غل.. أمام المحكمة

ما أغضب الرئيس التركي وأنصار العدالة والتنمية هو توقيت فتح ملف الفساد ضده

TT

يروي لنا أحد السياسيين القدماء وهو يستعرض أمامنا أهم مواصفات أبناء مدينة «قيصري» الواقعة في قلب الأناضول، التي ينتمي إليها الرئيس التركي عبد الله غل، أنهم تجار يحترفون المهنة ويعرفون كافة خفاياها وفنونها، وأنهم لا يتراجعون بسهولة أمام الصعاب، ويحصلون غالبا على ما يريدون. وهو اختار هنا هذه الطرفة لتدعيم كلامه، فقال إن أحد أبناء كبار أثرياء المدينة دخل على والده يوما يطلب منه دعمه بمبلغ 200 ألف دولار لوضع أسس مشروع تجاري يستقل به. فالتفت الأب يسأل ابنه باستغراب: ما الذي ستفعله بـ 150 ألف دولار، خذ هذه الـ100 ألف واذهب لتدبر شؤونك، ثم وضع أمامه 50 ألفا دون أن يضيف أي شيء. تناول الشاب المبلغ مجيبا: ما كنت أحتاجه هو فقط 25 ألفا لكني سأوسع المشروع منذ الآن بفضل المال الإضافي الذي حصلت عليه. وختم محدثي قائلا: الرئيس التركي عبد الله غل، وكما يرى الكثير ممن يعرفونه عن قرب، هو خارج هذه المعادلة، فقد تربى وسط بيئة عائلية بعيدة عن التجارة والمساومة. ومن لا ينجح في التجارة كما يقال في قيصري يرسل إلى المدرسة لإكمال تعليمه ليحصل على لقمة عيشه بوسيلة أخرى. غل أقر، ومنذ البداية، أنه فشل في أول عملية تجارية له عندما طلب إليه في صغره المساعدة خلال عطلته الصيفية على بيع المرطبات ففشل في ذلك وعاد أدراجه إلى المنزل على أمل أن لا يعيد المحاولة.

عبد الله غل لم يرجح التجارة اليومية في حياته لكنه باختياره كلية الاقتصاد في جامعة اسطنبول وإصراره على البقاء فيها حتى التخرج حاملا شهادة الدكتوراه والمضي في هذا الحقل متدرجا في صفوف الأكاديميين، لم يكن على ما يبدو نادما على ما هو عليه اليوم، رغم أن رئيس محكمة الجزاء الأولى في «سنجان» القريبة من أنقرة، لم يأبه كثيرا لكون غل رئيسا لتركيا، وقرر مفاجأته أخيرا برفض طلب المدعي العام في المحكمة الذي دعا لإغلاق ملف تهم للرئيس التركي بالمشاركة في تحريف مستندات ووثائق عام 1998 من أجل تأمين أموال إضافية من الخزينة العامة خلال العمليات الانتخابية التي شارك فيها حزب الرفاه الإسلامي الذي كان غل عضوا فيه قبل تأسيس العدالة والتنمية، واليوم يواجه غل إعادة نظر المحكمة للقضية، وبالرغم من أن غل يتمتع بالحصانة الدبلوماسية بسبب موقعه، إلا أن مجرد فتح القضية هو إحراج كبير له وللحزب الحاكم. ومع أن الإعلامي والكاتب التركي المعروف صالح يايلجي يقول «أنا لا أعرف كيف تحكمون أنتم على المسائل لكنني عندما قرأت قرار محكمة سنجان الأخير المتعلق بالرئيس غل برز أمامي على الفور تاريخ 28 فبراير (شباط) الشهير، يوم خرجت المصفحات من ثكناتها إلى شوارع البلدة في رسالة تحمل عنوان: تزييت وتشحيم الديمقراطية في البلاد. فهل هناك من يحاول رغم مرور عامين على انتخاب غل رئيسا للبلاد أن يقول له ولنا شيئا ما؟»، وذلك في إشارة ضمنية إلى نوع من التربص بالرئيس التركي. وما أغضب الرئيس التركي وأنصار «العدالة والتنمية» وقياداتها على السواء هو حتما موضوع توقيت فتح هذا الملف وفي مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد تحديدا. ورغم أن قيادات كثيرة دعت وزير العدل الجديد، أحد أقرب معاوني رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، لاستخدام صلاحياته في وضع حد لما يجري دون انتظار قرار مجلس القضاء الأعلى ليقول كلمته النهائية، فإن غل الغاضب ذكرنا قبل أيام بأنه كان هو أول المطالبين برفع الحصانة النيابية عنه واستعداده للمثول أمام المحكمة وأنه ليس من يتهرب من دفع أي ثمن ينبغي تحمله فلا سيف فوق سيف العدالة.

