العمدة.. ماما إيفا

ناهد تستعد للبرلمان ونجوان عينها على اتحاد الشباب التقدمي.. وأخريات يرفعن راية «الفكر الجديد» ويشاكسن الرجل

مصري بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات المحلية بالقاهرة
TT

«احنا أيَّدنا ماما إيفا لتكون عمدة لقريتنا في محافظة أسيوط»، و..«الأستاذة أمينة زوَّدت عدد عضوات مجلس محلي محافظة بني سويف»، و«الست ناهد تغلبت على المرشحين الرجالة بالحزب الحاكم في محافظة سوهاج، وعينها على عضوية البرلمان».. و«نجوان اليسارية مرشحة لأمانة شباب حزب التجمع المعارض بالقاهرة»، و«عزة، التي لا تحب الانضمام للأحزاب، تشارك بإصدار مجلة باسم بحلقة».. مثل هذه الأحاديث تدور على ألسنة مصريين حول فتيات لفتن الانتباه بانخراطهن في العمل العام، وترقى البعض منهن عن طريق الانتخاب، لا التعيين، داخل الحزب الحاكم وداخل أحزاب وقوى معارضة، وبخاصة في الفترة من عام 2002 حتى الآن.

فبالإضافة لآلاف الوجوه الجديدة من شبان يكافحون في المدن والقرى والنجوع لكسب أصوات مؤيدين، بدأت فتيات برفع راية «الفكر الجديد» أيضاً، ومشاكسة الجيل القديم خاصة من الرجال الذين تربوا على نظام التعيين في غالبية المواقع الحزبية، منذ أيام الاتحاد الاشتراكي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حتى بداية الألفية الجديدة.

وفي صعيد مصر الذي عُرف بتشدده تجاه تقلد المرأة مواقع في العمل العام، وبسبب ما يقع من حوادث طائفية بين مسلمين وأقباط، خاصة في محافظات الجنوب، لم يكن أحد يتخيل أن يؤيد مسلمون طموح فتاة قبطية في أن تكون عمدة لواحدة من قرى الصعيد، لكن هؤلاء الفتيات ومعهن شبان يناصرون «الفكر الجديد» للمصريين داخل عدة أحزاب سياسية، تمكنوا من اجتياز العديد من الصعاب، حتى لفتوا إليهم الانتباه أخيرا.

في قرية كمبوها بمركز ديروط في محافظة أسيوط (380 كم جنوب القاهرة) وقف محمد، وهو شاب في الثامنة والعشرين من عمره، ينادي أمام منزل العمودية: «ماما إيفا.. يا عمدة إيفا..»، وكانت ماما إيفا هي أول فائزة بموقع عمدة في تاريخ البلاد، بعد أن نافست خمسة رجال على منصب عمدة القرية.

وبينما كان محمد يحمل في يده كتيبا من كتيبات الحزب الوطني الحاكم وشعاره لهذا العام «فكر جديد لمستقبل بلدنا»، قال عن ترشيح ماما إيفا لموقع العمودية، وفوزها الأسبوع الماضي: «مش شرط إن العمدة يكون رجل أو امرأة.. ومش شرط يكون مسلم أو مسيحي.. الشرط المهم هو أن يكون مخلصا في خدمة أبناء القرية مثل ماما إيفا، أنا أؤيدها لأني أعرفها وأعرف والدها العمدة منذ كنت في الصف الأول الابتدائي.. هي ماما قرية كمبوها كلها، وعشان كده انتخبناها أيضا أمينة للمرأة على مركز ديروط كله».

إيفا هابيل كيرلس كانت ممن أدلوا بشهادتهم عن مسيرتهم مع الفكر الجديد بالحزب الوطني، أمام الرئيس المصري حسني مبارك، في المؤتمر الأخير للحزب، قبل أن يصدر قرار بتعيينها عمدة لقريتها قالت لـ«الشرق الأوسط»: كان لدي اعتقاد كمسيحية أن هناك سقفا للمناصب القيادية بالنسبة للأقباط داخل الحزب، لكنني أدركت أن الحزب الوطني يجمع كل المصريين بكافة طوائفهم ولا يحتاج إلا للعمل الجاد، رشحت نفسي عمدة لقرية كمبوها قريتي، وهكذا أصبح أول امرأة واول مسيحية تكون عمدة».

تابعت «إيفا« حديثها لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «في البداية، أي قبل ست سنوات، لم تكن توجد في الحزب انتخابات داخلية، لكن تم اختياري بالتعيين أمينة للمرأة لقرية كمبوها، ولأني خريجة كلية الحقوق، بدأت من خلال الحزب مساعدة المواطنين على تحسين أحوالهم واستخراج الأوراق الثبوتية لهم وتسجيل أسمائهم في قوائم الناخبين».

