الضحك.. على انتحار باراك

منذ أن وافق زعيم العمل على المشاركة في حكومة نتنياهو خرجت نكات عليه من بينها: أريد أن أعدم شنقا.. لأن الكرسي الكهربائي معطل

TT

دخل زعيم حزب العمل الاسرائيلي إيهود باراك إلى مخزن للسلاح خلال جولة له في أحد المعسكرات، وتناول قنبلتين وراح يتسلى بهما، فينقل قنبلة من يد الى أخرى، وهو يستمع الى شرح قائد المعسكر عن المهمات الخاصة للوحدة. فهمس رئيس أركان الجيش في أذنه: «سيدي معالي الوزير، قد تنفجر القنبلة في وجهك». فأجابه باراك: «لا تخف، توجد معي قنبلة ثانية».

أمريكي وفرنسي وقائد كبير في حزب العمل، ضبطوا متلبسين في عملية تجسس. فجلبوا إلى القاضي ولم يتعبوه. فقد اعترفوا بكل بنود الاتهام. فحكم عليهم بالإعدام، ولكنه احتراما وتقديرا لاعترافهم وعدم اضاعة وقت المحكمة قرر أن يمنح لهم الخيار حول الطريقة التي سيموتون بها. فقال الأميركي إن حقنة السم مؤلمة والشنق خانق، لذلك يفضل الموت على الكرسي الكهربائي، فوضعوه عليه، لكن الكهرباء لم تعمل فأعفوا عنه وأطلقوا سراحه. الفرنسي أيضا اختار الطريقة نفسها ونجا. أما باراك، فقد قال للقاضي: حقنة السم مؤلمة والكرسي الكهربائي تلف لا يعمل، أنا أختار الموت شنقا.

دخل باراك الى المكتبة العامة وطلب كتبا تتحدث عن الانتحار. فأشارت الموظفة الى زاوية معينة وقالت له: هناك. توجه باراك الى المكان ثم عاد على الفور قائلا: لا يوجد على الرفوف شيء في هذه الزاوية. فأجابت: «لدينا مشكلة مع هذه الزاوية، فلا أحد يعيد الكتب».

هذه وغيرها من النكات حول موضوع الانتحار كانت في مركز الأحاديث بين مندوبي مؤتمر حزب العمل الاسرائيلي، يوم الثلاثاء الأخير، بعد التصويت على اقتراح رئيس الحزب، ايهود باراك، الانضمام الى ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو. حرص معارضو باراك على تمرير تلك النكات الى الصحافيين، حتى تنتشر وتطغى على النقاش الجماهيري الملتهب في موضوع الانضمام للحكومة. ولكن المسألة ليست مسألة نكات فحسب، بل الكثير يتحدث ببالغ الجدية عن أن باراك يقود حزب العمل الى الانتحار؟ وحتى في صفوف مؤيدي فكرة الانضمام الى الحكومة هناك من قال انه يعتقد بأن «باراك سيقود حزب العمل الى نهايته، الى الانتحار، في حالة بقاء الحزب في المعارضة، ولذلك، ينبغي إشغاله في وزارة الدفاع حتى يتاح لبقية قادة الحزب انقاذه». فما هي حقيقة باراك؟ وهل هو فعلا يقود الى الانتحار، ذلك الحزب الذي يقود بفكره ورجالاته الحركة الصهيونية منذ تأسيسها قبل 122 سنة؟ وما هو سر الانهيار في جماهيرية الحزب، تحت قيادة باراك، الى حد الحصول على 13 مقعدا في البرلمان وهو الذي بلغ ذات مرة 52 نائبا (من مجموع 120)؟ ولماذا أعلن بعد الانتخابات أنه أدرك رسالة الجمهور بأن على حزبه التخلي عن الحكم والجلوس في المعارضة، وفجأة أخذ يفاوض نتنياهو بطريقة بدا فيها انه يزحف على بطنه لكي يقبله في حكومته؟ لماذا وعد بأن يعيد بناء الحزب من صفوف المعارضة، ثم نكث بوعده؟ هل هي «المسؤولية الوطنية، كما يدعي، التي تتطلب وحدة في مواجهة التحديات الخطيرة التي تجابه إسرائيل من التسلح الايراني الى أخطار سورية وحماس وحزب الله اللبناني؟»، أم أن هناك رغبات أميركية يحققها باراك، وبكلمات أقل نعومة، ضغوط أميركية لمنع تشكيل حكومة تطرف يميني؟ أم أن كل القضية هي انه يريد منصب وزير الدفاع لا أكثر؟ وهناك أسئلة ستبقى بلا جواب، في الوقت الحاضر، مثل: هل قدم باراك حبل النجاة الى بنيامين نتنياهو حتى لا يفشل في تشكيل حكومة، أم ان نتنياهو هو الذي أنقذ باراك؟

