«حشيش أوباما».. آخر الصيحات في أزقة القاهرة

حجم الإنفاق على المخدرات 3 مليارات دولار العام الفائت.. والمغرب أكبر موردي الحشيش إلى مصر

TT

«أمسك حرامي»! صيحة مصرية شهيرة توقظ الشارع من غفوته في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار. هذه الصيحة رافقت انتهاء صلاة العيد في إحدى الضواحي الراقية بالقاهرة، عندما اندفع السائرون في الشارع إلى العدو خلف اللص الهارب الذي حاول سرقة إحدى الشقق الفاخرة. الا أنه فشل. وما أن أمسك المارة به حتى بدأوا بضربه. في هذه الحالة يمكن أن يشارك جميع المارة في الضرب بدافع من الغيظ وأحيانا تفريغا لمشاعر مكبوتة.

وفيما كان اللص يتعامل ببرود مع سيل اللكمات، قال أحد الضاربين إن اللص لا يشعر بالضرب لأنه «مصرصر». ويعني هذا التعبير ان اللص تناول حبوبا مخدرة خطيرة يطلق عليها تجار الكيف في مصر اسم «حبوب الصراصير»، لأن من يتعاطاها ـ على حد قوله ـ يشعر بأن الصراصير تسير طوال الوقت على جسده، بينما ترى عينيه طوال الوقت صراصير على الجدران أمامه. ويلجأ اللصوص إلى تناولها قبل «العمليات» الكبيرة حتى تتبلد أحاسيسه فيما تعرض لوصلة ضرب مفاجئة كما حدث لهذا اللص «المصرصر». أسماء الكيف في مصر أصبحت تغازل السياسة من وقت لآخر، وعالم الفن والرياضة أيضا. ويظل اختيار هذه الأسماء اختيارا ترويجيا يلعب على الوتر العام لإثارة الانتباه. وربما أيضا لأغراض التكتيك للهروب من قبضة مباحث مكافحة المخدرات المتيقظة. ومن المألوف جدا وأنت تقرأ صفحة الحوادث في الصحافة المصرية أن تجد مثلا ضبط كمية كبيرة من حشيش يسمى «نانسي عجرم» أو «هبو حنان» أو حتى «حضّر كفنك»، في إشارة إلى المتعة والنشوة التي تصل لحد الموت أحيانا من جراء تعاطيه في خضم عملية الترويج الشيطانية. إطلاق الأسماء الغريبة على المخدرات ساهم في نحت كلمات جديدة لم تألفها اللغة من قبل، إذ يمكن أن تستمع لشاب في مصح لعلاج الإدمان، وهو يخبرك قصته مع الإدمان، بأن يقول عن نفسه انه كان «يُصرصر» أو «يُجمجم»، وهو ما يعني تناول حبوب «الجماجم» أو حتى «يأكسس» وهو ما يعني تناوله حبوب «الاكستاسي».

يتنوع عالم المخدرات بحسب النوعية، فمن منتجات القنب كالحشيش والماريجوانا والبانجو إلى عالم الأفيون حيث الهيروين وأدوية «الكحة»، مرورا بالمهلوسات كحبوب الصراصير والجماجم، والمذيبات العضوية التي يندرج تحتها شم «الكُلة» و«الصمغ» و«الغراء». ومع دخول أيام عيد الأضحى التي يعتبرها تجار «الكيف» موسما لرواج بضاعتهم خاصة الحشيش، يلجأ هؤلاء التجار لإطلاق أسماء الأشخاص الذين يستحوذون على اهتمام الرأي العام على بضاعتهم. فقبل عامين كان إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين صبيحة أول أيام عيد الأضحى أواخر شهر ديسمبر (كانون أول)2006 سببا كافيا كي يتحول اسمه إلى ماركة حشيش. ومع فوز المنتخب المصري لكرة القدم ببطولة أفريقيا لهذا العام 2008، أصبح اللاعب محمد أبو تريكة المرشح الأوفر حظا لاستخدام اسمه في الترويج للحشيش، ربما لأن مهارته في الملعب «تكيّف الدماغ».

المطرب الشعبي الشهير شعبان عبد الرحيم لم يكن يوما اسما في عالم الحشيش، إذ لم يتحول إلى ماركة رغم الكاريزما التي يتمتع بها، لكنه في المقابل تحول إلى ضحية حيث يرقد الآن في أحد مستشفيات القاهرة، في ظل تضارب الحديث حول تناوله جرعة زائدة من المخدرات. الا ان اسرته تنفي وجود أي آثار للمخدر في دمه، فيما تنتظر النيابة تماثله للشفاء حتى تحقق معه فيما نسب إليه حول العثور في طيات ملابسه على 15 غراما من الحشيش لحظة وصوله المستشفى فاقدا للوعي ليلة عيد الأضحى.

«حشيش أوباما» هو آخر صيحة في عالم الأسماء التي تطلق على تجارة الكيف في مصر في محاولة للترويج ورفع الأسعار في مواسم الأعياد. وربما أدرك تجار الحشيش أيضا أن العالم الآن بحاجة إلى «دماغ» جديدة، وأن المجتمع الدولي مع أوباما سيسعى إلى «التنفيس» عن احتقانات ثماني سنوات قضاها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جورج بوش في سدة الحكم.

