حكومة لبنان.. تطبخ على نار «دولية»

متغيرات داخلية وخارجية قد ترفع العراقيل التي تواجه تشكيلها

الحريري محاطا بنواب من كتلته (إ.ب.أ)
TT

وضع سعد الحريري، رئيس الحكومة المكلف، الأولويات التي سيعتمدها لتنفيذ مهمته فور إصدار رئيس الجمهورية ميشال سليمان مرسوم التكليف. مد يده للشركاء في الوطن وأعلن أنه يريد حكومة بعيدة عن أي عرقلة أو شلل. حدد الأخطار المحدقة بلبنان في اللحظة السياسية الراهنة والتي تتمثل في التهديدات الإسرائيلية ورفض إسرائيل حق العودة للاجئين الفسطينيين، واعتبر أن الفرصة المفتوحة أمام لبنان أكبر من الأخطار التي تتهدده. وأشار إلى استعداده فتح طريق الاستقرار وإعادة الاعتبار إلى الدولة والنظام الديمقراطي وتجديد الثقة باتفاق الطائف. ولفت إلى أن «الطريق إلى هدفنا لن يكون سهلا، والعراقيل والمطبات ستكون أكثر من الظاهر. ونتكل على الجميع على أمل أن نبلغ في نهاية المطاف الهدف المنشود». وحذر من أن «القضية الآن تتعلق بالمصير الوطني وليس بتوزيع الحقائب وبما ينتظر لبنان وحمايته من العواصف الخارجية وإعادة تحريك الاقتصاد». هذه هي عدة العمل المعلنة لرئيس الحكومة المكلف، وبها يخوض معركته للوصول إلى بر الأمان، متسلحا بالكتمان، بحيث يصعب الحصول على معلومات عن الخطوات التي تلت المشاورات مع الكتل النيابية. أما ما ليس معلنا، فيمكن قراءته في التطورات التي أسفرت عن تسارع أحداث ليس آخرها التقارب الحاصل بين المملكة العربية السعودية وسورية، والإعلان عن عودة السفير الأميركي إلى دمشق، التي استعادت الوفد الأوروبي. ولا تزال «النِعم» تنهمر عليها مع كل استحقاق لبناني لا تتعسر ولادته. مقابل «النِعم» يحكى عن ضمانات قد يكون حصل عليها الحريري ليسير في درب التكليف والتأليف. هذه الضمانات طبخت على نار إقليمية ودولية هادئة، كما يصفها المقربون من مجريات الأحداث، وهي عبارة عن «دفتر شروط جديد لا يزال البحث في بنوده جاريا». ويقول هؤلاء إنه «ليس صحيحا أن سورية لا تخضع للشروط أو لا تتدخل في الشؤون اللبنانية، لذا طالبها الحريري، عبر ناقلي الرسائل، بالجدية في المباشرة بترسيم الحدود في مزارع شبعا لتسهيل العملية الدبلوماسية الساعية إلى تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي وتفعيلها، إضافة إلى ترسيم الحدود الشمالية والشرقية، والضغط على الفصائل الفلسطينية الملتحقة بها والمنتشرة عسكريا خارج المخيمات لنزع سلاحها وإعادة النظر في الاتفاقات التي أبرمت في زمن الوصاية والمجلس الأعلى السوري اللبناني». وثمة تقارير تشير إلى احتمال حصول لقاء قريب بين الحريري والرئيس السوري بشار الأسد. إلا أن النائب في تكتل «لبنان أولا» أحمد فتفت يعتبر أن هذا الطرح «ليس منطقيا أو واقعيا». ويقول «لن تحصل هذه الزيارة في المدى القريب جدا. ذهاب الحريري إلى سورية لا يزال مبكرا، وهناك تسرع في طرحه بهذا الشكل. لا يعقل أن يذهب إلى دمشق قبل تشكيله الحكومة ونيله ثقة مجلس النواب. لا مصلحة له بذلك. لكنه سيذهب عندما يصبح رئيسا للحكومة وليس رئيسا مكلفا، لأنه حينها سيتحمل مسؤوليات البلاد. وبالتأكيد سيغلب المصلحة العليا على أي شأن خاص». هل يعني ذلك أن طريق التأليف ممهد أمام سعد الحريري؟.. يقول مصدر من قوى «14 آذار» «لن يمهد الطريق أمام الرئيس المكلف ما لم تعترف المعارضة بأنها خسرت في الانتخابات. وأن الوضع لم يعد كما كان عليه قبل إجرائها. وأي تسوية مطلوبة يجب أن تأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة، إضافة إلى أن الضمانات التي تطلبها الأقلية لا يمكن أن تكون من خارج الدستور. وبالتالي المسألة ليست مسألة حصص وحقائب وزارية. لأن المطلوب تفاهم جذري وراسخ بين الأطراف المشاركة في الحكومة بما يضمن عدم التعطيل والعرقلة كلما أرادت هذه الأقلية».

