فرح بانديث.. همزة الوصل

المبعوثة الأميركية للعالم الإسلامي كشميرية ومسلمة تعتبر الحرب بين الولايات المتحدة والإسلام «خرافة»

TT

بالكاد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية تعيين فرح بانديث، مندوبة خاصة للولايات المتحدة إلى مسلمي العالم، حتى بدأت الاحتفالات في كشمير، موطن بانديث الأم. غمرت السعادة عشيرة فرح، وتحول المنزل الذي كانت تسكنه مع والديها قبل هجرتهم إلى الولايات المتحدة، إلى مزار للكثيرين مع توافد أقاربها للاحتفال بنجاحها. قالت ماهين بانديث، ابنة عم فرح، بفخر واعتزاز: «فرح أول امرأة كشميرية تبلغ مثل هذا المستوى من النجاح». وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «نحن جميعا سعداء للغاية. إننا حقا فخورون بأن لنا شقيقة مثلها». ووصفت فرح بأنها قائدة بفطرتها، معربة عن سعادة العشيرة بأكملها بما حققته من إنجاز. وروت كيف أن فرح أقامت في منزل أسرتها في سوبور، خلال الزيارتين اللتين قامت بهما للهند عامي 1984 و1993. وعبرت جامشيدا نصار، ابنة عم أخرى، عن فخر العشيرة بما حققته ابنتهم، وقالت: «ليس نحن فقط، بل كشمير بأكملها فخورة بابنتها». أما عبد البر رشيد بانديث، العم الوحيد لفرح الباقي على قيد الحياة، والمقيم في سوبور، فقال إن فرح أنجزت ما تستحق، ووصفها بالطالبة النابغة والخطيبة البليغة. واستطرد قائلا: «آخر لقاء بيننا كان عام 1995 في الولايات المتحدة، عندما كانت تقوم بدراساتها العليا في جامعة بوسطن».