الحيرة في طرح الأسئلة وتنوعها، ناجمة عن الحيرة في فهم سمات شخصية باراك، أكثر من أي شيء آخر؟ فالرجل لا يفصح عما يدور في نفسه، غامض وضبابي. يسكت أكثر بكثير مما يتكلم. لا يوجد له أصدقاء يشاطرهم همومه. وليس عنده من يمنحه الثقة الكاملة. عندما كان في الجيش، ساد حوله الإجماع. فهو المقاتل الناجح، في نظر الاسرائيليين، الذي يحمل أكبر عدد من الأوسمة العسكرية في تاريخ الجيش الاسرائيلي. تدرج في جميع المناصب القيادية حتى أصبح رئيس أركان. الجميع يذكر له عملياته العسكرية الجريئة في عمق سورية ولبنان ومصر وعلى أبواب تونس، في أيام شبابه. ولكن، ومنذ أن خلع البزة العسكرية، وهو شخصية موضع اختلاف. الاحترام والتقدير والتبجيل له، سمات تتآكل باستمرار. فشل كوزير للخارجية في حكومة شيمعون بيريس (1995 ـ 1996). وفشل عندما أصبح رئيسا للحكومة، فكان أول رئيس وزراء اسرائيلي يسقط بعد أقل من سنتين (1999 ـ 2001). فشل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين في «كامب ديفيد». وبعد الفشل في انتخابات، سنة 2001 أمام أرئيل شارون، اعتزل السياسة وسط شتائم رفاقه في العمل واتهامهم له بالفساد. ثم عاد بشكل مفاجئ، بعد حرب لبنان الأخيرة، لينافس على رئاسة الحزب. وقد وضع لنفسه شعار «إسرائيل بحاجة إلى وزير أمن مهني».

وبهذا لعب على الوتر الحساس. فالجمهور في اسرائيل كان قد عاش صدمة نفسية قوية من اخفاقات هذه الحرب. وكان معنيا بمعاقبة قادته الذين تسببوا في هذه الإخفاقات. فاستقال رئيس أركان الجيش دان حالوتس وغيره من الجنرالات، واستقال وزير الدفاع، عمير بيرتس، الذي كان أيضا رئيسا لحزب العمل. وهكذا فتحت الطريق أمام باراك للعودة الى سلم القيادة، عبر وزارة الدفاع. وقد تقبله الجمهور في البداية، رغم انه من القادة السياسيين المكروهين. وتوقعوا أن يطيح برئيس الحكومة المكروه، ايهود أولمرت، ولكنه خيب آمالهم. وراح يلعب لعبة الحلزونة، يلتف على أولمرت مرة ويحتضنه مرة أخرى. ويتصرف بشكل غير مفهوم. ويقلل من الكلام، مكتفيا بالطلب من الناس أن يعطوه الفرصة لاعادة ترميم الجيش واستعادة قوة الردع الاسرائيلية.

وعندما كان يواجه بالاستيضاح عن حقيقة مراميه، كان يأخذ قلم الرصاص من على طاولته ويرسم قاربا صغيرا على طرف الورقة ويضع نقطة على الطرف الثاني ويقول: «هذا هو القارب وهدفنا أن يصل الى هذه النقطة. يمكن ان يصل بهذه الطريقة (وهنا يرسم خطا مستقيما بين القارب والهدف)، ولكن قد نحتاج الوصول إلى الهدف بهذه الطريقة (هنا يرسم خطا متعرجا ينطوي على صعود وهبوط والتواءات غير محدودة حتى يصل الى النقطة) فيختم: المهم أن نصل في النهاية الى الهدف». منافسه في حزب العمل، عمير بيرتس، يعتبر ذلك الطريق متهورا ومنسلخا عن الواقع. ويقول: «باراك يذكرني بنيرون، الذي كان يرى روما تحترق وهو يعزف على الكمان». ولكن باراك يجلس في مقعده الوثير في الطابق الثاني عشر من وزارة الدفاع في تل أبيب، وهو يفرك يديه اغتباطا ويقول: «المهم هو الهدف».

