صوت الشارع

المواطن الجزائري مهتم بقوت يومه وعينه على الوظائف وأحوال السوق لا على التعديل الدستوري

تباين في الشارع الجزائري حول قرار بوتفليقة تعديل الدستور («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كان القطاع الأكبر من الطبقة السياسية في الجزائر مشدوداً إلى التعديل الدستوري، الذي أيده البرلمان، الأربعاء الماضي، بأغلبية ساحقة، فإن عامة الجزائريين منشغلون بالأزمة الاجتماعية الخانقة التي تزحف على فئات واسعة من المجتمع. ولأن الرئيس يدرك أن اهتمام الجزائريين بعيد عن مصير الدستور، عزف عن تمرير التعديلات عبر الاستفتاء خوفا من البرودة في التعاطي معه، وتوجه إلى البرلمان الذي تهيمن عليه أغلبية داعمة له.

محمد أبركان، وهو شاب في الـ25 من عمره، التقته «الشرق الأوسط» أمام سوق «علي ملاح» بحي بلكور الشعبي بالعاصمة، عن تعديل الدستور، فقال «ألاحظ أن اهتمام السياسيين والصحف منصبّ على تعديل الدستور، أكثر من مصير عشرات الآلاف من البطالين؛ وبينهم أنا الحائز ليسانس في الحقوق، حيث دفعتني البطالة إلى السوق لبيع الخضر. أليس الأجدر بهؤلاء الاهتمام بنا بدل التنافس على من يبدي ولاء أكبر للرئيس بوتفليقة؟». ويشاطر هذا الموقف كل من يواجه مشكلة ويعتقد أنها ينبغي أن تحظى بالأولوية لدى الحكومة والرئيس، فيما يرى قطاع آخر أن المستقبل السياسي للبلد مهم وعلى ضوئه تحل كل المشاكل. ويكون ذلك بإلغاء «الاختلالات» التي تشوب الدستور. ويذكر إطار في شركة «سونلغاز»« الحكومية في الموضوع: «كل دساتير العالم تخضع للتعديل بتطور المجتمع، بحيث تظهر حاجات جديدة لا يتماشى معها الدستور القديم. وأنا شخصيا لي كامل الثقة بأن التعديلات التي أدخلها رئيس الجمهورية على دستور 1996، ستحدث انطلاقة سياسية جديدة عبر إحداث انسجام بين مكونات السلطة التنفيذية وتمكين الرئيس من الترشح مرات عدة متى ما يشاء، إذ من غير الديمقراطية أن نمنعه من طلب ثقة الناخبين». وقد اختلفت آراء خبراء القانون الدستوري بخصوص مدى مطابقة التعديلات الدستورية مع القانون، بين من يرى أن أهم ما فيها هو المادة 74، التي تمنح الترشح لأكثر من ولايتين رئاسيتين، أما الباقي فهو مجرد «تجميل» لمسودة الدستور الجديدة، وبين من يعتقد أنها «نموذج في التقدم الديمقراطي». يقول المحامي المخضرم ميلود ابراهيمي للصحافة أن التعديلات الخمسة التي أقرها مجلس الوزراء أول أمس، متطابقة مع القانون. ويبدي ملاحظات سياسية على المبادرة الرئاسية فيقول: «عندما أطلقت السلطة في 1996 نقاشا مع مختلف القوى في المجتمع حول تعديل الدستور، قلنا نحن في نقابة المحامين إننا نعارض تحديد عدد الولايات، وقلنا إنه سيأتي اليوم الذي سيتم فيه إلغاء المادة التي تمنع الترشح لأكثر من ولايتين». ويرى ابراهيمي أن تحديد الفترات الرئاسية «إجراء استثنائي جدا في الدول الديمقراطية العريقة، فهو غير معمول به لا في ألمانيا ولا في إيطاليا مثلا. وأعتقد أن المشكل الحقيقي يكمن في الممارسة الديمقراطية الحقيقية، وليس في مدة بقاء أي شخص في الحكم». وبخصوص تنظيم السلطات الذي خضع للتعديل أيضا، يقول المحامي إن كل البلدان التي تشبه الجزائر، تعمل بمنظومة حكم رئاسية بحتة، «فكان لا بد