هل يتحول اليمن إلى أرض «المدد» لـ«القاعدة»؟

بعد اكتشاف خلايا متطرفة جديدة.. وإحباط هجمات إرهابية ودخول عناصر جدد

مشهد من فيلم أنتجته السلطات اليمنية عام 2008 لمكافحة ظاهرة التطرف بين الشباب اليمني (خدمة « كي آر تي»)
TT

أعاد تشكيل تنظيم «القاعدة» في منطقة شبه الجزيرة العربية لصفوفه، واندماج فرعي التنظيم في اليمن والسعودية في تنظيم واحد بزعامة يمني، ونائب سعودي كان أحد المنضمين لبرنامج «المناصحة»، تسليط الضوء على نشاط هذا التنظيم، خاصة أنه، كما يبدو، لم يعد يعمل سرا، بل يعلن أنشطته، ومن ضمن ذلك التشكيل الجديد الذي أعلن عنه مؤخرا. وكما هو واضح، فإن التنظيم اتخذ من الأراضي اليمنية محطة لتنفيذ أعماله في اليمن والسعودية على السواء.

اليمن والسعودية يعدان من أكثر البلدان في المنطقة استهدافا من قبل تنظيم القاعدة، فقد شهدا خلال السنوات الماضية العشرات من الأعمال الإرهابية التي استهدفت المصالح الغربية، وحتى الوطنية والمؤسسات الأمنية. كما أنهما يعدان من البلدان القليلة التي تمكنت خلال سني الحرب على الإرهاب من تحقيق نتائج في هذا المضمار، وأنشأت مؤسسات ووحدات خاصة بهذه المهمة، إلى جانب معالجة هذه الآفة بطرق أخرى غير الأمنية والعسكرية، كبرنامج «المناصحة» في السعودية و«الحوار الفكري» في اليمن.

اليمن، وفي ضوء هذه التطورات، يبدو أنه بات مكانا مستحسنا لـ«القاعدة»، وخلاياها تنشط على أراضيه.. لكن ما البيئة السياسية أو الجغرافية أو الاجتماعية التي وجدتها «القاعدة» في اليمن؟ وهل بات هذا البلد يمثل فعلا محطة انطلاق لـ«القاعدة» والإرهاب لاستهداف دول الجوار.. ولماذا؟ وما المعالجات؟ وغيرها من الأسئلة؟

ويرد الشيخ رشاد محمد سعيد (أبو الفداء)، القيادي السابق في تنظيم القاعدة في أفغانستان واليمن، والمقيم حاليا في اليمن بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن الأحداث التي حصلت في الفترة الأخيرة في غزة أو غيرها، أوجدت بيئة خصبة، ومسيرة لإعادة ترتيب أوراق كتب من الناس في الساحة.. ثم إن بقاء المجموعات تعمل كمجموعات شتات في مناطق مختلفة، وتجمعها في مناطق محددة لترتيب أوراقها، يعطيها زخما جديدا، سواء كان إعلاميا أو ميدانيا، بحسب ما يرونه مناسبا».

ويرجع أبو الفداء اتخاذ «القاعدة» لليمن مكانا ومنطلقا إلى عدة أسباب أو جوانب؛ «جانب سياسي جغرافي، وجانب يتعلق بالإمكانيات، فالدول الخليجية المجاورة لديها إمكانيات كبيرة جدا للحد من هذه الأمور، والخسائر في تلك البلدان ستكون فادحة، نظرا لقوة الأجهزة الأمنية، بينما اليمن بيئته الجغرافية التقليدية والاجتماعية إلى جانب ذلك الحدود اليمنية واتساعها.. والموقع الجغرافي لليمن، وضعف إمكانيات الدولة اليمنية، التي لا تستطيع تغطية كافة مساحة اليمن أمنيا، إضافة إلى البيئة الاجتماعية والوضع الاقتصادي والوضع القبلي.. هذه جميعا مشجعات لمثل هذه الأمور».

وعن دور القبيلة اليمنية في دعم «القاعدة»، يردف أبو الفداء أن «انكشاف أقنعة في المنطقة، وما فعله ويفعله اليهود والأميركيون من ظلم وطغيان وغيرها، بالتأكيد أعطت جوا من القبول للطروحات التي كان الإعلام من قبل قد أثر على النسيج الاجتماعي والفكري بعدم قبولها».

