3 نساء.. يحكمن إسرائيل

في بلد يحتل المرتبة الـ84 في التمثيل السياسي للنساء في الحكومة.. والـ45 في التمثيل البرلماني

تسيبي لفني رئيسة كديما
TT

إذا تكللت جهود زعيمة حزب «كديما» الاسرائيلي تسيبي لفني بالنجاح وشكلت حكومة جديدة خلال الأيام السبعة المقبلة، ستصبح اسرائيل محكومة من ثلاث نساء في سلطات الحكم الثلاث، وذلك لأول مرة ليس في تاريخ اسرائيل فحسب، بل في تاريخ دول العالم كله على مدى العصور التي عرف فيها نظام دولة السلطات الثلاث.

فكما هو معروف، يعتمد نظام الحكم في قسم كبير من الديمقراطيات الغربية، التي تعتبر اسرائيل نفسها واحدة منها، على ثلاث ركائز أو على ثلاث سلطات هي: السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية (البرلمان) وتعرف في اسرائيل بالكنيست (الاسم العبري القديم لمجلس الشريعة) والسلطة القضائية. واليوم تقف على رأس السلطة التشريعية في اسرائيل، النائبة داليا ايتسيك (56 عاما)، وهي من حزب «كديما» الحاكم، وبحكم مركزها كرئيسة للكنيست تشغل أيضا منصب القائم بأعمال رئيس الدولة في أثناء غيابه أو تنحيه. وقد أتيح لها أن تشغل منصب رئيس الدولة طيلة ستة شهور عندما اضطر الرئيس السابق، موشيه قصاب، للجلوس في البيت تمهيدا لمحاكمته بتهمة الاعتداء الجنسي على عدد من الموظفات اللاتي عملن معه في رئاسة الدولة وقبل ذلك في وزارتي النقل والسياحة. ومع ان منصب رئيس الدولة في اسرائيل هو منصب فخري ورمزي بالأساس فإن وجود امرأة فيه لأول مرة سجل كنقطة في التاريخ السياسي الاسرائيلي. وايتسيك لا تخفي رغبتها في الوصول الى هذا المنصب، بعد ان ينهي شيمعون بيريس دورته.

فيما تقف على رأس أعلى سلطة قضائية (محكمة العدل العليا) في اسرائيل، القاضية دوريت بينيش (66 عاما) وهي غير حزبية. وهذا أيضا يتم لأول مرة في تاريخ اسرائيل، حيث كان رؤساء المحكمة العليا عادة من الرجال. وتسعى تسيبي لفني الى الوصول الى كرسي رئاسة الحكومة، ليكتمل الثالوث الرئاسي وتصبح المرأة حاكمة في اسرائيل في ثلاثة مواقع تشكل العصب الأساسي للحكم فيها.

لأول وهلة، يحسب المرء أن هذه الحالة تدل على تطور السياسة الاسرائيلية وانفتاحها على مشاركة المرأة سياسيا لدرجة المساواة. ولكن هذا غير صحيح ولا يلائم الواقع. فاسرائيل ما زالت، من ناحية دور المرأة في القيادة السياسية، مجتمعا رجاليا (وهناك من يعتبره في اسرائيل مجتمعا ذكوريا ـ شوفينيا).

إن اسرائيل، ومنذ تأسيسها سنة 1948، تقبع في مرتبة متأخرة جدا في لائحة الدول من حيث المشاركة النسائية في السياسية. وحسب رئيس اللوبي النسائي في الكنيست، جدعون ساعر (وهو أيضا رئيس كتلة الليكود اليميني المعارض ولكنه معروف بمناصرة المرأة ومساواتها في المجتمع)، فإن الاحصائيات الأخيرة تدل على ان اسرائيل تحتل المرتبة 45 من بين مجموع 119 دولة في العالم من ناحية التمثيل النسائي في البرلمان. فليس في برلمانها سوى 13% من النساء. وللمقارنة نشير الى ان نسبة النساء في برلمانات الدول الاسكندنافية تبلغ 39% وفي غرب أوروبا 17%.