وأضاف: «التحقت فرح بأكاديمية ميلتون، حيث ساعدتها مشاركتها في رئاسة الفصل الدراسي، في تعزيز مهاراتها القيادية. بالنسبة لفرح، لم يكن ميلها للقيادة والعمل بدافع لكسب مكانة كبيرة أو إرضاء الغرور قط». وقال إنها كانت دوما على اتصال بالجميع بمختلف مراتبهم، مشيرا إلى تميزها بقلب مفعم بالطيبة والكرم. جاء تعيين بانديث، كمندوبة للتواصل مع العالم الإسلامي، ضمن جهود الإدارة الأميركية لتحسين العلاقات مع المسلمين في العالم، الذين يتجاوز عددهم 1.5 مليار نسمة بشتى بقاع الأرض. ومن المقرر أن تضطلع فرح، التي ولدت بالقطاع الهندي من إقليم كشمير، بتقديم المشورة إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فيما يخص التعامل مع المجتمعات المسلمة بمختلف أنحاء العالم، في إطار مساعي إدارة أوباما لتحسين العلاقات مع العالم المسلم. ولدت فرح لأبوين طبيبين من أبناء كشمير، هما دكتور أنور أحمد بانديث، ودكتور محبوبة. وفي طفولتها، هاجرت مع والديها من القطاع الهندي من كشمير إلى الولايات المتحدة، تحديدا عام 1969. تنتمي جذورها إلى مدينة سوبور، الواقعة بشمال منطقة بارامولا الكشميرية. وتشتهر المدينة بوجود الكثير من القيادات المتمردة البارزة بها. ورغم أن لها منزلا في بوسطن بالولايات المتحدة، حيث تسكن مع والدتها الطبيبة وشقيقها المهندس، تعيش فرح فعليا في الوقت الراهن في واشنطن منذ تقلدها منصب في إدارة بوش السابقة. وقد تقاعدت والدتها عن العمل كمديرة للشؤون الطبية في مستشفى مساتشوسيتس لأمراض الصدر، بينما يعمل شقيقها، عادل بانديث، مهندسا. عندما أعلنت كلينتون عن تعيينها، قالت: «يسعدني تعيين فرح بانديث، فهي تضيف سنوات من الخبرة إلى هذه الوظيفة». وأضافت أن فرح ستضطلع بـ«دور رائد» في الجهود الأميركية الرامية للتعاون مع المسلمين بمختلف أنحاء العالم. الخبرة التي تحدثت عنها كلينتون، اكتسبتها فرح خلال عهد الرئيس السابق جورج بوش. فهي سبق وأن تقلدت المنصب نفسه منذ ما يزيد على عامين، حيث عملت مستشارة للتعاون مع المسلمين في ما يخص الشؤون الأوروبية والأوروآسيوية. وعملت بصورة رئيسية مع المجتمعات المسلمة في أوروبا، في ما بات يعرف باسم حرب الأفكار، في إشارة إلى جهود التصدي للأيديولوجيات العنيفة، التي أسهمت في صعود تنظيم القاعدة، ووقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وخلال عملها، زارت فرح أكثر من 40 مدينة في عشرات الدول الأوروبية، لعقد لقاءات مع قيادات الجاليات المسلمة ومسؤولين حكوميين وغيرهم. وعملت في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حيث اعتنت بمشروعات المساعدات في العراق وأفغانستان والمناطق الفلسطينية. واختيار فرح لتولي منصب التواصل مع المسلمين يحمل دلالات كبيرة، ذلك أنه غالبا ما كان ممثلو الإسلام رجالا ملتحين. ومن المنتظر أن تعمل فرح بمثابة الوجه الأميركي المسلم للعالم المسلم بصورة عامة، وأن تبذل جهودا دؤوبة لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين، ومحاربة الصور السلبية عن بلادها في الخارج. وقد جاء تعيين فرح بعد ثلاثة أسابيع من الخطاب التاريخي، الذي وجهه الرئيس باراك أوباما من القاهرة إلى المسلمين، وتعهد خلاله بالسعي لانتهاج «سبيل جديد» في التعامل مع العالم المسلم، «يقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل»، بعد ثماني سنوات من العلاقات المتوترة بين الجانبين في ظل رئاسة بوش. وفي إطار هذه الجهود الجديدة، تحتل فرح مكانة محورية، حيث تعني بكتابة الخطابات ورسائل البريد الإلكتروني. على الصعيد الشخصي، تنتمي فرح إلى أسرة عريقة، واشتهر جدها بكونه رجل أعمال بارز في منطقة وادي كشمير. ورغم أنها ترعرعت في ميلتون وبرينتري، تبقى رابطة قوية قائمة بين فرح وكشمير، وهو إقليم يضم 12 مليون نسمة، ويقع بين الهند وباكستان. ويتجاوز عدد أبناء عمومة فرح المباشرين 40 فردا، إضافة إلى مئات الأقارب الذين ما زالوا يعيشون في كشمير، الذين تحرص على الاتصال ببعضهم بصورة منتظمة. ورغم رغبة أسرتها في أن تمتهن الطب، راودت فرح الرغبة دوما في سلك نهج مختلف، بدلا من السير على خطى والديها. ومع أنها بعيدة تماما عن حركة التمرد، التي تعصف بكشمير، فإن هذه الأمر لم تغب قط عن ذهنها. فأسرتها كانت من بين ضحايا الصراع الدائر في الإقليم. وقد اغتيل أحد أبناء عمومتها على يد جماعة إرهابية كشميرية عام 1993، ولقي آخر مصرعه في حادث إطلاق نار من جانب الشرطة الهندية. وشكل مقتل أقاربها دفعة لها للتركيز على قضايا الأمن الدولي وتسوية الصراعات. تخرجت فرح من «سميث كوليدج» العريقة وتولت وظيفتها الجديدة حاملة معها سيرة ذاتية تتضمن خبرات واسعة، مثل عملها مديرة للمبادرات الإقليمية شرق ـ الأوسطية لدى مجلس الأمن القومي، ورئيسة فريق العمل بمكتب شؤون آسيا والشرق الأدنى داخل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ونائبة رئيس الأعمال التجارية الدولية بشركة «إم إل ستراتيجيز» في بوسطن، (وتتبع شركة «منتز ليفين» للمحاماة)، حيث تولت تقديم المشورة إلى العملاء الذين يجابهون مشكلات في أيرلندا والمكسيك وكندا. كما تطوعت للعمل في «مجلس الشؤون الدولية» في بوسطن، حيث سافرت إلى الكثير من دول العالم ونظمت منتديات في بوسطن. إلى جانب ذلك، تكتب فرح قصص أطفال تدور حول كشمير.

