مياه تحت أقدام التنين

من ماو تسي تونغ.. إلى السوق: 60 عاما من الإنجازات الضخمة.. لكن المخاوف تقلق آخر معاقل الشيوعية

TT

منذ أن أعلن الرئيس الصيني الأسبق ماو تسي تونغ، تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وهيمنة النظام الشيوعي في البلاد، في الأول من أكتوبر (تشرين الثاني) عام 1949، لم يكن في مقدور أكثر المتفائلين، أن يتنبأ لتلك الدولة التي خرجت لتوها من حرب أهلية انتصر فيها الشيوعيون، بأن تتحول إلى دولة نووية عظمى، وتصير بعد 60 عاما، أحد أركان النظام الدولي الجديد.

وقد حاول القادة الجدد في الدولة العملاقة التي تتخذ من «التنين»، ذلك الكائن الأسطوري العملاق، ذو الأجنحة، رمزا للقوة، أن يكون احتفال هذا العام، تجسيدا لتلك القوة، وإبرازا لتقدم البلاد وتطورها في كافة المجالات. وكما انبهر العالم العام الماضي، من عروض أولمبياد بكين، وقف مشدوها أمام عروض باذخة في ساحة تيانانمين وسط بكين أظهرت عودة الصين كقوة عالمية. واستخدمت التكنولوجيا لتنقية الأجواء الملوثة للعاصمة بكين قبل موكب ضخم للاحتفال. وقام علماء كيميائيون ومسؤولون بالعمل لأسابيع في أبرز مساعي الصين الطموحة لتعديل الطقس، وتنقل التقنيون في القوات الجوية بالمنطقة لمساعدة فرق على تشغيل المعدات المعقدة. وكان طوفان وقع عام 2005 أدى إلى تغيير مكان إقامة مراسم احتفالية في الهواء الطلق بحضور قادة صينيين كبار في اللحظة الأخيرة، بعد أن وعدت الصين المنظمين بضمان طقس جاف أثناء المراسم.

وأنهى تولي ماو السلطة سنوات من الحرب والهيمنة الأجنبية على الصين، وأدت ثلاثة عقود من الإصلاحات الاقتصادية بدأها خلفه الراحل دينغ شياو بينغ إلى إثراء الصين ووضعها مجددا بين صفوف القوى العالمية. وأمام بوابة تيانانمين، التي أعلن منها ماو تسي تونغ إقامة جمهورية الصين الشعبية، قبل 60 عاما، أشاد الرئيس هو جينتاو بالانطلاقة الجديدة للبلاد. وقال أمام مئات الآلاف، الذين احتشدوا في المكان، إن «تطور وتقدم الصين الجديدة على مدى الستين عاما الماضية يثبت بشكل تام أن الاشتراكية وحدها هي التي يمكن أن تنقذ الصين، وأن الإصلاح والانفتاح وحدهما يمكن أن يضمنا تطور الصين والاشتراكية والماركسية».

وترغب الحكومة في أن تبعث برسالة واضحة وهي أن الصين، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، عادت للظهور مرة أخرى كقوة عالمية فخورة لا يمكن إنكارها. وأكد الرئيس هو، الذي كان يرتدي قميصا يشبه قميص ماو تسي تونغ، على هذه الثقة في خطابه أمام أكاليل الزهور باللونين الأحمر والأصفر. وأعلن أن الصين الاشتراكية التي تواجه المستقبل تقف اليوم بثبات وفخر في الشرق.

وكشف الجيش الصيني الذي يعتبر أكبر جيش في العالم، (قوامه 2.5 مليون عنصر) عن أحدث أسلحته بما فيها صواريخ باليستية جديدة عابرة للقارات، (يبلغ مداها 11 ألف كلم) قادرة على الوصول إلى قلب الولايات المتحدة وغيرها من الأسلحة المصنعة في الصين في دلالة على أن البلد الذي كان خاضعا لهيمنة القوى الأجنبية لم يعد كذلك. ومن بين الترسانة العسكرية التي استعرضت مئات من السيارات والطائرات والصواريخ تعد عناصر مهمة من «السور الكبير الصلب» في الصين. واستعرض العرض العسكري 52 نوعا من أنظمة الأسلحة وشملت دبابات قتال ومدافع مضادة للطائرات وذخائر وطائرات مروحية هجومية والجيل الثالث من الطائرات المقاتلة طراز «جيه 10» وطائرات إنذار مبكر.

لكن مشاعر الفخر الفياضة تلك، أظهرت خلف صورتها مؤشرات على مخاوف أمنية، فالتنين العملاق، يخاف من مياه تجري تحت أقدامه. فقد فرضت السلطات إجراءات أمنية صارمة في محاولة للحيلولة دون وقوع تهديدات محتملة يمكن أن تؤدي إلى تخريب الاحتفالات. ومن بين هذه التهديدات التوترات المشتعلة في المناطق التي تسكنها غالبيات إثنية مثل شيجيانغ والتيبيت والاستياء الاجتماعي المنتشر بسبب الفجوة التي تتسع بين الأغنياء والفقراء والفساد الحكومي والتدهور البيئي. وخرجت تظاهرات أمس، في مناطق عديدة من البلاد تطالب بإصلاحات ديمقراطية.

ونتيجة لذلك اقتصر حضور الاحتفالات على أشخاص وجهت لهم الدعوة، بينما شاهد معظم سكان بكين، وعددهم 17 مليون نسمة، الاحتفالات في منازلهم عبر أجهزة التلفزيون كما هو الحال في باقي أنحاء الصين. وقطع لو هايشي (23 عاما) المسافة بين شنغهاي وبكين لمشاهدة الاستعراضات مع أصدقائه.. لكن عبر جهاز التلفزيون.

وقال لو «جئت إلى بكين من شنغهاي للمشاركة في اليوم الوطني للإحساس بالجو العام. وقد استأجرنا غرفة لمشاهدة العرض على التلفزيون في فندق بالقرب من الطريق، لكي نشعر بالجو».

وعززت الشرطة إجراءاتها الأمنية وتخلصت من المتسولين والمشردين وأمرت السكان في المنازل على طول طريق العرض بعدم فتح النوافذ خلال العرض. وتم كذلك إغلاق مطار المدينة لمدة ثلاث ساعات خلال العرض كما حظر بيع السكاكين في بعض المتاجر بعد وقوع حادثي طعن قرب ساحة تيانانمين. وعززت السلطات الصينية رقابتها على الإنترنت وبعض المعارضين. واكتشف مستخدمو الإنترنت في الآونة الأخيرة أن الموزعات الوسيطة (بروكسي) التي يستخدمونها مجانا للالتفاف على رقابة السلطات، لم تعد تعمل.

وقال ميخائيل انتي، محلل الوسائط الإعلامية المقيم في الصين، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن السلطات «حسنت تقنياتها وحاولت الأسبوع الماضي غلق كافة شبكات البروكسي المجانية والشبكات الافتراضية الخاصة (في.بي.إن)». وأضاف «هذا بسبب الذكرى الستين» ملاحظا أن الشبكات المدفوعة الأجر لم تشملها هذه الإجراءات.

ويوجد في الصين أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت في العالم (338 مليون شخص على الأقل) وتحاول تفادي تنامي أية معارضة منظمة على شبكة الإنترنت وهي لا تتردد في تعطيل أية مواقع صينية أو أجنبية.