صوت حماس

قناة الأقصى: تحاول أن تحاكي المنار.. ومراقبون يرون أنها فشلت في تقديم صور سينمائية أثناء الحرب

قناة الأقصى.. صوت حماس في الداخل والخارج (رويترز) و (ا.ب) و (أ.ف.ب)
TT

الاتصال بمسؤولي قناة الأقصى الفضائية، التابعة لحركة حماس، يحتاج إلى بعض الترتيبات «الأمنية»، كأن ترسل رسالة خاصة إلى جوال أي منهم لتعرفه بنفسك أولا، فهم يتخذون إجراءات مشددة، ولا يجيبون على أي هاتف.

وعلى الأقل فإن مدير عام القناة، فتحي حماد، معروف بأنه من المطلوبين لإسرائيل، وما أن شنت الدولة العبرية حربها الأخيرة على قطاع غزة حتى اختفى عن الأنظار تماما، كأي من مسؤولي حماس الكبار. لا تعتبر القناة نفسها محايدة، وهو وصف تنفيه على أي حال، باعتبارها مشروعا إسلاميا كبيرا يعمل على نشر فلسفة الإسلام، وهي قناة لا تزال تتوعد الإسرائيليين وقادتهم بالموت، وتغني لكتائب القسام وصواريخها، وتمجد رجال حماس، الأحياء والأموات، ولا توفر أي عدو سياسي أبدا، وكانت قد حرضت الأطفال قبل ذلك على قتل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وشبهت مسؤولين من فتح «بالفئران» في فيلم كرتوني.

يراها الحمساويون بأنها صوت المقاومة والحق، ويقول عنها الفتحاويون إنها رأس الفتنة والتحريض، ويصفها الإسرائيليون بأنها صوت الإرهاب، واعتبرها الغرب بأنها تحرض على العنف والكراهية، لكنهم جميعا يراقبونها ويرصدون ما تأتي به أولا بأول، ودون شك فإنها قناة مثيرة للجدل.

تشبه، ولا تشبه، قناة المنار التي تتبع لحزب الله اللبناني، تحاول أحيانا أن تقلد التجربة، بدأت تتحدث للإسرائيليين مؤخرا باللغة العبرية، تهددهم بأن بكاءهم سيطول، وأن هدية القسام ستصلهم في ليلة الانتخابات.

تلتقط صورا لمقاتلي القسام شبيهة بتلك التي تلتقطها قناة المنار، وتصور بعض العمليات الخاصة للكتائب، تبث فلاشات حربية ودعائية وتبشر بالنصر دوما.

ورغم أن الإسرائيليين وجهوا لها ضربة مباشرة في بداية العدوان، وقصفوا مقرها الرئيسي، فقد تحدث من خلالها رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، أثناء الحرب، مرتين، وبثت القناة كل البيانات العسكرية المسجلة لكتائب القسام، وصورا لبعض عمليات القنص، التي قالت المقاومة إنها نفذتها أثناء الحرب.

إلا أن قناة الأقصى فقدت القدرة على التواصل مباشرة مع مراسليها، والرأي العام، وغابت عن شاشة القناة البرامج الحوارية والموجات المفتوحة التي اشتهرت بها الأقصى، واكتفت ببث الأخبار العاجلة وبعض الأحاديث الدينية التي تدعو بالنصر لأهل غزة وتحرض الجماهير العربية على نصرة القطاع. وقالت قناة الأقصى، في بيان «إن العدو الصهيوني ظن أن استهداف هذه القناة الإعلامية بطائراته الحربية يمكن أن يخرس صوتها، ويقلل من تأثيرها أو أن يغير من سياستها ومنهجها في نقل الأحداث ومتابعة التطورات الميدانية الفلسطينية، أو يجعل الخوف والرعب يتسلل إلى العاملين فيها، وقد تفاجأ وبعد دقائق من قصف مقر قناة الأقصى بعودة البث من جديد وخروج صور القصف والدمار للمنازل والمساجد عبر هذه الشاشة المباركة».

ويتضح أن الأقصى أريد لها في الحرب كما أريد لها قبل ذلك، أن تكون صوت حماس، فإذا غابت وتحديدا خلال العدوان، غابت حماس، وإذا حضرت، حضرت الحركة.

وقال بيان الأقصى، «لقد حاول العدو جاهدا بعد القصف الأول إخراس هذا الصوت وحجب الحقيقة بكل الوسائل، وأزعجه أن قادة حماس والحكومة الشرعية وخلال أيام الحرب قد تواصلوا مع جماهيرهم وشعبهم بالصوت والصورة والبيان متحدين بذلك دولة العدو التي أرادت تغييبهم والإشاعة بأنهم قد تخلوا عنهم وتركوهم لوحدهم يلاقون مصيرهم».