أما التمثيل النسائي في حكومات اسرائيل فوضعه أصعب. ففي كل التاريخ الاسرائيلي وصلت الى الحكومة 8 نساء فقط، بينهن غولدا مئير، التي وصلت أيضا الى منصب أول رئيسة حكومة اسرائيلية. وغولدا كانت المرأة الوحيدة التي دخلت الحكومة حتى سنة 1969. وتوجد اليوم في الحكومة الاسرائيلية ثلاث نساء من مجموع 25 وزيرا، وتقبع اسرائيل في المرتبة 84 من مجموع 176 دولة من حيث التمثيل النسائي في الحكومة. وحتى على صعيد السياسة المحلية يعتبر التمثيل النسائي ضعيفا جدا في اسرائيل، حيث انه من محموع 1303 أعضاء مجلس بلدي توجد 204 نساء، أي ما يعادل 15%. وكما أن للاحزاب الدينية المتشددة في اسرائيل تأثيرا في ضعف مشاركة المرأة سياسيا، فإن لتقاليد الجيش وجنرالاته دورا ايضا. فعلى الرغم من التقدم والتطور التكنولوجي العالي والنسبة العالية للنساء في السلك الأكاديمي (53% من طلبة اللقب الأول في الجامعات إناث، 24% من المحاضرين و34% من طلبة اللقب الثاني) وفي سلك التعليم (63% من المعلمين إناث)، فإن المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع ذكوري وعسكري بطبيعته. فالجيش ذو نفوذ كبير ليس في السلطة فحسب، انما له وزن أكبر لدى الشعب.

فالمعروف ان كل شاب وشابة يهودية في اسرائيل يخدم في الجيش بشكل الزامي. وعلى الرغم من التقدم الحاصل في مكانة المرأة في الجيش الاسرائيلي وفتح أبواب التطوع بين النساء لسلاح الطيران وللعديد من الوحدات القتالية، فإن غالبية المواقع القيادية في الجيش يحتلها رجال. وينظرون للمرأة على انها محدودة الطاقة والامكانيات. وتطول المرأة اليهودية حصة دسمة من وجبة الاستعلاء من طرف الجنرالات والعمداء والعقداء وغيرهم من قادة الجيش الاسرائيلي، فهؤلاء مقتنعون بأن القيادة ليست للنساء. وان وضع اسرائيل وتحدياتها الكبيرة في المجال العسكري تحتاج الى قيادة رجالية. وقد طرحت هذه القضية، لدى ترؤس غولدا مئير الحكومة (1969 ـ 1974). فقد تولت هذه المسؤولية في وقت خاضت فيه اسرائيل حرب الاستنزاف مع مصر وسورية. ودار نقاش حاد في حينه حول أدائها. ومن منطلق إدراكها لجدية هذا النقاش راحت تبث مظاهر قوة وعنترية لا تتلاءم مع الأنوثة، وحرصت في الوقت نفسه على ابقاء عدد من الجنرالات الى جانبها، مثل الجنرال موشيه ديان، الذي بقي وزيرا للدفاع الى جانبها طيلة فترة حكمها. وعلى اثر الزلزال الذي حصل لاسرائيل في حرب أكتوبر 1973، ربط الكثيرون ما بين تجرؤ العرب (مصر وسورية بالأساس) على شن الحرب على اسرائيل وبين وجود امرأة في قيادتها. لكن مؤيدي غولدا فندوا العلاقة بين كون رئيسة الحكومة امرأة وبين هذه الحرب. وانتشرت النكتة الشهيرة يومها بأن «الرجل الوحيد في الحكومة هو غولدا». واضطرت لجنة التحقيق الرسمية في الحرب برئاسة القاضي أغرنات الى التطرق لهذه المسألة في تحقيقها، فأشادت بأداء غولدا وقالت انها تصرفت بأعصاب حديدية في قيادة دفة الأمور. ورفضت الاقتراحات «الرجالية» العصبية، التي حاولت اقناعها باستخدام السلاح النووي في الحرب، رغم شعورها بالخطر المحدق بالوجود الاسرائيلي في بداية الحرب. من جهة ثانية تشعر الاحزاب الدينية في اسرائيل بدونية نحو المرأة، والمشكلة ان هذه الأحزاب هي ذات وزن كبير، فهناك حزبان ممثلان في الكنيست بـ 18 نائبا من مجموع 120 (15%). وكما هو معروف فإن هذين الحزبين هما اللذان تفاوضهما رئيسة حزب «كديما»، تسيبي لفني، اليوم ومن دونهما أو على الأقل من دون انضمام أحدهما لن تستطيع تشكيل حكومة. فهنالك حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين وله 12 مقعدا في الكنيست وحزب «يهدوت هتوراه» وله 6 نواب. صحيح أن أيا من الحزبين لا يطرح مسألة ترشيح امرأة لرئاسة الحكومة كعائق، ويطرحان مطالب عينية تتعلق بالميزانيات وبالقضايا السياسية («شاس» يشترط للانضمام للائتلاف أن تتعهد لفني بعدم التفاوض في موضوع القدس)، إلا انه داخل المؤسسات الحزبية تسمع أحاديث كثيرة عن كونها امرأة.

