المشكلة النفسية.. للسوق

النظريات الاقتصادية لا تستطيع وحدها تفسير الأزمة فهناك تأثير الإشاعات والقلق والخوف.. حتى التشاؤم

TT

رغم أن الحكومات الغربية دفعت مئات المليارات من المال العام لإنقاذ المؤسسات المصرفية في بلادها، فلا تزال الأسواق وتتجه نحو الأسفل. ويرى بعض الخبراء الماليين أن انخفاض أسعار الأسهم في البورصات الدولية لا يمكن تبريره فقط وفق شح السيولة بالمصاريف بل لا بد أن هناك عواملَ نفسية تجذب السوق نحو التشاؤم. وفي هذا الصدد قال لـ«الشرق الأوسط» الخبير المالي، الين تايلي، من بنك «اتش اس بي سي»، إن العامل النفسي البديهي هو تضائل ثقة المستثمرين والمتداولين والمستهلكين بالأسواق المالية والنظام المصرفي بشكل عام. وأضاف «من كان يتصور أن مؤسسات مالية كبيرة مثل بنك ليمان بروذرز وميريل لينش سيهويان». ولا ينحصر انعدام الثقة بالمستثمرين والأفراد فحسب بل أن المصارف نفسها أصبحت لا تثق ببعضها بعضا، لذا فقد شددت سياسة الإقراض فيما بينها.. وهذا هو سبب المشكلة أصلاً. فالمصارف أصبحت تخشى إقراض أي بنك ثم تكتشف في الصباح أنه يخبئ «مصائب» بين دفاتر حساباتها، وأنه قد يفشل في السداد أو حتى ينهار بين ليلة وضحاها. ومن جانبه، أيد كيلي تيرنر، من مؤسسة «فيرست أكشن» المالية، لـ«الشرق الأوسط» ما ذهب إليه تايلي، مضيفاً أن استعادة الثقة عادة تستغرق وقتاً طويلاً حتى بعد انقشاع الأزمة «تماماً مثل الخوف الذي لا يخرج من قلوب الناس في أعقاب تعرضهم لإعصار حتى بعد أن يرحل عنهم الاعصار بأسابيع طويلة». وأشار في هذا الصدد إلى ما يحدث في أسوق الأسهم الخليجية من تراجع كبير ومفاجئ للأسعار، قائلاً إن هذا أفضل دليل على أن أزمة الثقة هي السبب وليس شُح السيولة، لأن دول الخليج النفطية لا تعاني من شح السيولة بل على العكس فهي تتمتع بسيولة فائضة بسبب ارتفاع أسعار النفط على مدى 4 سنوات متواصلة. وأضاف أن السوق الذي تنعدم فيه الثقة يصبح كمريض الآيدز الذي يكون عرضة لالتقاط الفيروسات بسهولة ومن دون مناعة. فالإشاعات الآن تسري في الأسواق المالية بسرعة هائلة وعلى رأس كل ساعة تقريباً، بينما يستجيب لها المتداولون بسرعة ومن دون تمحيص مما يعكس حالة من الاهتزاز النفسي وعدم الثقة حتى في النفس، بل يعكس سيطرة عقلية القطيع على الأسواق. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش نفسه قد ألقى خطاباً متلفزاً الأسبوع الماضي وجهه للشعب الأميركي، الذي تضرر أكثر من غيره من هذه الأزمة، قال فيه إن الولايات المتحدة تواجه أزمة مالية خطيرة، وإن الاقتصاد الأميركي والغربي برمته يعتبر في خطر. وحذر بوش من أن أسواق المال لا تعمل كما ينبغي «لأن الثقة فقدت فيها»، مما يهدد العديد من المصارف بالافلاس، ومن ثم دخول الاقتصاد حالة من الركود. غير أن كلاً من تيرنر وتايلي شدد على أن العامل النفسي ليس هو، بطبيعة الحال، السبب الرئيسي في الأزمة، فلا تزال الديون الهالكة وسياسة الإقراض المتساهلة التي اتبعتها المصارف الغربية لسنوات طويلة هي السبب الحقيقي في ظهور الأزمة. لكن السبب الأصلي الذي أدى إلى المرض قد يزول وتبقى الأعراض هي التي تتطلب علاجاً. وكانت الأسواق المالية في الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق أخرى من العالم قد شهدت تراجعاً كبيراً في مؤشراتها خلال الأيام الماضية رغم خطط الإنقاذ السخية التي ظلت الحكومات تعلنها بضخ مئات المليارات من الدولار في النظام المصرفي بهدف إعادته إلى الحياة. ولم يفلح اعلان الرئيس الأميركي جورج بوش عن خطة لضخ 700 مليار دولار في تبديد مخاوف المتعاملين في بورصة وول ستريت من امكانية دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة الركوض. وأشار المتعاملون في البورصة إلى أنه من المتوقع أن تبقى البورصة مضطربة خلال الأسابيع المقبلة بسبب المخاوف الاقتصادية. وكانت أسواق الأسهم قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في فترة وجيزة ربما بدافع التفاؤل بعد إعلان خطط الانقاذ الحكومية، بما فيها الدول الخليجية، لكنها عادت وانخفضت بشدة بسبب عدم ثقة الأسواق بنجاح هذه الخطط في تفادي وقوع الاقتصاد العالمي في براثن مرحلة ركوض حقيقي.

