علويو تركيا.. من قهرمان إلى أردوغان

بعدما خرج نحو 50 ألف منهم يحتجون على التمييز ضدهم

علويون أتراك خلال مظاهرتهم الأسبوع الماضي في أنقرة (إ.ب.أ)
TT

مسيرة العلويين الاتراك التي خرج فيها أكثر من 50 الف شخص الأسبوع الماضي في أنقرة وراء يافطة «المساواة بين المواطنين»، اعتبرها الكثير من المراقبين بمثابة الإنذار ما قبل الاخير قبل الانطلاق الى الشارع بالملايين هذه المرة للاحتكام هناك على طريق انتزاع المطالب في المواجهة مع حكومة العدالة والتنمية التي وعدت بالإصغاء إليهم والتعامل بانفتاح وايجابية مع مطالبهم في الانتخابات النيابية الاخيرة، لكنها تخلت عنهم في منتصف الطريق، كما يقول الاكاديمي التركي من أصل علوي، عز الدين دوغان. لماذا هذه «الانتفاضة» وفي هذا الوقت الحرج الذي يمر به الداخل التركي حيال التعامل مع أكثر من مسألة سياسية وأمنية؟ هل هناك علاقة بين التحرك العلوي الاخير والموجة العاصفة في الملف الكردي، ومحاولات بعض القيادات في حزب المجتمع الديمقراطي الالتفاف على الموضوع العلوي للتلويح به كورقة ضغط ضد حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ؟ هل استفاق العلويون من سبات عميق أم انها مجرد غيمة عابرة كما حدث اكثر من مرة في التاريخ التركي القديم والمعاصر؟. وهل تتحقق مطالبهم في استرداد الاماكن التي تعتبر بمثابة رموز دينية لهم وتوفير الكهرباء والمياه الى دور عبادتهم بالمجان وإلغاء قرار التعليم الديني الإلزامي في المدارس الحكومية ؟

علويو تركيا الذين تُجمِع الكثير من الاحصاءات والدراسات على ان عددهم يتجاوز العشرة ملايين نسمة في البلاد يرون انهم الغالبية السكانية الثانية (بعد السنة الاتراك حيث يشكلون اكثر من ثلث عدد البلاد اليوم، اي حوالي 25 مليون شخص) متمددين ضمن أكثر من انتماء عرقي ولغوي بين أتراك وأكراد وعرب، ومنتشرين في اكثر من بقعة على الاراضي التركية حدودها أقصى مناطق شرق وجنوب ووسط الاناضول الذي دخلوه قبل مئات السنين مع اكثر من فتح وغزوة وحملات انتشار وتمدد كما يرى الباحث التركي نايل يلمز. اصطفوا لسنوات طويلة وراء مؤسس تركيا الحديثة مصطفى اتاتورك للاحتماء من العواصف والضغوطات السياسية والاجتماعية والدينية، ولم يتردد هو في كسب وقوفهم الى جانبه في اكثر من محنة وواجهة سياسية. بين رموزهم الة العزف البزق واللون الاحمر وشعارات «كن متحكما بيدك ولسانك». تعرضوا لأكثر من هجمة سياسية ومذهبية كان آخرها خلال الربع قرن الماضي في قهرمان مراش وأنقرة وسيواس حيث لقي العديد من المثقفين والفنانين العلويين حتفهم احتراقا في فندق أضرم فيه النيران خلال احد المهرجانات في منتصف التسعينات. يرون انفسهم في قلب الباطنية لكنهم يصرون على عدم الذوبان والتخلي عن الهوية والخصائص الدينية والفكرية التي يحملونها رغم كل محاولات وسنوات التلطي والتخفي، كما قال كاظم غنش أحد قياداتهم النافذة . هم يتحلقون حول حجي بكتاش ولي، الذي ساهم مستفيدا من موقعه الديني وانتسابه الى اسرة آل البيت وتبنيه العقلانية في افكاره والتي تلتقي في اكثر من مكان مع ما يتبنونه من شعارات وطروحات يتقدمها التسامح والانسانية والمساواة وتعليم المرأة، وهذا ما حدا بهم للالتفاف حوله وإعلانه أحد رواد الفكر العلوي بعدما تبنى صاري صلتوك أهم رموزهم السياسية والدينية لهذا الفكر واعتبر حجي بكتاش «البيري الاول» في هذه الفلسفة التي عاصرت القزلباشيه حيث يلتقيان في النظريات ويختلفان في التفاصيل.