أما في الموضوع السوري فيقول المصدر: «ترتيب العلاقات بين سورية ولبنان مطلوب، ليس على الصعيد اللبناني فحسب، إنما على الصعيد العربي. والأهم عدم القبول بعودة سورية إلى ترتيب البيت اللبناني من خلال الناطقين باسمها». الناشط السياسي المخضرم الذي رافق مسيرة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري المحامي فؤاد شبقلو يقول «مهمة الحريري ليست سهلة. فهو يعرف أن انتقاله من قطاع الأعمال إلى قطاع السياسة اللبنانية يعني العمل وسط رمال متحركة ومستنقع وحْل. لكن الملاحظة الأولى لتكليفه برزت من خلال طرحه أهداف المرحلة المقبلة، وتركيب الحكومة على أساس هذه الأهداف. فهو القائل بأن لبنان يمر بلحظة سياسية حرجة وعلينا أن نستعد لمواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، وعدم السماح للإسرائيليين بسلب الفلسطينيين حق العودة ومواجهة التوطين ومعالجة الاقتصاد المأزوم».

وعن المقارنة بين مرحلتي تولي الرئيس الراحل رفيق الحريري رئاسة الوزارة للمرة الأولى وتولي الحريري الابن هذه المسؤولية، يقول فتفت «في تصوري الحكومة الأولى لرفيق الحريري لم تشهد صعوبات تذكر. إلا أن الصعوبات بدأت في الحكومات اللاحقة. أما اليوم فالصعوبات مختلفة ولها طابع داخلي من أجل تحقيق التوافق مع جميع الأطراف اللبنانيين».

