إلغاء الطائفية بين المشتهى والمحرم

قطار إلغاء الطائفية السياسية في لبنان قد ينطلق مع الحكومة الجديدة لكن وصوله إلى الغاية المنشودة أمر دونه عقبات وسنوات طوال

لبناني يضع بطاقة هويته التي ألغي منها ذكر المذهب، على خريطة لبنان في الذكرى 34 للحرب الاهلية بين عامي 75 و90 من القرن الماضي (أ.ب)
TT

بالتزامن مع العيد السادس والستين لاستقلال لبنان، وبينما كانت الحكومة الجديدة منشغلة بمناقشة البيان الوزاري، وتحديداً بند سلاح «حزب الله»، فيما يحاول المسيحيون إعادة طرح قضية استعادة رئيس الجمهورية لبعض صلاحياته، خرج الرئيس نبيه بري على الجميع باقتراح قلب الموازين. قال رئيس مجلس النواب انه عازم على إنشاء «الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية» التي نص على تشكيلها «اتفاق الطائف» ولم تر النور لغاية اليوم، منبهاً أن لبنان أمام عدوين، عدو في الداخل اسمه «الطائفية السياسية» وآخر في الخارج اسمه «إسرائيل». تصريح أخرج العصبيات من قمقمها والمخاوف من أوكارها. ثمة من اتهم الرئيس بري بمحاولة لفت الأنظار عن سلاح حزب الله، وآخرون رأوا أنه يثير غباراً على موضوع استعادة رئيس الجمهورية لبعض صلاحياته. لكن فريقاً ثالثاً يعتبر أن رئيس مجلس النواب جاد في طرحه وأن الطائفة الشيعية وهي الأقوى اليوم في البلاد تسعى لإلغاء النظام الطائفي لتنال باسم اللاطائفية ما لم تحصل عليه حتى الآن. ورغم أن اللبنانيين اتفقوا منذ عام 1989 في «اتفاق الطائف»، وبعد حرب أهلية مدمرة دامت 17 عاماً، على إلغاء الطائفية السياسية. وما قاله رئيس مجلس النواب ليس سوى محاولة لاستكمال تطبيق بنود هذا الاتفاق الذي أصبح بمثابة دستور يحدد الخطوات الإجرائية للوصول إلى نظام ديمقراطي لا محاصصة مذهبية فيه. لكن تبين، من ردود الفعل الغاضبة انه بعد ما يقارب العقدين من الانتظار ليس من متحمس لهذا الإلغاء سوى الطائفة الشيعية المتمثلة بالحزبين «أمل» و«حزب الله» إلى جانب «الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط الذي يعتبر أن «الواقع الطائفي في لبنان وصل إلى مرحلة متقدمة من الخطورة باتت تستوجب تفكيراً جدياً وهادئاً يتيح في المحصلة النهائية تطوير النظام السياسي وتحرير المواطن اللبناني من القيود التي تشوب علاقته بالدولة ومؤسساتها، بحيث أصبحت الطائفية بمثابة الممر الإلزامي له نحو دولته».

لكن مقابل فريق المتحمسين لإلغاء الطائفية السياسية (شيعة ودروز)، هناك فريق يعتبر أن الوقت غير مناسب لفتح هذا الملف، لا بل ثمة من يتهم الرئيس بري «بسوء النية» و«بخبث في التوقيت». ويضم فريق المعترضين بشكل أساسي مسيحيين وسنة. فقد اعترضت «القوات اللبنانية» بقوة وكذلك «حزب الكتائب» وانضم إليهم، لغرابة الأمر الجنرال ميشال عون قائد «التيار الوطني الحر» الذي تمايز هذه المرة عن حلفائه الشيعة، لا بل وخالفهم بالكامل. وبالتالي توحد الأفرقاء المسيحيون للمرة لأولى، ربما حول رأي واحد. ربما لأن القضية هذه المرة حساسة بالنسبة للطائفة، ولمصيرها بحسب ما يقول العديد من سياسييها. «تيار المستقبل» الذي يمثل غالبية السنة في المجلس النيابي رفض بدوره اقتراح نبيه بري علماً بأن الوثيقة السياسية للتيار ينص أحد بنودها على إلغاء الطائفية السياسية. «مخاوف المسيحيين مفهومة نظراً لتضاؤلهم عددياً كطائفة، لكنه لا مبرر لرفض السنة أو تخوفهم، وهم الذين يشكلون أكثرية عددية وازنة» يقول الكاتب في علم الاجتماع السياسي عبد الغني عماد ويضيف: «إن إلغاء الطائفية السياسية ليس أمراً خاضعاً لتوافق الأفرقاء، كما نسمع اليوم من المعترضين عليه، بل هو أمر خاضع للدستور ولاتفاق الطائف، حيث أن النصوص واضحة تماماً، ولا بد من احترامها وتطبيقها، من قبل الذين توافقوا عليها». ويرى عماد أن المطروح حالياً ليس إلغاء الطائفية السياسية بل هو مجرد «تشكيل للهيئة التي ستبحث في كيفية إلغاء الطائفية السياسية. وهذا أمر في صميم بناء الدولة الحديثة. كما أن إلغاء الطائفية هو في صميم البرامج السياسية لكل من حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي كما تيار المستقبل».

