«الإخوان».. على مفترق طرق

يواجهون تحديا لتقرير توجه سياسي أو دعوي.. أو الاستمرار على «البين بين»

طلاب ينتمون للإخوان المسلمين في مظاهرة أمام جامعة القاهرة في أبريل من عام 2008 (رويترز)
TT

أثارت انتخابات مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كثيرا من الغيوم والضباب في سماء الجماعة المثيرة للجدل منذ تأسيسها على يد المصري حسن البنا عام 1928. لكن الفترة التي سبقت إجراءات انتخابات مكتب الإرشاد، كان فيها كثير من الملابسات، أسفرت عن لغط واتهامات واستقالات في صفوف الجماعة، المعروف عنها الالتزام الداخلي، والصرامة في مبدأ السمع والطاعة لأعضائها وقياداتها. وأمام الجماعة تحد كبير يلوح في الأفق: هل تزيد من نشاطها السياسي، بحيث تتحول إلى حزب؟ أم تعود إلى النشاط الدعوي فقط؟ أم تستمر على مبدأ «البين بين»؟ قبيل انتخابات مكتب الإرشاد، التي أعلنت نتائجها يوم الحادي والعشرين من الشهر الماضي، كان هناك كثير من المشكلات العالقة، أولاها تمثلت في دعوة شباب الجماعة إلى إجراء انتخابات جديدة لمكتب الإرشاد، بحيث لا يستثنى من هذه الانتخابات خمسة أعضاء، كان قد تم تصعيدهم من قبل مجلس شورى الجماعة السابق.

وفي بيان لهم بالتزامن مع الأزمة المكتومة، التي سبقت انتخابات مكتب الإرشاد، طالب عدد من الشباب داخل الجماعة بإعادة انتخاب كل أعضاء مكتب الإرشاد بالاقتراع الحر المباشر من مجموع الإخوان العاملين داخل الجماعة بعد تغيير اللائحة الداخلية، وإعطاء الفرصة للمرأة – الأخوات - للاختيار والمشاركة في التصويت، قائلين في بيانهم إن الفترة الأخيرة كشفت عن عدد من الأخطاء المتوارية داخل مكتب الإرشاد، وإن تلك «المثالب» نتجت عن فرض الوصاية على الإخوان باسم الطاعة والثقة بالقيادات. وكان بيان الشباب هنا يتطرق إلى أحد أسس الجماعة، ألا وهو مبدأ السمع والطاعة، أي إن الانتقادات وصلت إلى ركن من أركان الإخوان الأساسية، وهو ركن البيعة التي تتم بين الفرد والجماعة. مكتب الإرشاد، الذي يعتبر أعلى سلطة تنفيذية داخل الإخوان، كان عمله محل انتقادات أخرى من شباب الإخوان، منها أنه أصبحت لديه «هواجس الخوف من الأمن». وهذه الهواجس استغلتها بعض القيادات في فرض سيطرتها على مقاليد العمل في الإخوان. فكلما دعا داع من الإخوان إلى إجراء انتخابات ديمقراطية، تعلل البعض بالملاحقات الأمنية، التي تواجهها الجماعة، مما يجعل للمهيمنين على مقاليد الجماعة مبررا للتنصل من التزاماتها، لا سيما المتعلقة بالانتخابات.

كانت أجواء عام 2009 في أوساط الإخوان مشحونة بالتوتر، وكان هذا التوتر يتصاعد يوما بعد يوم طوال السنة. كانت هناك قضايا معلقة ينبغي التعامل معها، بسبب الكثير من المتغيرات المحلية والدولية. مثلا لم يسترح تيار الشباب الإخواني لاستمرار أعضاء الجماعة في تفويض «مكتب الإرشاد»، بحيث يتخذ ما يشاء من قرارات من دون الرجوع إلى أي شكل للتمثيل الديمقراطي.

وكان مرشد الجماعة يستشعر مثل هذه الانتقادات، خصوصا بعد أزمة تصعيد الدكتور عصام العريان لعضوية المكتب العام الماضي من دون إجراء انتخابات، لكن عاكف لم يكن يرى أن مثل هذه الانتقادات يمكن أن تؤثر في مجريات الأمور داخل الجماعة الأكثر تنظيما وصرامة في شكل قيادتها الداخلية. لكن الرياح المطالبة بالتغيير ما لبثت أن هبت مجددا؛ حين فوجئ عاكف بمذكرة تقدم بها كادر مهم من كوادر الجماعة في الإسكندرية، يطالب فيها بتصحيح أوضاع الجماعة. تقدم بالطلب المهندس حامد الدفراوي، وهو من قيادات الإخوان بمحافظة الإسكندرية، ويتمتع بشعبية واحترام في أوساط الإخوان.