ويقول تايلي إنه قبل ستة أشهر سأل عدداً من الأفراد، بمن فيهم متداولون في البورصة وموظفون بمؤسسات مالية، ما اذا كانت أزمة الائتمان بين المصارف تؤرقهم؟ فأجابت الغالبية بأنها لم تؤثر عليهم في شيء. أما الآن فالوضع مختلف 180 درجة. فعندما بدأت الأزمة كانت تبدو محصورة في الأسواق المالية التي تتعامل بالأرقام (منها الحقيقي ومنها الافتراضي). وظن الناس وقتها أن خسائر البنوك والبورصات ستكون فقط على حساب الأرباح الكبيرة لتلك البنوك وأثرياء البورصات، لأنهم كانوا يربحون أكثر مما يجب فلا ضيرَ في أن تتآكل أرباحهم أو حتى تختفي. ولم يظن وقتها، إلا قليل من العارفين، أن الأزمة المالية الورقية في أسواق المال ستسري كالعدوى إلى جسد الاقتصاد الحقيقي المتمثل في انتاج الشركات والمصانع وأسعار البضائع والمنازل السكنية، بل وإلى وظائف المواطنين العاديين. وكما يشرح تايلي، فإن الأزمة بدأت في سوق العقارات الأميركية ثم انعكست أزمة القروض العقارية على أداء بعض المصارف، فخافت منها المصارف الأخرى وامتنعت عن إقراضها مما أدى إلى أزمة الائتمان بين البنوك، وراحت هذه الأزمة بدورها تخلق أزمة ائتمان عامة (يواجهها الجميع وليست المصارف وحدها) مما أثر على قدرة المستهلكين والمستثمرين والشركات والأفراد على الاستدانة والحصول على تمويل. وبالطبع، فإن جفاف السوق من التمويل أثر سلباً على غالبية القطاعات الاقتصادية المنتجة، وهذا بدوره أطاح بثقة المستثمرين والمستهلكين في الأسواق. والآن أصبح انعدام الثقة يغذي الدائرة الخبيثة نفسها.. «فهي كدوامة البحر التي تغذي بعضها بعضا وتدفع ببعضها بعضا نحو الأسفل». وأضاف أن فقدان الثقة بالمؤسسات المالية يعني، عملياً، تقلص الإنفاق «لأن كل فرد أو شركة تتمسك بما لديها من سيولة في أوقات الأزمات، ومن ثم تتوقف مشاريع التوسع في الانتاج. كما تصاب البضائع بركود في الأسواق لأن المستهلكين لا يرغبون في الشراء.. وهذه هي بداية الركود. وبالفعل، فعدما تنتقل الأزمة من أسواق المال الورقية وأسعار الأسهم والسندات إلى وظائف الناس ومنازلهم وملبسهم وغذائهم وسياراتهم، فهذا هو الاقتصاد الحقيقي الذي يتضرر. وأكدت آخر الاحصاءات الصادرة بالولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية انتقال الأزمة من البورصات إلى الاقتصاد الحقيقي، إذ أظهرت بيانات اقتصادية بالولايات المتحدة أن مبيعات التجزئة سجلت في سبتمبر (أيلول) الماضي أكبر انخفاض شهري لها منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وقالت وزارة التجارة إن المبيعات انخفضت بنسبة 1.2 في المائة الشهر الماضي إلى 375.5 مليار دولار، وهذا أكبر انخفاض يُسجل منذ أغسطس (آب) عام 2005 عندما انخفضت المبيعات بنسبة 1.4 في المائة. وجاءت هذه الاحصاءات كضربة قوية للأسواق والمواطنين الذين اعتبروها تأكيداً لتوجه الاقتصاد الحقيقي نحو الركود. ولزيادة الطين بلة أعلنت وزارة المالية الأميركية أن عجز الميزانية الأميركية تضاعف ثلاث مرات خلال السنة المالية 2007 ـ 2008 ووصل إلى 455 مليار دولار، وهو أعلى رقم يصله على الإطلاق، ويمثل أكثر من 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وقال وزير