النائب جدعون ساعر هو خصم لدود للوزيرة تسيبي لفني. فهي كانت معه في حزب الليكود قبل أن تنفصل وتقيم مع أرييل شارون وايهود أولمرت حزب «كديما» سنة 2005. وهو يعتبرها «منحرفة الى اليسار» ويقول انها ورفاقها الذين تركوا الليكود «وجهوا طعنة أليمة للتراث العريق الذي تركه والدها وغيره من قادة التيار القومي (اليميني) في الحركة الصهيونية ودفعوا ثمنه بالأرواح في بعض الأحيان».

ولكن ساعر ينظر بايجابية نحو وصول لفني الى رئاسة الحكومة، «فقط من باب واحد هو باب تشجيع المرأة». ويقول ان وصول لفني الى رئاسة الحكومة، مع وجود امرأتين أخريين، هما رئيسة الكنيست داليا ايتسيك، ورئيسة محكمة العدل العليا دوريت بينيش، في أهم ثلاثة مواقع قيادية في اسرائيل، سيشكل من دون شك حافزا للنساء الأخريات كي تشق كل من ترغب طريقها. ويضيف: «بغض النظر عن اداء كل طرف منهن لمسؤولياتها، فإن مجرد وجود امرأة في كل موقع كهذا يساهم في تعزيز فكرة اعطاء المرأة حقها في القيادة مثل الرجل. فيجب أن يعتاد الجمهور على رؤية امرأة في كل المواقع المهمة في شتى المجالات الحياتية، وخصوصا في القيادة السياسية». وتقول داليا ايتيسك في هذا المجال ان «المرأة تحتاج الى جهد مضاعف حتى تثبت نفسها وجدارتها في المجتمع الرجالي». وتفسر أقوالها: «أنا لا يوجد عندي شك في ان المرأة قادرة على القيادة مثل الرجل، وبناؤها الفيزيولوجي يؤهلها للقيام بكل مهمة قيادية مثل الرجل، بل في بعض الأحيان يؤهلها بناؤها الفيزيولوجي للقيام ببعض المهمات بشكل أفضل. ولكن لأن المجتمع معتاد على القيادة الذكورية، تحتاج المرأة الى جهد اضافي لإقناعه بأنها تصلح للقيادة مثل الرجل وأكثر».