خلال زيارة باربرا بوش لسميث كوليدج لتلقي درجة شرفية، قضت يوما بأكمله في الحديث إلى فرح. وفي اليوم التالي، طلب مساعدوها الحصول على نسخة من الخطاب. وفي وقت لاحق من العام نفسه، دعت السيدة بوش فرح إلى البيت الأبيض، وعينتها سكرتيرة. ولاحقا، عينها الرئيس بوش مندوبة لأفغانستان وفلسطين والدول المسلمة الأخرى. وبعد تسلمها مهامها اليوم، قال ميان مشتاق، خال فرح، إنه تحدث إليها منذ أيام قلائل، وأضاف: «أتمنى أن أحضر مراسم إدلائها القسم في الولايات المتحدة». ونوه بأن فرح تعشق التفاح الكشميري وثمر الببايا، لذا ينوي جلب بعض التفاح المزروع في حدائق أسرتها إليها. واستطرد يقول: «تلك حقا لحظة نفخر بها جميعا في العائلة والمسلمين بوجه عام في شتى أنحاء العالم. لقد عملت بالفعل بمجال شؤون المسلمين. ويعد ترقيها إنجازا كبيرا بالفعل». ويروي البعض أن هيلاري كلينتون منبهرة للغاية بموهبة فرح، ولذلك سارعت إلى تعيينها مندوبة خاصة للتواصل مع المسلمين. على الصعيد الشخصي، قال مشتاق، خال فرح إنها «لم تتزوج بعد، وهي مواظبة على أداء الصلاة، رغم جدول عملها المزدحم داخل وزارة الخارجية، وهي مسلمة تقية للغاية». وأضاف: «غالبا ما أحثها على الزواج لأنه سنة، لكنها لا تجادلني قط. أعتقد أن ثمة تطورات معينة تؤثر على قرارها بالامتناع عن الزواج حتى اليوم».

ويعتقد أفراد عائلتها أنها ستتحدث نيابة عن كشمير والعالم المسلم. وأعرب خالها مشتاق عن اعتقاده بأن «كل كلمة تتفوه بها ستكون محسوبة، لأنها تمثل وزارة الخارجية الأميركية. ولكونها من أبناء كشمير، ستسعى فرح بالتأكيد للحصول على مساعدة إدارة أوباما لأبناء الوادي المبتلين بالكوارث». وقال: «إنها جريئة وقادرة على التحدث عن كشمير، وبالطبع عن المشكلات التي يعانيها مسلمو العالم. وبالتأكيد هي تعلم أفضل مني ما يمكنها فعله لصالح كشمير والكشميريين. في آخر زيارة لها لكشمير، كانت حركة التمرد في ذروتها. وأبدت قلقها حيال تردي الأوضاع. إنها ستضطلع بالدور المخول إليها بإخلاص وأمانة». وقال رئيس تجمع «جميع الأحزاب للحرية»، ميرويز عمر، وهي جماعة انفصالية، بأن فرح مخلصة لعملها وعاقدة العزم على الاضطلاع بدورها بأمانة كاملة. وأضاف: «إنه أمر جيد أن تصل كشميرية إلى هذا المنصب. في ظل الأوضاع الراهنة حيث يجابه العالم المسلم، سواء في إيران أو باكستان أو كشمير أو فلسطين مشكلات سياسية، من الضروري تذكر أن الدين يلعب دورا جوهريا في هذا الأمر». وكان ميرويز التقى فرح خلال زياراته للولايات المتحدة.

ولم يتضح بعد ما إذا كان تعيينها سيثمر مشاركة أكبر من قبل إدارة أوباما في جهود تسوية أزمة كشمير، لكن حدث تعيينها في حد ذاته يحمل معنى كبيرا بالنسبة لكشمير، خاصة عائلتها. وبالنظر إلى العمل الذي قامت به فرح حتى الآن، يبدو أنها تمثل اختيارا جيدا لرسم صورة ودية لواشنطن في أعين المسلمين، ذلك أنها غالبا ما تشير إلى تجربتها كأميركية مسلمة تنتمي لأصول هندية، كي تثبت أن المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة باستطاعتهم الاندماج بنجاح في المجتمع الأميركي. حتى في عملها أو في الشارع، تعمد فرح دوما إلى تعريف الناس بما يعنيه أن يكون المرء مسلما.