ويقارن شبقلو بين الظروف الحالية التي أوصلت سعد الحريري إلى رئاسة الوزارة والظروف التي عاشها والده الراحل فيقول «الحريري الأب لم يكن مسموحا له بتشكيل الحكومات. كانت لديه ودائع سورية تُفرض عليه. ففي زمن الإدارة السورية للبنان كانت الاستشارات الملزمة شكلية لتبادل الرأي مع الكتل النيابية فحسب. أما تعيين الوزراء فكان يأتي من الباب العالي. الحريري الأب لم يكن يناقش السوريين. كان يلبي الطلبات ليمرر مشاريع العمران التي يحلم بها لبلده للنهوض به من الدمار. الآن سعد الحريري أقوى لسببين: الأول أن والده ذهب ضحية العنف المنسوب إلى الزمن السوري. وجميع اللبنانيين، بمن فيهم من يتظاهر برمي تهمة جريمة الاغتيال على إسرائيل أو بعض الجماعات المتطرفة، يعرفون أن الجريمة حصلت في الزمن السوري. وللأمر دلالاته التي تصب في الالتفاف حول الحريري الابن الذي أصبح زعيما». ويكمل أن «السبب الثاني هو في التطور الذي بدأ يظهر في الأداء السياسي لسعد الحريري، الذي حدد وجهة المرحلة وسار باتجاه أهدافه، سواء خلال الانتخابات أو بعد التكليف. فكلنا لاحظنا أن استشارات سعد لتأليف الحكومة تختلف عن استشارات والده. هو يقوم بمحاورة حلفائه، وأيضا خصومه السياسيين، ويحاول أن يوحد الرؤية حول حكومة تأخذ طابع التمثيل المتوازن من الندوة البرلمانية وربما من خارجها. ويعاونه خبراء من المستشارين الذين رافقوا والده، والبارعين في تحديد حجم التمثيل الطوائفي والمناطقي والاجتماعي والاقتصادي. مما يدل على أن النتيجة ستكون تركيبة معقولة تنعكس ثقة ليس في المجلس النيابي فحسب وإنما أيضا لدى المواطنين، لتكون الانطلاقة ترجمة لتراكمات تختمر في ذهن الحريري ليعوض لوالده ما لم يستطع القيام به، لا سيما لجهة تعزيز النمو وتخفيض المديونية والمباشرة بخطط للإنماء المتوازن، الأمر الذي كان ممنوعا على الحريري الأب لأغراض تتعلق بالوصاية السورية التي كانت تحول دون أي وصول للراحل إلى أبعد من حدود بيروت. اليوم ما يحصل يشير إلى أن الحريري الابن قد يستطيع أن ينفذ ما مُنع والده من تنفيذه».

ويرى شبقلو أن تحديد الرئيس المكلف لأهدافه يتطلب تكليفا مختلفا عما كانت الحال عليه سابقا، سواء لجهة التوزير أو الحقائب. فتحديات هذه الحكومة لها معاييرها التي لا تشبه حكومة وظيفتها تنحصر في الإدارة أو السياحة أو أي من التحديات العادية. وطريقة تحديده لهذه الأهداف تقطع الطريق على جميع الكتل التي تتزاحم من أجل حقائب سيادية أو خدماتية. يقول للجميع، لخصومه كما لحلفائه: اليوم يجب أن نضحي ببعض المنافع الخاصة والشخصية والحزبية لقاء قضايا تهم كل لبنان وكل اللبنانيين. علينا تخفيض المديونية وتأمين مساعدات للبنان ومواجهة إسرائيل وعدوانها ومشاريعها. والأهم علينا أن نوفر معادلة خاصة بين شرعية السلاح والسلاح غير الشرعي. وقد عبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد عن هذه المعادلة بنظرية التناغم مع «14 آذار». هذا الطرح يقود إلى الضمانات الأخرى المتعلقة بالتأليف والتي تتمحور حول رفض الحريري تشكيل حكومة بالثلث المعطل. وفي هذا الإطار يتم تسويق اقتراح يقضي بتخصيص رئيس الجمهورية بمقاعد وزارية تحسب له داخل الحكومة، بحيث تكون هذه المقاعد هي الكفة المرجحة عند أي خلاف بين الأكثرية والمعارضة، إذا وافقت هذه على المشاركة في الحكومة حسب صيغة (15 وزيرا للأكثرية و10 وزراء للأقلية وخمسة وزراء لرئيس الجمهورية). ومع أن الهدف من هذا الطرح هو الالتفاف على مأزق الثلث المعطل، إلا أن المعارضة لا تزال تصر عليه، كما يؤكد قادتها في تصريحاتهم، وآخرها المديح الذي خص به نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الحكومة المستقيلة واعتبرها تجربة ناجحة. كما أكد أن «الانتخابات النيابية أفرزت توازنا سياسيا دقيقا بين الغالبية والأقلية النيابية إلى درجة لا تستطيع معها أي من الفئتين أن تتجاوز الفئة الأخرى في موضوع الشراكة والتعاون والوفاق لمصلحة لبنان، وهذا التوازن هو استمرار للتوازن الذي كان قبل الانتخابات النيابية وفي ظروف سياسية مشابهة محليا وإقليميا ودوليا». واعتبر «أن الفرصة سانحة ومتاحة لتوافق فاعل في حكومة وحدة وطنية، وأن السيطرة هي للعنوان الوفاقي». بالتالي لا يزال الثلث المعطل مطلبا لقوى «8 آذار»، ولإرغام الحريري على القبول به، بدأ التلويح بالعزوف عن المشاركة في الحكومة إذا لم يتحقق. الأمر الذي إذا حصل سوف يؤدي إلى المواجهة مع كل ما يمكن أن تسفر عنه من عراقيل أمنية على الأرجح بحجة الإخلال بالتوازن الطائفي والافتقار إلى الميثاقية في التشكيلة الحكومية. وفي هذا الإطار، يقول النائب أحمد فتفت «الضمانات التي تلقاها الحريري هي إقليمية، لذا وافق على التكليف». وأكد أن «منح قوى 8 آذار الثلث المعطل غير وارد. فهناك معطيات إقليمية لا تسمح بذلك. منها الأحداث في إيران وواقع العلاقات السورية مع الأميركيين والأوروبيين والسعوديين. كذلك هناك الانتخابات النيابية وما أفرزته. وبالتالي ليس لدى فريق 8 آذار مكامن قوة، لا سيما أن هذا الفريق وضع في المعركة الانتخابية محصلته ورصيده».

النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» سيمون أبي رميا يرجح «حصول الحريري على ضماناته خلال الجولة التي قام بها قبل التكليف وكانت شكلا من أشكال المفاوضات فأعطته الضوء الأخضر وتحددت الأمور». ويقول «نحن في تكتلنا نأسف لأن يتدخل أي طرف عربي أو إقليمي أو دولي في قضايا داخلية لبنانية، ونشدد على عدم بقاء لبنان ساحة للصراعات الإقليمية». لكن النائب عن «القوات اللبنانية» أنطوان زهرا له قراءة مختلفة، إذ يقول «أنا متفائل بأن الحكومة ستتشكل خلال عشرة أيام أو أسبوعين على أبعد تقدير، وذلك انطلاقا من أن سعد الحريري لم يكن ليقبل بالتكليف إن لم يكن قد حصل على ضمانات أو سمع تطمينات عربية بعدم العرقلة. وإذا أراد فريق 8 آذار أن يعرقل، حينها لكل مقام مقال».

ويؤكد زهرا أن «الرسائل الأمنية التي يسعى البعض إلى إمرارها لا يمكن أن تخيف فريق الأغلبية وتدفعه إلى تقديم التنازلات. لأن هذا الفريق حصل على أغلبيته انطلاقا من رفضه هذه الرسائل وما اقترنت به من تهديد للسلم الأهلي خلال السنوات الأربع الماضية». وفي حين يشير بعض المراقبين إلى أن الضمانات المسبقة وُضعت على مستوى واحد، فالحريري تعهد بسحب التداول بملف سلاح «حزب الله» وحصر النقاش فيه بطاولة الحوار مقابل عدم مطالبة الأقلية النيابية بالثلث المعطل، يعتبر مراقبون آخرون أن قوى «8 آذار» توزع الأدوار فيما بينها لتحفظ «خط الرجعة» على الطريقة اللبنانية. هذا ما تبين من خلال عدم تسمية «حزب الله» وتكتل عون للحريري رئيسا للحكومة، في حين حرص بري على تسميته مع النائبين الأرمنيين في حزب «الطاشناق». فالمسألة لا تتجاوز رفع السقف لتحسين الشروط مقابل الضمانات التي لن يكون سهلا الإخلال بها. إلا أن فؤاد شبقلو يذهب أبعد من السجال الضيق فيقول «العقبات التي تواجه سعد الحريري قابلة للتذليل لأسباب عدة، ربما أهمها أن التشنج الذي يعاني منه اللبنانيون يصب في مصلحته، فهم تعبوا من الاشتباكات الميدانية والكلامية والخلافات المعلنة. هم يحتاجون فترة هدوء ونقاهة سياسية على الأقل حتى نهاية الصيف ليتمكنوا من لملمة حطام أنفسهم. لكن هذا لا يعني أن الصراع في لبنان انتهى. هناك نار تحت الرماد. وهناك تكاذب متبادل بين قوى 8 و14 آذار. فقد بدأنا نسمع لغة جديدة، وكان هناك حرص على إعادة التركيب اللغوي للقاموس السياسي».