الخزانة بولسن إن هذا العجز يعكس المشكلات الحالية وبطء النمو الاقتصادى. ويعتقد المراقبون أن الرقم قد يصل العام المقبل إلى 700 مليار دولار. وبعد أن كانت الأسواق تحاول التفاؤل عادت وانغمست في تشاؤمٍ جديد. فبعد ارتفاعٍ لفترة وجيزة في أسواق الأسهم مطلع الأسبوع الماضي عقب الإعلان عن الخطط الحكومية لانقاذ المصارف، عادت الأسهم في معظم الأسواق حول العالم إلى الانخفاض الحاد. ونجد أن الصورة متكررة في عدد من الدول الغربية، ففي بريطانيا أيضاً أوضحت إحصاءات أن عدد العاطلين عن العمل هذا الصيف ارتفع بأسرع وتيرة له منذ الكساد الذي شهدته البلاد أوائل التسعينات. ويتوقع الخبراء زيادات أكبر في الفترة المقبلة بسبب تداعيات الأزمة المالية على الشركات في مختلف قطاعات الاقتصاد. وقال مكتب الاحصاء المركزي إن عدد الذين فقدوا وظائفهم خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في أغسطس (آب) فاق 160 الف شخص، أي بمعدل 1.600 شخص كل يوم. ويتوقع الخبراء أن يرتفع هذا المعدل خلال الأشهر المقبلة. ورغم هذا الارتفاع في البطالة، فإن معدلها في بريطانيا يبلغ 5.7% من القوى العاملة. أما في فرنسا وألمانيا فقد فاقت النسبة 7%. وكان «مكتب الإفلاس» الحكومي البريطاني قد أصدر الشهر الماضي إحصاءات أوضحت أن نسبة إفلاس الشركات والأعمال التجارية ارتفعت في انجلترا ومقاطعة ويلز بنسبة 130% خلال الـ12 شهراً الماضية، بينما توقع كارتون كيلي، رئيس قسم إعادة الهيكلة في المكتب، أن يبلغ عدد الإفلاسات نحو 280 شركة أو أسماً تجارياً في الأسبوع الواحد. أحد الضحايا قال: قبل 6 أشهر لم أظن أن الأزمة تعنيني في شيء , إلا أنه كان مخطئا, فعندما هاجر والدا «أوزدين سيركان» من تركيا إلى بريطانيا قبل نحو 35 عاماً. كان ابنهما أوزدين في الثامنة من عمره. وكان والداه يطمحان لأن يصبح إما طبيباً أو مهندساً، لذا فعندما كبر الابن مع أحلام والديه درس الهندسة المعمارية، وحلم هو الآخر أن يصبح مهندساً مثل نورمان فوستر، أشهر المعماريين البريطانيين رغم أنه لم يكمل دراسته الجامعية. غير أن أحلام سيركان اصطدمت بالواقع عندما وجد صعوبة في الحصول على عمل في مجاله الهندسي إبان الركود الاقتصادي الذي ضرب بريطانيا أوائل التسعينات. فجرب سيركان تغيير صنعته وعمل موظفاً صغيراً في بنك «ناشونال وستمنستر» لمدة عامين لحاجته للمال والاستقلال عن والديه. ومع مرور الوقت استهوت المعاملات المالية الشاب الصغير، فقرر أن يبقى في هذا المجال وأن ينمِّي قدراته ومؤهلاته عبر الحصول على دورات دراسية مسائية ودبلومات أكاديمية. وقال سيركان لـ«الشرق الأوسط» إنه تنقل بعد ذلك بين عدة شركات مالية حتى وصل إلى حي المال في لندن حيث أصبح متداولاً في الأسهم لحساب صناديق الاستثمار التي يديرها بنك «باركليز»، ثم قرر سيركان، بعد أن جمع بعض المدخرات، أن يترك البنك ويعمل لصالحه كمستثمر صغير في سوق السندات والأسهم حيث حقق بعض الربح من التداول في أسهم شركات التكنولوجيا والإنترنت التي كانت في قمة نشاطها وصعودها خلال منتصف التسعينات. وساعده هذا الربح في تحويل بعض استثماراته نحو سوق العقارات، فاشترى منزلين عاش في أحدهما وعرض الآخر