وحتى الإسرائيليون، أرادوا للقناة أن تكون وسيلة دعاية، لكن ضد حماس، فاخترقوا تردداتها عبر القمر الصناعي نايل سات وبث الجيش الإسرائيلي من على قناة الأقصى أثناء الحرب مواد تحريضية ضد قادة حماس، وقد طالبت القناة شركة النايل سات بضرورة المحافظة على سرية تردد الأقصى، والعمل على حمايته من القرصنة الصهيونية، وملاحقة المخترقين قانونيا.

لم تتفاجأ القناة بالضربة الإسرائيلية، وقال محمد ثريا نائب مدير عام القناة لـ«الشرق الأوسط»: «أخذنا احتياطاتنا لأننا مشروع مقاومة وبحثنا عن بدائل أخرى وأماكن سرية لمواصلة البث». وبطبيعة الحال لا يمكن لثريا أن يكشف عن مكان القناة، والحفاظ على سرية المكان هو الذي كان السبب في الحد من نشاط القناة أثناء الحرب، كما يقول. وأضاف ثريا أنه «بسبب أننا نبث من مكان مجهول، فقد قل التواصل مع الناس والضيوف، ولو تم إعطاء أرقام القناة للجمهور، لتعرف الإسرائيليون على مكان القناة، ولذلك فضلنا أن يبقى كل شيء طي الكتمان».

لكن أداء القناة على الأرض كان فاعلا كما يقول ثريا، وأوضح «شبابنا كانوا في الميدان، وفي الليل، لم يتحرك أحد إلا طواقم فضائية الأقصى، ولا أدل على ذلك من بث قناتي الجزيرة والعربية مشاهد التقطها مصورو الأقصى». وهي مهمة كما يقول ثريا دفع ثمنها بعض المصورين الذين أصيبوا بجراح، بينها خطيرة مثلما حدث مع ماهر المدهون ويعالج الآن في الخارج.

يعالج ثريا المسألة من وجهة نظر أخرى، قائلا «ان صوت المقاومة ولو قصفت 100 مرة ستخرج في المرة 101 لتبث من جديد، وشبابها يعرفون أنهم مشروع شهادة لأنهم مشروع مقاومة».

وقد ظهرت الأقصى فعلا أثناء العدوان الأخير على غزة بأنها ذراع المقاومة الإعلامي، وهذا ما لم يخفه ثريا أو يحاول أن يتنصل منه. وقال، «لدينا علاقات وثيقة مع الحكومة في غزة ومع الإخوة في كتائب القسام». وكانت الأقصى بثت خطابات هنية ولقطات من إطلاق نار للقسام، وأوضح ثريا أنه «تم الاتفاق مع الحكومة والقسام على آلية محددة من حيث كيف تصل التسجيلات وتُبث، وكيف يمكن تصوير العمليات الاستشهادية وعمليات القنص». وأضاف «الاتصال سري والآلية معقدة».

أما حول ما إذا كان ذلك يزيد من مخاطر استهداف القناة والعاملين فيها، قال ثريا، «نحن مشروع مقاومة والفضائية جزء من هذا المشروع». حاولت الأقصى أن تظهر مثل المنار، وأقر بذلك ثريا، وقال، «إننا استفدنا من تجربة المنار وتعلمنا منها الكثير، وكيف تدار المعارك الإعلامية وتعلمنا من تجربتنا هذه أيضا».

وفي الوقت الذي بدا فيه ثريا، مفاخرا بتلك التجربة، قال هاني المصري، مدير مركز بدائل للإعلام والأبحاث لـ«الشرق الأوسط» «إن الأقصى لم تستطع أن تقدم تغطية كاملة للحرب ويبدو أنها لم تكن مستعدة كما يجب». وبحسب المصري، فإن القناة لم تستطع أن تقدم «صور بطولة» من الحرب، واستدرك «ربما المقاومة لم تستطع». ويرى المصري أنه من الظلم المقارنة بين الأقصى والمنار. وقال «تجربة المنار كانت مختلفة وقد قدمت صورا سينمائية مهمة في الحرب وهي صور لم تنجح في تقديمها قناة الأقصى. وأضاف«قناة الأقصى كانت ضعيفة في الحرب كما هي قبل الحرب وبعدها، ودائما الإعلام الحزبي ضعيف»، وتابع، «إذا كانت الجزيرة ضعفت بسبب انحيازها وهي تملأ الدنيا.. من ينحاز يضعف، وحتى المنار ضعيفة خارج الحرب».

