارباح. وهناك في هذا السياق قول يتردد كثيرا وهو: «إذا كنت مدينا للبنك بـ100 دولار، فهذه مشكلتك. اما إذا مدينا للبنك بـ100 مليون دولار، فهذه مشكلة البنك»، فالبنك سيأخذك ويحاول مساعدتك في تسديد الـ100 مليون دولار، وعندما يفشل تقوم الحكومة بمساعدته. الجميع يخرج رابحا، الا صغار المودعين، فهم لا يحققون شيء. ويبدو أن صورة المصرفي كانت دائما تحمل جانبا سلبيا، حتى قبل ان توجد الكلمة. ففي مسرحية الكاتب والشاعر الانجليزي وليام شكسبير «تاجر البندقية» صور شكسبير التاجر، الذي يشبه كثيرا المصرفي اليوم، فهو ايضا يعطي ديونا بفائدة عالية جدا. وفي مسرحية شكسبير عندما لم يقم الشخص المدين بتسديد كل ما عليه من ديون، طلب منه الدائن أن يقوم بتسديد الباقي المستحق عليه من لحمه. طبعا قد يكون هناك مبالغة ودرامية في هذه الصورة، لكنها في نظر البعض، لا تختلف كثيرا في حقيقتها عما حدث خلال الاسابيع الماضية، حيث ان الكثيرين من اصحاب الوادئع الصغيرة في البنوك، خسروا ودائعهم او جزءا منها، في حين ان مديري البنوك وكبار العاملين فيها خرجوا من بنوكهم مطرودين من وظائفهم، لكن في جيوبهم ملايين الدولارات كتعويضات ومكافأت. وربما في اطار الصورة السلبية، تخرج بشكل دائم نكت عن البنوك والمصرفيين. فمثلا يقال ما الفارق بين موظف في بنك استثماري وبيتزا من الحجم الكبير؟ الجواب: بيتزا من الحجم الكبير تطعم أسرة من أربعة أفراد. وسؤال آخر: لماذا يعود حاملو درجة الماجستير في إدارة الأعمال إلى الكلية؟ الجواب: ليطلبوا استرداد الأموال التي دفعوها. أما أفضل ما قيل ويلخص في نظر البعض الصورة الحقيقة للمصرفيين، فهى مقولة على لسان أحد المتعاملين في البورصة وهي: «هذه الأزمة أسوأ من الطلاق. فقد خسرت نصف ثروتي وزوجتي ما زالت معي».

وربما بعد الأزمة الحالية ازادت صورة المصرفي سلبية، فبعد الازمة الاقتصادية الأخيرة خرج أحدهم بنكتة أصبحت تتردد كثيرا الآن وهي: كان وزير الخزانة الأميركي هنري بولسون يمارس رياضة العدو في سنترال بارك في نيويورك، عندما خرج عليه رجل مقَنع فجأة ومعه مسدس. قال له الرجل: «أعطني كل مالك؟» قال له بولسون: «لا يمكنك أن تفعل هذا فأنا وزير الخزانة». فقال الرجل: «في هذه الحالة، أعطني مالي!».

لقد تداعت ثقة الناس في البورصة والأسهم والاستثمار وترك الاموال في البنوك، لدرجة ان الناس من اميركا الى آسيا، مرورا بأوروبا بدأت تقوم بشكل مجنون ومتسارع بسحب ودائعها البنكية على أساس أنه على العكس باتت البنوك رديفا للمخاطرة، وليس للحفاظ على الاموال ناهيك من زيادتها. وفي هذا الصدد قال أحدهم: إذا اشتريت أسهما من نورتيل بألف دولار منذ عام، ستصبح قيمتها الآن 49 دولارا. أما إذا اشتريت بهذا الملبغ أسهما من إنرون (شركة طاقة اميركية) فسيتبقى لك 16,5 دولار، وفي وورلدكوم (شركة انترنت) يبقى لك أقل من 5 دولارات. وإذا اشتريت أسهما بألف دولار في دلتا للخطوط الجوية، يتبقى 43 وإذا اشتريتها في «يونايتد» للخطوط الجوية، لن يبقى لك شيء. أما إذا اشتريت بهذا المبلغ بيرة منذ عام، واحتسيتها كلها، ورددت العلب المعدنية من أجل إعادة تدويرها فستحصل على 214 دولارا. وبناء على ما سبق أفضل نصيحة استثمارية هي الاكثار من الشراب وإعادة التدوير.

