الجارتان النوويتان.. على شفا حرب رابعة

التوترات تزداد بين الهند وباكستان منذ اعتداءات مومباي وحشد الجيوش على الحدود من الطرفين يثير المخاوف

جندي هندي على الحدود الهندية ـ الباكستانية في نقطة واغاب التي تفصل البلدين (أ.ب)
TT

منذ ايام، بدأ القلق يسيطر على رانجيت كاور، البالغة من العمر 75 عاما، حتى بات يحرمها من النوم، والسبب، الحديث المتكرر عن «هستريا الحرب» بين باكستان والهند في التلفزيون. تخيف الجدة الهندية الذكريات المؤلمة للقصف المدفعي وطلقات الرصاص التي تمر عبر الحدود إلى قريتها التي لا تبعد عن باكستان الا ألف متر، وهي كانت قد أجبرت على الرحيل من قريتها ست مرات على الأقل في حياتها، في أعوام 1947 و1965 و1971 و1989 و1999 و2001. في كل مرة كان يسمح للسكان بالعودة، وكانوا يجدون ماشيتهم نافقة وحقولهم مليئة بالألغام والحفر التي خلفتها القوات الهندية، ومحاصيلهم مدمرة. هذه ليست مجرد قصة سيدة كبيرة في السن فقط، بل حياة الكثيرين في المناطق الحدودية في جامو وكشمير وبنجاب، وباقي المناطق الحدودية بين باكستان والهند، علما ان البلدين يشتركان بحدود تمتد بطول 3000 كيلومتر.

تقول هيرا سينغ، التي تبلغ من العمر 45 عاما وتقطن في قرية حدودية أخرى تسمى كالاس، ويقع منزلها في مواجهة خط النار الباكستاني المحتمل إذا نشبت الحرب: «في كل مرة نجبر على الرحيل يكون علينا أن نبدأ من جديد، ويجب أن نبدأ كل شيء من الصفر». وفي الوقت الحالي، يمارس سكان القرى مهامهم اليومية، ويعملون في حقولهم بالقرب من أسوار الحدود. ويبدو كل شيء كالمعتاد على السطح. ولكن في الليل، يقض صوت الدبابات العسكرية، المتجهة إلى مواقع المراقبة الحدودية على الطرق المتعرجة الضيقة، مضاجع العديد من القرويين. ويتناوب السكان دوريات الحراسة طوال الليل، ترصدا لأي جواسيس باكستانيين.

يقول لاخان بارو من قرية سامبا في جامو: «في عام 2001، وصل الجيش فجأة في الليل، وطلب منا على نحو مفاجئ الانتقال إلى مناطق أكثر أمنا على الفور. ولكن لم تكن هناك حرب. ولم يتم منحنا تعويضات للمحاصيل التي دمرت والماشية التي نفقت في انفجار الألغام. لتكن تلك الحرب أخيرة حاسمة إذا لم تحقق الوسائل الأخرى أية نتائج. ولكن قبل ذلك يجب أن نحاول بذل كل الجهود على المستوى الدبلوماسي. وإذا لم يفلح شيء، لا يجب أن نقف عاجزين عن مواجهة لاهور هذه المرة».

بعد شهر من وقوع الهجمات الإرهابية في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) في مومباي والتي أسفرت عن مقتل 200 شخص، من بينهم 26 من الأجانب، بدأت حدة الحرب الكلامية بين الهند وباكستان تتصاعد وتتخذ منحنا سيئا مع زيادة كثافة الوجود العسكري على الحدود من الجانبين. وتلقي نيودلهي بمسؤولية هجوم مومباي على «عناصر من باكستان»، وتقول إن جماعة عسكر طيبة المسؤولة عن الهجوم، قد تلقت دعما من قطاع من الجيش الباكستاني ووكالة الاستخبارات الباكستانية.

ومع انعدام الاتصالات الدبلوماسية بعد الهجمات، تتصاعد التوترات بين القوتين النوويتين لتصل إلى «هستيريا الحرب». وتؤكد تقارير وسائل الإعلام الواردة من باكستان إعادة نشر القوات الباكستانية من على الحدود الأفغانية، حيث تحارب طالبان، إلى الجبهة المواجهة للهند وإلغاء إجازات جميع الجنود الباكستانيين للحفاظ على ذروة حالة التأهب. ويأتي قرار باكستان بإعادة نشر بعض القوات على الحدود مع الهند بعد مخاوف من شن هجمة عسكرية هندية محتملة، والتي تكاد تحدث بعد أحداث مومباي.