ويعتبر شبقلو أن «الفريق اللبناني المحسوب على سورية مرتبك في المرحلة الراهنة، لا سيما بعد أن تحولت جبهة الصمود والتصدي إلى قوى الممانعة التي تزايد في الثورية اللفظية والعداء لإسرائيل وتتعاون مع الدول المطبعة مع إسرائيل، ومنها تركيا وقطر، وتخوض مفاوضات غير مباشرة للوصول إلى مفاوضات مباشرة، وتطلب ود الأميركيين، وبالتالي تقدم التنازلات لتسهيل الأمور في لبنان، حتى عندما تدّعي أن الآخرين هم من يقدمون لها التنازلات». ولكن زهرا يرى أنه «لا مشكلة في التوزير لدى الفريق الشيعي، ولن يعترض أحد على الأسماء التي يمكن أن يطرحها». ويقول «إذا أصر رئيس كتلة التغيير والإصلاح النائب ميشال عون على النسبية في حصصه، حينها يأخذ ما يشاء من حصة المعارضة ككل، في حين سيحصل مسيحيو «14 آذار» على حصة تناسب حجم تمثيلهم في شارعهم والذي يتجاوز 50% من هذا الشارع». إلا أن أبي رميا يقول «نحن طالبنا بسبع وزارات إذا كانت الحكومة مؤلفة من ثلاثين وزيرا، لأننا نريد أن نتمثل بحجمنا من خلال المشاركة الفاعلة في حكومة وحدة وطنية. فالمنطق يقضي بأن يأتي حجم التمثيل الوزاري مناسبا للتمثيل النيابي الذي أعطى المعارضة 45% من المقاعد. وفي المرحلة الأولى نحدد عدد الوزراء، ومن ثم نحدد الحقائب التي يفترض أن نحصل عليها. بعد ذلك يعطى رئيس الجمهورية حصته من المعارضة والموالاة».

وفي حين يرفض أبي رميا أن يسمى الثلث الضامن معطلا، يشير إلى أن «الحكومة السابقة كانت مثمرة بشهادة رئيسها فؤاد السنيورة». ويسأل: «أين حصل التعطيل؟»، ليستطرد «لم نعطل أي أمر إيجابي للبنان. والأكثرية لم تخبرنا بسلبيات حصولنا على الثلث الضامن». ويوضح أن «أطراف المعارضة متفقون على أولويات هي المشاركة والوحدة والوطنية. وهناك تماسك في الموقف حيال هذه الأولويات. لكن في العمل الوزاري اليومي لن تكون الأمور مشابهة، إذ لا شيء يمنع من اتفاق وزراء التكتل مع وزراء تيار المستقبل أو القوات اللبنانية، ويختلفون مع وزراء حركة أمل أو حزب الله».

وعن أجواء اللقاء مع الرئيس المكلف قال «الأجواء كانت إيجابية جدا. لكن في لبنان تعودنا على مقولة: اسمع تفرح. جرب تحزن». إلا أن زهرا يرتد على هذا الطرح فيقول «أعتقد أن مطالب فريق الأقلية هي من باب رفع السقف لتحسين الشروط، وليس من أجل التعطيل، وإلا ما معنى الاتصالات العربية التي تتم والتي لا تهدف إلى أكثر من التسهيل لتشكيل الحكومة». ويضيف «أي تمسك بالثلث المعطل من قبل الأقلية هو عدم اعتراف بنتائج الانتخابات النيابية وهو رفض للديمقراطية».