وكثر لا يعرفون أن كلمة بنك أصلها ايطالي إذ تعني كلمة « بانكو» ( وتطورت اليوم الى بانكا) طاولة المكتب أو أي مقعد يتسع لشخصين أو أكثر حين بدأ التعامل بالبنوك في مدينة فلورنسا بوسط ايطاليا في القرن الخامس عشر فوق بانكو مغطى بغطاء أخضر أيام حكم عائلة مديتشي التي كانت تمول ملوك فرنسا ثم أنشأ عام 1472 في مدينة سيينا القريبة «بنك جبل باسكي في سيينا» الذي مازال قائما حتى الآن وله 1800 فرع ويعتبر المصرف السادس في ايطاليا برأسمال يقدر بـ 11 مليار يورو ( أو 15 مليار دولار) بعد بنك الاقراض الموحد (يوني كريدت) الأول في البلاد برأسمال يفوق81 مليار يورو ( أو 110 مليارات دولار) ويتعرض للضغوط الكبيرة هذه الأيام بسبب الأزمة المالية العالمية ويليه بنك انتيزا سان باولو برأسمال يزيد على 69 مليار يورو ( أو 93 مليار دولار).

لكن البعض يؤكد أن أول بنك في العالم واسمه بنك «سان جورجيو» أنشأ في مدينة جنوى الايطالية عام 1407 وكان مقره قصر سان جورجيو الذي بني في القرن الثالث عشر لابن أخ القاضي الأول (الدوج) سيمون بوكانيرا بطل الاوبرا الشهيرة للموسيقار فيردي بنفس الاسم. وكان من زبائن ذلك المصرف الملك الاسباني فيرديناند والملكة ايزابيلا اللذان قاتلا العرب في الأندلس ثم مولا رحلة كريستوف كولومبوس البحرية لاكتشاف اميركا وكان كولومبوس يملك حسابا في المصرف ذاته، وفي القرن السابع عشر قام البنك بتسليف الأموال إلى شركة الهند الشرقية التي تملكها هولندا وانجلترا للقيام بالمغامرات الاستعمارية في آسيا.

البنوك أثرت على السياسة والاقتصاد دوما وعبر التاريخ وكانت للمصرفيين صورة صارمة آنذاك فكانوا يهتمون بالربح أولا وإرضاء الحكام ثانيا وإقراض الأغنياء والموسرين بفائدة عالية تقارب الربى ويتبعون مبدأ «الربح لنا والخسارة على الدولة». ويشاع أن المصرفي اللورد روتشيلد الذي أصدر له بلفور وعده المشهور عن اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كان يمول مع المصرفي الاميركي روكفلر زعيم الثورة الشيوعية في روسيا لينين لأن قيصر روسيا آنذاك رفض السماح للاستثمارات البريطانية والاميركية في أوائل القرن العشرين باستخراج البترول في روسيا. كان النشاط التقليدي للبنك في البداية أن يفتح حسابا جاريا للزبائن الذين يودعون أموالهم في البنك ثم يصرف الشيكات التي يسحبونها أيا كان البنك بمثابة وكيل للمدفوعات وكان القاعدة لربح البنك هو الفرق بين ما يدفعه من فائدة للزبون المودع والفائدة التي يطلبها البنك من الدائن، ثم تطور الدور التجاري للبنوك فغدوا يصدرون كتاب الاعتماد للتجار وشهادات الايداع للزبائن لاستثمار أموالهم في البورصة والأسواق المالية وتمكنت المصارف من تمويل التجارة العالمية التي تضاعفت عدة مرات بعد بدء حقبة العولمة حيث وصلت التعاملات المصرفية في العالم الى ما يزيد على 74 تريليون دولار في عام 2007 . الايطاليون لعبوا دورا هاما في تأسيس البنوك، فبنك «بنك اوف اميركا» الذي اشترى مؤخرا مؤسسة «ميريل لينش» للاستثمارات وأصبح أحد أهم مصرفين في الولايات المتحدة كان اسمه قبل أكثر من مائة عام «بنك ايطاليا» لأن مؤسسه كان اميركيا من أصل ايطالي ويسكن في ولاية كاليفورنيا مقر البنك حتى اليوم.