وأضافت «كنت أقوم بكل هذا من دون أن يكون لدي شعور بأنني سأترقى في يوم من الأيام لشغل أي مقعد من المقاعد القيادية داخل الحزب.. وحين تخلى الحزب عن نظام تعيين القيادات، والأخذ بنظام الانتخاب سنة 2007، تقدمت للترشيح لأشارك في قيادة الوحدة الحزبية في قريتي كمبوها. وحين فزتُ شعرتُ بأن الناس لا ترى أن هناك مانعا من ترقي المرأة، بل شجعوني على الترشح أمينة للمرأة في مركز ديروط.. وخضت انتخابات داخلية لأكون مرشحة للحزب في انتخابات المحليات.. أنا الآن عضو بمجلس محلي محافظة أسيوط».

وعن حكاية ترشحها للعمودية قالت: «أنا تقدمت بأوراقي بالفعل لمديرية أمن أسيوط، وكان ينافسني على المنصب خمسة رجال.. ولي علاقات طيبة مع المسلمين والأقباط.. أقول لهم: أنا أعمل محامية، والقاضي حين يحكم فإنه يحكم بالقانون، وليس بالديانات.. لا أشعر بوجود أي استنكار من القرية لفوزي بموقع عمدة.. يوجد بعض الاستغراب نعم، لكن هذا الاستغراب من رجال في سن معينة (كبار السن)، لكن الشباب في قريتي هم الذين دفعوني للترشح.. أكثر الناس سعادة بكوني عمدة للقرية هم المسلمون، ومنهم اللي من سني ومنهم اللي كان معايا في المدرسة».

وقد ترقَّت كوادر وقيادات محلية في مواقعها داخل الحزب الوطني عن طريق الانتخاب، للمرة الأولى، بعد تغييرات جذرية في الحزب أجراها مجموعة من الشباب الإصلاحيين على مدار السنوات الست الأخيرة. وروى شبَّان وفتيات قادمون من طين الريف المصري ونجوعه البعيدة امام مؤتمر الحزب، تفاصيل لتجارب مروا بها للتغلب على نظام «التعيين» و«الاختيار العائلي»، الذي كان سائدا طوال عقود سابقة حتى عام 2002، ورسخوا في المقابل مبدأ الصعود للمواقع الحزبية بالانتخاب، في أول تجربة عملية جرت في آلاف المواقع الحزبية عام 2007.

أمنية محسن، التي أصبحت الآن أمينة للمرأة بالحزب الوطني في محافظة بني سويف (119 كم جنوب القاهرة) لم تتخيل أنها ستنضم لأي من الأحزاب حتى بداية الألفية. قالت لـ«الشرق الأوسط»: «حين ظهرت كتيبات تفسر سياسات الحزب الوطني بكل وضوح، بداية من سنة 2002، أدركت أن هناك مصداقية، وحصلت على نسخة من كتيبات الفكر الجديد.. تقول لك (الكتيبات) كنا كذا وأصبحنا كذا وفيه مشكلة في كذا سنحلها.. يطرح المشكلة ويقول لك الحل في واحد اثنين ثلاثة. وأحببت العمل السياسي». وحزمت أمنية بنت قرية دموشيا بمركز بني سويف أمرها وتوجهت إلى مقر الحزب الوطني هناك: «ذهبت وسألت عن الأوراق المطلوبة لانضمامي للحزب.. قالوا: صورة البطاقة والتوقيع على استمارة وصورتين شخصيتين».

وقبل أن تخوض أمنية أول انتخابات داخلية في الحزب الوطني في أكتوبر (تشرين الاول) عام 2007، كانت قد نظمت العديد من الأنشطة التي لفتت إليها انتباه حوالي 200 شخص، هم عدد أعضاء الحزب في دموشيا، وهي قرية غالبية أهلها من المتعلمين، ولا يزيد عدد سكانها على نحو 4 آلاف نسمة. قالت: «لم يكن في الوحدة الحزبية بالقرية أعضاء منتخبات أو شابات، بل سيدات كبيرات مخضرمات على خلفية سياسية من أيام الاتحاد الاشتراكي (في ستينيات القرن الماضي أيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر) وكانت أمينة المرأة هناك بالوراثة، وهي سيدة فاضلة، لكن حين بدأ نظام شَغل المواقع بالانتخاب في الحزب، لم يكن يصلح ترشح مثل أولئك السيدات الطاعنات في السن».

