انتخابات كردستان العراق.. تخلط الأوراق

الحزبان الرئيسان اللذان احتكرا السلطة منذ 17 عاما سيعيدان النظر في تحالفاتهما ويراجعان حساباتهما

عراقي كردي اصبعه مطلي بالحبر بعد ادلائه بصوته في أبريل (أ.ف.ب)
TT

في ضوء النتائج الأولية للانتخابات النيابية والرئاسية التي جرت في إقليم كردستان العراق يوم السبت الماضي، يبدو أن المشهد السياسي والمعادلات السياسية ستتغير على نحو كبير، ليس على الصعيد الداخلي في الإقليم وحسب، بل على المسار مع بغداد أيضا.

فالكثير من المحللين والمراقبين الأكراد، والعديد من السياسيين على مستوى القيادة، سواء في الحزبين الحاكمين أو المعارضة، يؤكدون أن الأوضاع السياسية والإدارية والاجتماعية في الإقليم ستتخذ نمطا مغايرا لما كانت عليه قبل عملية الانتخابات في 25 من يوليو (تموز) الحالي. ويقولون إن الحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني بزعامة الرئيس جلال طالباني، والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني رئيس الإقليم المنتخب، اللذين احتكرا السلطة منذ تشكيل أول حكومة وبرلمان كرديين عام 1992، سيراجعان حساباتهما مراجعة جذرية وقد يعيدان النظر أيضا في تحالفاتهما واتفاقاتهما. وسيضطران إلى تبني فكرة الإصلاح والتغيير من الداخل قبل أن يهجم عليهما من الخارج كما حصل مؤخرا، عندما أفلحت حركة التغيير التي قادها نوشيروان مصطفى الأمين العام المساعد السابق لحزب طالباني في استقطاب أكثر من 52 % من أصوات الناخبين في محافظة السليمانية المعقل الرئيس للحزب وأكثر من 23% من الأصوات على مستوى الإقليم كله. ويصف المحللون والمراقبون هذا الأمر بـ«الثورة المخملية» التي فجرها المتذمرون والمحتجون ضد سلطة الحزبين وأدائهما السيئ، وإيذانا بمولد معارضة سياسية حقيقية وفاعلة في البرلمان الكردستاني القادم، من شأنها التصدي الحازم لمظاهر الفساد واحتكار السلطة وانعدام الخدمات، التي كانت السبب الأساسي في انبثاق مثل هذه الحركة التي قلبت خلال شهرين فقط من عمرها الموازين والمعادلات السياسية القائمة في الإقليم رأسا على عقب.

ويقول فريد اسسرد القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني «إن المعارضة الجديدة ستكون ذات تأثير بالغ في الأوضاع القائمة في الإقليم على المدى القريب جدا، وخصوصا على صعيد تفعيل دور البرلمان وحث الحكومة على تغيير سياساتها السابقة وتحسين أدائها وتقديم المزيد من الخدمات لسكان الإقليم».

وحول مدى استعداد الحزبين الحاكمين للتفاعل مع قوى سياسية معارضة لهما في البرلمان، قال اسسرد لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك في أن المعارضة والحكومة الديمقراطيين المنتخبين من قبل الشعب ستخوضان منافسة محمومة وغير عدائية تصب في الصالح العام، ومن الطبيعي أن تظهر مثل هذه المعارضة في إقليم كردستان أيضا أسوة بالدول المتقدمة».

ويتوقع اسسرد الذي يرأس مركز الدراسات الاستراتيجية في إقليم كردستان، أن تشهد الانتخابات النيابية التي ستجرى في العراق وانتخابات مجالس محافظات إقليم كردستان خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) القادم، مزيدا من التحولات والتغيرات الكبيرة في مجمل المشهد السياسي في العراق عموما، وإقليم كردستان على وجه التحديد. ويمضي إلى القول: «هناك احتمال كبير في حدوث تغيير جذري وشامل، لا سيما أن التصورات السياسية الحالية توحي بأن القوى الكردية التي خاضت الانتخابات البرلمانية في العراق عام 2005 بكتلة موحدة سميت بالتحالف الكردستاني، ربما ستخوض الانتخابات القادمة بقوائم وكيانات منفصلة مع بقاء احتمال مشاركتها بقائمة موحدة كالانتخابات السابقة، ولكن قانون الانتخابات العراقي الذي لم يقرر اعتبار البلاد دائرة انتخابية واحدة يقلص من الاحتمال الأخير كثيرا».

