دولة المستوطنين

تشرف عليها قوى كبيرة.. تنطلق من مبدأ «مملكة فلسطين الهاشمية».. وتنفذ مخططا توسعيا لتدمير أي تسوية سلمية

مستوطن اسرائيلي يبني مسكنا في مستوطنة معوز ايستر غير الشرعية في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

ما يرى اليوم بالعين المجردة وبأبسط التقديرات، وهو أن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية يشكل عقبة كأداء أمام التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لا يفاجئ أحدا في إسرائيل. فهنا يعرفون أن المهمة الأساسية لفكرة الاستيطان كانت توسيع نطاق إسرائيل، تماما كما كان عليه الحال في سنة 1948، عندما أقدمت إسرائيل على توطين اليهود مكان الفلسطينيين الهاربين والمطرودين من فلسطين في المدن، ثم هدمت نحو 500 قرية فلسطينية وبنت مكانها مستوطنات يهودية.

فالمستوطنون عموما ليسوا وحدهم، وهم ليسوا مجموعة متطرفين متمردين على الحكومات الإسرائيلية، بل هم جنود في خدمة سياسة عليا تنفذ بمثابرة منذ الاحتلال قبل 43 عاما. وقد اعتقد قادة إسرائيل أن العالم سيسلم لهم في المستوطنات في الضفة الغربية كما سلم لهم في الاستيطان اليهودي داخل حدود 1948. ومن البداية كان واضحا أنه، إذا كان الفلسطينيون قد استسلموا للواقع الجديد الذي أصبحت فيه إسرائيل مسيطرة على 78% من فلسطين التاريخية، ويكتفون بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على 22% من فلسطين، فإنهم لن يستسلموا لضم بقية الـ22% من أرضهم أو جزء منها.

وقد ساد إسرائيل صراع بين مختلف القوى والتيارات حول هذه القضية. ففي اليسار والوسط الليبرالي وحتى في بعض أوساط اليمين توصلوا إلى قناعة بأن الاستيطان بشكله الحالي ليس واقعيا، لأنه يخلد الاحتلال ويجعل من إسرائيل دولة أبرتهايد. وقد عبر عن هذه القناعة أحد أهم وأخطر قادة الاستيطان اليهودي في التاريخ الإسرائيلي، آرييل شارون، عندما دعا إلى ضرورة التخلص من الاحتلال. وأقدم على خطته للانسحاب من قطاع غزة وإزالة جميع المستوطنات فيها، فأحدث هزة كبيرة في صفوف معسكره وأحدث الانقسام الذي أفرز حزب «كديما» من جهة وحركة يمين متطرف جدا من جهة أخرى.

ولكن شارون اختفى عن الحلبة السياسية بعد إصابته بالشلل الدماغي ولا يزال غائبا. ومع ذلك، فإن السابقة التي فرضها، بإزالة مستوطنات قائمة وإخلاء مستوطنين بالقوة من الأرض الفلسطينية، تحولت إلى شبح يخيف اليمين المتطرف والمستوطنين. وتعبيرا عن هذا الخوف، حارب اليمين إيهود أولمرت، الذي ورث شارون، حتى أسقطه عن الحكم. وانتصر اليمين في الحكم، ليجدها فرصته في الحفاظ على مشروعه الاستيطاني التوسعي.

* بدايات المشروع الاستيطاني

* عند الحديث عن «مشروع» فيما يتعلق بالاستيطان، فإن المسألة تتعلق بمشروع ضخم بكل المقاييس. فقد صرف عليه حتى الآن ما يزيد على 28 مليار دولار (حسب حركة «سلام الآن» الإسرائيلية فإن الاستيطان يكلف إسرائيل في كل سنة 2.5 مليار شيكل، أي ما يعادل 660 مليون دولار). وفي المستوطنات يوجد نحو نصف مليون يهودي، أي ما يعادل 10% من المواطنين اليهود في إسرائيل. ووراء هذا المشروع تقف قوى كبيرة حزبية في السلطة الإسرائيلية والمعارضة وكذلك في الجيش والمؤسسات الأمنية. فقط في مطلع الأسبوع، كشف المستوطنون في إحدى المستوطنات الصغيرة أن لديهم ضابطا في سلاح الطيران يعيش في مستعمرتهم، وحاولوا استغلال ذلك كما لو أنه يعطي شرعية للأبنية التي أقاموها من دون تراخيص.