وحصلت أمنية على 129 صوتا من أصوات الأعضاء بالقرية، وبسهولة فازت على منافستها الشابة، لكن الانتخابات الأصعب بالنسبة لها، كامرأة من الصعيد، كانت حين نافست مرشحين ومرشحات من 39 قرية، هي عدد قرى مركز بني سويف.. «بدأت أستعد للفوز مجددا، نسَّقتُ مع قيادات سبق نجاحها على مستوى الوحدات الحزبية.. عملت لهم ولوجهاء من بعض القرى المجاورة قعدة شاي في بيت أسرتي.. جمعت مندوبين.. ورحت نازلة عن طريقهم بدعاية (انتخابية) ورقية ودعاية بلافتات قماش في القرى.. كنت أنافس على مقعد أمينة المرأة بمركز بني سويف، وحصلت على أعلى الأصوات».

تقول أمنية: «كان الشعور باختفاء مقولة تعيين فلان أو فلانة للموقع الحزبي الفلاني، حافزا يدفعني للسعي بين القرى لحشد الأصوات، إلغاء التعيين دفعني للسعي بين المراكز لجمع الأنصار والموالين لي، لأنني قررت بعد ذلك أن أكمل المسيرة وأنافس 7 سيدات على مستوى المحافظة، وهو ما حدث، وحصلت على أعلى الأصوات وأصبحت أمينة للمرأة بالحزب عن محافظة بني سويف، بينما عمري حوالي 30 سنة لا غير».

أما ناهد محمد عبادي، ابنة محافظة سوهاج (495 كم جنوب القاهرة): فلا تخفي طموحها البرلماني: «عايزة أثبت أن المرأة في الصعيد زي الرجل، أنا مخلوق كامل الأهلية أقدر أشتغل في خدمة بلدي، أنا إنسان كامل ما عنديش حاجة تنقصني أنا مش مخلوق درجة تانية». وعن أول موقع تشغله في الحزب قالت ناهد لـ«الشرق الأوسط»، إنه كان قيامها بالقائم بأعمال أمينة المرأة.. «كانوا في الحزب مزنوقين في أمينة للمرأة فكنت أنا، وذلك قبل أن يكون هناك نظام للانتخابات الداخلية بالحزب، حتى المؤتمر العام الثامن سنة 2002، وبقيت وقتها أمينة للمرأة بشكل رسمي لكن بدون انتخابات، لأنه لم تكن هناك انتخابات في الحزب.. وفي العام الماضي خضت تجربة الانتخابات في الوحدة الحزبية بقرية الخلفية نجع الجبالي التابع لمركز جرجا بمحافظة سوهاج.. نجحت وخضت انتخابات أخرى على مستوى المركز، حيث أصبحت أمينة للمرأة في أمانة الحزب الوطني لمركز جرجا».

وعن رؤيتها للفكر الإصلاحي الجديد للحزب، تقول ناهد.. «الفكر الجديد هو اللي أعطاني روح جديدة». ولم تكتف ناهد بالصعود داخل الحزب الوطني، بل تقدمت ونافست 30 رجلا في الحزب لتكون واحدة من عشرة مرشحين على مقاعد المجلس المحلي بمركز جرجا. قالت: «أصبحت المرأة الوحيدة في قائمة الحزب المكونة من المرشحين العشرة، ولم يكن أمامنا أي منافسة من جانب المعارضة، اللهم الا مرشح واحد مستقل فقط».

أصبحت ناهد عضوا في مجلس محلي جرجا، ومنه صعدت لعضوية مجلس محلي المحافظة، لكنها لن تكتفي بذلك، فكما تروي: «حين شاهدت لأول مرة مبنى البرلمان عند زيارتي للقاهرة أخيراً راودني حلم بأن أصبح عضوا فيه.. نظرت لمبنى مجلس الشعب وقلت له: هل يمكن أن أصل إليك»، لكن المجلس لم يرد عليها بعد، فأقرب انتخابات له لن تحل قبل عام 2010.

ووراء صحيفة محلية أسبوعية، اضطرت ابنة مدينة الإسكندرية نجوان إسماعيل، للتخفي منذ عام 2001 لإقناع أسرتها بالانخراط في العمل العام، ولم تتمكن من المجاهرة بالعمل السياسي إلا في سنة 2003، لكن اكتشفت أن عليها أن تكافح داخل الحزب من أجل إثبات حقها كامرأة في الترقي داخل المواقع الحزبية.. قالت: «أسرتي كانت ترفض انضمامي لأي حزب، ما بالك لو كان حزبا معارضا مثل التجمع.. كنت أباشر عملي السياسي وأقول لهم إنني أعمل صحافية في صحيفة الحزب التي تصدر بالمدينة.. وانكشف أمري حين تعرضت للضرب من أفراد الأمن المركزي خلال مشاركتي في تظاهرة بميدان محطة الرمل.. حُوصرنا وضُربنا.. وكان معنا بنات من قوى معارضة كثيرة.. واستمر عملنا في الشارع من 2003 إلى 2005 حين انخرطنا في مساندة مرشحي تحالف المعارضة للانتخابات البرلمانية بالإسكندرية وكنت مندوبة من حزب التجمع ومسؤولة عن الدعاية الإعلامية في دائرتي اللبان والعطارين».

