الصومال.. عودة الإسلاميين

3 تحديات أمام الميليشيات الإسلامية ومخاوف من تفككهم.. والشارع لا يريد سوى الأمن

صومالية تسير أمام مبنى في مقديشو (ا.ف.ب)
TT

بعد عامين من الإطاحة بنظام المحاكم الإسلامية بسبب التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال بدعم من الولايات المتحدة، يعود الإسلاميون بمختلف فصائلهم وتوجهاتهم إلى الساحة الصومالية من جديد، ويشبه الوضع في الصومال ما كان عليه الوضع قبل التدخل الإثيوبي في نهاية ديسمبر عام 2006، حيث كان الإسلاميون (اتحاد المحاكم الإسلامية) يحكمون ثلثي الصومال ويستعدون للسيطرة على الثلث الآخر. وبعد حرب عصابات دموية في الداخل ونشاط سياسي مكثف في الخارج استمر عامين يعود الإسلاميون الآن إلى الساحة الصومالية بشكل لافت.

تاريخياً، ظل الإسلاميون الصوماليون ضيوفاً غير مكرّمين في مؤتمرات المصالحة ومبادرات السلام التي حاولت احتواء الصراع السياسي والقبلي في الصومال، وعلى الرغم من محاولات بعض التنظيمات تسليح مليشيات لها والسيطرة على بعض المناطق لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم يسمح لهم بالمشاركة في مؤتمرات المصالحة التي عقدت بشأن الصومال إلا مرة واحدة في مؤتمر جيبوتي الأول عام 1991 ولم تتكرر. ولم يتم الاعتراف بالإسلاميين كقوة سياسية وعسكرية مؤثرة إلا في بداية عام 2006 عندما هزم اتحاد المحاكم الإسلامية «تحالفَ مكافحة الإرهاب» الذي أنشأته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في 18 فبراير عام 2006 لمقاتلة الجماعات ألإسلامية الصومالية. وبعد نحو 6 أشهر من سيطرة الإسلاميين على الحكم في الصومال تدخلت إثيوبيا عسكرياً للإطاحة بنظام المحاكم الإسلامية وأجبر قادة المحاكم الإسلامية على اللجوء إلى الخارج. وفي الوقت الذي كان يبحث فيه قادة المعارضة الإسلاميون عن ملاذ آمن بعد الإطاحة بهم من الحكم في مقديشو، كانت إريتريا الخصم اللدود لإثيوبيا ترى في تورط الأخيرة في المستنقع الصومالي فرصة لنقل الصراع إلى خارج حدودها لإضعاف خصمها عسكرياً وسياسياً. واستضافت أسمرة المعارضة الإسلامية والمنشقين عن البرلمان الصومالي في أراضيها، وأنشئ «تحالف إعادة تحرير الصومال» في أسمرة في سبتمبر (أيلول) عام 2007، وكانت الأجواء كلها آنذاك مهيأة لأن تقود المعارضة الإسلامية هذا التحالف الوليد، واختير الشيخ شريف شيخ أحمد رئيساً للتحالف، وهو ما كان بمثابة بداية عودة الإسلاميين سياسياً بعد أقل من عام من الإطاحة بهم. لكن العلاقة الحميمة بين المعارضة الصومالية وإريتريا لم تدم طويلا، فبعد أقل من عام من ميلاد التحالف بدأ تباعد سياسي بين إريتريا ومجموعة من قيادات المعارضة من بينهم زعيم التحالف الشيخ شريف شيخ أحمد بسبب قبولهم التفاوض مع الحكومة الانتقالية المدعومة من إثيوبيا في إطار مبادرة السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، واضطرت قيادة التحالف إلى البحث عن مقر جديد فانتقلوا إلى جيبوتي فيما عرف لاحقاً بجناح جيبوتي الذي استقطب الجزء الأكبر من أعضاء تحالف المعارضة الذين انتقلوا أيضاً إلى جيبوتي حيث كانت المفاوضات الأولية تجري بين ممثلين عن الحكومة وممثلي المعارضة التي يقودها الإسلاميون.