صحيح أن «تيار المستقبل» يدعو إلى إلغاء الطائفية السياسية يقول النائب عن التيار في البرلمان اللبناني أحمد فتفت «لكن المنطق المجرد أمر والواقع السياسي الذي نعيشه اليوم هو أمر آخر» ويضيف فتفت: «هناك أفرقاء عندهم هواجس، ونحن نفهم المخاوف المسيحية لذلك. رفضنا يأتي من منطلق وطني، والإصلاح يجب أن يكون شاملا، ولا يركز على نقطة ويترك الأخرى. نحن نريد نظاماً ديمقراطياً حقيقياً وليس انتقائياً في الإصلاح. البند الأول والأهم بالنسبة لنا في اتفاق الطائف هو فرض سيادة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية وحل المليشيات، وهذا لم يطبق. هناك طرف يحمل سلاحاً استخدمه في الداخل كأداة سياسية. كل الناس تطالب بإلغاء الطائفية السياسية، ولكن لا معنى للإصلاح بوجود السلاح». ويقر فتفت بأن اتفاق الطائف حفظ حق المقاومة في الدفاع عن البلاد في وجه إسرائيل، لكنه يحدد بأن هذه المنصوص عليها «يجب أن تكون وطنية وليست حكراً على طائفة واحدة»، حسب رأيه.