المشروع الاستيطاني بدأ مع الأيام الأولى لاحتلال عام 1967. ففي حينه عملت حكومات حزب العمل (المعراخ) بموجب ما يسمى «خطة الون» لصاحبها نائب رئيس الوزراء في ذلك الوقت، يغئال ألون، والتي توصي ببناء مستوطنات في مناطق ذات «أهمية أمنية» وكثافة سكانية فلسطينية منخفضة، مثل غور الأردن، أجزاء من جبال الخليل، القدس وضواحيها. كل حكومات حزب العمل عملت على تطبيق هذه الخطة الاستيطانية، على الرغم من أن القائد التاريخي للحركة الصهيونية وأول رئيس للحكومة الإسرائيلية، دافيد بن غوريون، نصح حزبه بإعادة الأراضي المحتلة لأصحابها وعدم البناء فيها.

ولكن مع اعتلاء حزب الليكود للحكم في عام 1977، بدأت الحكومة ببناء مستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، خاصة في المناطق التي يتركز فيها الفلسطينيون، على قمم الجبال وفي المناطق الواقعة غربي خط رام الله ـ نابلس، وذلك لدوافع أمنية وآيديولوجية معا.

وحتى بعد مسار المفاوضات السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين (اتفاقات أوسلو سنة 1993) فإنها لم تؤثر على وتيرة الاستيطان، حيث استمرت بشكل كبير حتى في عهد حكومة رابين وبيريس (1992 ـ 1996)، والحكومات التي أتت بعدها. حيث قامت هذه الحكومات ببناء آلاف الوحدات السكنية، معللة ذلك بضرورات للتكاثر السكاني للمستوطنين. نتيجة لهذا، ازداد عدد المستوطنين الضعف تقريبا في الفترة ما بين 1993 ـ 2000.

وقد أقامت هذه الحكومات علاقات مميزة مع المستوطنين، تدفع الدولة العبرية ثمنها باهظا اليوم. فكانت تتعامل معهم بوصفهم طلائعيين. صرفت عليهم مبالغ طائلة. ووفرت لهم شروط سكن مريحة. وحمتهم بأرتال من الجنود. ومنحتهم السلاح بدعوى «الدفاع عن النفس في وجه الإرهاب الفلسطيني». وأقامت لهم نظاما خاصا وقوانين خاصة داخل المناطق الفلسطينية المحتلة يميزهم عن السكان الفلسطينيين. الأمر الذي شجعهم على الاستبداد في الأرض الفلسطينية المحتلة وجعلهم صورة بشعة للاحتلال، فبادر المتطرفون منهم إلى تنفيذ اعتداءات على المواطنين الفلسطينيين. وبعض هذه الاعتداءات اتسمت بطابع إرهابي، مثل مذبحة الخليل سنة 1994، وعملية إحراق المسجد الأقصى المبارك سنة 1968، ومحاولة اغتيال رؤساء البلديات الفلسطينية عام 1981 وإقامة تنظيم إرهاب يهودي منظم خطط لعمليات رهيبة، مثل محاولة تفجير عبوة ناسفة أمام مدرسة فلسطينية في القدس الشرقية المحتلة. وقد نفذت الحكومات الإسرائيلية هذه الممارسات الاستيطانية من خلال خرق فظ للقانون الدولي الإنساني، الذي يمنع الدولة المحتلة من نقل مواطنيها إلى المناطق التي قامت باحتلالها (بند 49 لاتفاقية جنيف الرابعة)، وخرق أنظمة «هاج» التي تنص على منع الدولة المحتلة من إجراء تغيرات دائمة في الأراضي المحتلة، باستثناء تغييرات ضرورية لحاجات عسكرية أو لصالح السكان المحليين.