أما إن كان «الحوار الفكري» في اليمن أو «المناصحة» في السعودية لم يعودا مفيدين في التعامل مع هذه الجماعات، فيرد القيادي السابق في تنظيم القاعدة على سؤال «الشرق الأوسط» بالقول: «لا يعني ذلك البتة، إذ إن المناصحة والحوار لهما إيجابيات كثيرة.. لكن نحن نعرف الحوار ممن أتى؟.. الحوار عندما يأتي سلطويا لا يكون مقبولا أصلا، وعندما تأتي شخصيات لمحاورة الشباب هي متهمة أصلا من قبلهم بأنها كانت أحد الأسباب، بفتاواها و آرائها، في سجنهم.. كيف يكمن أن يتقبل منهم، هذا جانب، والجانب الآخر، أي مبرر سيطرح أو أية إعادة اعتبار بعد سجن الشخص ست أو سبع أو ثماني سنوات، وما يرى ويذوق من السجن والإذلال والهوان، ثم يريدون منه أن يجلس هادئا.. ينبغي أن تكون المعالجة من كافة الجوانب، كما نوقش فكريا. كذلك ينبغي أن يعاد إليه اعتباره إنسانيا، معنويا، من أكثر من جانب»، مشيرا إلى أن «الأفغان الذين أفرج عنهم من معتقل غوانتانامو وغيره، جميعهم عادوا إلى صفوف طالبان، لأن هناك بيئة خصبة وميدانا موجودا، وأسلوبا أميركيا معهم لم يفد، بل زادهم انتقاما».

وفي الوقت ذاته يؤكد القاعدي السابق أبو الفداء أن أسلوب الحوار هو المطلوب. ويقول: «نحن نرى أن الأسلوب الفكري هو الأنجع والأنفع».

من جانبه يرى سعيد عبيد الجمحي، الكاتب المتخصص في شؤون الإرهاب، أن اليمن لطالما ذكر بأنه الأنسب والأكثر مشابهة لأفغانستان تضاريس، والتعاطف مع «القاعدة»، ضمن أسباب كثيرة، كلها تؤهل للالتحام ما بين «قاعدة السعودية» و«قاعدة اليمن»، «إنما أحبذ الإشارة إلى بعض النقاط الأساسية في هذا المجال، ومنها دلالة التوقيت، على الرغم من أن ظهور هذا التحالف أو هذه التشكيلة، كما سماها الأمير أبو بصير، كان طبيعيا، وفي نظري هي تأخرت، فمنذ أن جاء أبو همام (نايف القحطاني) وأعلن في شهر مارس من العام الماضي «هلموا إلى اليمن» في ندائه المشهور، بدأت الأفواج تأتي إلى اليمن بشكل واضح، وبدأ الدور السعودي يظهر على المسرح اليمني بشكل واضح أيضا، ومن خلال هذه الدعوة هاجر كثير من فلول «القاعدة السعودية» إلى اليمن، ووجدت بيئة مناسبة للم الشمل وإعادة الانتشار وتأمين الأتباع.. لقد ظهرت في ثنايا دعوة القحطاني التي كانت مقدمة لهذا الالتحام، تطمينات من مهاجرين، أقصد مهاجرين من «القاعدة» بعدم الخوف من الناحية المادية (اللهم اجعل لهم فرجا في أرض اليمن والتي هي أرض المدد)».

ويعتقد عبيد أن من الصعب الإجابة عن سؤال مصدر التمويل لـ«القاعدة» بقوله: «من الصعب الإجابة عن هذا السؤال الذي يحير كبار أعداء «القاعدة» سواء أميركا أو أوروبا أو غيرهما. الجميع يصعب عليه أن يجيب عن هذا السؤال بالضبط، أو أن تكون إجابته قريبة من الواقع.. لأن هذه الجماعات سرية، والظاهر في تقديري أنها ـ الجماعات ـ بعد أن كانت تعتمد على تمويلات أسامة بن لادن وكونه مليونيرا ، لكنه بعد أن غاب هذه الغيبة الطويلة في أدغال أفغانستان، من المتوقع أن أمواله لم تعد كافية طوال هذه الفترة لتمول التنظيم.. فلا شك أن هذه الجماعات لجأت، سواء في اليمن أو غيرها، إلى تمويل ذاتي، وإن كان لا يجدي، عبر الاشتراكات، لكن الأرجح أن تكون هناك مشاريع قديمة كانت لـ«القاعدة» أو لزعامات «القاعدة» وظلت مخفية، تمول هذه الخلايا أو هذه الجماعات، وأقصد بذلك مشاريع تجارية، فبعد الانتهاء من حقبة الاتحاد السوفياتي، فإن أسامة بن لادن كان يتوقع فترات قاسية وصعبة.. لهذا أوجد بؤرا خفية، فكما رأينا، فإن الولايات المتحدة أغلقت كثيرا من المؤسسات الاقتصادية والتجارية ومحلات العسل (في اليمن) وغيرها، مما يشير إلى أنها استطاعت أن تمد يدها إلى أماكن التمويل، لكن لا شك أنه لا يمكن لأحد أن يتوصل إلى جميع هذه الأذرع التي يمكن أن تمول». ويردف: «هذا أمر، والأمر الآخر أنه يمكن أن يكون هناك تعاطف من بعض الميسورين وبعض رجال الأعمال، ربما بقايا ممن يمكن أن يتعاطف بشكل أو بآخر مع «القاعدة»، وممكن أن يحصلوا على شيء من الزكاة، وهذا أمر له علاقة بتقديري وليس هناك شيء مؤكد».