وكان الدفراوي يريد تصحيح عدة نقاط، أولاها معالجة الأوضاع المتراكمة بشكل يخرج الجماعة عن أهدافها وسيرتها الأولى، وثانيتها مراجعة اللوائح، وما حدث من خلل في قيم الشورى والشفافية والمحاسبة، وإقصاء القيادات الميدانية التي شاركت في تأسيس الجماعة بشكل لا يعبر عن القاعدة الحقيقية لـ«الإخوان» في سبعينات القرن الماضي.

ويرى الدفراوي أن إقصاء الرأي الآخر، وانعدام الحوار في السلطة التنفيذية العليا للجماعة أصبحا من السمات الغالبة في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن هذا الأمر تعدى الحدود كلها، حتى طال منصب المرشد نفسه، مما قلل من هيبة هذا المنصب بين قواعد الجماعة. وتتضمن مذكرة الدفراوي ملاحظات على ممارسات الإخوان في السنوات الأربع الأخيرة، أي قبيل إجراء انتخابات مكتب الإرشاد التي جرت أواخر الشهر الماضي. ومن هذه الملاحظات أن هناك زيادة في مؤشرات تزوير إرادة الناخبين، قائلا إن التمادي في التعيين بمجلس الشورى العام للجماعة، يؤثر في إرادة الناخبين في اختيار أعضاء مكتب الإرشاد.

وتشير المذكرة إلى حدوث تجاوزات كثيرة في عامي 2005 و2009، ترجع إلى عدة أسباب، منها عدم وجود ضمانات لازمة بإشراف حقيقي من المجمعات الانتخابية، مما أدى إلى عدم وجود آليات محاسبة على الأداء السابق للمكاتب الإدارية في المحافظات، مما يجعل الانتخابات شكلا بلا مضمون حقيقي. وأن هناك نتائج شاذة لكثير من المنتخبين تثير الريبة حول العملية الانتخابية.

كان الدفراوي يطالب بالتحقيق ومعرفة مدى قانونية اللائحة، داعيا عددا من الشيوخ وقيادات الإخوان بالتحكيم في شأن اللائحة، منهم الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ فيصل مولوي، وراشد الغنوشي، وكمال الهلباوي، ومحمد فريد عبد الخالق.

وتسلم عاكف مذكرة الدفراوي بالفعل، قائلا: «إن مثل هذه الطلبات لا نرد عليها، ولكن نستفيد منها. نحن نرحب بمثل هذه الأمور، ولكن بعد ذلك لا شأن له - أي الدفراوي – بها؛ لأنني سأرى ما ينبغي عمله»، ورفض عاكف طلبا من القيادي السكندري للالتقاء به، مشددا على أنه يحق لأي إخواني أن يفعل ذلك، أي يتقدم بمثل تلك المذكرات، لكن التصرف الذي فعله الدفراوي خارج عن اللياقة، لأن «جماعة الإخوان جماعة منظمة لها تاريخ وتقاليد وآداب تجب مراعاتها».

ومما ظهر في هذا الإطار دعوة المحامي الشهير، المجمدة عضويته في الجماعة، مختار نوح، إلى تكليف لجنة تشريعية متخصصة من أبناء الجماعة لإعداد لائحة جديدة لها، بدلا من اللائحة المعمول بها حاليا، وكذلك إخضاع جميع الانتخابات داخل مؤسسات الجماعة للإشراف القضائي من خلال عناصر الإخوان، الذين يحملون صفات القاضي وحياديته ونزاهته، ويعتنقون فكر حسن البنا.

وحين جرت انتخابات مكتب الإرشاد منتصف الشهر الماضي، كان هناك كثير من التفاصيل الخاصة الغائبة عن الرأي العام حول الطريقة الصحيحة لإجراء هذه الانتخابات، خصوصا بعد أن طعن فيها الدكتور محمد حبيب، النائب الأول المستقيل لمرشد الإخوان. ويقول مرصد حالة الديمقراطية في الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، الذي أعد تقريرا عن انتخابات مكتب الإرشاد، إنه – أي المرصد - حاول متابعة الانتخابات متابعة ميدانية وحضورها، «وقمنا بالاتصال بعدد من رموز الجماعة لتمكيننا من ذلك، أو حتى للحصول على نسخة كاملة من اللائحة الداخلية، تكون معترفا بها من الجماعة»، وكان ردهم على طلبنا أن الانتخابات سرية وبالتمرير، ولم تذكر لنا كيفية إجرائها بالتمرير، أو كيفية السرية وما ضمانات نزاهتها.