ولكن ما هو هذا الهدف؟ هل هو الوصول الى وزارة الدفاع في تلك المرحلة؟ وهل هو الحفاظ على مقعده في وزارة الدفاع في حكومة نتنياهو أيضا؟ الغالبية الساحقة من المراقبين يقولون ان الهدف الوحيد لدى باراك هو أن يبقى في وزارة الدفاع. والصحافة تهاجمه يوميا وتتهمه بالركض وراء مصلحته الشخصية حتى لو اعتلى هرما من الجثث.

ولكن باراك ينظر للأمور بشكل آخر ويمتص كل ما يكتب ويقال عنه. ويقول إن الجمهور لا يحبه ولكنه يريده وزيرا للدفاع، وهذه حقيقة. فمنذ الحرب على غزة والاستطلاعات تمنحه أكثرية جماهيرية كوزير دفاع. لقد اعتبروه مسؤولا عن «النصر» في تلك الحرب. ولكنهم لا يؤمنون به كقائد سياسي. وهو يثق بأن هذه الشعبية تفتح له طريق العودة الى رئاسة الحكومة في المستقبل. ويعتمد في ذلك على تجربة نتنياهو. فهذا أيضا مكروه من الناحية الجماهيرية. وقد أسقطوه عن الحكم في انتخابات سنة 1999 واختاروا باراك مكانه رئيسا للحكومة. وتمكن نتنياهو من العودة بعد أن أقنع الناس بقدراته كوزير للمالية في حكومة أرئيل شارون. وباراك يؤمن انه سيعود رئيسا للحكومة من خلال النجاح في مهمته كوزير للدفاع.

والمرحلة المقبلة ستشهد «عدة تجارب»، يثبت فيها باراك انه «وزير دفاع جيد». وهذه التجارب قد تجلب الويلات لاسرائيل ولشعوب المنطقة، ولكنها قد تكون على مستوى حرب غزة، التي سقط فيها عشرة اسرائيليين مقابل 1400 فلسطيني. وعندها يسجل لنفسه «انتصارا» آخر. بيد أن باراك ومؤيديه في حزب العمل، يحاولون أن يروا في التصميم على دخول الحكومة، جوانب أخرى أيضا، يوجد فيها شيء من الواقع، منها:

أولا: منع إقامة حكومة يمين متطرف. فهو باسم رؤية «المصلحة الوطنية العليا»، يرى ان حكومة كهذه ستلحق ضررا فادحا لاسرائيل، في سياستها الداخلية وفي سياستها الخارجية. ففي الداخل سوف تتخذ اجراءات معادية للمواطنين العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48) فتظهر كدولة أبرتهايد. وسوف توسع الاستيطان اليهودي بوتائر عالية جدا أكثر من فترة أولمرت ـ باراك والحكومات التي سبقتها وتعرقل مسيرة السلام وتدخل في مواجهة مع الادارة الأميركية الجديدة بقيادة باراك أوباما. وستفقد اسرائيل قاعدة التأييد الدولي الكبيرة التي تحظى بها منذ بداية الانتفاضة الثانية، وتجلت في حربي لبنان وغزة. ثانيا: إرضاء الإدارة الأميركية بشكل مباشر. فهذه الادارة لم تمارس الضغط على اسرائيل لكي تقام حكومة وحدة ليبرالية بين الليكود والعمل وكاديما، ولكنها ألمحت الى انها لا تريد حكومة يمين متطرف. وانضمام باراك لهذه الحكومة يغير بعضا من صورتها السوداوية. ويسجل نقاطا ايجابية في ملف باراك في البيت الأبيض. ثالثا: إذا لم يدخل باراك الى هذه الحكومة فإنه سيجلس في المعارضة. ولكنه لن يكون حزب المعارضة الأساسي الذي يبني نفسه للعودة الى الحكم، لأن هناك حزبا أقوى منه مرتين هو حزب كاديما برئاسة تسيبي ليفني. فهذا الحزب هو الذي سيكون حزب المعارضة الرئيسي. وهو الذي سيبرز في نشاطاته أمام الجمهور أكثر من حزب العمل. وفي المعارضة، يتفرغ القادة عادة للحسابات الداخلية والمعارك الشخصية، ويكون سهلا عليهم الاطاحة برئيس الحزب. بينما في الحكم، سيكونون مشغولين في المهمات العامة وفي توزيع الامتيازات والوظائف. ولكن حتى لو انشغلوا بالصراعات الداخلية، وقد تعهد خصوم باراك في حزب العمل بأن يسعوا الى إسقاطه خلال السنة ونصف السنة القادمة، فإنه سيواجه ذلك من موقع أقوى كوزير للدفاع.