وقد بدأت هذه المفاوضات بمستويات منخفضة وانطلقت في يونيو (حزيران) عام 2008 ومرت بمراحل متعثرة، لكن مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال الدبلوماسي الموريتاني «أحمد ولد عبد الله» بذل جهداً كبيراً في إبقاء الحوار بين الطرفين متواصلا حتى وإن لم يتوصل بالضرورة إلى وفاق بين الطرفين، وأبرمت سلسلة من التفاهمات والاتفاقات لم ير واحد منها النور إلا الأخير الذي أبرم في أكتوبر (تشرين الأول) 2008. وفي الوقت الذي كانت المفاوضات تجري بين الحكومة وجناح جيبوتي من المعارضة، أعلن جناح أسمرة الذي يقوده الشيخ حسن طاهر أويس الرجل الثاني في المحاكم الإسلامية عن تغيير قيادة التحالف وأعلن عن اختيار الشيخ أويس (رئيس مجلس شورى المحاكم الإسلامية) قائداً جديداً لتحالف المعارضة، ورفض هذا الجناح المشاركة في المفاوضات بين الحكومة والمعارضة، وطالب بخروج القوات الإثيوبية المحتلة أولا من البلاد. وقد انعكس الانقسام بين تحالف المعارضة إلى جناحين بين قيادته (الشيخ شريف والشيخ أويس) على صفوف قادة المعارضة الإسلامية في الداخل حيث انقسموا هم أيضا حول الموقف من قيادة المعارضة في الخارج و(جناح جيبوتي وجناح أسمرة) ولا يزال الغموض سائداً في هذا الأمر حول من يؤيد من حتى الآن، إلا أن هذه الانقسامات والتباين في المواقف السياسية حول التفاوض مع الحكومة وخروج القوات الإثيوبية بالقوة أو بالدبلوماسية - لم تؤثر هذه الخلافات في سير الحرب ضد القوات الإثيوبية التي كانت تخوض حرباً دموية ضد المقاتلين الإسلاميين في شوارع العاصمة مقديشو وفي أماكن أخرى خارجها، وظلت الجبهة الداخلية لتحالف المعارضة متماسكة إلى حد ما. وقد تمكن الإسلاميون الصوماليون خلال فترة المفاوضات التي بدأت منتصف العام الماضي من انتزاع اعتراف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية كطرف فاعل في الساحة الصومالية، واستقبل مجلسُ الأمن الدولي وعواصم عالمية كثيرة وفوداً من القيادات الإسلامية الصومالية المعارضة التي لم يكن يرغب أحد في التعامل معهم قبل فترة وجيزة من ذلك. وإضافة إلى ذلك عادت المفاوضات مع الحكومة الصومالية بمكاسب سياسية عدة على المعارضة الإسلامية أبرزها حصولهم على نصف مقاعد البرلمان الجديد، حيث نصت اتفاقية السلام التي رعتها الأمم المتحدة على تقاسم مقاعد البرلمان الصومال الـ 550 مناصفة بين الحكومة والمعارضة التي يقودها الإسلاميون. وبذلك تمكن تحالف المعارضة من ترشيح زعيمهم الشيخ شريف شيخ أحمد للتنافس على منصب الرئاسة، ويأمل أنصار المعارضة أن يكون مرشحهم الأكثر حظاً في الفوز بالمنصب وقد يكون ذلك معقولا إذا افترضنا أن نصف أعضاء البرلمان الصومالي الجديد الذين يمثلون تحالف المعارضة سيصوتون لصالح الشيخ شريف، بالإضافة إلى عدد غير محدد من نواب المعسكر الحكومي يميلون إلى مرشح المعارضة، ومع ذلك فإن البرلمان الصومالي القائم على نظام المحاصصة القبلية قد يأتي بمفاجآت، لكن وحتى في حالة عدم فوز المعارضة الإسلامية بمنصب الرئاسة فإن بإمكانهم، ككتلة سياسية تمثل نصف أعضاء البرلمان، تعطيل أي مشروع حكومي لا يحظى بموافقتهم، وبالذات المشاريع