من مطابقة القانون مع الواقع». أما المادة المتعلقة بتوسيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية «فهذا شيء رائع فعلا، والعدول عن هذا الاجراء في المستقبل سيكون صعبا لأن الغرب سيتهمنا حينها بالتراجع عن مكسب ديمقراطي، والسلطة لن تضع نفسها في موقف حرج كهذا». ويوضح المحامي مقران آيت العربي المحسوب على الخط المعارض لبوتفليقة، أن المقصود من تعديل النص الدستوري هو المادة 74 «أما الباقي فكله حواشٍ». وقال في الموضوع: «معلوم أن السلطة التنفيذية مركزة بين أيدي الرئيس، ولا يمكن لأي رئيس حكومة أن ينازعه في صلاحياته. لكن لنفرض بعد أن تم إقرار التعديل المتعلق بتنظيم السلطة التنفيذية، أن حزبا معارضا للرئيس فاز في المستقبل بأغلبية مقاعد البرلمان، كيف يمكن لزعيم الأغلبية أن يقود حكومة وهو يعارض برنامج رئيس الجمهورية؟.. أعتقد أن التعديل تعمد إقصاء أي احتمال لتشكيل أغلبية معارضة في البرلمان». وذكر آيت العربي أن الجزائر عرفت ثلاثة دساتير، «ولكن مشاكلها لم تحل ولن تحل بتغيير الدستور وإنما بتغيير النظام». من جهته، وصف فاروق قسنطيني، المحامي ورئيس «اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان» التابعة لرئاسة الجمهورية، تحديد الفترات الرئاسية في الدستور بـ«حماقة»، وقال: «من حق الرئيس الترشح عدد المرات التي يشاء فمن يرفضه ما عليه إلا الانتخاب على شخص آخر غيره، لكن لا يحق منع مسانديه من انتخابه من جديد». ورفض الخطاب الذي يفيد بأن التعديلات كلها عبارة عن «مسحوق تجميل»، وأن الأصل فيها هو إلغاء المادة 74. وأوضح قسنطيني في نفس الموضوع: «كل التعديلات التي صادق عليها مجلس الوزراء قانونية، ولا أرى جدوى من تشبيهنا بالولايات المتحدة لأن دستورها عمره 200 سنة، وفي النهاية هل نحن في مجال الديمقراطية أحسن من فرنسا التي تتيح فرصة الترشح للرئاسة دون تحديد عدد الولايات؟». ويحظى تعديل الدستور بتأييد واسع من أحزاب «التحالف الرئاسي» الثلاثة، جبهة التحرير الوطني، صاحب الأغلبية، والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى، وحركة مجتمع السلم التي يرأسها وزير الدولة أبو جرة سلطاني. ورجحت أصوات نوابها في البرلمان كفة المساندين بشكل لافت، بحيث وافق 500 نائب على تعديل الدستور من أصل 532 نائباً.

وإذا كانت صفوف الحزبين الأولين منسجمة بشأن موضوع التعديل، فإن «مجتمع السلم» تواجه مشاكل داخلية موروثة عن صراع كبير بين تيارين داخل الحزب، أولهما يرى أن مكانه ينبغي أن يكون في المعارضة، وآخر يفضل مبدأ المشاركة في السلطة الذي أسس له الراحل محفوظ نحناح، زعيم الحزب ومؤسسه. وقال أويحيى في لقاء مع مناضليه، أنه يشيد بمضمون التعديل الذي أفصح عنه الرئيس، خاصة ما تعلق بـ«تعزيز مكانة رموز الثورة، وفتح المجال لتمثيل أوسع للمرأة في المجالس المنتخبة». وأعلن دعمه ترشح بوتفليقة لولاية ثالثة. ويحلو لأويحيى القول إنه لن يترشح للرئاسة إذا ترشح لها بوتفليقة، عندما يسأل من طرف الصحافة إن كان يرغب في تولي الحكم. ويرى مراقبون أن أويحيى هو خليفة بوتفليقة في المستقبل، على أساس أنه «أقرب مدني إلى القوى النافذة في الجيش» وأنه يحظى بتزكية «الجهة التي تصنع الرؤساء».