ورغم أن الأكاديمي علي فايق دمير، أحد أبرز المتابعين لمسار الرئيس التركي السياسي، يقول إن غل، الذي كان يتجنب لغة التحدي والاستفزاز والتصعيد ويفضل البقاء في الظل على أسلوب التباهي والاستعراضات، أثبت دائما أنه اللاعب الأول والقائد الذي يتمتع بالنفس الطويل في السياسة وروح التأني والصبر، وهو لو لم يكن يملك كل هذه المواصفات لما نجح في أن يحمل لقب الرجل الثاني في الحياة السياسية التركية، حيث غادر وزارة الخارجية التركية مباشرة إلى قصر الرئاسة، تماما كما حدث مع زعيم حزب الشعب الجمهوري وأقرب المقربين إلى أتاتورك عصمت إينونو. فـ«غل»، ورغم أن المعارضة السياسية التي قادها حزب الشعب وبعض الشخصيات العسكرية المتقاعدة قالوا باكرا ما عندهم في موضوع مواصفات الرئيس المقبل «نريد رئيسا علمانيا في جوهره وليس في كلامه فقط»، فإنه خيب آمال الكثيرين الذين راهنوا على أسلوب انتقامي في إدارة شؤون البلاد وبعد أكثر من محاولة دستورية وسياسية وشعبية لقطع الطريق عليه، فهو كان دائما يرفع شعار المصالحة وصوت الحكمة والتروي خلال إعطاء القرارات دون التوقف مطولا عند الصلاحيات الواسعة التي يملكها لقلب الطاولة لو أراد ذلك فهو في موقع القوة والسلطة. وصول غل إلى قصر الرئاسة في «شنقايا»، قلعة العلمانيين المحصنة، لم يخرج الجيش من ثكناته طبعا، لكنه ـ كما يقول العديد من الكتاب والإعلاميين الأتراك ـ كان حافزا لمنظمة «أرغن أكون» السرية لتوسيع رقعة نشاطاتها ومحاولة التأثير في اختصار مدة تواجده في موقع الرئاسة.

فعبد الله غل، ذو الميول الإسلامية، يعرف تماما أهمية وقيمة الموقع الذي هو فيه اليوم، وأنه ليس بالمنصب الرمزي، فهو يترأس اجتماعات مجلس الأمن القومي (أعلى سلطة تخطيط في تركيا تجمع العسكر والسياسيين جنبا إلى جنب)، وهو يعين رؤساء الجامعات وقضاة المحكمة الدستورية ورجال السلك الدبلوماسي وكبار الموظفين في الدولة. ومع ذلك فهو فضل أن يكون أول ما يقوم به بعد انتخابه اعتماد سياسة الباب المفتوح والقلب المنفتح والشفافية حتى النهاية «ها نحن نقدم للعالم مرة أخرى صورة حقيقية عن معنى الديمقراطية في تركيا ومدى تمسكنا بها».

ولد غل في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1950 الذي صادف يوم احتفالات مرور 27 عاما على إعلان الجمهورية، فسارع خاله للمطالبة بأن يطلق عليه اسم «جمهور» عله يصبح في المستقبل رئيسا للجمهورية، لكن والده أحمد حمدي رفض الاقتراح وقال: هو عبد الله وسيصل إلى هناك باسمه إذا كان له القسمة في ذلك. الباحث التركي فاتح بيهان يقول عن عائلة غل، إن والده رب عمل متواضع في المدينة الصناعية لقيصري، وأنه أسس هذا العمل الخاص بعدما تقاعد من الخدمة في الجيش. اهتم عن قرب بتلقين أبنائه الدروس الدينية وتعلم قراءة القرآن. ورغم أن الرئيس التركي قال أكثر من مرة إن أجواء الأسرة والبيئة التي تربي وعاش فيها والحالة العامة المتحكمة في البلاد في مطلع السبعينات هي التي دفعته نحو السياسة، فإن دور والده وخلفيته السياسية في ميول قومية محافظة وتحمسه لنجم الدين أربكان، مؤسس حزب السلامة الإسلامي وقتها، كانت كلها بين العوامل الأساسية في تكوين شخصيته وتأطير أفكاره وآرائه. درس غل في ثانوية قيصري، حيث تعرف هناك عن قرب إلى كتب ومؤلفات أهم الشخصيات القومية والفكرية الإسلامية التركية وقتها، تقدمها جميل مريش، نجيب فاضل، قصى كوريك، والتحق باكرا باتحاد الطلبة القوميين الأتراك، حيث طارده شباب اليسار في الجامعات وأعلنوه بين الأسماء المطلوبة بسبب مواقفه وآرائه، حيث اضطر ـ كما قال أكثر من مرة ـ للتغيب مطولا عن الجامعة في اسطنبول التي تخرج فيها مجازا في الاقتصاد بعدما جرب كلية الحقوق واكتشف باكرا أنها لن تشفي غليله. عرض عليه أستاذه نوزات يلشن تاش، أحد الأكاديميين الأتراك والسياسيين المحافظين، أن يكون مساعدا في كلية الاقتصاد في جامعة صكاريا القريبة من اسطنبول فرحب بالفكرة التي ستوفر له متابعة تحصيله العالي في اسطنبول حيث كان يتقاسم منزلا متواضعا مع أصدقاء له من أبناء مدينته.