للايجار. وأضاف سيركان أن عمله في الأسهم كان مربحاً رغم التقلبات الخطيرة التي يمر بها السوق من حين لآخر، لكن خسارته الأولى المزعجة كانت عندما تراجعت بشدة أسهم شركة «إيه أو ال» AOL الأميركية أواخر التسعينات وأوائل القرن الجديد. لكن سيركان عوّض بعض خسارته من أرباح بعض الشركات الأخرى الأكثر استقراراً. وفي هذه الأثناء، كان سيركان قد تزوج من شابة إيرلندية ورُزق بابنين وبنت واشترى منزلاً آخر، ثم اشترى منزلاً رابعاً للايجار كاستثمار. وأوضح الشاب الطموح لـ«الشرق الأوسط» أن عقاراته الاستثمارية كانت تسنده في الأوقات التي يتأزم فيها سوق الأسهم. كما أن الأسهم أيضاً كانت تسنده عندما يتأزم سوق العقارات «فقد كنتُ احوّل أموالي من هنا إلى هناك حسب حالة كل سوق». وأشار إلى أن أسوأ فترة مرت بأسواق الأسهم هي السنوات التي شهدت انفجار «فقاعة» شركات التكنولوجيا (dot.com) أوخر التسعينات، بينما كانت أسوأ فترة يمر بها سوق العقارات في بريطانيا هي السنوات الثلاث التي شهدت ركوداً اقتصادياً أوائل التسعينات. واستدرك سيركان قائلاً «هذا بالطبع قبل ظهور أزمة الائتمان الحالية التي لا نعرف إلى اي مدى ستصل؟». وأضاف أنه استطاع النجاة من الأزمات المالية السابقة، لكن هذه المرة فهو أكثر قلقاً على وضعه ومستقبل أولاده. فأزمة الائتمان الحالية تختلف عن سابقاتها في كونها ضربت السوقين معاً: بورصة الأسهم وسوق العقارات والآن بدأت تنتقل إلى بقية القطاعات الاقتصادية. كما أن من بين ضحاياها بنوكاً استثمارية ضخمة مثل «ليمان بروذرز» و«ميريل لينش» اللذين لم يكن وارداً أنهما سيتعثران إبان الأزمات المالية الماضية. وقال سيركان إن وضعه المالي الآن «بين الحياة والموت»، إذ أن هناك احتمالاً بأن يفقد منزله السكني ويفقد أولادُه مدارسَهم الخاصة التي يتعلمون بها. وعندما سألناه عن عقاراته الاستثمارية الأخرى، ولماذا لا يبيعها ويبيع أسهمه في البورصة لكي ينقذ منزله الخاص، وينقذ مستقبل أبنائه، قال إن «الورطة الحقيقية تتمثل في أن بيع العقارات هذه الأيام شبه مستحيل لأنه لا يوجد مشترون. والمشترون انعدموا من السوق لأنهم، بدورهم، لا يستطيعون الحصول على تمويل أو قروض عقارية من البنك. والسبب في ذلك أن البنوك نفسها تعاني من أزمة الائتمان والسيولة؛ وهي بالتالي لا تسهل عملية الإقراض. فالوضع كله عبارة عن دائرة مفرغة». وأضاف سيركان «في هذه الأثناء، ولزيادة نزف الجرح، راحت أسعار الفائدة على القروض العقارية ترتفع كثيراً بحيث أصبح عائد ايجار العقار لا يفي بسداد الأقساط الشهرية للقرض العقاري. وبذلك تجد نفسك غير قادر على البيع وغير قادر على الاحتفاظ بالمنزل». فحتى تخفيض سعر الفائدة الأساسي أخيراً بمقدار نصف نقطة مئوية لم يجد نفعاً، لأن الأزمة تعدت هذه المرحلة بكثير. أما عن استثماراته بسوق الأسهم، فقال سيركان إنها «هي الأخرى تعاني تراجعا شديدا بسبب نفس الأزمة التي أدت إلى فقدان الثقة بالنظام المالي لدى المستثمرين والمستهلكين»، مضيفاً أنه اضطر إلى بيع جزءٍ كبير من اسهمه بخسارة تبلغ 64%، وأنه لو لم يبعها بسرعة لكان خسر أكثر فأكثر. وأضاف بحسرة قوله إن «أزمة الائتمان جعلت حياتي جحيماً بالنهار