ويرى الكثيرون في إقليم كردستان، أن نوشيروان مصطفى، نجح إلى حد كبير في ترجمة مواقفه الرافضة لمظاهر الفساد واحتكار السلطة وصنع القرار من قبل قيادتي الحزبين الحاكمين والتي كانت السبب الرئيس وراء استقالته من منصبه في الحزب عام 2006، إلى حركة معارضة باسم التغيير على ارض الواقع. ولكن قليلين جدا هم الذين يعرفون بأن برهم احمد صالح نائب الأمين العام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، هو أول من نادى بالتغيير والإصلاح في إقليم كردستان سواء في الحزب أو في حكومة الإقليم التي تولى رئاسة إدارة السليمانية فيها عام 2001، عندما كانت الحكومة مقسمة إلى إدارتي السليمانية بقيادة الاتحاد الوطني واربيل بقيادة الحزب الديمقراطي كنتيجة للاقتتال الداخلي الذي اندلع بين الحزبين منتصف عام 1994.

وكان أول من انتهج سياسية الإصلاح في حكومته التكنوقراطية تحت عنوان الترشيق الإداري، حيث عمد إلى إلغاء الكثير من امتيازات ومخصصات كبار المسؤولين وضاعف تقريبا من مرتبات صغار الموظفين وأقر برنامجا للرعاية الاجتماعية عبر تخصيص معونات مالية شهرية للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة رغم الموازنة المالية المتواضعة جدا لحكومته، وشكل لجان عديدة للرقابة المالية في جميع مؤسسات الحكومة التي تحسن أداؤها في مختلف المجالات على نحو واضح، قبل أن يصطدم برنامجه بعقبات وعراقيل حزبية.

وفي هذا الصدد يقول اسسرد: «لم يكن برهم صالح وحده مطالبا بالإصلاح في حينه، بل قياديون آخرون أيضا، ولكن لم يتحقق توافق بين الجميع على طبيعة وآلية تحقيق الإصلاح المنشود، إضافة إلى غياب رؤية واضحة بخصوص نمط ذلك الإصلاح». ويضيف أنه لهذه الأسباب، ظلت المشاكل بلا حلول. ويقول: «أما الآن فإن الاتحاد الوطني دشن إصلاحا هادئا وسلسا قبل عملية الانتخابات، ولو استمر على هذا النهج فإنه سيحصد نتائج طيبة جدا، أي أن هناك فرصة سانحة ومواتية ليستعيد الحزب مكانته كقوة رئيسية في الإقليم».

وأوضح اسسرد أن المطالبة بالإصلاح مؤشر دوما على وجود أزمة، ولكن عندما يتم التغاضي عن الإصلاح فإن المعضلات القائمة تتفاقم ويصعب حلها في نهاية المطاف. وأعرب عن اعتقاده بأن الاتفاق الاستراتيجي القائم بين الحزبين الاتحاد والديمقراطي، قد لا يستمر العمل به لأكثر من الأعوام الأربعة القادمة في ظل تنامي أصوات معارضة له داخل الحزب الديمقراطي. وقال: «تعالت مؤخرا أصوات في الحزب الديمقراطي طالبت بإلغاء الاتفاق الاستراتيجي مع الاتحاد الوطني الذي صار يعاني في الآونة الأخيرة من مشاكل سياسية داخلية لكن مسعود بارزاني حسم الأمر لصالح مواصلة العمل بالاتفاق، لذلك اعتقد أن الاتفاق لن يستمر أكثر من الأعوام الأربعة القادمة أي أن الحزب الديمقراطي ربما سيخوض الانتخابات النيابية القادمة في الإقليم بمفرده أو بالتحالف مع قوى أخرى غير الاتحاد الوطني حسب رأيي الشخصي».

لكن شيركو ميرويس، عضو المكتب السياسي في حزب كادحي كردستان بزعامة قادر عزيز والذي خاض الانتخابات الأخيرة ضمن قائمة الخدمات والإصلاح التي ضمت ثلاثة أحزاب أخرى هي الحزب الاشتراكي الديمقراطي والجماعة الإسلامية والاتحاد الإسلامي، يقول إن المرحلة التي تلي الانتخابات في الإقليم ستكون «مغايرة عما سبق، بل وتختلف كليا عن الوضع الذي ساد الإقليم على مدى الأعوام 18 الماضية». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ستسعى قائمة الإصلاح إلى الارتقاء بالأوضاع في جميع المجالات لتكون عند مستوى طموح سكان الإقليم الذين منحونا ثقتهم، وسنعمل معا لنكون نموذجا حيا لتقدم العملية الديمقراطية في الإقليم وفقا للمعايير الدولية».

وحول طبيعة المعارضة التي انبثقت في الإقليم ودورها المستقبلي، يقول: «المعارضة تكون فاعلة ومؤثرة عندما تعبر بحق عن إرادة الشعب، والمعارضة في الإقليم لن تتراجع إطلاقا، أي أننا سنعمل كل ما في وسعنا للوفاء بالوعود التي قطعناها لشعبنا خلال الانتخابات». ووصف ميرويس التغيير الذي شهده الإقليم بانبثاق تيار المعارضة بالتحول الجوهري الكبير، وأكد أن المعارضة في السابق لم تكن قادرة على ممارسة دورها ومهامها الحقيقية، «ولكن المرحلة القادمة ستتيح لهذه المعارضة القوية المجال لتغدو قوة ضغط ايجابية وفاعلة على الحكومة لتحسين أدائها».