علاقته برجب طيب أردوغان بدأت عام 1968 ما إن وصل إلى اسطنبول لمتابعة تحصيله الجامعي، حيث التقيا في حلقات الشاعر القومي المحافظ نجيب فاضل، تحت يافطة «اتحاد الطلبة القوميين الأتراك» الإسلامي المحافظ، وتدرجا معا في هذه الحركة إلى أن التقيا مرة أخرى على يمين ويسار نجم الدين أربكان في حزب «الرفاه» في مطلع التسعينات. وهو قال أكثر من مرة إنه لن يفرط بهذه الصداقة مع أردوغان رغم أن الكثيرين يراهنون على ذلك، موضحا «نحن نلتقي ونتبادل الأفكار والتصورات باستمرار ونعرف تماما حجم المسؤوليات المشتركة التي تنتظرنا وتركيا، والبعض عليه أن يتعود على هذا النوع من الحوار والتعاون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي افتقدناه منذ سنوات بعيدة».

أمضى غل عامين في لندن لتقوية لغته الإنجليزية وجمع مراجع أطروحته للدكتوراه، التي ناقشها في جامعة اسطنبول. وهنا يروي للإعلامي دوندار كيف أنه غادر جامعة «إكستر» الإنجليزية بعد عامين من الدراسة على أن يعود إليها بعد 30 عاما لتسلم الدكتوراه الفخرية من رئاستها دون أن يهمل زيارة الكنيسة القريبة من مكان دراسته، التي فتح راهبها غرفته الخاصة أمامه وأمام أصدقائه الذين يتقدمهم الصحافي فهمي قورو الكاتب في جريدة «يني شفق» الإسلامية لتأدية فرائض الصلاة بعدما وجدوا صعوبة في العثور على مسجد قريب من حرم الجامعة.

وفي ما كان يشق هو طريقه العلمي، كانت والدته تشق الطرقات تمهيدا للعثور له على فتاة مناسبة، فوقع الاختيار على خير النساء، التي كان يكبرها بأكثر من 10 سنوات، لكن إصرار الوالدة وإعجاب غل بالفتاة لم يؤخر كثيرا موعد الزواج في منتصف عام 1980. 10 أيام بعد الزواج ويقع الانقلاب العسكري بقيادة افرين كنعان في البلاد ليعتقل العريس الجديد ويمضي شهر عسله في السجن الذي غادره دون أن توجه إليه أية تهمة.

عبد الله غل، الذي ردد أكثر من مرة أنه «كلما تعرفنا عن قرب إلى المحيط الاجتماعي والسياسي التركي، عرفنا أكثر فأكثر قيمة النظام العلماني وحسناته»، لم ينقذ نفسه حتى الساعة من تصلب بعض شخصيات المؤسسة العسكرية في التعامل معه، فقاطعته أكثر من مرة ليس بسبب خلفيته السياسية والحزبية وحسب، بل بسبب حجاب زوجته التي أصر غل على أنه خيارها وترجيحها الشخصي الذي لن يتدخل فيه مهما كان الثمن. والجميع يتذكر هنا أكثر من عاصفة سياسية وقعت داخل البلاد بسبب هذا الحجاب لم تهدأ رغم قرار السيدة الأولى سحب دعواها التي أقامتها لدى محكمة العدل الأوروبية بسبب رفض السماح لها الدخول إلى قاعات التدريس بغطاء رأسها هذا.

