الإرهاب.. الهندوسي

قلق في الهند من تأسيس شبكة هندوسية مسلحة تهدف إلى الثأر من الأصولية الإسلامية

أعمال العنف التي قام بها بعض الهندوس تقلق الهند (رويترز)
TT

تشهد الهند شكلا جديدا من الإرهاب، لم يأت هذا النوع الجديد من خارج البلاد، بل نبع من الداخل، إنه الإرهاب الذي تثيره النزعات الدينية. وقد صيغ مصطلح جديد ليوضح هذا الشكل الجديد من الإرهاب، إنه «الإرهاب الهندوسي»، ويطلق عليه الهندوس، الذين يسعون للانتقام من «الإرهاب الإسلامي»، «الإرهاب المضاد». على مدى ثلاثة إلى أربعة أعوام، تنبهت الهند إلى حقيقة مفادها أن ثمة شبكة إرهابية محلية من الاصوليين المحليين، أخذت توطد أركانها في البلاد، وأن بعض عمليات التفجير التي استهدفت أماكن لا تتمتع بحماية كبيرة، مثل الأسواق، تم التخطيط لها محليا بصورة كلية أو على نحو كبير. ولكن حتى ذلك، مع أنه يعد كابوسا مريعا، لا يعد شيئا يذكر إذا ما قورن بحقيقة أخرى، وهي أن بعض التنظيمات الهندوسية أخذت موقعها في شبكة الإرهاب داخل الهند. وقد حدث تطور مفاجئ مثّل منعطفا جديدا في الهجمات الإرهابية المرتبطة بالهندوس، حيث أشارت سلسلة من عمليات الاعتقال إلى شبكة إرهابية سرية تعمل عليها تنظيمات هندوسية متطرفة. ألقت شرطة مكافحة الإرهاب في ولاية ماهراشترا الهندية القبض على عشرة أشخاص، من بينهم كاهنة هندية، تدعى سادفي براغيا سنغ شكور، ومتنبئ هندي اسمه دايانند باندي ومسؤول في الجيش وآخر متقاعد، بتهمة التخطيط لتفجيرات ضخمة في ماليان، بولاية ماهراشترا، وفي مدينة موداسا في ولاية غوجارات. واستهدفت كلتا العمليتين تجمعات للمسلمين خلال شهر رمضان المعظم، الذي كان يوافق في معظمه شهر سبتمبر (أيلول). قتل خمسة أشخاص في مالغاون، فيما قتل شخص في مدينة موداسا. وتعد تلك هي المرة الأولى التي يلقى فيها القبض على أعضاء في اليمين الهندوسي وتحميلهم مسؤولية عملية تفجيرية. ومع أن الشرطة لم تصدر بيانا حتى الآن بخصوص التنظيمات الهندوسية الراديكالية تحملهم فيه المسؤولية عن تفجيرات أخرى، تقول الشرطة إن هناك حقائق كافية تظهر أن تلك التنظميات متورطة في هذه الهجمات. وقد مثّلت عمليات الاعتقال هذه مفاجأة مدوية في الهند، ويرجع ذلك لسببين رئيسين. أولا: إن جميع المتهمين يمينيون هندوسيون، مما يطرح للمرة الأولى تخطيط متطرفين هندوس لهجمات إرهابية. ثانيا: إن من بين المتهمين ضابطا في الجيش برتبة مقدم وضابطا متقاعدا في الجيش برتبة رائد، حيث ينظر إلى الجيش حتى الآن على أنه مؤسسة نأت بنفسها عن الطائفية. وفي الواقع، فإن الراديكالية الهندوسية والتطرف الذي يعود لقوميات متعددة لا يعد جديدا على الساحة السياسية الهندية، ولكن، ما يحدث الآن هو أن العنف اليميني أخذ منعطفا جديدا أكثر خطورة. وفي كافة أرجاء الهند، هناك الكثير من الكلام حول ظهور «الإرهاب الهندوسي»، وتحديدا تأسيس شبكة هندوسية مسلحة تهدف إلى الثأر من الأصولية الإسلامية والهجمات الإرهابية. وقد طرحت عملية اعتقال سادفي براغيا سينغ شكور، المتهمة بالوقوف وراء عملية تفجيرية وقعت في مالغاون في التاسع والعشرين من سبتمبر مشكلة جديدة، فهي ابنة مناصر لمنظمة هندوسية يمينية «راشتريا سوايام سواك»، وكانت عضوا نشيطا في العديد من المؤسسات التابعة للمنظمة، ومنها الجناح الطلابي. ومن نافلة القول الإشارة إلى أنها متشربة بالايديولوجية والقيم السياسية الخاصة بالمنظمة، التي ترتبط بها منذ الطفولة. وتزعم الشرطة أيضا أن شكور، التي تبلغ من العمر 38 عاما، كانت قد أسست في عام 2002 منظمة تدعى «جاي فاند ماترام جين كاليان ساميتي»، وهي منظمة إرهابية هندوسية تعادي المسلمين والمسيحيين على نحو صريح، ويقال إن أدبيات المنظمة، التي يزعم أنها أخذت من مقرات منظمة «ساميتي»، تعمد إلى إثارة الفتن والقلاقل. وقد ألقي القبض على الراهبة بعد أن قامت الشرطة بتعقب ملكية دراجة بخارية استخدمت في تفجير مالغاون، ووجدت أنها تعود إليها وقد أظهرت محادثة تليفونية، أرسلت نسخة من فحواها إلى المحكمة، أنها تمتلك الدراجة بالإضافة إلى تورطها في التفجير الإرهابي في المدينة، حيث قالت في المكالمة التليفونية لأحد المتهمين: «لماذا قُتل عدد قليل جدا من الناس؟ لماذا لم تركن (الدراجة) في منطقة مزدحمة؟».