وبدأ نشاط نجوان في حزب التجمع يشعل حماس صديقاتها، اللائي انتهزن جميعا فرصة المؤتمر الانتخابي لاتحاد الشباب التقدمي بالحزب في أمانة التجمع بالإسكندرية، في أكتوبر عام 2007 ودفعن بها للترشح على موقع أمين مساعد الاتحاد. وأضافت: «كنت البنت الوحيدة التي تترشح لهذا الموقع.. فزت بـ22 صوتا من 30 صوتا لأصبح عضوا بالمكتب التنفيذي، الذي يضم 5 أعضاء على مستوى إسكندرية.. وعملنا أمانة للفنون لكن الأهم كان هو أنني نفذت مع زملائي فكرة استحداث أمانة للفتيات، لأن بنات الإسكندرية لديهن حاجز ضد الانضمام لأحزاب، حتى لو كان الحزب الوطني».

ومنذ تكثيف وجودها بالقاهرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، انخرطت نجوان، وهي خريجة كلية الخدمة الاجتماعية بالإسكندرية في العديد من الأنشطة، منها تنظيم ندوات عن المواطنة ودور الأحزاب السياسية في ترسيخها، لكنها تابعت قائلة: «العمل من خلال حزب معارض صعب، بسبب الحصار الأمني على مقار الأحزاب، ومنعها من العمل في الشارع.. لكن العمل بابه مفتوح أمام أعضاء الحزب الوطني». وأضافت: «لم أتمكن من تقديم أوراقي لخوض انتخابات المحليات عن دائرة الجمارك بمحافظة الإسكندرية العام الماضي، فبعد أن رشحني الحزب لخوض تلك الانتخابات، فوجئت بمنعي، كمعارضة، من استكمال إجراءات الترشح بسبب مضايقات أمنية وكذلك كان هناك بلطجية يخطفون أوراق الترشح من يدي، أو أن الموظف الإداري يقول إن أوراق الترشح غير كافية».

وعن طموحها من خلال الانخراط في العمل الحزبي، قالت نجوان، إنها بعد أن نقلت عضويتها إلى اتحاد الشباب التقدمي بأمانة تجمع القاهرة، رشحت نفسها كأمينة لشباب القاهرة.. «وأنا المنافسة الوحيدة من البنات أمام 3 شبان.. هذه خطوة أولى، لأنني أعمل من خلال حزب التجمع للوصول إلى أمين إعلام الحزب، في الانتخابات المقبلة.. أعرف أن هناك ثقافة ما زالت سائدة إلى حد ما ضد تولي المرأة مواقع بعينها داخل الحزب، لكن هذا بدأ يتراجع، خاصة بعد أن تم لأول مرة في تاريخ الأحزاب، انتخاب امرأة قبل شهور نائبا لرئيس الحزب، هي أمينة النقاش، وكذلك اختيار حزب التجمع لامرأة لتولى رئاسة تحرير صحيفة «الأهالي» الناطقة باسم الحزب، وهي فريدة نقاش، التي تعتبر أول رئيس تحرير في مصر لجريدة معارضة.

خلافا للبنات الصاعدات بأفكار جديدة داخل أحزابهن، من أجل مزيد من المشاركة من جانب المرأة في العمل العام، خاصة بعد أن أعلن الرئيس مبارك عن تخصيص نحو 56 مقعدا إضافيا في البرلمان للمرأة، تعمل الناشطة عزة سلطان منفردة، بعد أن فشلت في التكيف داخل أي حزب من الأحزاب، على اعتبار أن العمل الحزبي في مصر، لم يعد مجديا من وجهة نظرها، ومع أنها تعتبر نفسها فتاة تقدمية تربت على أفكار اليسار منذ المراحل الثانوية، إلا أنها ترى أن انهيار الاتحاد السوفياتي أصاب الحركة اليسارية بخلخلة، لكنها مع ذلك تتذكر الصعوبات التي قابلتها من أجل فرض وجودها وشخصيتها على مجتمعها المحلي في منطقة البتانون بمحافظة المنوفية: «في البتانون، وأنا في المرحلة الثانوية، كانت البنت اللي تروح تحضر ندوة تتعرض للتوبيخ.. يعني كانت الواحدة لما تتكلم مع الرجالة يقولوا عليها صايعة».