صعوبة ظروف المعيشة وطموحه قاداه إلى المملكة العربية السعودية للعمل في «بنك التنمية الإسلامي» بجدة في الفترة الواقعة بين 1983 و1991، وهنا تدخل زوجته خير النساء على الخط لتروي كيف أنه غادر رغم تذكيره بأنه فعل ذلك من أجل تحسين ظروف العائلة الاقتصادية وهي حامل بولدها الأول أحمد منير، وأنها وضعت المولود دون أن يكون زوجها إلى جانبها وهي لم تنس له فعلته هذه رغم مسارعته إلى شراء أول سيارة أعجبت بها وتمنت أن تكون من نصيب العائلة في محاولة لتطييب خاطرها.

أما حول دخول غل المعترك السياسي ورغم تعدد الروايات، حيث يقول بعضها إن والده، المناصر القوي لحزب السلامة الإسلامي، هو الذي استدعاه على الفور في مطلع التسعينات ليترشح كنائب عن حزب «الرفاه»، وهناك رواية أخرى تقول إنه عندما جاء إلى قيصري عام 1990 لإقامة حفل تطهير ابنه عرض عليه ترشيح نفسه للبرلمان في صفوف «الرفاه الإسلامي» الذي كان يبحث عن وجوه جديدة مميزة يخوض بواسطتها الانتخابات البرلمانية المبكرة في البلاد. تردد كثيرا ـ كما يقول أحد أقاربه، السياسي شعبان بيرق، الذي حمل إليه الفكرة، «وجدت صعوبة كبيرة في إقناع الحزب بقبول ترشيحه، فهو من خارج هذا التيار ولكني وجدت صعوبة أكبر في إقناعه هو بقبول دخول المعترك السياسي، الذي لم يكن ضمن برنامج تطلعاته المستقبلية. فهو أكاديمي يتمتع بميزة معرفة الداخل والخارج، متواضع كتوم وبشوش الوجه، وهذا ما نبحث عنه في السياسة بالدرجة الأولى. كان خطيبا مميزا في مهرجاناته الشعبية لكنه كان يتصرف على راحته، في أكثر الأحيان يسارع إلى وضع يديه في جيبه بصورة عفوية وهو يخطب في الحشود التي كانت تستغرب هذا التصرف. وفي اليوم التالي عندما قرر وضع يده كعادته في جيب سرواله كانت المفاجأة التي أغضبته لكنه قبلها بمرارة، فنحن خيطنا جيوب سراويله حتى تراجع عن ذلك، حيث فتحت الطريق على وسعها أمامه إلى البرلمان التركي لينتخب 5 مرات متتالية نائبا عن قيصري». غل، الذي قاد عام 1993 السياسة الخارجية للحزب وتمرس وتدرج هناك مستفيدا من تجربته وتواجده في الخارج، تحول عام 2001 ليصبح المنافس لرجائي كوتان على مقعد رئاسة حزب السعادة الإسلامي، حيث فشل في الحصول على ما أراد بفارق أصوات قليلة. دفعته الانتقادات الحزبية التي تعرض لها لاحقا للانفصال مع مجموعة قيادية في الحزب، بينها رجب طيب أردوغان، عن نجم الدين أربكان، وتأسيس حزب «العدالة والتنمية» التركي، فهو كان بين القلائل الذين يقولون لا للخوجا أربكان ويطالب بتغيير السياسات. عام 2002، وبعد وصول حزب العدالة إلى الحكم، مسيطرا على مقاعد الغالبية البرلمانية ورئاسة مجلس الوزراء، تولى غل بدل أردوغان، الذي سجن بسبب مقاطع الشعر التي قرأها ووصفت وقتها بأنها استفزازية تحريضية، رئاسة الحكومة مؤقتا. عام 2003 تسلم غل ملف الخارجية التركية لسنوات طويلة فغير هو أولا الكثير من آرائه ومواقفه في التعامل مع المسائل الحساسة، تتقدمها مواقفه من العلاقات التركية الأوروبية والعضوية التركية التي انتقدها بشدة عام 1995 وعاد ليدافع عنها بعدما تسلم هو حقيبة الخارجية في البلاد. وفي هذا الشأن يقول أحد أبرز منتقديه، الأكاديمي آرول مانصلي، في جامعة اسطنبول، والموقوف حاليا بتهمة الانتماء إلى جماعة «أرغن اكون» السرية: «كان عام 1995 يهاجم سياسة تركيا الأوروبية وتوقيع اتفاقية الاتحاد الأوروبي ويستشهد بآرائي وكتاباتي، لكنه اليوم يتخلى عن فكرة النادي المسيحي ونظرته إلى الولايات المتحدة وسياسة تركيا الغربية».

