ماهينور أزدمير.. أول محجبة في البرلمان البلجيكي

القانون يحظر دخول نائبة ترتدي النقاب وقد تجبر على خلعه قبل أداء اليمين

TT

عندما التقيت بها داخل أحد الأسواق الكبرى في بروكسل، قبل يوم واحد من الانتخابات البلجيكية التي جرت في السابع من الشهر الجاري، لفت نظري أنها الوحيدة التي تقف مرتدية الحجاب بين المرشحات الأخريات، لتوزيع الدعاية والالتقاء مباشرة بالناخبين لكسب ثقتهم، وحرصت على التقاط صورة لها في هذا الموقف، وسارعت بسؤالها «ألا تخشين من رد فعل الناخب البلجيكي ورفضه دخول مسلمة بالحجاب إلى برلمان بروكسل؟» قالت ماهينور أزدمير، البلجيكية التركية الأصل «لن أخلع حجابي من أجل الانتخابات أو من أجل البرلمان. كنت أرتديه أثناء عملي في المجلس البلدي التابع لحي سخاربيك، وسأظل متمسكة به حتى لو دخلت البرلمان».

وعلى الرغم من الضغوط التي كانت تمارس عليها بسبب تمسكها بالحجاب، فإنها كانت تردد دائما جملتها «يجب النظر إلى الكفاءات وليس الحجاب». ظهرت نتائج الانتخابات وبالفعل أصبحت ماهينور أول برلمانية ترتدي الحجاب ولكن.. ثمة مشكلة. فالقانون البلجيكي يحظر دخول امرأة محجبة إلى البرلمان، وقد بدأ الأمر يثير جدلا كبيرا بين أبناء الجاليات العربية والإسلامية، وأيضا بين البلجيكيين.

تقول البرلمانية عن الحزب الاشتراكي سعاد رزوق، إن أزدمير «ستواجه خيارين لا ثالث لهما، فهي إما أن تستقيل إن لم تتخل عن الحجاب، وإما أن تتخلى عنه لتحظى بمقعدها في البرلمان». ويقول أحمد محسن، من حزب الخضر البلجيكي «سأعمل على تغيير الوضع القائم، فسياسات أحزاب اليمين والليبراليين والاشتراكيين أدت إلى حظر ارتداء الحجاب في 95 من المدارس البلجيكية والبقية خمس مدارس فقط تسمح بارتداء الحجاب». وتقول البرلمانية صفية بوعرفة من الحزب الاشتراكي في تعليق لها على إمكانية وجود برلمانية ترتدي الحجاب «أشعر بالقلق على مستقبل كل مرشحة كانت ترتدي الحجاب وتريد دخول البرلمان لأنها ستواجه تحديات وصعوبات كبيرة. فهي من المفترض أنها تمثل كل قطاعات المجتمع البلجيكي ومن الطبيعي أن لا تجد الجميع متفهما لمسألة أن الحجاب حرية شخصية». عقب الإعلان عن فوز ماهينور من الحزب الديمقراطي بعد أن حصلت على 2851 صوتا كانت كافية لحصولها على مقعد في برلمان بروكسل، سارعت وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى ماهينور وحرصت على إجراء مقابلات معها. وفي أي مكان تذهب إليه تجد اهتماما إعلاميا سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. وحرصت صحف ومحطات تلفزة من دول مختلفة مثل بريطانيا وتركيا واستراليا وغيرها على إجراء أحاديث مع ماهينور. وفي كل تصريحاتها كانت ماهينور دائما تطالب بعدم التركيز على الحجاب الذي ترتديه، وتقول إنه يجب أن يكون الانتباه والتركيز على القضايا المهمة التي تشغل المواطن البلجيكي، وفي مقدمتها البطالة والسكن. وتقول «سأعمل ضد البطالة وإرجاع المحجبات إلى العمل والمدارس». وتضيف «أريد أن أشير هنا إلى أنه بالحجاب أو بدون حجاب لن يكون هناك أي تأثير على نظرتي للمشاكل في هذا البلد ولا على كيفية إيجاد الحلول وتقديم المساعدة للآخرين سواء بالحجاب أو بدون حجاب... أحجب شعري ولا أحجب فكري ولن يكون غطاء الرأس الإسلامي عائقا أمام نشاطي وعملي السياسي، ولا يجب أن يتحول الأمر إلى نقطة خلاف، وأنصح الذين ينتقدون الحجاب أن يذهبوا إلى طبيب عيون لتنقيتها من الإجحاف».