مأخذ العلويين الأول الذي يطرحونه اليوم هو «تحويل مقر حجي بكتاش الذي نحج إليه الى متحف. المؤسف هو ان علينا قطع تذكرة دخول لزيارته» كما يقول أحد القياديين العلويين ولي الدين اولو صوي. «لا مكان لنا بين 81 محافظا واكثر من 400 مدير عام في الوظائف الرسمية العليا.. هم يحاولون تشتيت هويتنا وتفتيتنا في الداخل والخارج وفرض انتماء ديني ومذهبي، لا علاقة لنا به، علينا». رغم انقساماتهم وتشعباتهم السياسية والفكرية والحزبية يصوتون بغالبية تزيد عن الثلثين الى حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي أسسه اتاتورك، لكنهم يثقون بنسبة ضيئلة بقدرة هذا الحزب على دعمهم في تحقيق مطالبهم السياسية والاجتماعية، كما يرى يلمز في دراسة مفصلة أجراها حول انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية. لذلك فهم حاولوا في الانتخابات النيابية الاخيرة التعاون مع حزب العدالة، ذي الجذور الاسلامية، وقبول تكليفه أن يأخذ المثقف العلوي رحا شامور اوغلو مكانه على لائحة الحزب. لكن هذا القرار الذي كان سببا في إشعال خلافات وانقسامات جديدة بين العلويين تبعه انقسام آخر حول المشاركة في مائدة الافطار التي دعا اليها النائب شامور اوغلو في مطلع شهر محرم المنصرم، وهو شهر الصوم عند العلويين الاتراك، عندما قررت معظم الاتحادات والفاعليات العلوية مقاطعة هذه المناسبة بحجة أن حزب العدالة هو الذي يريد هذه الدعوة لأسباب وحسابات سياسية بحتة، كما قال قادتهم السياسيون والدينيون وقتها.

الضربة القاضية كانت من خلال التصريح الاخير الذي ادلى به وزير الدولة سعيد يازجي، ردا على الطروحات العلوية التي وصفها الوزير بأنها مطالب صعبة التحقيق، ما أغضب حتى المعتدلين في صفوف الجماعات العلوية التي سبق لها أن راهنت على فرصة العدالة والتنمية في أن تكون طريق التفاهم والتقارب والتسوية، وبات يدفعها رويدا رويدا نحو القطيعة السياسية مع العدالة. وهكذا عاد الكثير من القيادات العلوية للرهان بالدرجة الأولى على الاتحاد الأوروبي وتقاريره النصف سنوية ليكون الأمل المنشود وخشبة الخلاص حيث أخذ الموضوع العلوي مكانه في صدر القضايا الواجب حلها على طريق العضوية الكاملة لتركيا.

الصحافي أورال شالشلار، الذي أعد أخيرا موضوعا على شكل حلقات تعالج الموضوع العلوي في تركيا في جريدة «راديكال»، دخل على الفور في نقاش جدي مع جريدة «زمان» التركية ذات الميول الاسلامية بسبب ما نشرته حول مسيرة هذا الاسبوع في انقرة وخلفياتها ومحاولات البعض تعكيرها واستغلالها سياسيا بعدما قرر حزب المجتمع الديمقراطي المدعوم كرديا الوقوف الى جانب التظاهرة والمشاركة فيها، ما يعني أن المواجهة لن تتوقف عند هذا الحد وستكون مفتوحة على اكثر من احتمال . شالشلار أوجز أيضا أهم مطالب وتطلعات العلويين الاتراك السياسية والاجتماعية على النحو التالي: استرداد الاماكن التي تعتبر بمثابة رموز دينية من وزارة السياحة، وفي مقدمتها مزار حجي بكتاش، وتسليمها الى جمعيات واتحادات علوية للإشراف عليها. وتوفير الكهرباء والمياه الى دور عبادتهم بالمجان. وإلغاء قرار التعليم الديني الالزامي في المدارس الحكومية. والغاء رئاسة الشؤون الدينية أو تعديل طريقة عملها وهيكليتها ليسنح لهم المشاركة فيها. وتحويل فندق «مادماك» الشهير في مدينة سيواس الى متحف احتراما للضحايا الذين قضوا فيه نتيجة هجمات يقولون إنها مذهبية نفذت ضدهم، وأخيرا إبراز مذهبهم على الهوية الرسمية التي يحملونها.

هي المرة الأولى في تاريخ تركيا الحديث التي يتحرك فيها العلويون تحت شعار «علويتهم» كما يقول الكاتب والاكاديمي ممتاز تورك، لطرح مطالبهم أو التذكير بها، وهذا يعني انهم لم يعودوا يريدون ارتداء ألبسة تحاك لهم من قبل الاخرين لا تناسبهم في اكثر الاحيان، لكنهم قبلوا ذلك على مضض ولسنوات طويلة لأكثر من سبب ـ كما يقول رئيس الاتحاد العلوي البكتاشي علي بالقيز. تحذيرات الإعلامي محمد علي بيراند الاخيرة تلتقي مع ما يقوله خالد قاقنش حول محاولات البعض تحويل العلويين الى «زنوج» تركيا الجدد، مستفيدا من الموجة التي تسبب بها الرئيس الاميركي الجديد باراك أوباما، والغاية هنا هي لعب ورقتهم لتحقيق أهدافه السياسية من دون أن يتنبه الى أن ما يفعله هو التلاعب ببرميل البارود الذي لم يعد يحتمل الكثير من الخضخضة والاهتزاز، فانفجاره سيعرض الكثير من المسائل والملفات الى خطر تفجرها هي الأخرى .