فقاعة الرهن العقاري هي التي فجرت الأزمة الحالية منذ حوالي عام مضى في الولايات المتحدة محرك الاقتصاد العالمي وكان رجالها الأوائل المقرضون في البنوك الاستثمارية على عكس المصرفيين القائمين على إدارة البنوك العادية الذين يتبعون قوانين رقابة حكومية عن طريق البنك المركزي ( بنك الاحتياط الفيدرالي) أما البنوك الاستثمارية مثل «ليمان براذرز» الذي أفلس مؤخرا بعد 154 عاما على تأسيسه فقد أوهموا السلطات الحكومية المتساهلة معهم بأنهم يقدمون «منتجات مبتكرة» تتخطى قانون رقابة وضمان الاستثمار فاشتروا ديون القروض العقارية من مصارف ومؤسسات أخرى قامت بمنحها للمشترين الذين أعلنوا أن دخلهم يسمح لهم بتملك تلك العقارات بدون أن تتأكد تلك المصارف من مصادر دخلهم الفعلية وبيانات الضرائب التي لا يمكن أن يصرح صاحبها عن دخل يفوق دخله الفعلي كي لا يدفع ضرائب تتجاوز الحدود الحقيقية، وكانت الفكرة أن أسعار العقارات سترتفع مع الوقت ولذا فلا داع للقلق.

البنوك الاستثمارية الاميركية قامت بجمع آلاف الديون العقارية في رزمة واحدة ثم باعتها الى بنوك اخرى في اميركا أو أوروبا أو آسيا بشكل لم يعد لأي مقرض أن يتمكن من معرفة صاحب الدين الأساسي ومقدرته على الدفع المنتظم لتسديد الدين وبذا تخطت الحدود المالية السليمة وأصبح «التسليف الخطر» فكرة معترفا بها مما أدى في النهاية الى نقص السيولة حين طلب المودعون ـ ومنهم شركات استثمارية وبنوك اخرى قامت بالتسليف ـ استرجاع أموالهم بشكل يتعدى الموجودات.

فكرة المواطن العادي عن المصرفيين هي أنهم شريحة خاصة من المهنيين تحيط نفسها بطقوس خاصة ولغة مشفرة لا يفهمها إلا من تسول له نفسه متابعة تفاصيل ما يجري على ساحة الاقتصاد والأسواق المالية وتعيش برغد وتعمل في أبنية فخمة حديثة من الفولاذ والزجاج يكلف بناؤها ملايين الدولارات من أموال المودعين والمستثمرين الذين يدفعون عمولات كبيرة على كل عملية ورقية أو مكالمة هاتفية. الشعب في اميركا غاضب بالذات حاليا على المصرفيين في البنوك الاستثمارية التي يعتقد البعض أنها ساهمت في تحطيم الاقتصاد في الأرجنتين قبل عشر سنوات ويحصل العاملون فيها على راتب سنوي وتعويضات تصل الى نصف مليون دولار (بينما يحصل زملاؤهم في البنوك العادية على ربع هذا المبلغ) ويقومون بالمجازفات في سبيل الربح وكأنهم يطبقون المثل القائل «حب العملة أساس كل علة» فاذا نجحت المغامرة كانت مكافآتهم على أعلى مستوى من الناحية المادية والأسهم أما لو خابت المخاطرة كما أفلس بنك ليمان الاستثماري فان رئيسه ريتشارد فولد يحصل على جائزة فعلية بقيمة 60 مليون دولار عدا ونقدا وهذا ما يسمونه بلغة الممولين «الهبوط سالما بمظلة ذهبية».