* آلية الاستيلاء على الأراضي

* بواسطة آلية قضائية بيروقراطية معقدة، استولت إسرائيل على نحو 50% من مساحة الضفة الغربية، وكان هذا بالأساس لبناء المستوطنات وتحضير احتياط في حالة ضرورة توسيعها. الإعلان عن الأراضي كأراضي دولة وتسجيلها على هذا الأساس، هو الطريقة المركزية للاستيلاء على الأراضي. هذا الإجراء بدأ اتباعه في عام 1979، واستند إلى تطبيق قانون الأراضي العثماني من عام 1858، الذي كان ساري المفعول عشية الاحتلال. طرق أخرى اتبعتها إسرائيل للاستيلاء على الأراضي، والتي تستند على أساس قضائي، وهي طريقة إعلانها مناطق عسكرية، وإعلانها «ممتلكات متروكة» ومصادرة أراض لاحتياجات جماهيرية. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت إسرائيل مواطنين أفرادا على شراء أراض في السوق الحرة.

وتم الاستيلاء على الأراضي بمخالفة القوانين الأساسية لأي إجراء عادل، حيث في الكثير من الأحيان لم يعرف الفلسطينيون أن أراضيهم قد تم تسجيلها على اسم الدولة، ولما عرفوا بذلك كان موعد تقديم الاعتراض متأخرا، بل وواجب الإثبات كان يقع دائما على الفلسطينيين الذين يدعون بأن الأراضي ملك لهم، ولو نجح صاحب الأرض في إثبات ملكيته للأرض، في بعض الأحيان تسجل الأرض باسم الدولة بادعاء أن هذه الأرض قد تم تسليمها للمستوطنة «بحسن نية».

كل هذه الطرق تصب في هدف واحد: بناء مستوطنات مدنية في الأراضي المحتلة. لذلك، فإن الطريقة التي يتم بها نقل ملكية الأراضي من الفلسطينيين إلى الإسرائيليين ثانوية. إضافة إلى ذلك، بما أن الهدف غير مشروع حسب القانون الدولي، أي بناء المستوطنات، فإن تحقيق هذا الهدف غير مشروع أيضا. استخدام الأراضي كان مقصورا على المستوطنات، بل ومنعت إسرائيل الفلسطينيين من استعمالها لأي غرض كان. وفي غالبية الأحيان تعاونت محكمة العدل العليا مع آلية الاستيلاء على الأراضي، وساعدت على إعطاء رداء قانوني لهذه الإجراءات. في بادئ الأمر قبلت محكمة العدل العليا ادعاء الدولة بأن هناك احتياجات عسكرية ملحة وسمحت للدولة بمصادرة أراض يمتلكها سكان فلسطينيون لإقامة هذه المستوطنات. ورفضت محكمة العدل العليا التدخل لمنع إجراء الإعلان عن الأراضي كأراضي دولة.

وقامت سلطات الحكم الإسرائيلي بتطبيق معظم القوانين الإسرائيلية على المستوطنات والمستوطنين، وبهذا ضمتهما، عمليا، لدولة إسرائيل. هذا على الرغم من أن الضفة الغربية رسميا ليست جزءا من إسرائيل، والقانون الساري فيها هو القانون الأردني والعسكري. ونتيجة هذا الضم، نشأت في الأراضي المحتلة سياسة الفصل المبني على التمييز، كما اكتسبت هذه السياسة وضعا قانونيا. وفي هذا الإطار يوجد جهازان قضائيان منفصلان في المنطقة نفسها، تحدد بموجبهما حقوق الفرد حسب انتمائه القومي.