وقد عبر الصحافي ناحوم بارنياع عن ذلك بشكل لافت عندما عقب على نجاح باراك في اقناع مؤتمر الحزب بالانضمام الى حكومة نتنياهو، فقال: «لو كنت مكان مندوبي مؤتمر حزب العمل لقمت بالتصويت الى جانب اقتراح الدخول الى الحكومة. وذلك ليس في سبيل المصلحة الوطنية كما يقول باراك، فهذه المصلحة ليست عالقة في ذهن باراك ورجاله في الحقيقة. وليس في سبيل الحزب أيضا. بل كنت سأصوت الى جانب الاقتراح، لأن الحزب المسافر الى موته، مثل الشخص المسافر الى موته، يشعر براحة أكبر إذا سافر في مقصورة الأشخاص المهمين في الطائرة على مقاعد وثيرة ومريحة والطعام والشراب فاخران والبطانية أكثر نعومة».

رابعا: نتنياهو وباراك لم يتوصلا الى اتفاق التحالف بينهما في الأسبوع الأخير فحسب. فقد باشرا اجتماعات التنسيق فيما بينهما منذ الأيام الأولى لعودة باراك الى السياسة في نهاية عام 2006. وكانت لقاءاتهما ودية بحضور عدد من الأصدقاء المشتركين. وقد حاول نتنياهو إغراءه في البداية على الانقلاب ضد أولمرت في الدورة السابقة للبرلمان وعرض عليه تشكيل حكومة مشتركة في تلك المرحلة، لمدة سنة، ومن ثم الانطلاق للانتخابات. ولكن باراك رفض الفكرة، لأنه كان يخاف الانتخابات. وعندما استقال أولمرت وباشرت تسيبي ليفني جهودها لتشكيل حكومة بديلة في ظل الدورة البرلمانية، بدا ان حزب العمل امتنع عن الاتفاق مع ليفني. ثم تراجع. ولكن تصرفات باراك كانت سببا أساسيا في إفشال ليفني. وقد تم ذلك بالشراكة مع نتنياهو. وحتى بعد الانتخابات، وعلى الرغم من أن حزب العمل بقيادة باراك فقد ثلث قوته (من 19 الى 13 نائبا)، توجه نتنياهو اليه أولا للانضمام. وعرض عليه منصب وزير الدفاع وأربع وزارات أخرى اضافة الى نائبي وزيرين ورئاسة لجنة برلمانية مهمة، وهذا عرض مغر للغاية يزيد عن حجم قوة حزب العمل في الائتلاف (13 نائبا من مجموع 69).

وقد رغب باراك في قبول هذه الدعوة، ولكنه جُوبه بعاصفة من المعارضة داخل حزبه. فترك نتنياهو يفاوض ليفني. وفي حين كان خصوم باراك داخل حزبه يتمنون أن تنجح المفاوضات بين نتنياهو وليفني، لكي يصبح حزب العمل حزب المعارضة الأول ويتمكن من ترميم حطامه والعودة الى صدارة الخريطة الحزبية الاسرائيلية بعد سنتين أو ثلاث ـ كما حصل مع نتنياهو في الليكود ـ كان باراك يتمنى ان تفشل المفاوضات مع ليفني حتى يستطيع احتلال محلها في هذه المفاوضات. بل انه في الواقع، لم يبرح المفاوضات للحظة. وكان يجتمع مع نتنياهو ثلاث مرات في الأسبوع، حسب مصادر صحافية مطلعة. ويقال انهما قد توصلا الى اتفاق التحالف قبل الاعلان عنه بكثير. وهكذا، فإن المسألة محسومة منذ فترة. وكل ما هناك هو ان باراك أراد الوصول الى الهدف عبر ذلك الطريق غير المستقيم، التي رسمها على الورقة. السؤال الذي يطرح حاليا، هو: هل سيكون لدخول باراك مغزى سياسي؟ هل سيؤدي الى اعتدال ما في سياسة حكومة نتنياهو لصالح مسيرة السلام؟