تحاول ماهينور من خلال تصريحاتها التأكيد على أنها بلجيكية تحتفظ بجذور تركية إسلامية، وتقول «لقد ولدت هنا على التراب البلجيكي وكبرت وتعلمت في هذا البلد، وأنا مهاجرة من الجيل الثالث وأنتمي لعائلة تحرص على العمل وتؤدي عملها بجد وإخلاص. وأهلي ساعدوني وفرحوا جدا بنجاحي في الانتخابات».

ويعيش في بلجيكا جالية كبيرة من المسلمين تزيد على النصف مليون، معظمهم من المغاربة والأتراك. ووصل الجيل الأول منهم إلى البلاد أواخر الخمسينات للعمل في مجال إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية. وأصبحت ماهينور تتفادى الإجابة عن أي أسئلة تتعلق بالحجاب بعد أن ضاقت ذرعا بالتركيز على هذا الأمر، وخاصة في ما يتعلق بموقف زملائها في الحزب، وحول ما إذا كان الجميع يرحب بوجود نائبة في برلمان بروكسل ترتدي الحجاب، وخاصة أن الحملة الدعائية للحزب عرفت موقفا غريبا في بادئ الأمر. ولكن ماهينور أكدت أن الأمور اتضحت لها في ما بعد. وكان الحزب قد رفع أفيشات انتخابية عرضت صور جميع المرشحين في حي سخاربيك، ولكن الصورة الوحيدة التي تعرضت للتغيير هي صورة ماهينور، إذ جرى تكبير ملامح الوجه بحيث يكون أكثر ظهورا ويختفي الحجاب الذي ترتديه.

وقالت ماهينور عن ذلك «شرح لي المسؤولون في الحزب ما حدث، وقالوا إن هناك خطأ ربما وقع فيه عامل المطبعة أو موظف داخل أروقة الحملة الإعلانية للحزب دون استشارة أحد. وكنت بالفعل غاضبة من هذا الموقف ولكن الآن الوضع اختلف بعد حصولي على توضيحات وتفسيرات من الحزب».