في بعض الأحيان تستبعد الحكومة الهندية شن الحرب، ولكن في أوقات أخرى تذكر أن «جميع الخيارات» مفتوحة. وقد استغلت باكستان رفض الهند استبعاد شن هجمات عسكرية «لإثارة هستيريا الحرب»، وهذا بدوره يثير حفيظة الهند. وقد صرح وزير الخارجية الهندي براناب مخريجي مؤخرا قائلا: « لقد أوضحنا أنه من الواجب تفكيك البنية التحتية للإرهاب في باكستان على الدوام. وبدلا من إثارة هستيريا الحرب، يجب (على باكستان) أن تحل تلك المشكلة (الإرهاب)».

وعلى مدى الأسابيع الخمسة الماضية منذ وقوع هجمات مومباي، أصبحت نيودلهي أكثر إحباطا بسبب ما تعتبره فشل باكستان في اتخاذ خطوات حاسمة ضد عسكر طيبة وجماعة الدعوة الخيرية التابعة لها. ولكن إسلام أباد تؤكد انها هزمت الجماعات الإرهابية بما يتماشى مع تصنيف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للجماعات الإرهابية.

منذ انقسام شبه القارة الهندية عام 1947، عندما فككت بريطانيا إمبراطوريتها الهندية، تظل الهند وباكستان خصمين رئيسيين. وقد خاضت الدولتان ثلاث حروب بالفعل. وفي آخر مرة كانتا على وشك الدخول في حرب جديدة كان ذلك في عام 2001، عندما نفذت جماعة جيش محمد التي تتخذ من باكستان مقرا لها، هجوما على البرلمان الهندي. وحشدت الهند مئات الآلاف من القوات والدبابات والمدفعية والطائرات الحربية على الحدود الباكستانية. وعلى مدى أشهر، كان جنوب آسيا على شفا الحرب قبل أن تنسحب الهند تحت الضغوط الدولية.

ويمتد العداء بين الهند وباكستان إلى جذور دينية وتاريخية، ويتلخص في الصراع الذي دار طويلا على وضع جامو وكشمير، والذي تصاعد ليصل إلى سباق تسلح نووي خطير. وقد انقسمت شبه القارة الهندية إلى الهند، التي تسودها أغلبية هندوسية ولكنها علمانية، ودولة باكستان المسلمة عام 1947. ومنذ الانقسام، ظلت أراضي جامو وكشمير محلا للنزاع، مع سيطرة كل من باكستان والهند على أجزاء من تلك المناطق.

لا يريد كل من يعرف مدى خطورة المنطقة وحقيقة أن الدولتين قوتان نوويتان، أن تنشب حرب بينهما. فقد اختبرت الهند أول سلاح نووي عام 1974. وفي عام 1989، أعلنت باكستان عن نجاح أول تجربة إطلاق صواريخ أرض ـ أرض طويلة المدى. وفي عام 1992، أعلنت باكستان تمكنها من صنع قنبلة نووية.

فإن حربا هندية ـ باكستانية لا تشكل تهديدا بوقوع صراع نووي فحسب، بل تمنح القوات المتطرفة الفرصة لاستدراج العالم بأسره إلى حرب ذات تبعات خطيرة. وقد أعلنت باكستان أن وقوع أية حرب مع الهند ستجبرها على نقل قواتها إلى حدودها مع الهند بعيدا عن الحدود مع أفغانستان، وهذا سيبطل الجهود التي بذلها المجتمع الدولي لمحاربة الجماعات الخارجة عن القانون في منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية.

ويقول المحللون إن الهند لن ترد على الهجمات التي وقعت في مومباي بإرسال قوات إلى حدودها مع باكستان، ولكن بدلا من ذلك ستحشد الضغط الدولي على جارتها من أجل اتخاذ إجراء حاسم ضد الإرهابيين الإسلاميين. ولكن الاختلاف المهم هذه المرة، هو أن الهند تتعامل مع حكومة مدنية فازت في انتخابات ديمقراطية في إسلام أباد، وهي حكومة عقلانية صديقة ليست لديها سيطرة كاملة على المؤسسة العسكرية الأكثر عداء وشراسة. ويقول سيدرات فاراداراجان، محرر الشؤون الاستراتيجية في صحيفة هندية: «هذا الخيار (الحرب) ليس مطروحا بهذه البساطة». وقد وقعت هجمات مومباي في فترة غير مسبوقة من العلاقات الجيدة بين الدولتين، والتي شهدت تقاربا فريدا على مدار خمسة أعوام منذ أن اتفقتا على وقف إطلاق النار على الحدود عام 2003، أتبع ذلك إجراءات عديدة لترسيخ الثقة مثل تشغيل خدمة النقل الجماعي والتبادل التجاري بين إقليمي كشمير المنفصلين.