ويشير الكاتب المتخصص في الإرهاب إلى أن ظهور العوفي والشهري في اليمن، بعد خروجهم من برامج التأهيل في السعودية وتحدثهم باسم تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» وإلغاء تنظيم «القاعدة في بلاد الحرمين»، هو انتصار وتعميم واعتراف من «القاعدة» نفسها بالنجاح السعودي، وشهادة مؤكدة على نجاح الدور الأمني والميداني والتأهيلي السعودي، نجاحا منقطع النظير».

وعن المكان أو الأماكن التي يفضل عناصر القاعدة الوجود فيها في اليمن، يعتقد الكاتب سعيد الجمحي أن هناك صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال، لكنه يقول: «بالنسبة للحكومة اليمنية، فإنها أكثر جهة تدري الإجابة، ونعتقد أنهم سيوجدون في محافظتي مأرب والجوف، يعني في المناطق التي تسمى البؤر الساخنة، ولهذا، كما علمت، تم استدعاء بعض المشايخ وأصحاب التأثير للتفاهم حول هذه القضية».

ويضيف: «بالنسبة للجماعات المشتتة، التي هي ذيول لـ«القاعدة» مثلا في محافظة أبين، فهي واضحة، و«القاعدة» مهما حاولت أن تعيش في أماكن سرية، فلا بد أن تظهر نفسها، لأنها لا يمكن أن تكون «قاعدة» إلا إذا رأينا لها أعمالا في الواقع، وبالتالي تُعرف ويعرفها النظام».

وعن تفسيره لإعلان «القاعدة» عن نفسها في الوقت الراهن وتشكيلاتها، يقول عبيد: «في تقديري أن هذه التشكيلة الجديدة والإعلان عن ظهورها، يعود إلى أن «القاعدة» دائما تبحث عن صيغ وعن تشكيلات جديدة تظهر بها قوتها وعضلاتها، فظهورهم بالصوت والصورة يؤكد أنهم يريدون أن يرسلوا رسالة إلى النظام (اليمني) بأننا موجودون، وأننا سوف نستأنف المعركة وبأشد، وبأن دائرة الأتباع ازدادت، وهناك إشارات أخرى كدلالات لهذا الإعلان، منها أن هؤلاء أو هذا الكيان الجديد لا يحسن التعامل مع الشق السياسي ومع الواقع، ولا يحسن فهم ما يدور في العالم، فمثلا ليس من صالح التنظيم الجديد أن يعلن عن نفسه في هذا الوقت، بعد حديث أوباما عن إغلاق معتقل غوانتانامو وإرسال المعتقلين إلى بلدانهم، خاصة إلى اليمن.. كان من الطبيعي أن يؤخر إعلان هذا التنظيم، لكن هم حالما يبرز لهم أمر ويعتقدون بشرعيته، يسارعون إليه من دون النظر إلى أي اعتبار آخر».

ويستبعد الكاتب اليمني وجود بيئة سياسية للأحزاب اليمنية توفرها لـ«القاعدة» وبالأخص حزب التجمع اليمني للإصلاح: «لا أعتقد هذا، ومن يقول ذلك يكون دافعه هو المكايدات السياسية ونوعا من الدعاية لكسب موقف سياسي. زعيم التنظيم، الوحيشي وفي أول كلمة، هدد وأنذر الجماعات الإسلامية، وأشار إليهم من دون اسم، وقصد الإصلاح، وقال إنهم يتعاملون مع الأميركيين وإنهم عملاء لهم.. لا يمكن أن يكون هناك تعاطف على مستوى القواعد، ربما نوع من القبول بالأعمال الجهادية على مستوى القواعد، لكن على مستوى القيادة أن يكون هناك رضاء حقيقي.. هذا ليس ممكنا».

خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي 2008 كشف تنظيم «القاعدة» عن أنشطته في اليمن، وفي المقابل تلقى عددا من الضربات الأمنية الموجعة، التي أدت إلى مقتل عدد من قادته وأفراده، الذين أبرزهم حمزة القعيطي، واعتقال آخرين.

وبحسب السلطات اليمنية حينها، فإن الخلايا التي ضربت، تبين أنها كانت تخطط لتنفيذ أعمال إرهابية في اليمن والسعودية، وبالأخص تلك الخلايا في محافظة حضرموت المجاورة للسعودية.