الحكم المحلي في المستوطنات يعمل على غرار الحكم المحلي داخل إسرائيل ويعمل بصورة مشابهة، ويتجاهل القانون الأردني الذي من المفترض أن يكون هو الساري في الضفة الغربية. هنالك 23 سلطة محلية يهودية في مناطق الضفة الغربية: ثلاث بلديات، 14 مجلسا محليا، وستة مجالس إقليمية، يقع تحت سلطتها 106 مستوطنات معترف بها كبلدان منفصلة. بالإضافة إلى ذلك بنيت 12 مستوطنة في المناطق التي ضمت إلى القدس عام 1967، وعلى هذه المستوطنات يسري القانون الإسرائيلي بشكل رسمي.

مناطق النفوذ التابعة للسلطات المحلية اليهودية، تشمل بشكل عام مناطق واسعة عدا المناطق المبنية، هذه المناطق حسب الأوامر العسكرية معرّفة «منطقة عسكرية مغلقة». حيث الدخول إليها محظور على الفلسطينيين دون تصريح من القائد العسكري الإسرائيلي. في الوقت الذي يمنع فيه دخول الفلسطينيين إلى هذه المناطق، مواطنون إسرائيليون، يهود من أنحاء العالم، وحتى السياح يسمح لهم بالدخول دون الحاجة لتصريح خاص.

* أجهزة التخطيط

* تعد أجهزة التخطيط في الضفة الغربية، والتي تديرها الإدارة المدنية (آلية أقامها الحكم العسكري في الأراضي المحتلة) أحد الأجهزة البيروقراطية الأكثر تأثيرا للاحتلال الإسرائيلي. وتعمل هذه الأجهزة في مسارين منفصلين، كبقية الأجهزة البيروقراطية الأخرى، أحدهما لليهود والآخر للعرب. تعتبر أجهزة التخطيط هذه المسؤولة الفعلية عن تغيير خارطة الضفة الغربية، حيث تقوم بالمصادقة على المخططات الهيكلية للمستوطنات، وتصدر التراخيص المطلوبة لبناء مستوطنات جديدة، لتوسيع مستوطنات قائمة ولشق طرق التفافية. وقامت بتشكيل مؤسسات التخطيط في الضفة الغربية، ونقل الكثير من صلاحيات التخطيط للسلطات المحلية اليهودية، ومن هذه التغييرات تجريد مؤسسات التخطيط الفلسطينية من صلاحياتها.

كما تعمل أجهزة التخطيط جاهدة من أجل الحد من تطور المدن والقرى الفلسطينية. وتقوم بهذا عن طريق رفض الطلبات التي يتقدم بها الفلسطينيون للحصول على رخص للبناء. في كثير من الأحيان يكون الرفض بحجة أن المخططات الهيكلية الإقليمية، والتي تمت الموافقة عليها في سنوات الأربعين (فترة الانتداب البريطاني)، لا تجيز البناء على هذه الأراضي. إلا أن هذه المخططات الهيكلية لا تعبر عن احتياجات التطوير للفلسطينيين، وأجهزة التخطيط تتعمد عدم تحضير مخططات جديدة تتلاءم مع احتياجات الفلسطينيين. وأقدمت الإدارة المدنية على هدم البيوت غير المرخصة التي بناها فلسطينيون، مع العلم بأنها بنيت على أراض بملكيتها خاصة بهم.

بعد التوقيع على الاتفاقية المرحلية لاتفاقيات أوسلو سنة 1995، تسلمت السلطة الفلسطينية صلاحيات التخطيط والبناء في مناطق «أ» و«ب»، والتي تشكل نحو 40% من مساحة الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن الأغلبية العظمى للفلسطينيين تسكن في هاتين المنطقتين، فإن الأراضي الشاغرة للبناء في عشرات القرى والبلدات الفلسطينية في أرجاء الضفة الغربية، موجودة في أطراف هذه البلدان والمعرّفة حسب الاتفاقيات كمنطقة «ج»، التي تقع تحت سيطرة أجهزة التخطيط الإسرائيلية.