وتروي ايتسيك أنها بصفتها أول امرأة ترأس الكنيست في تاريخ اسرائيل واجهت هذا الوضع حتى داخل بيتها. ولكنها واجهته بواسطة وضع قوانين جديدة للعمل في الكنيست حيث بات البرلمان أكثر هدوءا «فأنا لا أرفع صوتي ولا أستخدم الشاكوش للضرب على الطاولة في الجلسات ولا أصرخ على النواب كما فعل الرؤساء السابقون، ولم أطرد من الجلسات أي نائب باستثناء فترة التوتر خلال الحرب، ولم أعلنها حربا مع الحكومة ورئيس الحكومة». وتروي انها ذات مرة اصطدمت في الكنيست مع رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، الذي لم تكن تحبه أبدا وقررت اعتزال السياسة عندما تولى رئاسة «كديما» بعد شارون، ولكنه بادر الى تحسين العلاقات بينهما وأصبحت من المعجبين به: «توجه الي خلال جلسة الكنيست طالبا تأجيل البحث والتصويت في موضوع ما. فأعلنت عن استراحة لمدة خمس دقائق ودعوته الى مكتبي. ولا أريد أن أقول لكم ما الذي حدث في هذه الجلسة. فقد وبّخته تماما على طلبه وعدت الى قاعة الكنيست وأعلنت: والآن ننتقل الى التصويت».

* من هن؟

* رئيسة حكومة.. هل يكتمل الثالوث؟

* تسيبي لفني البالغة من العمر اليوم خمسين عاما تقترب كثيرا من فرصة الوصول الى منصب رئيسة حكومة. فبعد اضطرار ايهود أولمرت للاستقالة بسبب التحقيقات معه في الشرطة حول قضايا الفساد واصرار النيابة على تقديم لائحة اتهام ضده، وجدت نفسها أمام هذه الفرصة، ولكنها تواجه مصاعب كثيرة. وقسم جدي من هذه المصاعب يعود الى كونها امرأة.

لفني هي من الشخصيات التي تحسب في اسرائيل «أمراء»، وهم أبناء القادة. فهي من عائلة مجربة في السياسة. والدها كان من قادة الجناح العسكري لتنظيم اليمين المتطرف في الحركة الصهيونية «هئرجون»، الذي نفذ عدة عمليات ارهابية ضد البريطانيين ثم الفلسطينيين، وحاول التمرد حتى على التيار الحاكم في الحركة الصهيونية. وبعد قيام اسرائيل انتخب والدها الى الكنيست ثلاث مرات.

وقد سارت ابنته تسيبي (تسيبورا) على طريق والدها، واختارت الخدمة في الجيش ثم في جهاز «الموساد» (المخابرات العسكرية)، وبعدها توجهت الى المحاماة ثم إلى العمل السياسي. ووصلت الى السياسة عن طريق بنيامين نتنياهو، الذي عينها مديرة للشركات الحكومية. ثم وصلت الى الكنيست ضمن قائمة الليكود. وعينها شارون وزيرة للقضاء في حكومته سنة 2003. ورفعها أولمرت لتصبح في المرتبة الثانية من بعده، قائمة بأعمال رئيس الحكومة ووزيرة للخارجية، ثم لتصبح وريثته وهو على قيد الحياة.

تعتبر لفني من الشخصيات السياسية اليمينية التي عبرت انعطافا سياسيا كبيرا. فمن معسكر «أرض اسرائيل الكاملة» وتخليد الاستيطان اليهودي والاحتلال، الى معسكر ليبرالي يريد الانفتاح على العالم المحيط باسرائيل واقامة السلام معه. صحيح انها لم تنضج بأفكارها الى مستوى نضوج أفكار ايهود أولمرت، الذي كان قد سلك طريقها نفسه (فهو أيضا من عائلة الأمراء في اليمين)، ولكنها تعزو ذلك الى طريقتها المميزة في التقدم بحذر في عملية السلام. وتدعي انها على عكس الجنرالات الرجال، لا تمارس اللعب في السياسة وتريد قيادة اسرائيل الى سلام حقيقي مع جميع الدول العربية، ولكنها تؤمن بأنه لا يمكن تحقيق سلام جدي من دون التوصل الى سلام مع الفلسطينيين.