وكابوساً بالليل». وأوضح سيركان أن زوجته تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية، وأن مرتبها لا يكفي لدفع مصاريف المدارس الخاصة لأبنائهما، وهو بالكاد يغطي نفقات المنزل اليومية من دون أقساط القرض العقاري. وقال إنه اذا لم يستطع استعادة بعضٍ من عمله الاستثماري «وهو أمرٌ مستبعد للغاية في المستقبل القريب، فسأبدأ في البحث عن أي وظيفة متواضعة لمساعدة زوجتي في تفادي إفلاس الأسرة تماماً». ويقول سيركان إنه كلما سمع أنباء العاصفة المالية صباح كل يوم يُصاب بالاحباط والخوف على مصيره ومصير أسرته من المرحلة المقبلة، «فهو إحساسٌ مخيف للغاية أن تشعر أنك في حفرة خانقة. كما أن الإحساس بأن كل أملاكك تتبخر بسرعة أمام عينيك وأنت لا حول لك ولا قوة، أيضاً إحساسٌ يسبب الكوابيس المستمرة. لقد أصبح نومي متقطعاً طوال الليل، وما يزعجني أكثر من ذلك هو أن عدوى قلقي بدأت تتسرب إلى زوجتي. يا ترى، كم شخصا الآن يعانون نفس ما أعاني. فالحياة بالغرب أصلاً قاسية ومكلفة، فما بالك عندما يضربها زلزالٌ مالي بهذا الحجم». وقال سيركان إن والده توفيَّ العام الماضي مما يشعره بمزيد من الوحدة وعدم الأمان تجاه المستقبل. كما أنه يخشى من أن يضطر إلى بيع منزله الحالي (أو أن يستولي البنك عليه) في حال فشله في سداد أقساطه الشهرية. وأضاف أن ذلك سيكون أكبرَ كارثةٍ في حياته لأنها ستجبر أبناءه على تغيير الحي السكني الذي تعودوا عليه وتغيير مدارسهم وأصدقائهم، والانتقال إلى حي فقير تصعب فيه الأوضاع المعيشية. وقال «صحيحٌ أن هناك أناساً يعيشون في هذه الأحياء، لكنهم ربما يكونون قد تعودوا عليها لأنهم نشأوا فيها، أما أسرة غريبة عن هذا الجو مثل أسرتي، فهي ستتعذب كثيراً قبل أن تتأقلم على حياتها الجديدة». وعبّر سيركان عن غضبه من «هؤلاء المسؤولين الكبار في المصارف والمؤسسات المالية الكبرى لأنهم سمحوا ـ على مدى سنوات طويلة ـ بسياسة إقراض متساهلة وغير مسؤولة، مما أدى إلى تراكم الديون المعدومة على البنوك. ومن ثم ظهور أزمة الائتمان الحالية». وقال «لو يعلم هؤلاء حجم الضرر والمرارة التي يعيشها مئات الآلاف من البشر بسبب سياساتهم الخاطئة لربما فكروا جلياً قبل أن يتبنوا مثل هذه السياسات». وكانت البنوك والمؤسسات المالية قد اضطرت إلى تحمل خسائر هذه الديون التي تُعرف باسم «الديون الهالكة». لكن البنوك المركزية والحكومات اضطرت أيضاً إلى ضخ أموالٍ طائلة (مليارات الدولارات) في هذه المصارف لإنقاذها من الانهيار. وبالطبع، فإن هذه المبالغ الهائلة تأتي من المال العام الذي يدفعه في نهاية المطاف مواطنون عاديون عبر النظام الضريبي. وربما ما دفع المصارف إلى تسهيل منح القروض خلال الأعوام الماضية هو المنافسة فيما بينها على جذب أكبر عددٍ من الزبائن من قبل أن يجذبهم بنكٌ آخر بدافع الحصول على حصة أكبر في السوق. ومع بداية عام 2007 وصل حجم «القروض الخطرة المتساهلة» إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، الأمر الذي دفع بعض الخبراء الماليين إلى التحذير من خطورة سياسة الإقراض المتساهلة، وإمكانية تأثيرها في استقرار النظام المالي بشكل عام. وهذا ما حدث بالفعل في ربيع العام الماضي.