السياسية والأمنية. أما على الصعيد العسكري فإن الإسلاميين الصوماليين عادوا إلى الساحة بقوة، حيث باتوا يسيطرون الآن على ثلثي مساحة الصومال، أي على جميع المناطق التي كانوا يحكمونها قبل الإطاحة بهم في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2006، عدا بعض الجيوب في العاصمة مقديشو حيث تنتشر القوات الحكومية وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي. أما الحكومة الصومالية الانتقالية فقد فقدت سيطرتها العسكرية على جميع المناطق التي كانت تحكمها قبل وبعد انسحاب القوات الإثيوبية، وكانت آخر مدينة فقدتها الحكومة لصالح الإسلاميين هي مدينة بيداوا مقر البرلمان الصومالي على بعد 240 كم جنوب غرب مقديشو، حيث سقطت في أيدي مقاتلي حركة تنظيم الشباب المجاهدين التي وإن لم تكن طرفاً في تحالف المعارضة إلا أنها فصيل إسلامي مسلح كان يشكل إحدى دعائم اتحاد المحاكم الإسلامية. وبغض النظر عن فوز زعيم الإسلاميين في الصومال بمنصب الرئاسة إلا أنهم ككيان سياسي يواجهون مجموعة من التحديات أبرزها ثلاثة تحديات، التحدي الأول هو تفادي الاقتتال الداخلي بين الإسلاميين لأن جناحاً إسلامياً أصبح طرفاً في العملية السياسية، وبالتالي سيكون ملزماً بنتائجها، مما يحمل الأطراف الإسلامية الأخرى على الدفاع عن موقفها وعن المكاسب العسكرية التي حققتها على مدى العامين الماضيين. ولا يخفي «عبد القادر إسماعيل» (مقاتل إسلامي سابق) لـ «الشرق الأوسط» قلقه من صدام بين الإسلاميين، ويقول إنه لم يأخذ البندقية أيام الحروب القبلية ولكن عندما جاء أمراء الحرب شعرت أنني مستهدف كإسلامي فانضممت إلى المقاتلين الإسلاميين الذين أطاحوا بهم، ثم اشتركت في الحرب ضد القوات الإثيوبية وكنا في خندق واحد، أما الآن فأنا أشعر بشيء من التفكك وانقسامات غير معلنة بين المقاتلين الإسلاميين واتهامات هنا وهناك بخيانة المبادئ وغيرها، فأوقفت نشاطي حتى تتضح الأمور». ومنذ وقت طويل والإسلاميون الصوماليون من كل التوجهات يتحاشون الاقتتال الداخلي، إلا أن وقوع ذلك بات ماثلا يوماً بعد يوم، فبعض الجماعات الإسلامية ترى الحكومة الحالية حكومة كافرة ومن انضم إليها يكون في ذلك الحكم، وبالتالي فإن مقاتلتها واجب ديني لإخراجها من البلاد مثل القوات الإثيوبية الغازية، يضاف إلى ذلك تبني بعض الجماعات الإسلامية الصومالية تطبيق الحدود مثل الرجم وإعدامات سياسية بتهمة التعامل مع إثيوبيا، وكذلك الصدامات بين بعض الفصائل الإسلامية وجماعات الطرق الصوفية التي تعتبر التيار الإسلامي الشعبي الأكبر في الصومال. وقد استثير هذا الوسط الصوفي بعد قيام بعض الجماعات الإسلامية بهدم ونبش أضرحة الأولياء والمزارات بحجة أنها تتنافي مع تعاليم الإسلام. كل هذا قد يخلق جواً معادياً للإسلاميين الصوماليين. أما الشارع الصومالي العادي فمشغول بالهم اليومي الأكبر في الصومال في الوقت الحالي وهو الأمن ولا يهتم كثيراً بالتفاصيل السياسية. وترى سعدية (طالبة 21 عاماً) لـ «الشرق الأوسط» أن همها الأكبر كان في زوال الميليشيات القبلية التي تنصب الحواجز على الطريق وتنهب الناس. وتضيف «لقد تخلفت عن الدروس أكثر من مرة