وتحاول الظهور كقائدة لنوع جديد من السياسة مختلف عن السياسة السائدة في اسرائيل منذ قيامها، وذلك بسلوكيات جديدة بعيدة عن الفساد وبعيدة عن استعراض العضلات الرجالية، وتحاول طرح نفسها كقائدة معتدلة في كل شيء. وخلال المفاوضات التي تديرها لتشكيل حكومتها تدخل في امتحان صعب أمام السياسيين المخضرمين الذين يسعون لإفشالها، ليس فقط في معسكر الخصوم بل أيضا داخل أحزاب الائتلاف وحتى داخل حزبها «قديما» نفسه. وفي ضوء نتائج هذه المفاوضات تتضح صورتها الحقيقية، في ما إن كانت ستنجح في عبور الامتحان وصنع تاريخ جديد في اسرائيل، بأن يكون هناك ثالوث نسائي حاكم، أم تنكسر وينكسر الثالوث معها.

* رئيسة الجهاز القضائي.. طريق الصدامات

* منذ وصلت دوريت بنيش الى الجهاز القضائي وهي تسير في طريق مليء بالصدامات والمواجهات، ولا تزال كذلك حتى اليوم. ولدت في تل أبيب سنة 1942 وخدمت في الجيش وأصبحت ضابطا في قسم القوى البشرية، وتعلمت القانون في جامعة القدس. حال انهائها الدراسة التحقت بالنيابة العامة، ولم تتركها الى أن وصلت الى سلك القضاء. في النيابة تدرجت في كل المناصب، حتى وصلت الى رأس الهرم وأصبحت النائبة العامة. وقد اشتهرت خلال ادائها هذه المناصب بعدد كبير من القضايا التي تحولت الى معارك سياسية كبيرة. ومن أشهر المعارك كانت قضية الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية في أواخر سنوات السبعين، حيث دخلت في صدام مع الحكومة ومع المستوطنين لوضعها العديد من القيود القانونية على نشاطهم، مؤكدة ان القانون الدولي يعتبر الاستيطان غير مشروع. على أثر مذابح صبرا وشاتيلا سنة 1982 أقامت الحكومة الاسرائيلية لجنة تحقيق رسمية، وعينت بنيش رئيسة لطاقم جمع المعلومات للجنة، وانتهت أعمال اللجنة كما هو معروف بتحميل العديد من كبار المسؤولين الاسرائيليين مسؤولية عن تنفيذ المذابح، لأنه كان بمقدورهم أن يمنعوها ولم يفعلوا. وبفضل هذه الاستنتاجات تمت اقالة شارون من وزارة الدفاع. في مطلع الثمانينات أدارت معركة مع اليمين المتطرف والحكومة بإصرارها على محاكمة أفراد عصابات الارهاب اليهودية، وتلقت بسبب ذلك تهديدات على حياتها اضطرت المخابرات الى حمايتها. في سنة 1985 خاضت معركة أخرى مع السلطات الأمنية والمخابرات التي تحميها، عندما تم الكشف عن قيام ضباط مخابرات باغتيال أسيرين فلسطينيين، كانا قد شاركا في خطف حافلة ركاب وتم ضبطهما وهما على قيد الحياة، وادعت المخابرات انهما قتلا في عملية تحرير الرهائن. وقد أصرت على تقديم لائحة اتهام، مع ان المجرمين حظوا بعفو قبل محاكمتهم.

في سنة 1989 أصرت على تقديم لائحة اتهام ضد وزير الداخلية وزعيم حزب «شاس» أريه درعي، بتهمة الاختلاس والاحتيال والتلاعب بأموال الجمهور. وقد حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة. في زمن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، اصطدمت مع وزير الدفاع ولاحقا رئيس الحكومة اسحق رابين، حول أنظمة الجيش في اطلاق الرصاص على الفلسطينيين والاعتقالات العشوائية واستخدام المواطنين دروعا بشرية.