كما توجد علامات تثير القلق على أن المسلحين الهندوس لديهم صلة بالجيش الهندي، حيث قام المحققون باستدعاء ستة من ضباط الجيش من بينهم المقدم شريكانت براسات بوروهيت، وثمة اعتقاد بأن الضابط أقر بأنها كان على اطلاع بالمواد والمتفجرات التي استخدمت في الهجوم الذي وقع في مدينة مالغاون. ومن المفاجئ، أن يقال إن أحد المتهمين الإرهابيين الهندوس قال وهو تحت التنويم المغناطيسي، إنه خطط للقيام بالتفجير في مدينة مالغاون «ليبرهن على أن الهندوس ليسوا ضعفاء». وكشف المتهم أنهم مقتنعون بإرهاب الانتقام لأنه، حسب ما قالوه، «تعد الهجمات التفجيرية خارج المساجد الوسيلة الوحيدة لحماية القومية الهندوسية»، «وإلا سوف يعاملون مثل خدام». ويرون أن الهجمات المضادة هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق توازن. ويتبع معظم من ألقي القبض عليهم للارتباط بتفجير مدينة مالغاون، التنظيم الهندوسي اليميني «أبهيناف بارات»، الذي تتزعمه هيماني سافاركار، قريبة ناثورام غودسي، قاتل المهاتما غاندي. وجاءت هيماني دعما لسادفي براجيا، وقد وقفت أمام محكمة ناشيك، حيث كانت هناك جلسة استماع لها، لإظهار دعمها لها. وتقول هيماني: «هدفنا هو محاربة الإرهاب، والتوعية بمن هم الإرهابيون الحقيقيون، وتعليم الناس كيف يمكن لهم الوقوف أمام الإرهاب. كان يجب أن تقوم الحكومة بذلك، ولكنها عجزت عن منع حدوث هجمات إرهابية، وحيث أن الحكومة قد عجزت عن التصرف، كان يجب أن يكون هناك رد فعل. وإذا كان ما تدعيه الشرطة ضد سادفي سينغ والآخرين صحيحا، فإنه مجرد رد فعل على الإرهاب الحقيقي....».