ويتساءلون الآن: حين تتبخر ملايين الدولارات من حسابات الادخار وأسعار الأسهم والسندات فإلى أين تذهب؟ أي اذا لم تعد قيمة أموال المواطن الاميركي والاوروبي والياباني كما كانت عليه قبل أشهر فمن يملكها؟ هل هي الصين او الهند؟ أم ما يسمونهم «القطط السمينة» والسماسرة في وول ستريت شارع الأعمال بنيويورك؟ الواقع يقول انك ربما ستكتشف أنها لم تكن أموالا حقيقية في المقام الأول بل هي أرقام في مخيلتك لا أكثر مثل أرقام التخمين العقاري إذ قد يثمن الخبير قيمة منزلك بـ 300 ألف دولار وبعد أشهر يخفض المبلغ إلى 200 ألف فتتساءل أين اختفت المائة ألف. عليك أن تدرك أن الرقم مسطر في ذهنك فقط ولا يتحول إلى واقع إلا إذا غامر أحدهم ودفع لك المبلغ فعلا لشراء دارك. ويقولون الان إن خطة الانقاذ الاميركية بمبلغ 700 بليون دولار تعني عمليا «شراء النفايات بالفلوس» (أو cash for trash بالانجليزية) لأن وزير الخزانة يريد تثمين ما يسميه «الأسهم السامة» بسعر السوق الحالي لكن المستثمر المعروف وارين بافيت يعتقد أن قيمتها ستنخفض مجددا لذا فهو ينتظر سعرا أفضل في المستقبل (بالنسبة له طبعا !).