وأثر ذلك على معدلي في نتائج الامتحانات إلى أن استولت الميليشيات الإسلامية على منطقتنا». التحدي الثاني أمام الإسلاميين الصوماليين هو تجاوز النزاعات القبلية، حيث ينتمي الإسلاميون إلى قبائل متصارعة منذ عشرات السنين وبين بعضها عداءات وثارات بعيدة وقريبة، وقد بنيت معظم الأحزاب السياسية الصومالية قبل وبعد الاستقلال على أساس قبلي، وانتهت الأحزاب الوطنية القليلة إلى قبلية، بسبب الانشقاقات القبلية في قياداتها، وبعد انهيار الحكم المركزي عام 1991 قامت الفصائل المسلحة على أساس قبلي رغم أنها جميعها رفعت شعارات قومية ووطنية! وهو ما أدى إلى استمرار النزاع في الصومال، ويعتقد كثير من المراقبين أن الإسلاميين الصوماليين ليسو استثناء من هذه القاعدة. ويقول عبد أحمد (صحافي) أنا أرى أن الإسلاميين لا يختلفون عن غيرهم من الفصائل السياسية الصومالية من حيث الولاء القبلي،هم جديدون في الساحة ونحتاج لبعض الوقت لنكتشف مجدداً أن القبلية أصبحت المحرك الأساسي للسياسة الصومالية سواء يقودها أمراء حرب أو زعماء إسلاميون أو أحزاب علمانية، لكن أتمنى أن تكون قبليتهم أخف من قبلية أمراء الحرب».

أما التحدي الثالث أمام الإسلاميين الصوماليين فهو الحيلولة دون تكرار التدخل العسكري الإثيوبي، فعلى الرغم من إعلان إثيوبيا أنها أكملت انسحابها من الصومال فإنها تبقي عدداً كبيراً من قواتها على الجانب الآخر من الحدود مما يجعلها قادرة على اجتياح الصومال أو مناطق محددة منه في حالة شعورها بتهديد أمني لها. وبما أن الصومال يمثل عمقاً لفصائل المعارضة الإثيوبية المسلحة مثل جبهة تحرير أوجادين وجبهة تحرير أرومو، فإن بعض الجماعات الإسلامية قد تتحالف مع هذه الجبهات (بعض الجماعات الإسلامية الصومالية لا يعترف بالحدود الدولية)، مما قد يفتح المجال مجدداً لتدخل عسكري إثيوبي كما حدث عام 1998 عندما تدخلت إثيوبيا لضرب أمراء الحرب الصوماليين الذين استضافوا المعارضة الإثيوبية المسلحة بدعم من إريتريا وأدى ذلك إلى تدخل إثيوبي عسكري لإنهاء تواجد المعارضة الإثيوبية المسلحة في الصومال، وقد تجد إثيوبيا مبررات أخرى للعودة عسكرياً إلى الصومال. ويرى «عمر معلم» وهو (أكاديمي صومالي) أن وضع الإسلاميين الصوماليين على اختلاف توجهاتهم يشبه حال قبيلة الـ«هَوِيَا» - ذات الأغلبية السكانية في العاصمة مقديشو ووسط الصومال - عند الإطاحة بحكم الجنرال محمد سياد بري 1991، حيث كانت محرومة من المناصب العليا المؤثرة طيلة حكم الرئيس بري التي استمرت 21 عاماً. ويستطرد معلم لـ «الشرق الأوسط: «أن هذه القبيلة كانت أقوى القبائل التي أطاحت بالنظام، وبحكم ثقلها في العاصمة حصلت على ميزة استثنائية في جميع المفاوضات التي عقدت بشأن الصومال منذ ذلك الوقت (14 مؤتمرا) وكانت استحقاقات هذه القبلية من الكعكة السياسية مضموناً كل مرة، ولا يناقشها أحد، لكن زعماء هذه القبيلة لم يستغلوا هذه الفرصة وأدى الصراع العشائري داخل الـ «هويا» إلى اندلاع الحرب الأهلية في العاصمة وفقدانها لكل المكاسب السياسية التي حققتها عقب الإطاحة بالنظام. ويرى معلم أن هذا السيناريو نفسه قد يتكرر مع الإسلاميين الصوماليين.