المرصد قال أيضا إنه لم يتمكن من العثور على اللائحة على موقع الجماعة الناطق باسمها، ولكن كانت هناك نسخ من اللائحة تداولتها بعض المدونات والصحف، ولم يصدر عن الجماعة نفي ولا تأكيد لها، وإن الجماعة لم تتح لائحتها للرأي العام إلا في الثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أي بعد الانتهاء من انتخابات مكتب الإرشاد، وذلك على موقعها الناطق باسمها على شبكة الإنترنت. وبالعودة إلى الفترة التي سبقت انتخابات مكتب الإرشاد الشهر الماضي، كانت هناك كذلك مطالبات تتخطى موضوع اللائحة الداخلية إلى عدة مطالبات أخرى، تتعلق بكيفية التعاطي مع الواقع السياسي العام في مصر. أولا ظهر على الجماعة في السنوات العشر الأخيرة ميل إلى مزيد من الانخراط في الحياة السياسية، لكن هذا لم يكن واضحا، بل كانت تعرقله توجهات بالعودة إلى الالتزام بالأساس الدعوي للجماعة، ليكون غالبا على الأسس السياسية. ويقول مرصد الديمقراطية إنه كانت «هناك حالة حراك داخلية في الجماعة تحاول أن تخرج بالجماعة من الإطار الدعوي والديني البحت إلى التحول السياسي».

لكن نتيجة انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة، التي أعلنت يوم 21 الشهر الماضي، كشفت عن أن الفكر الإقصائي داخل الجماعة «هو الأقوى في اللحظة الراهنة»، أي إن أصحاب توجهات العودة إلى الالتزام بالأساس الدعوي للجماعة هم الغالبون؛ فقد تم استبعاد رموز الاعتدال والمشاركة والحوار من عضوية مكتب الإرشاد، ومنهم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، إضافة إلى محمد حبيب.

كان الراغبون في انفتاح الجماعة على المجتمع والتعاطي مع المؤسسات العامة، وفقا لدستور الدولة وقانونها، يضغطون مكتب الإرشاد برفق في الأشهر التي سبقت الانتخابات الأخيرة، من أجل إجراء تحولات توضح توجهات الجماعة، إن كانت سياسية أم مجرد دعوية. ومن أشهر الدعوات التي تسير في هذا الاتجاه، مبادرة طرحها الدكتور محمد البلتاجي، سكرتير الكتلة النيابية لنواب الإخوان بمجلس الشعب المصري، وتضمنت عدة أطروحات سياسية يمكن أن تزيل الضباب عن موقف الإخوان من المجريات السياسية في مصر، خلال السنوات الـ12 المقبلة، منها إعلان الجماعة التزامها بعدم تقديم مرشح منها لانتخابات الرئاسة المقرر لها عام 2011، وكذا الالتزام بمشاركة برلمانية، والمقرر لها هذا العام، لا تسعى للحصول على أغلبية، ولا تزيد على 20% من عدد مقاعد البرلمان.

الهدف هو إتاحة فترة انتقالية لكي يقوى المجتمع ككل، في مناخ صحي، بما فيه من أحزاب وقوى سياسية، ومجتمع مدني، وشخصيات عامة، بعيدا عن الاحتقان والاستقطاب الذي أضر بالجميع. مثل هذه الأطروحات، سواء ما تم الإعلان عنها، أو ما الاكتفاء بتداولها بين قيادات في الجماعة، تشير أيضا إلى ضرورة أن تتقدم الجماعة، خلال هذه الفترة الانتقالية، بطلب للحصول على المشروعية السياسية من خلال حزب يعلنون جميع بياناته وتشكيلاته.

وإلى جانب الشق السياسي الانفتاحي، هناك شق دعوي انفتاحي أيضا تشير إليه أطروحات دعاة الانفتاح على المجتمع، بأكثر من السابق، منها أن هذه التحولات لا بد أن تصاحبها أيضا مراجعة الإخوان لبرنامجهم، وإعلان استعدادهم للعمل الدعوي والخيري والاجتماعي والتربوي والرياضي، من خلال جمعية عامة، يتم إشهارها بموافقة الدولة، وكذلك أن تؤكد الجماعة على القبول الكامل لآليات العملية الديمقراطية والتسليم بنتائجها، والتسليم بجميع حقوق المواطنة من دون إقصاء لأحد.