اما عامة الناس في الغرب فيلومون البنوك حاليا على بيع الأوهام والأحلام رغم كل ما لديهم من دراسات جدية حول الاقتصاد في كل بلد وكل شركة في كافة القطاعات ومع ذلك فقد شجعوا المديونية غير عابئين بالمخاطر والعواصف. فقد عاش الناس سعداء لارتفاع أسعار منازلهم خلال السنوات الخيرة وأدى القطاع العقاري دور الممسك للاقتصاد الاميركي مما سمح بالانفاق العسكري الكبير بدون حساب. لكن البنوك لم تحذر زبائنها المخلصين من احتمال تراجع الأسعار العقارية مع ما يحمله الانخفاض من تصدع وانهيار اقتصادي فالديون كلها متراكمة لدى البنوك من تسليف عقاري مقابل رهن الدار حتى يستوفى الدين إلى بطاقات الائتمان التي تصل فيها الفائدة إلى 20 في المائة على الأقل إذا لم يدفع المدين ما عليه لأكثر من شهر، وبعض المضاربات المالية تحولت الى صناديق محمية من تقلبات الأسعار العالمية hedge funds لذا لا تخضع للقوانين والأنظمة المرعية وبعض البنوك اخترع أدوات مالية وابتكر مصطلحات جديدة أسماها «المشتقات المالية» derivatives لكن الغموض يكتنف طبيعة العمليات المرتبطة بها. «بنك اميركا» كان يمنح القروض بمقدار يزيد على ستة أضعاف مما يملك ويقال إن نسبة قروض بنك ليمان المنهار وصلت إلى 12 ضعفا أي أن عنصر المخاطرة يجتاز حد المضاربات والمغامرة المعقولة ليصل الى حد المقامرة في ملاهي لاس فيغاس. المشكلة الآن لن تتوقف عند البنوك بل ستشمل الشركات الصناعية الكبرى مثل جنرال موتورز للسيارات التي تسعى للاندماج مع خصومها مثل شركة فورد أو كرايسلر لتتمكن من البقاء بعد تسريح عشرات الالوف من العمال، ثم تبدأ الافلاسات وقد نبلغ مرحلة الكساد العظيم ونوبة الهبوط والانهيار والفتور مثلما جرى في أواخر العشرينات من القرن الماضي. وكان الموجب الرئيسي لذلك تراكم الديون وهذا السبب يعرفه جيدا رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي بن برناركي المختص باقتصاد مرحلة الكساد الكبير في اميركا، لذا فان صورته لدى الشعب أنه مسؤول قادر على إنقاذ السفينة هذه المرة بسبب الدروس التي تعلم منها الاقتصاد من تلك الحقبة حين صرح المصرفي الشهير جون روكفيلر آنذاك « لقد عشت 93 سنة ورأيت عدة مرات في حياتي الكساد الاقتصادي الذي يتبعه الانتعاش فعلينا التفاؤل بأننا سنخرج من الأزمات فهذه سنة الحياة». أما رجل الساعة وزير الخزانة هنري بولسون الذي عمل رئيسا لبنك الاستثمار الضخم غولدمان ساكس والذي مازال قائما مع البنك الاستثماري الآخر مورغان ستانلي الذي يرأسه جون ماك من أصل لبناني فصورته لدى الرأي العام ايجابية رغم التأخر في بدء عملية الانقاذ الصعبة التي يقوم بها في ظروف العولمة المعقدة وتأثير أي قرار على مصير الدول النامية بالاضافة الى الدول الصناعية. ويقال على سبيل المداعبة أن اسم وول ستريت (أي شارع الجدار بالانجليزية الذي يحمي الاقتصاد) سيتبدل في عهده إلى «فول ستريت» (أي شارع الانهيار) أما مورغان ستانلي فقد نجح أخيرا في إغراء مؤسسة ميتسوبيشي المالية اليابانية لشراء خمس رأسماله بدلا من الالتجاء الى الخزانة الاميركية لانقاذه وربما تفتح تلك الصفقة الباب أمام الصناديق العربية لشراء حصص في بعض الشركات المالية الاميركية. ففي ايطاليا حيث نجد أداء الاقتصاد أقل قتامة تمكن وزير الاقتصاد الحالي جوليو تريمونتي، وهو من الاقتصاديين المحافظين الذين يميلون الى سياسة حماية الاقتصاد الوطني من المنافسة الأجنبية، من تخفيف القلق على الاقتصاد الايطالي وكسب ثقة رئيس الوزراء الملياردير سيلفيو برلسكوني الذي ينفر من الاجراءات الاشتراكية ويخشى ايضا ـ في حال الانكماش الاقتصادي ـ على مصير الدعايات التجارية في القنوات التلفزيونية الخاصة التي يملكها. ويؤكد تريمونتي استاذ الاقتصاد الجامعي والمدافع المخلص عن السوق الحرة أن الحكومة الايطالية ستحمي الودائع في المصارف مهما جرى «ولن ندع أحدا يشهر إفلاسه» قبل نهاية العام المقبل على الأقل فلربما تمر العاصفة حينئذ. وخلاصة الكلام أنه حتى الاقتصاديين الليبراليين المحافظين من مدرسة الاقتصادي ميلتون فريدمان أدركوا أن يد السوق الخفية لن تحل الأزمة المستفحلة وأن الدولة لا تستطيع أن تترك الناس وحدهم في مواجهة المصارف. هل سيتمكن «الرفاق» بوش وبولسون وبرنانكي من تدخل الدولة بنجاح وتحقيق التأميم الجزئي للمصارف لانقاذ الاقتصاد الاميركي المتهاوي مستهدين بنظريات الاقتصادي البريطاني جون كينز من ثلاثينات القرن المنصرم التي تعتمد على سياسات تدخلية للدولة في الحقل الاقتصادي وآراء جوزف ستيغلتز رئيس مجلس الخبراء الاقتصاديين في عهد الرئيس السابق كلينتون ثم المسؤول الاقتصادي الأول في البنك الدولي الحائز جائزة نوبل عام 2001 وكذلك بول غروغمان استاذ الاقتصاد في جامعة برنستون الاميركية الذي يبشر بـ«الكنزية الجديدة» (نسبة إلى كنز) الحائز جائزة نوبل للاقتصاد هذا العام وكان أول من كشف وجود نظام مصرفي حر من القيود ومواز للنظام المصرفي الرسمي الخاضع للقوانين على صفحات جريدة النيويورك تايمز قبل أشهر، وهل سيتمكن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأشقاؤه الاوروبيون من التغلب على المصاعب وهياج أسواق البورصات الاوروبية التي خسرت ربع قيمتها في ظرف اسبوع واحد ؟ لنرى الفصل المقبل في هذه المسرحية العالمية الحافلة بالمطبات والمفاجآت والدلائل الأولية توحي بأن النظام المالي الدولي سيتعدل فقد ولى عهد الانفلات المالي والغاء الرقابة الحكومية الفعلية فالاسواق لن تطغى على الحكومات والتوازن سيعود بين الطرفين بعد مشاركة الحكومات في رأسمال المصارف. ويقول أحد الممثلين الهزليين في برنامج للسخرية السياسية على إحدى قنوات التلفزيون الاميركية إن الرئيس بوش يسعى جاهدا لحل الأزمة المالية الراهنة بأسرع ما يمكن ويفكر مليا بشراء الحكومة للبنوك المتعثرة قبل خروجه من البيت الأبيض لأنه يريد ضمان حقوقه التقاعدية بعد نهاية العام !