المخاوف المسيحية تبدو أكثر عمقاً من تلك التي يعبر عنها «تيار المستقبل» كممثل لغالبية السنة. فبحسب لوائح الشطب في الانتخابات النيابية الأخيرة فإن المسيحيين مجتمعين يشكلون نحو ثلث عدد الناخبين، في ما يشكل المسلمون الثلثين. ومع ذلك فإن الحصص السياسية والوظائف توزع حالياً، مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، كما ينص اتفاق الطائف بانتظار الوصول إلى إلغاء الطائفية السياسية، حيث تبقى مراعاة المناصفة في وظائف الفئة الأولى فقط. وبسبب هذا التباين الديمغرافي، تواجه التعيينات في الوظائف الرسمية والإدارية صعوبات جمّة بسبب قلة عدد المسيحيين المتقدمين نسبة إلى المسلمين. وقد تم تجميد التوظيف في بلدية بيروت في الشهور السابقة بسبب عدد ساحق للمسلمين المتقدمين نسبة للمسيحيين. كما اضطرت الجامعة اللبنانية إلى إلغاء تعيين أكثر من ثمانين أستاذاً جامعياً مسلماً، منذ نحو العام، لأن عددا مقابلا من المسيحيين لم يتوفر لاستكمال التوازن الوظيفي المطلوب. وهذه الصعوبات تتكرر في كل مرة يتطلب الأمر فيها إجراء تعيينات سواء كانت عسكرية أو مدنية. ولا ينكر وزير السياحة السابق وعضو اللجنة التنفيذية في «القوات اللبنانية» جو سركيس أن حضور المسيحيين في الدولة لن يكون على ما هو عليه اليوم في حال ألغيت الطائفية السياسية، وحصتهم ستتقلص. لكن سركيس يشرح خلفية الموقف الحاد للقوات ممثلة بقائدها سمير جعجع على النحو التالي: «كلنا على توافق بأن إلغاء الطائفية السياسية لا بد أن يتم إذا أردنا أن نبني دولة حديثة، لكننا استغربنا توقيت الطرح. فنحن خارجون للتو من أزمة تشكيل الحكومة، ونناقش البيان الوزاري، وموضوع السلاح حاضر بقوة. مما يعني أن الطرح قد يكون مربوطاً بالظرف القائم». ويضيف سركيس: «بالنسبة لنا لا بد من مراعاة نفوس الناس، فمنذ سنة 1990 إلى اليوم بدل أن نعزز الخروج من الطائفة، تزداد الطوائف طائفية. ولذلك فالبدء يجب أن يكون بممارسة تخفف من هذا الاحتقان. الإمعان والإصرار على تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية، من قبل الرئيس بري، سيشكل استفزازاً للمسيحيين». ولا يتردد الوزير السابق جو سركيس في أن يشرح مخاوف كبيرة من سلاح حزب الله وهو يقول: «حين يطالب الرئيس نبيه بري بإلغاء الطائفية السياسية فكأنما هو يلغيها عند ثلثي اللبنانيين فيما حزب الله هو حزب ديني شيعي ومسلح. هذا أمر يقلق الكثيرين. نحن نرى أن النوايا ليست طيبة، وكنا نتمنى لو أن الوضع كان مختلفاً». يستدرك جو سركيس بالقول: «حتى المسألة العددية كان يمكن تجاوزها لو كانت النفوس صافية. فالمسيحيون يستطيعون لعب دور مهم، وربما حققوا مكاسب أكثر مما لهم اليوم، في ظل دولة نزيهة ولا طائفية، بما لهم من علم وكفاءة. أما في ظل الظروف الحالية، وعدم إحساسنا بحسن النوايا، فنحن نرى أن الاستمرار في مسألة إلغاء الطائفية السياسية، سيشجع على تهجير المسيحيين، وكأنما يقال لهم أنتم ستذوبون كلياً هنا، ولا وجود لكم. كل هذا تحت عنوان: اللاطائفية». ويضيف سركيس «البطريريك صفير له موقف مبدئي من إلغاء الطائفية السياسية الآن، لأنه يعرف انه أمر مضر جداً. وهو أحد المواضيع القليلة التي أجمع عليها المسيحيون. فالجنرال عون رغم ارتباطه بحزب الله يعرف انه لا يستطيع مواجهة جمهوره بموافقته على هكذا طرح يلغي المسيحيين. والأخبار التي وصلتنا من رئاسة الجمهورية تقول إن الرئيس غير متحمس أيضاً. هو رئيس توافقي وقد طرحت الفكرة، ووازن بين المؤيدين والرافضين، ثم شكل فكرة، ووصل إلى خلاصات، وحين يرى انه موضوع خلافي لا بد أن لا يدعمه».

المفارقة هذه المرة أن رأي الجنرال عون لا يختلف كثيراً ربما، عن الذي عبر عنه جو سركيس من «القوات اللبنانية»، وإن كانت لهجة «التيار الوطني الحر» أقل حدة، فقد دعا عون الرئيس بري إلى «سحب الموضوع من التداول السياسي، ليبحث بعيداً عن الصخب والتجاذبات». ويشرح أمين سر تكتل التغيير والإصلاح إبراهيم كنعان هذا الموقف بالقول: «نحن نريد لهذا الموضوع أن يبحث بجدية وعمق. إلغاء الطائفية السياسية يحتاج أولا إلى برامج ثقافية وتنمية المناخات الملائمة، وتقوية الانتماء إلى الوطن لا إلى الطوائف، كما لا بد من تحقيق الإنماء المتوازن بين المناطق». ويرى كنعان أن «ثمة أموراً لا تحتاج إلى سن قوانين يمكن البدء بها، فما الذي يمنع رفع الحرمان عن المناطق الفقيرة مثلا؟ ما الذي يمنع من عمل إصلاحات إدارية؟ كما ما الذي يمنع وزير الداخلية من أن يستعيد سلطاته بدل أن تبقى القوى الأمنية جزراً؟ نحن بحاجة قبل تعديل القوانين إلى استراتيجية عمل على مستوى الكتل النيابية والحكومة، لإحداث التغيير التدريجي». ويحدد كنعان: «نحن بالمبدأ مع الدولة المدنية لكننا نريد أن نقوم بخطوات ناجحة، لا مجرد تشكيل لجنة لا تصل إلى أهدافها».