اختلف البعض في بلجيكا حول تسمية الحزب، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الخارجية، تقول إن اسمه هو الحزب الديمقراطي المسيحي، إلا أن عددا من أعضاء الحزب من أصول عربية يقولون إن هذا خطأ، لأن الترجمة الصحيحة لاسم الحزب هي «الوسط الديمقراطي الإنساني». ويقول طه عدنان الموظف في إدارة تسيير أمور حكومة المجموعة الفرانكفونية ببروكسل، إن الحزب الديمقراطي المسيحي قام في عام 2002 بتغيير اسمه إلى «الوسط الديمقراطي الإنساني» وخسر تبعا لذلك أصوات العديد من المسيحيين في المجتمع البلجيكي، ولكنه كسب في المقابل عددا من المهاجرين من أصول عربية وإسلامية. ولكن كيف تعرفت اهينور على الحياة السياسية ومتى انضمت إلى الحزب ومن أين جاءت الفكرة بالترشح في الانتخابات؟ ولماذا اختارت الحزب الذي تنتمي إليه؟.. تقول ماهينور «كنت أحلم في صغري أن أعمل محامية، ولكن ارتدائي للحجاب جعلني أعيد النظر في المستقبل وأنا في سن الرابعة عشرة، واتجهت إلى دراسة أخرى واخترت العلوم السياسية في جامعة بروكسل الحرة، وتخصصت في الموارد البشرية وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة». وتضيف «لم يكن قراري الابتعاد عن دراسة القانون لصعوبته على الإطلاق. أنا بطبعي لست سريعة اليأس، ولا أسلم الراية من أول هزيمة، وحتى لو أتممت تعليمي وأصبحت محامية كنت سأدخل عالم السياسة الذي تعرفت عليه جيدا في أوقات فراغي أثناء مرحلة الدراسة الجامعية، وذلك عن طريق الإنترنت». وتقول إنها قرأت برامج الأحزاب البلجيكية المختلفة، وأعجبها برنامج حزب الوسط الديمقراطي الذي يحرص على تقديم المساعدات الاجتماعية، ويحمل توجهات ديمقراطية ويدعو إلى الحفاظ على القيم الأسرية. وتضيف «يكفي أنه حزب وسطي لأنني أكره التشدد وبرنامج الحزب يحترم المعتقدات الدينية». التحقت ماهينور بالحزب في عام 2004 وكانت لا تزال طالبة. وفي العام التالي عرضوا عليها المشاركة في الانتخابات البلدية في قائمة الحزب وأصبحت عضوا في بلدية سخاربيك التي يقطنها عدد كبير من الأجانب من أصول عربية وإسلامية، وخاصة من المغاربة والأتراك. وحصلت على فرصة عمل داخل أحد المراكز التابعة للحزب والتي تهتم بالقضايا الاجتماعية. ثم اختارها الحزب لتكون أصغر مرشحة في قوائم الحزب ببروكسل ووضعها في المرتبة رقم 21، وهي مرتبة صعبة للحصول على مقعد. ولكن هذا الأمر تحقق بعد أن حصلت على الأصوات المطلوبة. وتشير ماهينور إلى الدور الذي قدمته عائلتها لها، وتقول «لقد ساعدوني كثيرا وأيدوا ترشيحي للانتخابات وقدموا الدعم اللازم ووفروا لي كل الفرص والإمكانيات للنجاح وهم سعداء جدا بذلك».

يقول عنها الإعلام البلجيكي إنها متحدثة لبقة جدا، وتتحول إلى نافورة من الكلام إذا كان الأمر يتعلق بالقضايا الاجتماعية وكيفية تنمية المجتمع. المهم أن الانتخابات مرت وجرى الإعلان عن الفائزين. واللحظة الحاسمة التي تنتظرها ماهينور، وهي تأدية اليمين الدستورية كأول برلمانية في بروكسل ترتدي الحجاب، رغم أن ذلك يتعارض مع القوانين البلجيكية.

وترى ماهينور أنها ستكون نائبا في برلمان بروكسل، ومعها عدد من النواب المسلمين تم اختيارهم من قبل أبناء الجاليات المسلمة التي تعيش في العاصمة، لخدمة قضاياهم. ومن بين هذه القضايا والمشاكل التي يعاني منها أبناء الجاليات المسلمة على سبيل المثال قضية منع الحجاب في بعض المدارس، وكذلك قضية منع الذبح في عيد الأضحى أو غيره من الأيام داخل البيوت. وهناك أيضا قضية المساعدات المادية اللازمة لبعض الجمعيات الإسلامية لمساعدتها على القيام بدورها الديني لخدمة أبناء الجاليات الإسلامية.