وتحمل التوترات بين الهند وباكستان عواقب شديدة للولايات المتحدة وحلف الناتو في حربهما ضد طالبان في أفغانستان. وتتصل واشنطن بعلاقات استراتيجية مع الهند، ولكنها تعتمد في الوقت نفسه على باكستان كطريق إمدادات رئيسي لقوات الاحتلال الأميركية في أفغانستان ومن أجل شن حرب ضد المتمردين المناهضين للولايات المتحدة والذين يديرون عملياتهم من المناطق القبلية الحدودية في باكستان. وتهدد السلطات الباكستانية بسحب وحدات الجيش الموجود بطول الحدود الباكستانية الأفغانية في حالة حدوث مواجهة مع الهند. ويضع تحذير باكستان الولايات المتحدة وحلفاءها في موقف حرج.

ومع حفاظ الكثير من المسلحين الأفغان على مراكز قيادتهم وسيطرتهم في المناطق القبلية الباكستانية، تريد الولايات المتحدة أن تركز باكستان قوتها العسكرية على حدودها مع أفغانستان، وليس الهند. وإذا نشبت حرب بين الهند وباكستان، سيؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار باكستان، وهو ما يسبب فوضى حقيقية وربما تسقط الأسلحة النووية في يد متطرفين إسلاميين متصلين بالقاعدة. وبلا شك يمثل ذلك أسوأ كابوس للولايات المتحدة والهند.

ولكن يعتقد المحللون أن خيارات الهند العسكرية محدودة بشن غارات جوية وحملات قوات الكوماندوس التي قد تستهدف عشرات من معسكرات الإرهابيين المسلمين ومستودعات الذخيرة التي على الأرجح أن توجد في كشمير الباكستانية. وقد أشارت بعض المصادر إلى أنه تم إطلاع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على ملخص لخطة مناسبة لدى زيارتها الأخيرة إلى الهند. وتردد أن رايس علقت بهدوء بأنه في الوقت الذي تعارض فيه الولايات المتحدة بقوة قيام حرب شاملة النطاق بين الهند وباكستان، قد لا تمانع من تنفيذ بعض العمليات المحدودة في مكافحة الإرهاب.

ولكن يعتقد بعض الخبراء الأمنيين أن مثل تلك الغارات محددة الأهداف، قد تأتي بنتائج عكسية وتجازف بالبدء في صراع شامل النطاق بدون تدمير شبكة المجاهدين الواسعة التي يعتقد أنها تدير عملها من باكستان. وعلى الصعيد الداخلي، تتزايد الضغوط السياسية والشعبية على الحكومة الهندية لاتخاذ إجراء ضد «معسكرات تدريب الإرهابيين» داخل باكستان. وقد صرح زعيم حزب بهارتيه جنتا بارتي اليميني السياسي ياشوانت سينا لوسائل الإعلام: «لقد حان الوقت لاتخاذ إجراء من جانب أحادي ضد معسكرات التدريب في باكستان. وإذا كانت الولايات المتحدة تستطيع الذهاب إلى أفغانستان لمعاقبة حركة طالبان ومطاردة أسامة بن لادن، لماذا تتردد الهند؟».

في الوقت الراهن، لا تفكر الحكومة الهندية في شن هجوم عسكري، ولكن في اتخاذ إجراءات عقابية بممارسة الضغوط على باكستان من خلال العقوبات والحظر التجاري. ويقول جي بارثاسارثي الدبلوماسي الهندي السابق لدى باكستان: «لنقطع الإمدادات المالية والبضائع وستمتثل لنا إسلام أباد على الفور. وعلى الرغم من أن جميع المساعدات العسكرية التي تمنحها واشنطن أملا في استغلالها في «الحرب على الإرهاب» وليس ضد الهند ستتوقف على الفور، لن تكون فكرة جيدة أن نمنع تدفق الإمدادات المدنية، وهي الخطوة التي لن تثمر سوى عن زيادة عقدة الاضطهاد في باكستان والتي يستغلها الجميع».

الا انه من الممكن أن يؤدي الفشل في هزيمة الجماعات الإسلامية المتطرفة داخل باكستان على يد حكومة رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، أو تكرار وقوع هجمات إرهابية كبرى على أهداف هندية، إلى مواجهة أشمل وأكبر بكثير. وفي ظل هذه الظروف، قد تقول نيودلهي إنه لم يعد لديها حل سوى شن عمليات عسكرية انتقامية عبر الحدود داخل باكستان ذاتها.