جورج بوش من جانبه ظل طوال سنوات حكمه في المرتبة الأخيرة لكافة أنواع المنتجات المشروعة وغير المشروعة، إذ ظل عنواناً لأردأ أنواع التمر في سوق التمور الشهير في قلب القاهرة. ولم يكن ينافسه على هذا اللقب سوى زعماء إسرائيل. أما أوباما فسيكون سوق التمر، قبيل شهر رمضان المقبل، هو الموعد المناسب لتقييم سياساته خاصة في الشرق الأوسط، إذ يمكن أن يتصدر الرئيس الأميركي المنتخب جدول أسعار التمر في سابقة تخص رئيس أميركي، أو يحتل في المقابل ذات المكانة التي حافظ عليها بوش طيلة الأعوام السابقة. تجارة الكيف بعيدا عن الأسماء تحتل أرقاما مخيفة تلحق الضرر البالغ بعجلة التنمية في مصر، فقد بلغت قيمة ما تم تداوله من المواد المخدرة في سوق الاتجار غير المشروع في مصر بحسب دراسة أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حوالي 3 مليارات دولار أميركي فقط في عام 2007، ويمثل هذا الرقم المخيف 2.5 بالمائة من عوائد الدخل القومي للعام المالي 2006 ـ 2007 التي تقدر بما يوازي 102 مليار دولار بحسب الدراسة.

وأوضحت الدراسة أن مخدر البانجو يحتل المرتبة الأولى بين المواد المخدرة الطبيعية المضبوطة حيث بلغت كميته نحو 47.5 الف كيلو غراما، يليه الحشيش بكمية تصل إلى خمسة آلاف كيلو غراما. أما بالنسبة للمواد المخدرة التخليقية المضبوطة في سوق الاتجار غير المشروع في نفس العام فقد تم ضبط 88 كيلو غراما من الهيروين، و3380 قرصا من العقاقير المخدرة، و1720 سم من سائل الماكستون فورت. وبالنسبة للزراعات المخدرة فقد تم ضبط 273 فدان مزروعة بالقنب تقدر بحوالي 2.3 مليون كيلو غراما بقيمة ملياري دولار، و233 فدانا مزروعة بالخشخاش تقدر بحوالي 7.4 مليون كيلو غرام بقيمة ما يقارب 500 ألف دولار من إجمالي حجم الإنفاق.

وفي تقرير آخر لوزارة الداخلية المصرية عن واقع المخدرات في مصر، يشكل مخدر البانجو 54 بالمائة من إجمالي قضايا المخدرات حيث بلغت 15835 قضية اتهم فيها 16905 متهمين. وجاء الحشيش في المركز الثاني بجملة 12773 قضية و13 الف متهم، في حين وصلت قضايا تعاطي واتجار الهيروين إلى 2386 قضية. وسجل التقرير أسعار أصناف المخدرات حيث يظل البانجو الأرخص ثمنا حيث يباع الكيلو بمبلغ 200 جنيه (40 دولارا أميركيا)، بينما يصل سعر الكوكايين إلى 300 ألف جنيه للكيلو، والهيروين يتراوح ما بين 70 و90 ألف جنيه، أما الحشيش المغربي فيباع بمبلغ يتراوح ما بين 5 و8 آلاف جنيه للأوقية، بينما ترتفع أوقية اللبناني إلى 10 آلاف جنيه، ويباع القرش (4 جرامات) للمستهلك بـ65 جنيها للمغربي، و85 جنيها للبناني. فيما يباع عقار «الأكستاسي» بحوالي 80 جنيها.

أما تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لعام 2007 الصادر عن المكتب الإقليمي للأمم المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيكشف أن المغرب هي أكبر موردي الحشيش إلى مصر، رغم الجهود الضخمة التي تبذلها المغرب للتصدي لزراعة القنب الذي تنتشر زراعته في أرجاء القارة الأفريقية، ويتم تهريبه إلى مصر والسودان عبر موريتانيا ومالي والنيجر.

وفي دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حول ثقافة وتعاطي الإدمان لدى طلاب مرحلة التعليم الأساسي بدأ جليا أن الأفلام السينمائية تعد أحد مصادر معلومات الأطفال عن المخدرات، حيث قال 84 بالمائة ممن شملتهم الدراسة أن التلفزيون هو المصدر الأساسي عن المخدرات، فيما أعتبر 23.7 أن الشارع كان مصدرهم للمعرفة، أما 6.5 فأشاروا إلى الأصدقاء، في حين كانت الأسرة مصدر تلك المعلومات لدى 3.35 ممن شملتهم الدراسة. وتحاول مؤسسات مصرية حكومية وأهلية المشاركة في إيقاف هذا النزيف الاقتصادي والاجتماعي والصحي الخطير، عبر المشاركة بفاعلية لمقاومة الإدمان والكيف، كان اخرها مبادرة الداعية الإسلامي عمرو خالد بمساعدة 5000 مدمن على التعافي ضمن حملة «حماية» التي نفذها منتصف العام الجاري، في حين بلغ إجمالي الشباب الذين تقدموا للعلاج من تلقاء أنفسهم بالمستشفيات الحكومية في عام 2007 نحو 22718 مدمنا بمعدل زيادة قدره 450 بالمائة عن عام 2002 والبالغ 4131 مدمنا، وذلك يدل على تفهم ووعي المواطنين بعواقب الإدمان في ظل اهتمام حكومي إعلامي بمخاطر الإدمان والكيف على الأجيال القادمة. وعلى الرغم من هذه الإحصائيات، يبقى للحشيش طقوسه الخاصة لدى المصريين، كما أن له ثقافته، وهو أحد الروافد الشيقة في نكاتهم ومزاحهم، حتى يقال أن تاجرا شهيرا للحشيش خرج بعد سنوات طويلة من السجن، فلم يجد أحدا في قريته، إلا شيخا عجوزا، وحين سأله عنهم، قال له الشيخ «وزعوهم على النكت» !