سويسرا باكستان.. مَرّ عليها الإسكندر الأكبر

منتجع سياحي ووديان ساحرة وتزلج على الجليد.. وسط عنف لا يتوقف

TT

> يقع وادي سوات على بعد 160 كلم من العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وهو يعدّ إحدى المقاطعات الإدارية التابعة لإقليم شمال غرب باكستان الحدودي المضطرب، والمعروف اختصارا باسم N-W.F.P، ويقدر عدد سكان وادي سوات بـ1,5 مليون نسمة، وفقا لآخر الإحصاءات، وتعد مدينة «مينغورا» من كبرى مدن وادي سوات، وتحظى «حركة تطبيق الشريعة المحمدية» بتأييد سوق مينغورا الرئيسية، وتأتي مدينة مينغورا في الأهمية بعد عاصمة الإقليم سيدو شريف.

ينتمي سكان وادي سوات إلى 3 جماعات عرقية هي: الباشتون «Pashtuns»، وجماعة الكرجر «Gujars»، وجماعة كويستان «Kohistanis» المعروفة أيضا باسم الدارد «Dards»، والتي تقطن وادي كلام «Kalam valley» الواقع شمال وادي سوات، ويتحدثون اللغة الكلامية Kalami والتروالية Torwali. وتعتبر اللغة الباشتونية هي اللغة الرئيسية لسكان وادي سوات، وهي عبارة عن مزيج من اللغة الهندية وعدد من اللغات الأوروبية. ويعتقد باحثو الأنثروبولوجيا أن تلك الجماعات كانت تنتمي في الأصل إلى قبيلة واحدة عاشت منذ آلاف السنين حول جبال الهيمالايا. ويعتقد البعض أن كلمة «سوات» تستمد جذورها من اللغة العربية، وبالأخص من كلمة «أسود»، نظرا إلى تركيبة الإقليم الطبيعية ذات الجبال الشاهقة والغابات الممتدة، التي تبدو للعين للوهلة الأولى من بعيد وكأنها تتشح بالسواد. ولكن الغالبية العظمى من المؤرخين يرون أن وادي سوات استمد تسميته الحالية نسبة إلى قبيلة «سواتي» التي استوطنت المنطقة منذ عهد السلطان محمود غزنافي في القرن الحادي عشر الميلادي.

ويعتبر «نهر سوات» الذي ينبع من جبال هندكوش ويجري عبر وادي كلام ليصب في نهر كابول بوادي بيشاور، من أهم أنهار وادي سوات، ويعزى إليه ري مساحات شاسعة من أراضي الوادي، فضلا عن المشاركة في صناعة المصايد البحرية في الإقليم. وقد أقامت الحكومة الباكستانية مشروعين متميزين لإنتاج الطاقة (المائية) الهيدروليكية لتلبية الاستهلاك المحلي لسكان تلك المنطقة، ويعتمد المشروعان بشكل أساسي على سرعة اندفاع المياه في نهر سوات. تبلغ مساحة وادي سوات 5,337 كيلومترا مربعا، ويعرف الوادي باسم «سويسرا باكستان»؛ نظرا إلى ما يتمتع به من مناظر طبيعية خلابة جعلت منه مزارا سياحيا من الدرجة الأولى، فعلى سبيل المثال يعد «كوبري أيوب» المقام على نهر سوات واحدا من أهم المزارات السياحية في المنطقة، التي تجتذب العديد من السياح خلال فصل الصيف من كل عام، كما ينتشر أيضا العديد من المنتجعات السياحية في الوادي، ومن أشهرها منتجعات التزحلق على الجليد الواقعة في منطقة معلم جابا «Malam Jabba»، والتي تبعد مسافة 40 كلم عن العاصمة سيدو شريف. كما يضم متحف وادي سوات بعض الآثار التاريخية التي يرجع تاريخها إلى الحضارة البوذية، أي ما يقرب من 300 عام قبل الميلاد. يُذكر أن الحضارة البوذية امتدت في ذلك الوقت من السند جنوبا إلى وادي سوات شمالا، ونظرا إلى أهمية موقع وادي سوات كقنطرة بين الشرق والغرب فقد كان الإقليم دائم التعرض للغزو الخارجي من قِبل آسيا الوسطي في الغرب، والصين والتبت في الشمال، وإيران والهند في الجنوب.

كما أُطلقت عليه أسماء عدة على مدار التاريخ، فكان يعرف أيام الحضارة البوذية باسم الحديقة أو Garden، كما درج الرحالة الصينيون على إطلاق اسم سوتو على تلك المنطقة، في حين يذكر المؤرخون اليونانيون أن الإسكندر الأكبر أطلق عليه اسم SWADISTU أي «المياه النقية» عندما عبر هو وجنوده نهر سوات قبل أن يتوجهوا جنوبا لمواصلة غزواتهم. وكان وادي سوات إبان حقبة الاستعمار البريطاني لشبه الجزيرة الهندية ولاية من «الولايات الأميرية» المستقلة اسميا عن دول التاج البريطاني، التي وقّع حكامها، الذين أطلق عليهم اسم «الماهاراجا» أو «الراجا» أو النواب، معاهدات مع بريطانيا بخصوص سيادتهم. أصبح وادي سوات مصدرا للمشكلات في باكستان في السنوات الأخيرة بسبب انتشار المدارس الإسلامية التي عززت «طالبان» الباكستانية، والراغبين في تطبيق الشريعة الإسلامية في الإقليم. وينتشر في باكستان بوجه عام وإقليم شمال غرب باكستان بشكل خاص نوعان من المدارس، فهناك ما يعرف باسم «مدارس القرآن» أو «المدارس الدينية»، ويبلغ نحو 50 ألف مدرسة موزعة على جميع أنحاء باكستان، وقد دأبت السلطات الباكستانية على اتهامها بالمسؤولية عن تدريب المقاتلين الإسلاميين في صفوف حركة طالبان الأفغانية. وهناك «مدارس خاصة»، وهي ما عمدت عناصر «طالبان» الباكستانية إلى استهدافها باعتبار أن تعليم الفتيات مخالف لتعاليم الشريعة الإسلامية. ووصل عدد المدارس المستهدفة حتى الآن إلى 183 مدرسة، كما قامت حركة تطبيق الشريعة المحمدية التابعة لحركة طالبان بمطالبة جميع المدارس الخاصة بإغلاق أبوابها بحلول 15 يناير (كانون الثاني) 2009، كجزء من حملتها لمنع تعليم البنات في الإقليم. وتقدر منظمة العفو الدولية أن ما بين 250 ألفا و500 ألف شخص فروا من منازلهم منذ أواخر عام 2007 حتى الآن، منذ بدأت هجمات «طالبان» في سوات.

إعداد: شيماء محمد عبد المنعم وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»