ومن التنظيمات الأصولية الهندوسية الأخرى، التي برزت أدوارها في إثارة الإرهاب وأعمال الشغب: «دورغا فاهيني»، جناح المرأة في «برجرانغ دال»، ومنظمة «راكشا ساميتي» الهندوسية، و«راشتريا جاغران مانش»، التي يعتقد أنها استهدفت مساجد للانتقام بعد وقوع تفجيرات سابقة على مواقع دينية هندوسية نفذها مسلحون إسلاميون. وتعتبر «برجرانغ دال»، جناح الشباب بـ«فيشاف هندو باريشاد»، وتعني بالإنجليزية «المنظمة الهندوسية الدولية»، وقد تأسست هذه المنظمة في الهند عام 1964. يُذكر أنه تم توجيه أصابع الاتهام إلى «فيشاف هندو باريشاد» إلى جانب المنظمات المناصرة للقومية الهندوسية، فيما يتعلق بالعديد من أعمال الشغب بالبلاد. ومنذ تأسيس «برجرانغ دال» عام 1984، للحماية المزعومة لبرنامج «فيشاف هندو باريشاد» الخاص «لإيقاظ المجتمع»، اتضح أن سلسلة قيادة الجماعة غير واضحة حتى الآن. كما اُتهمت بالتورط في أعمال العنف الدينية الأخيرة عام 2008، والمتمثلة في الهجوم على الكنائس المسيحية في أوريسا، فضلاً عن أعمال الشغب بين الهندوس والمسلمين في غوجارات عام 2002. وزعمت «فيشاف هندو باريشاد» أن أعمال الشغب جاءت ردًا على حريق قطار غودهارا؛ وفيه أحرق المسلمون عربة قطار بها سيدات وأطفال زعماء دينيين هندوس. ويشتبه مسؤولو الأمن أيضًا في أن العاملين في «برجرانغ دال» تدربوا على صناعة المتفجرات. جدير بالذكر أنه في أغسطس (آب) 2008، لقي اثنان من أعضاء «برجرانغ دال» مصرعهم في تفجير غامض في كنبور. وصنفت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها الدولي عن الحرية الدينية لعام 2000، وكذا منظمة «هيومان رايتس ووتش» في «التقرير العالمي» من نفس العام، هذا التنظيم على أنه تنظيم هندوسي متطرف. كما وصف بول براس، أستاذ العلوم السياسية ودراسات جنوب آسيا متفرغ بجامعة واشنطن، «برجرانغ دال» على أنها التنظيم الهندي المناظر لـ«ستارمابتيلانغ» الألماني النازي. ويوصف «دورغا فاهيني»، بأنه «الذراع النسائي لبرجرانغ دال»، وقد تأسس عام 1991. ويقول الموقع الإلكتروني لـ«برجرانغ دال»، إن من بين أهداف التنظيم في الهند المعاصرة قلب غزوات الفاتحين المسلمين والإمبريالية البريطانية. وقد تحدث تنظيم «برجرانغ دال»، إلى جانب «فيشاف هندو باريشاد»، جهارًا ضد الإرهاب الإسلامي في الهند، وأعلنا أنهما سيقومان بحملات توعية في البلاد في هذا الصدد. وأوضحا أن الإرهابيين الإسلاميين يستترون ويتوارون بين الشعب الهندي، وأنهم عازمون على كشفهم. وحسبما أفادت به مصادر استخباراتية هندية، بزغ العديد من الجماعات الصغيرة اليمينية في الوقت الحالي على مدار السنتين أو الثلاث الماضية، وتسيطر على كل تلك الجماعات أجندة واحدة، وهي محاربة الإرهاب الجهادي بالإرهاب. ويقول ضابط بارز بالشرطة إنه سرعان ما حظيت تلك الجماعات بقاعدة شعبية كبيرة، وأوضح: «تلك الجماعات توسع من قاعدتها بحرص بالغ، جاذبة إليها الأفراد تحت اسم محاربة التهديد الملحوظ تجاه الهندوسية. وأنهم يعمدون إلى جذب الأفراد عن طريق إلقاء الخطابات المثيرة خلال الأعياد الهندوسية. وبات من الواضح أن قاعدتهم قد توسعت، ويتعين على كل شخص أن يكون متيقظًا». وأضاف الضابط أن الكثير من ناشطيهم من العاطلين، وأنهم خضعوا لعمليات غسل مخ ليقتنعوا بأنهم يمكنهم إنقاذ بلادهم عبر تنفيذ المخططات اليمينية. فضلاً عن أن أعدادا كبيرة منهم يوقنون أن هذا هو الخيار الأمثل لمواجهة الحرب المزعومة على الهندوس. وفي محاولة منهم للحصول على بعض المنافع السياسية، أعلن الحزبان اليمينيان «بحارتيا جاناتا»، و«شيفا سينا» عن تأييدهما الكامل لبراغيا سينغ. حتى أن شيفا سينا أوضحت أنها قد تعرض مساعدتها القانونية، وذلك على أساس أنها تعتبر مقاتلة حقيقية تدافع عن شعبها. ويقول الصحافي البارز تشاندان ميترا: «على النقيض من الإسلام، لا تدعو الهندوسية إلى الجهاد. ولا يمكن لأحد أن يجد في الكتاب الهندوسي أو الكتب الدينية الأخرى أي إشارة لفكرة الجهاد. وتتحدث الهندوسية بكل وضوح عن الحرية الدينية لكل فرد. لذا، فإنه يتعين على كل فرد البحث جدية عن الأمور والقضايا التي حملت الهندوس على اتخاذ مثل تلك الخطوات الخطيرة. إن مثل هذه النزعة تعد بمثابة إشارة واضحة إلى أن الإرهاب ربما ارتدى وجهًا جديدًا، وهو خطير بالفعل، لأن قنابل المولوتوف تتم إثارتها بواسطة الدين، كما أن ما يقدح زنادها هو الدافع للحرق والانتقام».