* تمزيق الضفة الغربية

* تقول منظمة «بتسيلم»، الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطينيين، إن تحليل الخريطة من حيث الانتشار الجغرافي للمستوطنات وتأثيرها على السكان الفلسطينيين، يعتمد على تقسيم الضفة الغربية إلى أربع مناطق؛ ثلاثة قطاعات طولية (الممتدة من الشمال إلى الجنوب) ومنطقة القدس، التي لها ميزات خاصة. تم هذا التقسيم فقط للقيام بتحليل الخارطة، حيث لا توجد بها أي أهمية قانونية بيروقراطية. في كل واحدة من هذه المناطق يجب التمييز بين ثلاثة أنواع من المناطق: المنطقة المبني عليها المستوطنة، المناطق التي تحيط بالمستوطنة والخاضعة للحدود البلدية للمستوطنة، المناطق المعرفة كمناطق نفوذ المجالس الإقليمية وغير التابعة لمستوطنة معينة.

ويشمل القطاع الشرقي، غور الأردن وشاطئ البحر الميت. ويسكن هذه المنطقة نحو 8000 مستوطن، معظمهم في تعاونيات وقرى صغيرة. وتضم أكثر من 1.2 مليون دونم. ويكمن المساس بالفلسطينيين، نتيجة وجود المستوطنات على هذه الأراضي، بالأساس في تقليص إمكانيات التطور الاقتصادي بشكل عام، والتطور الزراعي بشكل خاص، وذلك نتيجة لسلب الفلسطينيين وحرمانهم من مصدرين مهمين من أجل التطوير وهما: الأرض والماء.

يتواجد قطاع «ظهر الجبل» في قمم سلسلة الجبال التي تقطع الضفة الغربية. تم بناء معظم هذه المستوطنات بمبادرة منظمة «جوش أمونيم»، أبرز العصابات الاستيطانية. يسكن في هذه المستوطنات نحو 44000 مستوطن. ينتشر جزء من المستوطنات على شكل سلسلة، ممتدة على طول شارع رقم 60، حيث يعد هذا الشارع محور المواصلات الرئيسي الذي يصل شمال الضفة بجنوبها. ولتأمين أمن المستوطنين في هذه المنطقة يقوم الجيش الإسرائيلي بفرض قيود صعبة مما يحد من حرية التنقل للفلسطينيين على هذا المحور، الأمر الذي يعرقل سير حياتهم الطبيعية. فهناك نحو 1200 كيلومتر من شوارع الضفة الغربية محظور استخدامها للفلسطينيين.

ويمتد قطاع التلال الغربية من الشمال للجنوب على مساحة عرضها من (20 ـ 10) كم. قرب مستوطنات هذه المنطقة إلى الخط الأخضر ولمراكز المدن في إسرائيل، حوّلها لمناطق مفضلة من قبل الإسرائيليين. يسكن هذه المستوطنات نحو 100 ألف مستوطن. تمس المستوطنات بإمكانية التطوير المدني والاقتصادي للبلدان والقرى الفلسطينية، بسبب مصادرة الأراضي من حول هذه الأخيرة. بالإضافة لذلك، وبعد تسلم السلطة الفلسطينية الصلاحيات ضمن اتفاقيات أوسلو، نتج عن هذه العملية أكثر من 50 جيبا مصنفة مناطق «ب» وبعض الجيوب مصنفة مناطق «أ». تحاط هذه الجيوب من جميع الاتجاهات بمناطق «ج» التي بقيت تحت سيطرة إسرائيلية كاملة. فوجود المستوطنات يقطع أوصال الامتداد الإقليمي بين القرى، البلدات والمدن الفلسطينية الممتدة على طول هذا القطاع.

وأما موتروبولين القدس، فهو يشمل دزينة مستوطنات تم بناؤها في المنطقة وأعلن ضمها إلى مدينة القدس في البرلمان الإسرائيلي، وباتت تسمى بالأحياء، مع أن عدد سكان كل منها يزيد على 20 ألف نسمة. ويسكن هذه المستوطنات العدد الأكبر من المستوطنين، نحو 260000 مستوطن. تأثير هذه المستوطنات على الفلسطينيين يختلف بالمناطق المختلفة للموتروبولين. بناء المستوطنات في شرق القدس كان يطلب مصادرة واسعة لأراض فلسطينية ذات ملكية خاصة. فصلت مناطق نفوذ المستوطنات شرقي الموتروبولين (مثل معالي أدوميم) الضفة الغربية إلى منطقتين، ومنعت التطور المدني لبيت لحم لوجود مستوطنات «غوش عتسيون» وفصلها أيضا عن بقية البلدات الفلسطينية حولها.