باراك شخصيا، من القادة السياسيين الاسرائيليين، الذين تميزوا بمواقف غير ثابتة في القضية السياسية. فهو، حتى عندما كان رئيسا لأركان الجيش الاسرائيلي، حاول منع حكومة اسحق رابين من التوقيع على اتفاقيات أوسلو. وقدم توصية تقول ان منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات غير صادقة في هذه الاتفاقيات وتريد منها أن تكون درجة تصعد عبرها الى الهدف الأسمى وهو تدمير اسرائيل. وبسبب موقفه، نشأت عدة تناقضات في الموقف الاسرائيلي ما بين الاتفاق والتطبيق. فكان المفاوضون يتفقون على شيء والجيش يمنع التطبيق في الوقت المحدد. وعندما احتاج الأمر موقفا حازما من الحكومة، رضخ رابين لارادة الجيش بواسطة باراك وأعلن تصريحه الشهير: «المواعيد غير مقدسة»، وبذلك فتح الباب على مصراعيه أمام خرق الاتفاقيات.

وعندما أصبح باراك وزيرا للخارجية في حكومة بيريس، اتخذ مواقف سلبية وحربية ضد الفلسطينيين (حيث رد على عمليات التفجير الفلسطينية بعمليات اجتياح حربية واسعة) وضد لبنان (حيث رد على عمليات المقاومة اللبنانية بمذبحة قانا)، وساهم في ذلك بسقوط بيريس في الانتخابات القريبة يومها سنة 1996.

ولكن عندما انتخب باراك رئيسا للحكومة في سنة 1999، شهدت مواقفه تحولا كبيرا وتوجه الى مؤتمر كامب ديفيد في الولايات المتحدة للتفاوض مع عرفات حول اتفاق سلام دائم. وقدم عرضا يعتبر في الحسابات الاسرائيلية سخيا ومغريا، حيث انه عرض الانسحاب الاسرائيلي من حوالي 96% من أراضي الضفة الغربية وأبدى الاستعداد للتفاوض على قضية اللاجئين وعودة قسم منهم الى اسرائيل والتفاوض حول القدس ليكون شقها الشرقي عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة ووافق على إخلاء معظم المستوطنات. ولكن عندما طلب عرفات مهلة للتشاور مع الأشقاء العرب ورفض التوقيع على إنهاء الصراع قبل التوصل الى اتفاق ورفض أن تكون لاسرائيل سيادة على ما تحت البلدة القديمة من القدس، وانفجر مؤتمر كامب ديفيد، اتخذ باراك موقفا متطرفا حادا جدا وسمح لرئيس المعارضة يومها بالقيام بمظاهرة استفزازية داخل الحرم القدسي الشريف وأرسل الشرطة لتقتل 7 مصلين في باحة الحرم وقتلت شرطته 13 شابا من المواطنين العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48).

وأطلق باراك يومها التصريح المشهور «لا يوجد في الطرف الفلسطيني شريك لنا في عملية السلام»، وهو الذي تحول الى سياسة اسرائيلية رسمية، واستغله شارون ليشن عملية «السور الواقي» الحربية التي اعادت فيها اسرائيل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وفرضت الحصار القاتل على ياسر عرفات حتى مماته. وأما بالنسبة لباراك نفسه، فقد كانت هذه المواقف بمثابة انتحار سياسي. فقد خسر الحكم في الانتخابات أمام شارون واعتزل. وبما أن باراك يعود اليوم من دون الافصاح عن طريق سياسي واضح، فإن من الصعب أن يتوقع منه موقف محدد في حكومة نتنياهو. فهو الذي سيكون مسؤولا عن الجانب الأمني في سياستها، ونتنياهو يريد أن تكون الذراع العسكرية للحكومة بيد جنرال من «اليسار»، حتى يرفع عن نفسه تهمة الممارسات العدوانية ولا توجه إليه بشكل مباشر. ولكن باراك، إن أراد، يستطيع استغلال نفوذه كحزب أساسي ويؤثر على الحكومة أيضا لصالح طريق السلام. فهو الحزب الحاسم في الائتلاف. وإذا انسحب منه، لن تصمد الحكومة طويلا. ففى اي طريق سيسير باراك؟