وربما لهذا السبب ارتدت عزة الخمار لفترة، قائلة «يمكن لكي أثبت للمجتمع أنني لست سيئة واعتقد الناشطون الإخوان أن ارتدائي النقاب يعني أنني يمكن أن أصبح واحدة منهم، ولم أتحمل طريقتهم في التفكير والنهنهة بالبكاء على صوت مشايخ الدروس الدينية.. كنت أعوِّلُ على أحزاب المعارضة خاصة التقدمية منها، وفي أواخر التسعينيات بدأت نظرتي للأحزاب المصرية تنهار، لأن الأفكار واستراتيجية العمل لم تكن واضحة لديها».

ولهذا بدأت عزة من عام 2002 إلى الآن تعمل وحدها على تنفيذ مشروع لرفع ثقافة الأطفال وزيادة وعيهم من خلال القراءة، وذلك في منطقة عشوائية بالأميرية ناحية المطرية بشرق القاهرة.. قالت: «اكتشفت هناك أن الناس لا يقرؤون وأن البنات يحرمن من التحدث مع الأولاد. حاولت ومازلت أن أرسخ فكرا جديدا بالتحدث مع المواطنين بشكل مباشر، من أجل التخفيف من درجة العنف تجاه الآخر، سواء كان على أساس اجتماعي أو ديني».

وأضافت: «وجودي خارج الأحزاب لا يتعارض مع أي شيء.. لا يعنيني أن أكون في حزب، لأنني لا أريد أن يصل حزب بعينه إلى السلطة، بل يعنيني أن أسهم بحق في تغيير ثقافة المواطن إلى مزيد من الوعي لكي يكون قادرا على اختيار من يريد أن يحكمه».

وكلما ظهرت قيادة نسائية جديدة، أو كلما تناول ناشطين قصة فتاة تكافح من أجل إثبات حقها في العمل العام، تفتح جلسات الدردشة على مقاهي وسط البلد، الخيال لمزيد من القصص، والأحلام، عما يمكن أن يؤدي إليه الفكر الجديد، أو كما قالت مروة عيسى، بالفرقة الرابعة في كلية التجارة بجامعة القاهرة: «أنا أصلا من محافظة سوهاج، وأعيش في محافظة الجيزة، وغير منضمة لأي حزب، لأني أحب أن يعبر فكري عما اعتقده أنا.. أريد وجهة نظري تعبر عني أنا.. هذه ليست سلبية، أنا أدلي برأيي من خلال مجلة «بحلقة» على الانترنت التي خضت فيها أول تجربة لي في الاحتكاك بالرأي مع الآخرين».

وتعتقد مروة أن الفكر الجديد لدى البنات المصريات موجود في الشارع وقضاياه أكثر منه في الأحزاب السياسية التي ترى أنها بلا جدوى، وعلى حد قولها: «أنا أشعر بأنني عملت عملا مفيدا حين أثرت قضية اختفاء فن مسرح العرائس (الدمى) من حياة المصريين.. العرائس صديقة للطفل وقلت من خلال مشاركات ومناقشات على الانترنت إن البلاي ستيشن وغيرها من الألعاب الكومبيوترية لا تغني عن فن العرائس.. صحيح حاجة قديمة بس لها أهمية.. مش شرط إن تعبيري عن آرائي يكون مع أو ضد الحكومة.. أنا أقول وجهة نظري بما يوافق عليه ضميري سواء كان مع أو ضد هذا الحزب أو ذاك».

وعلى خلفية ما يعرف بـ«الفكر الجديد» للمرأة المصرية، تشير ناشطات من داخل الأحزاب وخارجها من جمعيات أهلية، لتجارب نسائية لفتت الانتباه، تبنتها سيدات وفتيات في السنوات الأخيرة من الألفية الجديدة، ومنها مقاومة ختان البنات، الذي انتهى بتشريع حكومي يجرمه، والحملة ضد ظاهرة التحرش الجنسي في الشارع المصري، والتي بدأ مرتكبوه يحالون للقضاء ويعاقبون، وأخيرا منافسة المرأة على المقاعد داخل الأحزاب وشغل موقع العمدة، ووظيفة المأذون، وعضوية المجالس المحلية، وأخيرا الاستعداد لـ«المشاكسة الكبرى للرجل»، بمنافسته في انتخابات 2010 على مقاعد البرلمان.