يهود اليمن: من معسكرات عدن إلى خطف الأطفال

يعود تاريخهم في اليمن إلى زمن خراب الهيكل الأول.. ويستخدمون العربية في حياتهم اليومية.. ولهم عادات خاصة

TT

> اليهود اليمنيون يشكلون في إسرائيل اليوم نحو 143 ألفا و500 مواطن. هم جزء لا يتجزأ من اليهود الشرقيين الذين يعانون في إسرائيل من سياسة تمييز حتى اليوم، بل قد يكونون من أشدهم معاناة.

وحسب التاريخ اليهودي، وصلت طلائع اليهود إلى اليمن في زمن خراب الهيكل الأول قبل ألفي سنة، فاستقبلهم العرب بالترحاب الشديد. وتمكنوا خلال بضعة قرون من تولي مراكز هامة في المجتمع السياسي والاقتصادي، وتحولوا إلى أغنى الأغنياء، وصار لهم تأثير كبير على القيادة السياسية، بل في زمن مملكة سبأ أصبحوا جزءا من هذه القيادة. وعلى الرغم من أن مكانتهم انخفضت في العهد الإسلامي فإنهم تمكنوا من الحفاظ على هويتهم، وبرز بينهم حكماء ومبدعون ومفكرون، أرسوا تقاليد يهودية مميزة. فالمؤرخ د. موشيه جبرا، وضع موسوعة تضم 2600 اسم لحكماء كبار في اليهودية، و3200 لحكماء صغار، خلفوا وراءهم تراثا غنيا من الحكم والأحكام. وبفضل هذا التراث تميز يهود اليمن عن غيرهم في التقاليد اليهودية الدينية، ولهم عادات مختلفة عن يهود العالم. وهي قريبة للغاية من التقاليد العربية في الكثير من المجالات.

فتقاليد الاحتفال بعيد الفصح لديهم مختلفة عن بقية اليهود، وطريقة إضاءة الشموع في الأعياد مختلفة لديهم. وعندما حاول الحاخام عوفاديا يوسيف، الزعيم الروحي لليهود الشرقيين، تغيير بعض هذه العادات رفضوا بإصرار. ولديهم تعابير خاصة باللغة العبرية لا تستخدمها الطوائف اليهودية الأخرى، ويستخدمون اللغة العربية كثيرا في حياتهم اليومية وصلواتهم وأغانيهم الجميلة، ويطلقون أسماء عربية على أولادهم وبناتهم، فضلا عن أن أسماء عائلاتهم تبدو قريبة من أسماء العائلات العربية اليمينية، كعائلة «بشاري» و«صنعاني» و«منزلي» و«شرياني» و«جمل» و«القطيعي» وغيرها.

وبدأت هجرة اليمنيين إلى إسرائيل بعد صدور وعد بلفور سنة 1917، إذ بدأت الصهيونية تصل إلى اليمن وتؤثر على اليهود هناك، فأقامت أربعة معسكرات تجميعا لهم في عدن كمحطة انتقال إلى فلسطين، بيد أن الهجرة اليمنية لم تكن كبيرة بسبب تمسك اليمنيين بوطنهم. وحسب السجلات الرسمية في الحكومة الإسرائيلية، وصل إلى إسرائيل نحو 50 ألف يهودي من اليمن في السنوات 1949 - 1954، أُضيفوا إلى 35000 يهودي يمني عاشوا فيها من قبل. ولكن هذه الهجرة، التي أرادت لها إسرائيل أن تكون حجا وحجيجا إلى الأراضي المقدسة ومصدر سعادة للمتدينين، تحولت إلى معاناة كبيرة، فقد حُشروا في معسكرات مؤقتة وعاشوا في ظروف بيئية صعبة. وتحولت حياتهم في الأرض المقدسة إلى معاناة لهم بفعل الجريمة النكراء التي ارتكبت بحقهم آنذاك. فقد انتشرت بينهم ظاهرة اختفاء الأولاد، ففي حينه نشأت عصابة أو أكثر تتاجر بالأولاد، تخطفهم من ذويهم ثم تبيعهم بالمال إلى عائلات تحتاج إلى تبني أطفال. وحسب شهادات عديدة فقد بلغ سعر الولد 5000 دولار في حينه.

وهذه المأساة ما زالت تزعزع يهود اليمن، حيث إن غالبية الأولاد الذين خُطفوا كانوا من بينهم. وقد بلغ عدد المخطوفين أكثر من 1100 ولد، وتم خطفهم بطريقة بشعة بشكل خاص، حيث شارك في المؤامرة أطباء وممرضات وسيارات إسعاف وموظفون وغيرهم، فكانوا يأخذون الولد من ذويه باعتباره مريضا يحتاج إلى علاج فوري، ثم يستدعون أهله ليخبروهم بأن ابنهم تُوفي في المستشفى، ثم يقيمون مراسيم دفن للأطفال بحضور الأهل، ولكن من دون السماح للأهل بفتح الكفن لوداع ابنهم، الذي أثبتت التحقيقات الإسرائيلية لاحقا أنه يكون في الواقع حيا وفي الطريق إلى عائلة أخرى اشترته بالمال في إسرائيل أو الولايات المتحدة أو غيرها. وقد أقيمت أربع لجان تحقيق في هذه الجريمة خلال السنوات الستين من قيام إسرائيل، ولكن أي لجنة لم تحظَ بثقة اليمنيين اليهود، رغم أن كل واحدة منها كشفت عن جانب من هذه الجريمة. وظهر العديد من الأشخاص الذين اكتشفوا لاحقا أنهم من يهود اليمن في الأصل قبل بيعهم لأسر أخرى، وبينهم الصحافية يهوديت يحزقيلي، والكاتبة البريطانية تسيلا لفين. لكن هذه المأساة لم تكن الوحيدة المعبرة عن معاناتهم، فما زال يهود اليمين يعيشون في أحياء فقر في المدن أو بلدات فقر في الريف، وما زالت نسبتهم من مكون الفقر والبطالة والأمراض وضعف الثقافة أعلى من المعدل الإسرائيلي بكثير. والتمييز ضدهم مضاعف بسبب لون بشرتهم السمراء.

وفقط في السنة الماضية انفجرت فضيحة كبيرة تتعلق بهم، حيث إن صاحب مطعم شتم نادلة يمنية تعمل لديه وقال لها: «سوداء وضيعة». وفي معرض الدفاع عن صاحب المطعم كتبت صحيفة «ييتد نئمان» التابعة لأحد أحزاب اليهود المتدينين الاشكناز، أن «هذه الفتاة طُردت من العمل، وغدا ستجد يمنيا مثلها تفوح منه رائحة الحلبة الكريهة ورائحة العرق النتنة، فتجعلها تشمه عن بعد متر ونصف المتر». ومع أن الفتاة قدمت شكوى في المحكمة ضد صاحب العمل وربحتها (حصلت على تعويضات بقيمة 25 ألف دولار)، فإن مثل هذه الظواهر تترك جروحا نازفة لدى اليمنيين.