وهو، رغم تعرضه أكثر من مرة إلى انتقادات واسعة بسبب أكثر من خطوة سياسية ودبلوماسية أقدم عليها خلال توليه مهام وزارة الخارجية التركية، كان من الداعمين مثلا لفكرة استقبال خالد مشعل في أنقرة والانفتاح على القيادات الفلسطينية، وقاد أيضا عملية توسيع العلاقات مع سورية، وكان بين الرافضين لفكرة فتح الأراضي التركية أمام القوات الأميركية لدخول العراق قبل 6 سنوات. في عام 2007 وبعد أزمة سياسية ودستورية حادة عصفت بالبلاد اختاره حزب العدالة ليكون مرشحه إلى منصب رئاسة الجمهورية، حيث انتخب في 28 أغسطس (آب) 2007 من العام نفسه رئيسا للبلاد وسط موجة عاصفة من الأخذ والرد.

إبراهيم قره غل، وهاقان بيرق، في جريدة «يني شفق» توقفا عند معنى تواجد غل في سورية أثناء إحياء يوم النكبة، مذكريْن بحجم التحول القائم في السياسة التركية الانفتاحية على العالم العربي. فهما يريان أن غل يقود تحت شعار «عندما تكون النيات صادقة والثقة متبادلة فكل شيء يهون» وهذا أكثر من عملية تغيير في الشكل والأسلوب ويظهر في الأمثلة التالية: ـ قاد عملية المصالحة بين تركيا وجيرانها، وبالتالي بين تركيا وماضيها.

ـ انتقد علانية وأكثر من مرة السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة والحروب التي شنتها ضد لبنان.

ـ أطلق عمليات الانفتاح وتغيير التوجهات التركية حيال أكثر من ملف وقضية ودولة إقليمية وغربية. ـ حطم أرقاما قياسية في السفر واستقبال القيادات السياسية في أنقرة التي نسيت الكثير من العواصم والزعامات. ـ عمل على إعادة رسم سياسة تركيا العربية والإسلامية والإقليمية. ودعم مشروع الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان حول مستقبل قبرص، رغم الكثير من الانتقادات في الداخل.

غل قال أخيرا، وفي أعقاب زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تركيا، إن واشنطن هي التي غيرت من سياستها ونظرتها إلى الكثير من المسائل، ونحن أسهمنا فقط بوضع الحقيقة كما نراها أمام أوباما حيال أكثر من أزمة وقضية، يتقدمها الصراع في الشرق الأوسط والموضوع الإيراني والقضية العراقية. قال لنا إن الكثيرين في تركيا باتوا على استعداد للتعامل بأسلوب ولغة جديدة مع المسألة الكردية في البلاد، وإذا لم يحدث هذا اليوم فمتى يتم ذلك؟ لا يجوز أن نهتم بمسائل الآخرين وأن نهمل قضايانا نحن.

الإعلامي إسماعيل كوشوك قايا، من جريدة «أقشام» التركية، نقل عنه قوله إنها المرة الأولى التي يرى فيها العسكر والمدنيون على السواء مستعدين لفتح صفحة جديدة ضمن توجه وأسلوب مختلف هذه المرة في التعامل مع هذه المسألة التي تقف حجر عثرة في طريق تركيا.

صديقه الإعلامي فهمي قورلاو يذكر مرارا بالأهداف الرئيسية التي اعتمدها غل في أسلوبه السياسي: الانفتاح على الجميع، الحوار مع الجميع لخفض حدة التوتر. حلقات وموائد الحوار الفكري والعلمي والسياسي التي ينظمها بشكل روتيني في قصر الحكم في شنقايا يجمع خلالها النخبة يحاورهم ويصغي إليهم في آرائهم واقتراحاتهم وأفكارهم. هذا الطراز الجديد المميز في الحوار لاقى استحسان وتقدير الجميع. فكم هو عدد الرؤساء الأتراك الذين قادوا مثل هذه الخطوات حتى الآن؟، كما يتساءل قورلا. ويوضح أن غل يرى أن «السفينة التركية تشق طريقها هي الأخرى مثل الكثير من السفن وسط البحار وأن تجنب الأمواج قد يكون صعبا، لكن المهم هو أن نكون قد جهزنا سفينتنا لمواجهة هذه الأمواج التي ستعصف بين الحين والآخر».