وعن موقف الأكثرية إذا أصرت الأقلية النيابية على الثلث المعطل يوضح «عندها نتصرف فنشكل حكومة من دونهم. وهذا حقنا الديمقراطي. صحيح أننا اعتمدنا سياسة مد اليد والانفتاح، لكن ذلك لا يعني أن الأكثرية النيابية ستخضع لشروط الأقلية. فقد منحنا الشعب اللبناني تفويضا لنحقق له العبور إلى الدولة وليس الخضوع للشروط التعجيزية».

أبي رميا لا يعتبر المطالبة بحصة نسبية وفق ما يراه تكتله شرطا تعجيزيا يخل بالديمقراطية. يقول «هدفنا أن تكون مشاركتنا حقيقية في القرار السياسي، وتحديدا القرارات المصيرية التي تستوجب موافقة ثلثي أعضاء الحكومة، كالسلم والحرب وتعديل الدستور وتعيين موظفي الفئة الأولى والمعاهدات الدولية وما إلى ذلك. وبالتالي فإن حصول المعارضة على عشرة وزراء، أي أقل من الثلث الضامن، لن يمكنها من المشاركة المطلوبة وطنيا». وقال «لا أرى حكومة من دون مشاركة المعارضة. لا يستطيع أي فريق أن يلغي الآخر في لبنان أو يهمشه أو يتخطاه. لبنان له فرادة ديمقراطية من خلال تعدديته». لكن ترجمة هذه الديمقراطية التعددية ليست سوى لعبة طوائف. يجيب أبي رميا «صحيح، وهي لا تمثل طموحنا لكننا لا نستطيع أن نتخطاها. لم نصل بعد إلى هذه المرحلة. فنحن عالقون في تسويات لا تمثل طموحنا. هذا هو الأمر الواقع، ويجب أن تتم المشاركة في إطاره». ويشير إلى أن «عدم الأخذ بإرادة المعارضة سيؤدي إلى مقاطعتها الحكومة وعدم منحها إياها الثقة في مجلس النواب»، ليضيف «الحريري قال الكثير قبل الانتخابات في إطار حملته الانتخابية. وبعد الانتخابات قال كلاما مغايرا لطرحه السابق. وهذا التناقض يدفعنا إلى طرح الأسئلة لنفهم سبب التغيير ونطلع على مواقفه ونتعامل معها». من جهته يؤكد فتفت أن «لا عودة إلى الظروف الماضية. لن تتمكن الأقلية من شل البلاد أو توتير الأمن بالشكل الكبير الذي حصل في السابق. لكن الحريري سيعيش الظروف التي ستفرزها الاستحقاقات المقبلة وهي ليست سهلة. كما أنها تشبه إلى حد ما الظروف والضغوط التي عاشها والده الراحل خلال توليه رئاسة الحكومة. مع الفرق أن الحريري الابن جاء إلى رئاسة مجلس الوزراء بغطاء شعبي لبناني خاص به، وبقرار من الناخبين. وهذه نقطة قوة لانطلاقة جديدة، إلا أنها أيضا نقطة تدفع الفريق الآخر إلى مزيد من الضغط عليه». ويرى أن قدرة سعد الحريري ستظهر من خلال تشكيله الحكومة وتوليه رئاستها بعد ذلك. ويقول «الحريري أدار الانتخابات بحكمة وبراعة وحقق مكاسب لفريقه وحلفائه. وهو صلب بما فيه الكفاية. إلا أن ذلك لا يعني حصوله على التسهيلات حاليا. وبالتالي لا حكومة فترة قد تمتد إلى أربعة أسابيع».