وبخلاف تجربة المنار، يقول المصري «إن الأقصى ضيقة وتبالغ في عدائها الداخلي إلى حد منفر»، وهو لا يعتقد أنها مؤثرة كثيرا بقدر ما هي القنوات الأخرى التي تعتمد عليها حماس.

ويرد ثريا على انحياز الأقصى لحماس، ومهاجمتها السلطة، بقوله، «ليس هناك إعلام حيادي والحيادية لا تعني أن تساوق مع مشروع المحتل، بل أن نكون منحازين لمقاومة شعبنا». وأضاف «القناة ذات جذور إسلامية وتعنى بالفلسفة الإسلامية ونشرها». ولم يخف ثريا أن القناة تتبع حماس تماما، وقال «نحن جزء من فروعها، احنا مش الجزيرة ولا العربية، نحن أتينا لنري العالم غير أننا شعب يذبح أننا أيضا نقاوم». وبحسبه، «رسالتنا ليست للشعب الفلسطيني فقط، بل للأمة الإسلامية كلها، ونحن أصحاب فكرة إسلامية تتخطى فلسطين».

أما حول المناكفات الساسية، فقال «ستخف هذه الأيام لأن لدينا جرحا غائرا ونحن سنتجاوز ونتجاهل تصريحات فريق رام الله». وبرغم ما قاله نائب مديرها العام، فإن الأقصى تتخذ موقفا سياسيا وهي نزعت صفة الرئيس الفلسطيني عن محمود عباس، وأوضح ثريا «هذا بناء على القانون والقانون الفلسطيني يعتبر أن ولاية عباس انتهت، وهو ليس رئيسا وهو أصبح مسؤول حركة فتح فقط». الضربة التي تلقتها الأقصى، كلفتها، كما يقول ثريا 5 ملايين دولار، إلا أن الأموال لا تبدو مأزقا عند القناة كما هو الحال مع تلفزيون فلسطين، التابع للسلطة، وهو «العدو اللدود» للأقصى. وقال ثريا ردا على سؤال حول مصادر التمويل، «لدينا منابع تمويل كثيرة، حماس تمدنا بالإمدادات وهناك متبرعون من الدول العربية والإسلامية، وبعد الحرب، البعض من الأمراء من الخليج والمشايخ اتصلوا بنا وقالوا لنا «كل أموالنا تحت أيديكم».. وتابع «هناك مسؤول سياسي في إحدى الدول الخليجية اتصل علي شخصيا بعد قصف القناة وقال ما تحتاجونه تحت أيديكم».

ورفض ثريا الكشف عن أسماء أو جهات، وقال «على كل حال رصيدنا الشعب وليس المال». معتبرا أن كل الخسائر فداء للمقاومة.

وتخطط القناة لبناء مقر جديد، ومن بين الخطط «كيف يتم بناء شيء أمني» وقال ثريا «لكن مهما كان أمنيا فغزة مفتوحة للعدو وأي إشارة سيستطيع أن يحدد من أين أتت، لكن على الأقل سنعمل على التقليل من الخسائر المادية والبشرية في المرة القادمة(إذا ما قصفت)». ولا يتفق إعلاميون ومراقبون على أن الأقصى هي قناة المقاومة وحسب، بل يرون أنها لها مهمة خلط الدين في السياسة. وقال الإعلامي الفلسطيني يحيى نافع، وهو أشرف مؤخرا على دراسة لم تنشر بعد، بعنوان، «رصد التحريض لوسائل الإعلام التابعة لحماس وفتح»، إن القناة «إخبارية دينية»، وأوضح «أنها تركز على الموضوع الديني كثيرا، وهي تعمل على خلط الدين بالسياسية وإظهار حماس على أنها حركة ربانية، لتبرر لها أن تعتبر أن كل من يخالفهم يخالف الدين». ومن مشاهدات نافع أنها «تحريضية بشكل كبير على السلطة الفلسطينية، ولا تتبع المهنية في نقل الخبر بسبب المناكفات السياسية القائمة. وأضاف أنها «تبث ما تعتبره تسريبات كثيرة ليست من مصادر دقيقة وتستخدم مصطلحات تحريضية مثل عصابات عباس ومنفلتين ومجرمين». وبحسب نافع فإن مذيعي القناة يحاولون توجيه الضيوف حتى إذا كانوا معتدلين من أجل مهاجمة فتح، ويقول المذيع رأيا واضحا ويتبنى موقف حماس. لكنه يعتبر أن تلفزيون فلسطين ليس أفضل حالا، ويتبع نفس السياسة.