خلال مؤتمر في روما عام 2007، قالت فرح: «تجربة المسلمين في أميركا تثبت أن المسلمين الموجودين هناك أميركيون ديمقراطيون تماما. علاوة على أهمية التعليم، تعلمت أيضا تحقيق توازن بين الاعتزاز بموروثي الثقافي والالتزام العميق بالقيم الأميركية». تحولت فرح إلى السياسات الخارجية الأميركية، مؤكدة أن فكرة وجود حرب بين أميركا والإسلام لا تعدو كونها «خرافة». وأشارت إلى أنه خلال صراعين دائرين حاليا داخل دولتين تنتمي غالبية سكانهما إلى المسلمين، وتشارك بهما الولايات المتحدة ـ أفغانستان والعراق ـ تدعم واشنطن «الديمقراطيات الناشئة»، بعد مساعدتها في الإطاحة بنظام «طالبان»، الذي وصفته بأنه «نظام ظلامي استهدف وحظر الثقافة الأفغانية القائمة طيلة قرون»، وكذلك بصدام حسين، «أحد أسوأ الطغاة الذين استبدوا في حكمهم للمسلمين». إضافة إلى ذلك، أوضحت أن الولايات المتحدة قدمت مليارات الدولارات كمساعدات إنسانية واقتصادية لمجتمعات مسلمة، بشتى أنحاء العالم، مستشهدة بإندونيسيا في أعقاب تسونامي، الذي ضربها في ديسمبر (كانون الأول) 2004، وباكستان في أعقاب زلزال أكتوبر (تشرين الأول) 2005 وإعادة إعمار لبنان بعد الحرب التي اندلعت خلال يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 2006 بينها وبين إسرائيل. وقالت أيضا: «أنا لا أرسم صورة مثالية لأميركا. لكننا نحرز تقدما نحو الأمام. ولا نملي على الدول الأوروبية كيفية التعامل مع الأمر. لقد بدأت هذه الدول في إدراك فكرة تحقيق توازن بين الهويات، ومن المفيد لهم استغلال تجربة مسلمة غربية أخرى». وفي خطاب آخر لها بعنوان: «المجتمعات المسلمة في أوروبا: الفوز في المعركة ضد الراديكالية ـ رؤية أميركية»، الذي أدلت به أمام «جمعية هنري جاكسون» بمقر مجلس العموم في 4 ديسمبر (كانون الأول) 2007، قالت فرح: «اليوم، يستهدف المتطرفون الإسلاميون ممن ينتهجون العنف العناصر الضعيفة والساخطة والهشة داخل المجتمعات المهاجرة في أوروبا. وتشجع الكثير من المنظمات المسلمة هنا أعضاءها على الدراسة وممارسة الرياضة والدخول في علاقات اجتماعية فقط مع أبناء ديانتهم». واعترفت فرح بأن هذا الأمر لا يقتصر على أوروبا.

واستطردت موضحة بأن: «هناك حاجة لتوجيه عين ناقدة إلى هؤلاء المهاجرين، الذين لم يبذلوا سوى جهود ضئيلة أو لم يبذلوا أي جهود مطلقا للإسهام في مجتمعاتهم، الذين بغض النظر عن السبب رفضوا الاندماج مع المجتمع المضيف». وفي حديث لها عبر شبكة الإنترنت، وفي معرض إجابتها عن سؤال حول ما إذا كان المسلمون يعيشون بسلام، متمتعين بحرية دينية كاملة في الولايات المتحدة، قالت فرح، إن الحرية الدينية مبدأ رئيسي في الولايات المتحدة، مضيفة أن المسلمين عملوا بكافة المهن التي يمكن تخيلها. وأضافت بأنهم يتمتعون بمعدل تعليم مرتفع في أوساطهم ودخل مرتفع. في الواقع، يحصل الأميركيون المسلمون في المتوسط على ضعف متوسط الدخل السنوي للمواطن الأميركي العادي.

واعترفت فرح، بأنه ربما اختلفت الحياة بالنسبة للمسلمين الأميركيين بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عما كانت عليه قبلها في بعض النواحي، لكن هذا الأمر ينطبق على البيئة العالمية ككل. ويتمتع المسلمون الأميركيون بحرية ممارسة شعائرهم علانية، ويوجد أكثر من 1.200 مسجد بمختلف جنبات البلاد. وبوجه عام، أكدت فرح، أن المسلمين مندمجون تماما في المجتمع الأميركي، وهم أميركيون وينظرون إلى أنفسهم كجزء لا يتجزأ من نسيج البلاد. ومع أن السيرة الذاتية لها تحمل مؤشرات طيبة عنها، تبقى الحقيقة أن فرح تواجه تحديات صعبة أمامها على الصعيد المهني.