وحول ما إذا كانت قوى الإصلاح ستشارك في الحكومة المقبلة أم ستقف في صف المعارضة البرلمانية، قال ميرويس: «علينا أن نقف عند هذه المسألة لندرك مدى حظوظ النجاح الذي ننشده، أي أننا لم نقرر بعد القبول بنتائج الانتخابات المعلنة لنقرر المشاركة في الحكومة القادمة من عدمها، لأننا نعتقد بأن الانتخابات لم تكن نزيهة وشهدت خروقات كثيرة وفاضحة». وأضاف: «سنقدم طعنا في نزاهة المفوضية العليا التي لم تؤد مهامها بشكل شفاف وحيادي، وقررت تمديد فترة التصويت ساعة واحدة من دون أي مبررات وتلبية لطلب من الحزبين الحاكمين، ومن دون التشاور مع بقية الكتل والقوائم السياسية، ما أسفر عن تهميش إرادة الشعب وتلطيخ مجمل العملية الانتخابية لذلك فإننا لن نشترك في حكومة بصفة خاضعين لإرادة السلطة وسنقول كلمتنا بهذا الصدد في حينه».

ويؤكد ستران عبد الله رئيس مؤسسة خندان للبث والنشر الإعلامية شبه المستقلة والتي تتخذ من السليمانية مقرا لها، أن الخارطة السياسية في إقليم كردستان ستشهد تغييرات واضحة، «ولكن ليس بالشكل الذي توقعته القائمة الكردستانية ممثلة بالحزبين الرئيسيين، ولا بالشكل الذي توقعته قوى المعارضة، بل بالشكل الذي يحقق حكومة ومعارضة قويتين في آن معا». ويشدد على أن الإقليم سيشهد الفترة المقبلة حراكا سياسيا نشطا في المرحلة.

وتابع عبد الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «المرحلة القادمة تشهد انبثاق وولادة معارضة جديدة من طراز فاعل، وهذا لا يعني أن المعارضة لم يكن لها وجود في السابق بل كانت خاملة أو غير ذات فاعلية ومما لا شك فيه أن وجود المعارضة الفاعلة من شأنه تنشيط العملية السياسية في كردستان في نهاية الأمر».

وحول ما إذا كان الحزبان الاتحاد والديمقراطي سيواصلان العمل بالاتفاق الاستراتيجي القائم بينهما لما بعد السنوات الأربع القادمة، قال عبد الله: «ليس بوسعي استباق الأحداث ولكني اعتقد أن الاتفاق قابل للتنفيذ خلال السنوات الأربع القادمة، وتتسع لتوحيد مواقف الحزبين لتشكيل الحكومة القادمة وحيال المشاكل العالقة بين الإقليم وبغداد وعلى صعيد العلاقات الدولية إلى حد ما». أما سردار عبد الله القيادي البارز في حركة التغيير، فقد أكد أن حركته نجحت في خلق تحول أو تغيير كبير وواسع في الإقليم، ممثلا بكسر أو تحطيم حاجز الخوف الذي كان يمنع شعب كردستان من الإفصاح عن مواقفه الحقيقية على حد تعبيره. وأضاف: «لقد وجد الشعب ضالته والبديل الحقيقي الذي كان يبحث عنه، لذا فإن حركة التغيير باتت تحظى بدعم جماهيري واسع النطاق، رغم كل ممارسات السلطة من قبيل قطع الأرزاق والتهديد والوعيد أي أن الشعب منح هذه الحركة ثقة واسعة انطلاقا من إيمانه بقدرتها على أحداث التغيير المنشود والكبير في الحياة السياسية في الإقليم عبر برنامج عملها».

وحول ما إذا كانت حركة التغيير ستشارك في الحكومة أم تقود جبهة المعارضة البرلمانية، قال سردار: «نحن ملتزمون بإرادة شعبنا، والنتائج الأولية المعلنة للانتخابات مرفوضة من جانبنا، وقد تقدمنا نحن وقائمة الإصلاح بشكاوى لدى المفوضية، لأننا نعتقد أن إرادة شعبنا تعرضت للإهانة والتزوير». وأضاف: «لن نشترك في حكومة لا تعبر عن إرادة شعب كردستان التي نضعها فوق كل المصالح والاعتبارات الأخرى ولن نشترك في حكومة قبل أن نثق في أنها تتبنى الإصلاح الحقيقي وفقا لأجندتنا الانتخابية وتعالج كل حالات الفساد والظلم والإجحاف».