واليوم تخوض معركة مع وزير القضاء دانئيل فريدمان، الذي يحاول تقليم أظافر المحكمة العليا، وتقليص صلاحياتها في اسقاط قوانين تسن في الكنيست وتتناقض مع حقوق الانسان.

* رئيسة الكنيست.. عراقية الأصل وزوجة عامل متواضع

* ولدت داليا ايتسيك رئيسة الكنيست، لعائلة يهودية من أصل عراقي في القدس في سنة 1952 وتعلمت في مدرسة دينية ولذلك لم تخدم في الجيش. درست في دار المعلمين وأصبحت معلمة لكن ميولها السياسية جعلتها تسلك طريق العمل النقابي ووصلت الى سلم القيادة لترأس نقابة المعلمين في القدس. ثم أصبحت عضوا في المجلس البلدي ونائبة لرئيس البلدية، تيدي كوليك، الذي عرفها على شيمعون بيريس وانضمت الى حزب العمل، ومن هناك انطلقت الى القيادة السياسية.

ايتسيك ظلت مخلصة لشيمعون بيريس حتى اليوم، وهو عرف كيف يساندها. في سنة 1988 اصطدمت بسيارتها مع سيارة عضو الكنيست من حزب الليكود ميخائيل رايسر، فأصيب هو بجراح خطيرة وتوفي في اليوم التالي. وأصيبت هي بجراح متوسطة. وقد تركت هذه الحادثة أثرا بالغا في حياتها. وهي حتى اليوم لا تقود سيارة ولا تجلس في المقعد الأمامي من السيارة التي توفرها لها الدولة من خلال مناصبها العالية.

انتخبت للكنيست أول مرة سنة 1992 وعينها ايهود باراك وزيرة لشؤون البيئة في حكومته سنة 1999، وغضبت منه لأنها كانت تطمح لوزارة التعليم، وأصبحت وزيرة التجارة والصناعة في حكومة شارون سنة 2003 وذهبت مع بيريس عندما انفصل عن حزب العمل، وانضم الى حزب «كديما» سنة 2005 وتولت وزارة الاتصالات. وفي سنة 2006، انتخبت رئيسة للكنيست. وقد أجرت تغييرات عديدة في عمل وشكل البرلمان. فأمرت بإعادة تنجيد المقاعد وإجراء عملية تنظيف جذرية للسجاد والجدران والشبابيك والأبواب وحتى اللوحات الفنية على الجدران أرسلتها الى فرنسا لإجراء عملية تنظيف دقيقة لها، وأصدرت أوامر للموظفين وللنواب بالامتناع عن القدوم الى الكنيست ببنطلون جينز أو صندل، وقررت معاقبة النواب الذين يقدمون استجوابات ولا يحضرون لسماع الأجوبة من الوزراء. وأجرت تقليصات في الميزانية وفصلت من العمل 40 % من الموظفين تحت يافطة الترشيد.

وبصفتها رئيسة للكنيست، تحل محل رئيس الدولة في غيابه. وقد شاء حظها لأن تتولى مهمة قائمة بأعمال رئيس الدولة طيلة نصف سنة، بعد تنحي الرئيس موشيه قصاب، فمارست دورها بشكل مثير للاهتمام، ولم تتردد في اتخاذ قرارات شجاعة في هذا المنصب، مثل التوقيع على العفو للأسرى الفلسطينيين الذين تقرر اطلاق سراحهم لصالح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رغم الانتقادات الواسعة لهذه الخطوة. وداليا ايتسيك متزوجة من عامل في شركة الكهرباء. وهو متواضع للغاية، ولا يحب الظهور، بل يشعر بالحرج من الأحداث الكبيرة التي يضطر الى حضورها.