الكاتب والمحلل السياسي نصري الصايغ، المنسق الحالي لـ«بيت العلماني» يعلق على الأخذ والرد بين الفرقاء السياسيين حول إلغاء الطائفية السياسية بأن نوايا نبيه بري لا أحد يستطيع أن يعرفها لكن الحكم يجب أن يكون على الأفعال. ويضيف الصايغ: «نبيه بري قدم منذ عام 1995 ثلاث مرات اقتراحات لإلغاء الطائفية السياسية وفي كل مرة كان يقابل بالاعتراض. وذات مرة اتهم بأنه طرح الموضوع ليغطي الوجود السوري في لبنان. لذلك أقول إن هناك مجموعة من اللبنانيين لا تريد المس بالطائفية على الإطلاق، وبين هؤلاء ملحدون وعلمانيون، ومع ذلك يرفضون لأن الطائفية هي عملتهم المقدسة». ثمة سيناريوهات كانت تتكرر باستمرار في تاريخ لبنان ـ بحسب الصايغ ـ فالعميد ريمون إده وبيار الجميل (الجد) في حزب الكتائب كانا يقولان للمسلمين نحن نريد علمنة الدولة وتشريع الزواج المدني. وعندها يغضب المسلمون ويرفضون وتسقط العلمانية التي في العمق لم يكن يريدها أحد. وإنما كانت مجرد مناورة يستخدمها طرف يعرف سلفاً رد فعل الطرف الآخر. هناك ميكانيكية ثانية يذكّر بها نصر الصايغ، وهي المطالبة «بإلغاء الطائفية من النفوس قبل إلغائها من النصوص». وهذه لا تزال شائعة إلى اليوم ويستعملها المتهربون من إلغاء الطائفية. وهي كذبة ثانية يمارسها اللبنانيون على بعضهم البعض. ويشرح الصايغ: «ليس المطلوب إلغاء الشعور الديني للناس، وإنما وضع حدودا له وجعله بعيداً عن السياسة، وهذا لا يتم من دون خطوات وإجراءات عملية».

وثمة كذبة ثالثة ـ يذكرها الصايغ ـ استخدمت باستمرار وهي إشاعة رأي يقول إن إلغاء الطائفية السياسية سيجعل طرفاً يطغى على آخر. ويصادف هذه المرة أن الشيعة هم الأقوى، لذلك يقال إنهم سيفرضون هيمنتهم على الآخرين. وهذا قد يحدث لفترة انتقالية قصيرة. لكن مجرد إلغاء الطائفية، وإقرار قانون انتخابات جديد، وإجراء انتخابات من دون قيد طائفي ـ أي انتخاب النواب كمواطنين بصرف النظر عن مذهبهم ـ هذا سيغير قواعد اللعبة، خاصة حين يعلم النائب انه سيحاسب على أساس لا طائفي. عندها ستظهر قوى سياسية جديدة بمواصفات مختلفة غير التي نراها اليوم.

وثمة كذبة مستجدة ـ بحسب الصايغ ـ وهي القول بأن تطبيق «اتفاق الطائف» يلغي الطوائف. وهذا غير صحيح لأن الطوائف حقوقها محفوظة في «مجلس الشيوخ» الذي عند تأليفه سيضم ممثلين من مختلف الطوائف.

وجدير بالذكر أن اتفاق الطائف حدد خطوات عملية وإجراءات تطبيقية، لإلغاء الطائفية، لم يطبق منها لغاية الآن، سوى بنود قليلة. وكذلك تنص المادة 95 من الدستور على ذلك، وثمة مادة تحدد أنه «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية». القفز فوق أشواط الطائفية وأمراضها حلم قديم راود العديد من اللبنانيين الذين كثيراً ما كانوا يجابهون بموجات من الرفض العارم. ولعل أحداً لا يذكر اليوم أن «الميثاق الوطني اللبناني» الذي رافق الاستقلال عام 1943 كان يتضمن فقرة وضعها الرئيس رياض الصلح حينها كان الهدف منها التوصل إلى إلغاء الطائفية السياسية. وأن الرجل حاول جاهداً أن يصل إلى مبتغاه، لكن أمواج العصبية كانت أقوى منه، وتم تقليص مضمون الميثاق، بطريقة مشوهة.