ودعمت مسعى التعديل أحزاب يفترض أنها محسوبة على المعارضة، وأنها ستقدم مرشحين ينافسون بوتفليقة في انتخابات الرئاسة، المرتقبة في أبريل (نيسان) القادم. ومن أبرزهم حزب العمال الذي ترأسه لويزة حنون التي ترشحت في انتخابات 2004، والتي قال عنها بوتفليقة «أعطوني 20 امرأة مثل لويزة وأشكل حكومة كلها نساء». وأعلن الإسلامي عبد الله جاب الله عدم ترشحه للانتخابات بدعوى أن نتائجها معروفة سلفا. ويقصد أن النتيجة محسومة للرئيس بوتفليقة مسبقا. وصرح للصحافة بخصوص الموضوع قائلا: «إنني أقول رأيي بوضوح وهو أن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس بدفع من اللوبي المستفيد من عهدتين على حساب مصالح الأمة، تعتبر خطوة بالغة الخطورة وشاهدة على مدى تمكن الفكر الواحدي والروح الاستعلائية وعقلية ما أريكم إلا ما أرى، لدى الفئة التي سيطرت على الحكم في البلاد منذ عشرية من الزمن». وأضاف جاب الله معلقا على تعديل الدستور: «أنها خطة فيها عدوان واضح على إرادة الأمة المعبر عنها في دستور 1996، ولا يمكن على الاطلاق قبول هذا العدوان ولا السكوت عنه من طرف كل صاحب رأي وقدرة على قول كلمة الحق. فيه أيضا استهانة واستخفاف كبيران بطاقات وقدرات هذه الأمة، كأنما لا يوجد شخص يستطيع تولي الرئاسة إلا هذا الشخص (الرئيس) والحقيقة تشهد عكس ذلك، وهو بنفسه شهد على نفسه في خطاب سابق، بفشل برنامج العهدتين، فكيف بذلك يناقض هذه الشهادة بالاعلان عن عزمه ليس الذهاب إلى انتخابات حرة ونزيهة، بل مباشرة إلى ولاية ثالثة؟. هم يتحدثون عن ولاية ثالثة وكأن الانتخابات تمت وحسمت وظهرت النتائج وظهر الفائز، وهي دلالة واضحة على أنه لا قيمة للانتخابات في هذا البلد، والقيمة كل القيمة هي للادارة التي تشرف على تزوير النتائج، ونتائج الانتخابات القادمة مرتبة ومعروفة سلفا». كما أبدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة معارضتها لتعديل الدستور، وعبرت عن ذلك على لسان الرجل الثاني في الحزب علي بن حاج، الذي قال: «لقد حاول الرئيس جاهدا في التعمية عن الهدف الأساسي من التعديل الجزئي للدستور والمتمثل في تعديل المادة 74، التي تمهد له الترشح لولاية ثالثة رغم أن الرئيس لم يعلن رسميا عن ذلك، ولكن كل القرائن تدل على رغبته في الترشح. أما ذكر حماية رموز الثورة والتدقيق في الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية، وتخصيص مادة ترمي إلى ترقية الحقوق السياسية للمرأة.. كل ما ذكر إنما هو من باب التضليل وذر الرماد في العيون. أما حماية رموز الثورة، فهناك مواد في قانون العقوبات تكفي لردع من يمس برموز الثورة اللهم إلا إذا كان المقصد منحهم ميزة إلهية لممارسة الوصاية على الشعب وتقديم الشرعية الثورية على الشرعية الشعبية». وبالموقف المعلن عنه من طرف أبرز رموز التيار الإسلامي، تتجه الجزائر لأول مرة منذ اعتماد