وقد تم ضم نحو 2 مليون دونم، استولت عليها إسرائيل خلال السنين عن طريق إعلانها أراضي دولة تحت نفوذ ستة مجالس إقليمية، لم يتم نقلها لمستوطنة معينة. جزء من هذه الأراضي، خاصة في غور الأردن، يفلحها المستوطنون أو يتم استعمالها كمناطق تدريب للجيش الإسرائيلي. إلا أن أغلبية هذه الأراضي أراض خالية وتعتبر مخزونا احتياطيا لتوسيع المستوطنات ولإقامة مناطق صناعية وسياحية جديدة.

* البرنامج السياسي

* المستوطنون إذن، ليسوا وحدهم. ولكنهم من بعد شارون يشعرون بالخطر على مشروعهم. ولا يستبعدون إمكانية أن ترضخ الحكومة، بما في ذلك حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، إلى الضغوط الأميركية والدولية فتنسحب من الضفة الغربية وتعرض بذلك المستوطنات إلى الخطر، خصوصا تلك القائمة شرقي الجدار العازل المحيط بالضفة الغربية. فالمعروف أن 39% من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تقع داخل الجدار العازل، وهي مرشحة للزوال والإخلاء في أي اتفاق سلام. ويلاحظ المستوطنون أن الغالبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي اليهودي تؤيد إزالة المستوطنات في إطار التسوية السلمية. ولأن الجمهور يسألهم عن موقفهم من العملية السلمية، قرر المستوطنون وضع «خطة سلام» خاصة بهم. وقد نشرت الخطة في سنة 2006 في صحيفة المستوطنين «نيكودا» (نقطة)، ويكشفون فيها حقيقة نواياهم:

أولا: لا مفاوضات سلام قبل إزالة الخطر الإرهابي والعسكري العربي على إسرائيل، وذلك بالقوة العسكرية وليس بالمفاوضات.

ثانيا: إبقاء جميع المستوطنات في الضفة الغربية وضمها معا مع الأراضي التابعة لها (60% من مساحة الضفة الغربية)، إلى تخوم إسرائيل رسميا.

ثالثا: تقسيم السكان الفلسطينيين إلى قسمين: القاطنون في مساحة الـ40% المتبقية من الضفة، يمنحون حكما ذاتيا ويكونون تابعين من حيث السيادة إلى الأردن.. والقاطنون في القدس وفي غور الأردن وبقية المناطق التي ستضم إلى إسرائيل، يصبحون مواطنين إسرائيليين بكل معنى الكلمة. وحسب مقالة المستوطنين، فإن إسرائيل دولة قوية يوجد فيها نحو 6 ملايين يهودي، ولن يؤثر عليها ضم بضع مئات الألوف من الفلسطينيين إليها. رابعا: لا تقام دولة فلسطينية في فلسطين، بل يصبح الأردن «مملكة فلسطين الهاشمية»، لأن 85% من سكانه فلسطينيون، حسب زعمهم. فإذا أرادوا العيش تحت حكم الهاشميين فهذا شأنهم. من هنا، فإن الاستيطان يرمي إلى تصفية القضية الفلسطينية تماما. والتوسع فيه ليس شكليا. وإن وجدت حكومة في إسرائيل تفكر في تجميد البناء الاستيطاني أو التخلي عن قسم من المستوطنات، فإنها ستواجه معارضة غير تقليدية في الشارع الاستيطاني وكذلك في مخططات الحكومة الرسمية والقيمين عليها. وهؤلاء قوة يحسب لها الحساب.