هذا ما يذكره الكاتب والمفكر اللبناني أحمد بيضون في كتابه الصادر حديثاً في باريس عن دار «أكت سود» باللغة الفرنسية ويحمل عنوان «انحطاط لبنان أو الإصلاح اليتيم». وفي الكتاب شرح للعلاقة الوثيقة بين الطائفية المتبعة كنظام سياسي والتدخلات الأجنبية. بحيث وجد كل طرف أجنبي طائفة يمر عبرها إلى مصالحه في لبنان. وهو الأمر الذي لا يزال قائماً إلى اليوم. وبسبب هذا التجذر القديم للنظام الطائفي الحالي يرى الكاتب عبد الغني عماد أنه حتى لو توافقت الأطراف على البدء بتنفيذ بنود اتفاق الطائف لإلغاء الطائفية السياسية فإن كل بند سيقود إلى متاهات وخلافات واجتهادات ستصل حد التناقض. فمثلا هناك بند «اللامركزية الإدارية». هذا عنوان عريض ـ بحسب ما يشرح عماد ـ لكن تفسيره قد يذهب بالبعض حد المطالبة بالفيدرالية. الاتفاق على قانون لا طائفي للانتخابات يناسب جميع الأطراف هو أيضا أمر عصي، لن تتوافق عليه الأطراف بسهولة. أحد أبرز الذين حضروا اجتماعات اتفاق الطائف هو النائب السابق أوغست باخوس، الذي صمد في البرلمان اللبناني 27 سنة، واشتهر بأنه كان رئيساً لهيئة تحديث القوانين لفترة طويلة. باخوس اليوم يتذكر ونحن نتكلم معه أن البنود التي وضعت لإلغاء الطائفية كانت مربوطة في ذهني، بإقرار قانون الأحوال الشخصية الموحد، بعيداً عن المذاهب، ولا بد أن يستتبعه قانون يشرع الزواج المدني المشترك بين الطوائف. يقول باخوس وكأنه في حال سأم: «هذا مشروع طويل الأمد، فهل يمكن أن نتصور بلداً نظامه غير طائفي لا يسمح فيه للطوائف بزواج مختلط». باخوس هذا الرجل الذي تخطى السابعة والسبعين وبات يتأمل المشهد السياسي من بعيد، وهو يعرف جيداً الكواليس والخبايا يقول: «إلغاء الطائفية يحتاج دراسات وأبحاثا، وتشريعات كثيرة وعملا قانونيا دؤوبا، يستكمل بإنشاء مجلس شورى. ما قدمه الرئيس بري لغاية الآن هو كلام في الإعلام، استتبعه ردود من خصومه في الإعلام أيضا. وكأنما كل يغني على ليلاه. هذا بلد الشعارات والشعارات المضادة، وسياسيوه يغنون مواويل الزجل ويرد بعضهم على بعض».

ما يقوله باخوس في جزء منه صحيح، لكن ثمة ما يتحرك ولو ببطء شديد. فقد قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله «إن إلغاء الطائفية السياسية هو من أصعب الأمور.. قد يظل هذا الحوار خمس سنين أو عشر أو عشرين سنة.. يجب أن نجلس مع بعض ونتكلم بصراحة عن مخاوفنا الطائفية». رئيس الجمهورية بدوره الذي يلعب دور الحكم في هذا الموضوع، لم يرفض ولم يوافق بالمطلق بل وضع شروطاً: «ثمة أمور تطورت وباتت تفرض الكلام في ملفات تبدأ باستقلالية القضاء وتمر لتصل إلى إلغاء الطائفية السياسية» لكن يقول الرئيس: «إلغاء الطائفية السياسية يجب أن يحافظ على التنوع والمناصفة وبالتالي المحافظة على ميثاق العيش المشترك الذي يشكل ميزة لبنان ويضفي الشرعية على كل المؤسسات». وهو ما يعطي انطباعاً أن قطار إلغاء الطائفية السياسية قد ينطلق مع الحكومة الجديدة لكن وصوله إلى الغاية المنشودة أمر دونه عقبات وسنوات طوال».