السياسيون.. والأحذية

من «القباقيب» التي قتلت شجرة الدر.. إلى خروتشوف وغاندي وساسة مصر وفلسطين الذين تقاتلوا بالأحذية

حذاء مرفوع إلى جانب يافطة تدعو القوات الأميركية لمغادرة العراق خلال تظاهرة ضد الرئيس الاميركي جورج بوش في مدينة الصدر (أ.ب)
TT

بين السياسيين والأحذية علاقة قديمة. استخدام الحذاء للتعبير عن موقف سياسي، لطالما كان حاضرا في الثقافة السياسية. أحيانا يَضرب السياسي به، وأحيانا هو يُضرب هو به كما حصل مع الرئيس الاميركي جورج بوش في المؤتمر الصحافي الاخير له في العراق، حيث كاد أن يتلقى ضربة على رأسه بحذاء الصحافي العراقي منتصر الزيدي، لولا رشاقته وسرعة حركته. هذه الحادثة قد تكون الاحدث من بين سلسلة الاحداث التي وقعت سابقا والتي تدل على وجود علاقة بين السياسيين والاحذية، ولكنها ليست الوحيدة التي ستدخل التاريخ. ففي عالمنا العربي، تعود علاقة السياسيين بالاحذية الى القرن الثالث عشر، عندما قامت أم علي زوجة عز الدين أيبك وجواريها بقتل ضرتها شجرة الدر، حاكمة مصر، ضربا بالقباقيب! أشبعت أم علي وجواريها شجرة الدر ضربا بالقباقيب في الحمام، انتقاما لمقتل زوجها عز الدين على يدي شجرة الدر التي استأثرت بالسلطة.

ومنذ ذلك الحين، تعرض عدد من السياسيين على مستوى العالم لعدد من المواقف لعب فيها الحذاء أو الجزمة دور البطولة. هذه العلاقة رغم أنها علاقة عجيبة ومثيرة للدهشة، اتخذت العديد من الصور والأشكال. ففي حين سببت إحراجا لبعض السياسيين ومشاكل كبيرة بين شعوبهم، كانت مصدرا للفخر وتعبيراً عن مواقف نبيلة لأصحابها، بصرف النظر عن اختلاف ثقافة ورؤية الشعب، الأمر الذي جعل البعض يعلق مازحا: «العلاقة بين السياسي والحذاء أعمق مما نتصور».

لكن أكثر ما عرف وانتشر عن مواقف الأحذية أنها تسببت في إحراج العديد من السياسيين وأنها استخدمت للتعبير عن الغضب والاعتراض على موقف سياسي معين، وكان أشهر من استخدم هذه التعبيرات هو السكرتير الأول للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق نيكيتا خروتشوف الذي استخدام حذاءه مرتين. الأولى حين قام في 12 أكتوبر (تشرين الاول) من عام 1960، وخلال الجلسة التحضيرية الـ 902 للجمعية العمومية للأمم المتحدة، بالضرب بحذائه على منصة الأمم المتحدة، اعتراضاً على خطاب رئيس الوفد الفليبيني لورنزو سومولونغ، الذي انتقد فيه الاستعمار السوفييتي في أوروبا الشرقية. وتحدث عن تأييد بلاده لاستقلال دول أوروبا الشرقية.

وفي جلسة أخرى من الاجتماعات نفسها، خلع حذاءه مرة ثانية وضرب به الطاولة الموجودة أمامه في الجمعية العامة احتجاجاً على تصريحات الأمين العام دوغ هامرشولد. الغريب في القصة هو أنه رغم شعور وزير الخارجية السوفييتي أندريه غروميكو بالحرج، إلا أنه راح يضرب هو الآخر الطاولة بحذائه بل وانضم إليهما بقية أعضاء الوفد السوفييتي.

وللسياسيين الاميركيين نصيب مهم في هذه العلاقة. فبعد الهزيمة التي مني بها الجيش الأميركي في حرب فيتنام والتي أدت الى انسحابه في العام 1975، تعرض السفير الأميركي هناك لموقف محرج عندما سقطت فردة من حذائه وهو يحاول اللحاق مسرعا بالهليكوبتر التي كانت تنتظره فوق سطح السفارة الأميركية في سايغون. وبالطبع لم تتوقف الهليكوبتر حتى يسترد حذاءه ورحل بفردة حذاء واحدة.

والرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب له مواقف أيضاً مع الحذاء. فأثناء انتخابات العام 1988، أطلقت وزيرة المالية وحاكمة ولاية تكساس، وكانت حينها تتحدث باسم الحزب الديمقراطي، عبارة شهيرة قالت فيها إن «بوش ولد وفي فمه حذاء من فضة»، للتعبير على أن بوش ينتمي لعائلة مرفهة وغير قادر على الإحساس بما يشعر به الشعب الأميركي من معاناة اقتصادية. وبين بوش الاب والاحذية، هناك أيضا ما أقدم عليه الرئيس العراقي صدام حسين عندما رسم صورة لبوش الأب بالفسيفساء على أرضية فندق الرشيد الشهير في بغداد بعد نهاية حرب الخليج الثانية في العام 1991، مكتوب تحتها بالعربية والإنجليزية «المجرم جورج بوش»، وذلك حتى تدوسها نعال الصحافيين والمراسلين الأجانب بمجرد دخولهم بهو الفندق، حيث يمثل رفع الحذاء أو التهديد بالضرب به أقسى أنواع الإهانات في الثقافة العراقية والعربية بشكل عام.

لكن تشاء الأقدار أن يشرب صدام حسين من الكأس نفسه وينال الإهانة ذاتها التي تسبب بها لبوش، وعلى يد الأميركيين أنفسهم. ففي 9 أبريل (نيسان) عام 2003، وبعد ساعات من احتلال بغداد، قامت قوات المارينز الأميركية بإسقاط تمثال كبير لصدام حسين قابع في ميدان الفردوس، وتمت تغطيته بعلم الولايات المتحدة. وبمجرد نزوله على الأرض، انهالت عليه أحذية العراقيين ضرباً، حتى أشتهر في تلك الفترة رجل عراقي يدعى أبو تحسين ظهر على شاشات الفضائيات وهو يضرب نعله بقوة على ما تبقى من تمثال صدام. وتحول إلى مثل وعبارة شهيرة «نعل أبو تحسين». ورغم ندمه على فعلته هذه بحق صدام حسين وترحمه على أيامه، قال أبو تحسين مؤخراً في حوارات له أنه سوف يستخدم النعال مرة أخرى بوجه كل من لا يحترم الشعب والدستور والقانون بشكل عام، وكذلك المفسدين ومن امتهنوا الفساد الإداري والمالي.

وقبل الخروج من الدائرة العراقية نذكر أيضاً، أنه ومنذ عامين فقط، وتحديدا خلال شهر يوليو (تموز) 2006، قام مواطنون أكراد بإلقاء أحذيتهم على عمّار الحكيم، نجل الزعيم الشيعي عبد العزيز الحكيم، رئيس مجلس الثورة الإسلامية، خلال حضوره حفل افتتاح شارع بوسط أربيل، انتقاداً لمواقفه.

ولن ينسى المصريون والفلسطينيون معا حادثة وزير الخارجية المصري في ذلك الحين أحمد ماهر، في 22 ديسمبر (كانون) عام 2003، حيث كان للحذاء دوراً مهماً في تعبير بعض الفلسطينيين عن غضبهم واستيائهم من زيارة ماهر لتل أبيب، ومقابلته الرئيس الإسرائيلي وقتها آرييل شارون وإجراء محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين حول استئناف محادثات السلام، في الوقت الذي كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات محاصرا في رام الله. وتعرض الوزير المصري فور دخوله إلى باحة المسجد الأقصى لأداء الصلاة فيه، للاعتداء من جانب بعض المصلين وقام المهاجمون بترديد هتافات تتهمه بالخيانة، وبدؤوا بإلقاء الأحذية عليه عند مدخل المسجد، وهو ما أدى إلى إصابته بحالة من الإغماء استدعت إسعافه.

أما داخل القطر المصري، فكان للجزمة العديد من المواقف المشهودة بين السياسيين، أشهرها وأقدمها كانت واقعة مجلس الشعب (البرلمان) عام 1987 بين وزير الداخلية الأسبق زكي بدر وعضو المجلس طلعت رسلان. وفيها قام النائب المعارض، محتجا على إهانة الوزير للمعارضة، بضرب بدر على وجهه ما جعل الوزير يرد بضرب النائب بالجزمة داخل قاعة المجلس.

كما أثار المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين مهدي عاكف ضجة كبيرة وجدلاً عندما هدَّد في أحد أحاديثه الصحافية عام 2006 بضرب المعارضين للإخوان من الآن بالحذاء، الأمر الذي عرضَّه لنقد شديد. وبعدها بأيام معدودة جاءت واقعة النائب المستقل طلعت السادات بمجلس الشعب ورجل الأعمال البارز أحمد عز، عضو الحزب الوطني ورئيس لجنة الخطة والموازنة بالمجلس، والتي حاول فيها السادات خلع حذائه لضرب عز بعد مشادة كلامية بينهما عن خلط العمل السياسي بالاقتصادي.

الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (أبو مازن) تسبب الحذاء في إحراجه أيضا، ولكن بشكل مختلف. ففي فبراير (شباط) الماضي أجرت صحيفة «إل ميساجيرو» الإيطالية تحقيقاً خاصاً حول صناعة الأحذية الإيطالية وانتشارها في العالم، وذكرت فيه أن أبو مازن يفضل ارتداء أحذية «موكاسين» التي تنتجها شركة «فابي» الإيطالية الفاخرة. ويبلغ ثمن الزوج من هذا النوع من الأحذية 20 ألف يورو. وقد أثار هذا الخبر سخطاً وغضباً شديداً بين الفلسطينيين الذين تساءلوا كيف ينتعل أبو مازن هذا الحذاء وهو رئيس لشعب يعيش في حصار إسرائيلي خانق وحالة من القتل والتخريب اليومي على يد سلطات الاحتلال.

أيضا في فلسطين وتحديداً في 3 فبراير 2007، شهد اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح، الذي عُقد في مدينة رام الله جدلاً واسعاً حول ما تشهده الأراضي الفلسطينية وتطور هذا الجدل إلى حد استخدام الأحذية بين اللواء توفيق الطيراوي رئيس جهاز المخابرات في الضفة الغربية واللواء جبريل الرجوب الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في الضفة. وتم إنهاء الشجار بعد تدخل الرئيس أبو مازن، باعتذار الطيراوي للرجوب، باعتباره هو من باشر بقذف حذائه في اتجاه الرجوب.

لكن مع ذلك، نلاحظ أيضاً أن للأحذية مع بعض السياسيين مواقف جيدة استخدمت فيها كوسيلة للتعبير عن الاحترام والتقدير. وفي هذا الإطار يحكى أن الزعيم الهندي الشهير غاندي كان يجري للحاق بالقطار وقد بدأ القطار بالسير. وعند صعوده القطار سقطت إحدى فردتي حذائه على الأرض، وحين فشل في التقاطها، أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على سكة القطار. فتعجب منه مرافقوه وسألوه لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟ فأجاب غاندي: «أحببت للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده».

وفي أغسطس (آب) من العام 2003، قام صانع أحذية من تركمانستان يدعى أركين نيبسو بصنع حذاء عملاق، يبلغ طوله 6.2 مترا وعرضه 1.65 مترا وارتفاعه 1.76 متر ويبلغ وزنه 250 كيلوجراما، واستهلك في تصنيعه 30 مترا من الجلد، رغم أنه نعل واحد وليس الحذاء كاملاً، وأهداه لرئيس البلاد صابر مراد نيازوف تقديراً له على إطلاقه «الراه نامة» عام 2001، وهي فلسفة قومية تهدف إلى تعزيز الروح الوطنية بين التركمان.

ولم تخل قصص العلاقة بين الأحذية والسياسيين من المواقف الفكاهية الطريفة التي أصبحت عالقة في أذهان الشعوب وتناقلتها وسائل الإعلام بشيء من الإثارة وفي هذا يحضرنا الصورة الشهيرة التي التقطت لرئيس البنك الدولي السابق الأميركي بول وولفوتز. فأثناء زيارته لتركيا وبعد تجوله في مسجد تاريخي في مدينة أدرين في يناير 2007 خالعاً حذاءه، اتضح أنه يرتدي جوربًا مثقوبًا تظهر منه أصابع قدميه.

ومن المواقف الطريفة أيضا ما تعرض له مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فبعد أدائه صلاة الجمعة بمسجد ناصر بدمنهور وعند خروجه من المسجد فوجئ باختفاء حذائه وفشلت الجهود التي بذلها بمعاونة المصلين ومسؤولي المحافظة الذين حضروا إلى المسجد للاستماع لخطبة الجمعة، واحتفالاً بالعيد القومي لمحافظة البحيرة (شمال غربي القاهرة)، في العثور على الحذاء. وسادت ساحة المسجد حالة من الفوضى، اذ انقسم المصلون إلى فريقين أحدهما رافق الفقي في رحلة البحث عن الحذاء، والآخر لم يستطع إخفاء ضحكاته من الموقف، خاصة أن حذاء الفقي لم يكن الوحيد الذي تمت سرقته، بل تكرر الأمر نفسه مع خالد حشمت نجل محمد جمال حشمت القيادي الإخواني والذي كان منافساً للفقي على المقعد البرلماني في دمنهور.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»