التعددية السياسية (بموجب دستور 1989)، إلى تنظيم انتخابات دون مشاركة مرشح التيار الإسلامي بفارسه. ويقدر مراقبون حجم الوعاء الانتخابي الإسلامي بحوالي 6 ملايين ناخب من أصل 18 مليونا مسجلا في قوائم الهيئة الناخبة لدى وزارة الداخلية. وأعلنت الأحزاب العلمانية رفضها التعديلات الدستورية، وانتقدت بشدة رغبة الرئيس تمديد حكمه. وأبرز هذه الأحزاب «التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية الذي يملك 20 نائبا في البرلمان، و«جبهة القوى الاشتراكية» وهي أقدم حزب معارض يقوده رجل الثورة حسين آيت أحمد، إضافة إلى الحزب اليساري «الحركة الديمقراطية والاجتماعية» الذي لم يعد له أي وجود في الخارطة السياسية. وكان الرئيس بوتفليقة قد كشف نهاية الشهر الماضي، عن رغبته في كسر الموانع التي تحول دون بقائه في الحكم. وبلَغ الجزائريين في خطاب بمناسبة عيد الثورة أنه عازم تغيير الدستور. وأفاد «المجلس الدستوري» بعد أن قدر بأن التعديل مطابق للقانون، وان التعديل الذي يدخل مميزات العلم الوطني والنشيد الوطني في النص الدستوري، «يجعل منهما رمزا من رموز الدولة وتراثا مشتركا بين جميع الأجيال ويكرسهما كمعلمين للأمة». وتم إدراج التعديل ضمن المادة 178 من الدستور التي تمنع التصرف في المواضيع المصنفة ضمن رموز الدولة. وبشأن إدراج المادة التي تتعلق بتوسيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية، أوضح المجلس أن الهدف منها «إزالة العقبات التي تحول دون ازدهار المرأة، ودون مشاركتها الفعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية». أما عن كسر المادة 74 التي تمنع الرئيس من الترشح لأكثر من ولايتين، فكان رأي «المجلس الدستوري» كالتالي: «يمكن للشعب ان يجدد الثقة بمن يقود مصيره بكل سيادة، والسير العادي للنظام الديمقراطي يقتضي بأن الحائز ولاية رئاسية ملزم بأن يعيدها عند انقضائها إلى الشعب، الذي يقرر بكل حرية تجديد الثقة برئيس الجمهورية أو سحبها منه». وتناول المجلس التعديل المتعلق بتغيير «رئيس الحكومة» بـ«وزير أول»، وتعيين نائب أو أكثر له، حيث قال إنه «سيضفي المزيد من الوضوح بين رئيس الجمهورية والوزير الأول». وأعلن عن عزمه تنظيم استفتاء حول تعديل الدستور خلال الولاية الثالثة، وقال إنه كان يرغب في بداية حكمه تعديله، وفسَر تأخره في تجسيد المسعى بـ«أولويات المواطن الجزائري» في أجندة أعماله. وقال تحديدا: «عندما أعلنت عن رغبتي في تعديل الدستور في 1999 و2004، كنت أوضحت حينها الدواعي التي تفرض ضرورة التكيف مع المرحلة القادمة (..) إلا أن ثقل الالتزامات وتراكم الأولويات وتعدد الاستحقاقات حالت دون تجسيد هذا الهدف. وكان الانشغال منصبا على مكافحة الارهاب وتكريس سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية، وفضلت إعطاء كل الأولوية لما يشغل بال المواطن والتكفل بمشاكله».