وقبل ماهينور، دخل العديد من النواب المسلمين البرلمان لخدمة قضايا مجتمعهم، وتقول النائبة فتيحة السعيدي، وهي مغربية الأصل وولدت في الجزائر من أبوين مغربيين، إن اهتماماتها داخل برلمان بروكسل تصب في الاهتمام بقضايا كل الأجناس دون تفريق وأن هدفها الأول هو خدمة المظلومين، خاصة الذين ليست لديهم أوراق إقامة، أو ليس لديهم عمل وكذلك مشاكل المدارس والتعليم ومشاكل الفقر وأشياء أخرى كثيرة. وتضيف «كانت لي مداخلات في البرلمان حول مشكلة الذبح بالنسبة لأبناء الجاليات الإسلامية سواء في أيام العيد بصفة خاصة أو في الأيام الأخرى، وتقدمت بسؤال أو استجواب حول هذا الموضوع داخل البرلمان. كذلك كان لي سؤال داخل البرلمان لوزير العمل البلجيكي حول العنصرية في سوق العمل البلجيكي، والاضطهاد الذي يتعرض له أبناء الجاليات الإسلامية والتفرقة في مجال إيجاد فرصة عمل أو نوعية العمل».

وتشير إلى أنها أعدت تقريرا حول هذا الموضوع وعرضته على البرلمان. وتقول إنها تعرضت أيضا لموضوع الحجاب داخل المدارس، ولكنها تضيف «إن هذا الموضوع ما زال حتى الآن قيد المداولات، والمناقشات فيه مستمرة حتى يومنا هذا». وفي النهاية تقول فتيحة «إن البلجيكيين الذين نعمل معهم لم يعيشوا أو يتعودوا على الظروف التي يعيش فيها أبناء الجاليات المسلمة في الخارج مثل الغربة، العنصرية، الهجرة، ولهذا فإن دورنا أن نوضح للآخرين طبيعة هذه المشاكل وذلك بعدة طرق مختلفة مثل الندوات والمحاضرات سواء داخل الحزب الذي أنتمي إليه أو داخل البرلمان أو في الجلسات وكذلك في المجلات والصحف الحزبية وغير الحزبية».

الضعيف محمد، هو من أوائل البرلمانيين المسلمين داخل برلمان بروكسل، بدأ عمله داخل البرلمان بعد انتخابات عام 1995، وهو مغربي الأصل، يقول «الإسلام ديانة معترف بها هنا في بلجيكا وله هيئة تمثيلية معترف بها من جانب الحكومة البلجيكية على الرغم من المعارضة الشديدة من جانب كل الأحزاب البلجيكية للاعتراف بهذه الهيئة أو بالإسلام كديانة، وأنا كمواطن مسلم أرى أنه لا بد أن يكون للهيئة التنفيذية للمسلمين الإمكانيات اللازمة حتى تعمل وتحقق الأهداف التي جاءت من أجلها ولا بد من توفير الأموال اللازمة للهيئة التنفيذية للمسلمين لكي تتوفر لها الإمكانيات ومن أجل ذلك كان دوري داخل الحزب الذي أنتمي إليه وهو الحزب الاشتراكي وكذلك داخل البرلمان، هو العمل على أن لا يكون هناك أي نوع من العنصرية في ما يتعلق بصرف الأموال للهيئات المختلفة وضمان وصول الدعم اللازم للهيئة لتحقيق أهدافها». وفي وسط مشاكل الجاليات الإسلامية العديدة، من الواضح أن أمام ماهينور الكثير من العمل. ولكن يظل السؤال كيف سيكون المخرج من مأزق قبول نائبة في البرلمان ترتدي الحجاب. فهل تضطر البرلمانية الشابة لخلع الحجاب أم سيتجاوز برلمان بروكسل هذا الأمر، ويسمح لها بأداء القسم، ويقوم بتغيير مادة في القانون؟

وفي كل الأحوال هناك مشاورات بين الأحزاب المختلفة حول هذا الصدد، والفترة القادمة سوف تحمل الإجابة عن تلك الأسئلة. وقد جرت الانتخابات البرلمانية الجهوية في بلجيكا لاختيار 89 نائبا في برلمان بروكسل و75 نائبا في البرلمان الوالوني و125 نائبا في البرلمان الفلاماني و25 نائبا في برلمان المنطقة الناطقة بالألمانية. وعرفت الانتخابات الأخيرة مشاركة 30 مرشحا من أصول تركية وكان عدد النواب السابقين من أصول تركية اثنين فقط.