وحتى قبيل انتخابات مكتب الإرشاد بأيام، كان الاتجاه الانفتاحي داخل الجماعة يدعو أيضا إلى إجراء انتخابات التجديد لمجلس شورى الإخوان، ومكتب الإرشاد، واختيار المرشد العام في أجواء من الحرية والعلانية والشفافية، باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من نسيج الوطن وقوة من قواه السياسية. وبدأت بعض قيادات الإخوان المحافظة تبدي تبرما وانزعاجا من مثل هذه الدعوات والأطروحات، خصوصا بعد أن بدأت بعض المكاتب الإدارية التابعة للتنظيم في تقديم مذكرات إلى مكتب الإرشاد، تطالب فيها بضرورة تغيير بعض بنود اللائحة الداخلية للتنظيم، مثل تلك التي تقدم بها الدفراوي، ولم تجر مناقشته فيها.

مرصد حالة الديمقراطية بالجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، الذي تابع انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة، قال في التقرير الذي أصدره الليلة قبل الماضية، إن هذه الانتخابات كشفت أولا أن الحفاظ على التنظيم لدى الجماعة أهم من الديمقراطية والحوار الفكري والنقاش، «فقد تم إجراء تصويت بين أعضاء مجلس الشورى العام قبل انتخابات المكتب الأخيرة حول إجراء انتخابات مكتب الإرشاد، أسفر عن تأييد 37 عضوا بالشورى العام لإجراء الانتخابات خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2010، فيما صوت 32 عضوا بالشورى العام على تأجيل الانتخابات إلى ما بعد انتخاب مجلس الشورى العام في يونيو (حزيران) القادم، فيما صوت 16 عضوا نحو تأجيل الانتخابات لما بعد الانتخابات البرلمانية نهاية هذا العام».

وبهذه النتائج، كان رأي المطالبين بتأجيل الانتخابات 48 صوتا، وهنا تم طرح الأمر للنقاش بمكتب الإرشاد، وظهرت آراء تقول بالأخذ برأي أصحاب الـ37 صوتا، أي التبكير بالانتخاب. وتم تبرير ذلك بأن الـ16 صوتا، التي أيدت تأجل انتخابات مكتب الإرشاد، إلى نهاية العام الجاري، «لا يعني بالضرورة موافقتهم على تأجيلها لما بعد انتخاب مجلس الشورى العام للجماعة»، التقرير.

لكن الانتخابات جرت وانتهت مبكرا. ومن أهم المآخذ على انتخابات مكتب الإرشاد هي أنها تمت بناء على استفتاء أجراه مكتب الإرشاد، للوقوف على رأى أعضاء مجلس الشورى العام «في بعض الأمور». وبدلا من أن يتم هذا الاستفتاء من خلال مجلس الشورى، تم إجراؤه بواسطة أفراد من مكتب الإرشاد «في توقيت عليه الكثير من المآخذ»، وقام أعضاء بمكتب الإرشاد السابق بإعداد ورقه استفتاء، كان موضوعها يدور حول استطلاع رأي أعضاء مجلس الشورى العام في شأن موعد إجراء انتخابات أعضاء مكتب الإرشاد، والجهة التي تجريها، وما إذا كانت هذه الجهة هي مجلس الشورى الحالي أم القادم.

مرصد حالة الديمقراطية بالجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية أورد أن الخطأ يبقى في الاستفتاء، لأنه أرسى قاعدة «الالتفات عن النص» قائلا إنها «قاعدة خطيرة»، تشير إلى رغبة في الخروج عن القواعد المنظمة إلى أهداف أخرى. «وكم كان سيصبح الأمر متضاربا إذا ما اصطدمت نتيجة الاستفتاء بنص اللائحة». وأورد التقرير أيضا أن مبدأ الاستفتاء خالف طبيعة الاستفتاء القانونية، التي تكون عاده للوقوف على رأى القاعدة في أمر، حتى تتم صياغته تشريعيا؛ «أما أن يتم على أهل الحل والرأي، وهو المجلس التشريعي (للجماعة)، والذي في وسعه أن ينص في اللائحة على ما يريد، فهذا هو المستغرب». العيب الثاني الذي أشار إليه التقرير الخاص بانتخابات مكتب الإرشاد، يتعلق بتوقيت إجراء الانتخابات، مشيرا إلى أن الجماعة لم تعقد انتخابا واحدا لكامل هيئة مكتب الإرشاد منذ عام 1995، وحتى تاريخ هذه الانتخابات، التي جرت الشهر الماضي، إلا أن مكتب الإرشاد كان يقوم بتعيين أعضاء حال خلو المقاعد، ففي السابق تم تعيين كل من الدكتور محمد مرسي، وصبري عرفة، والدكتور محمود غزلان، والدكتور محمد بشر، والدكتور محمود حسين.

ولم يحدث أن أجري مكتب الإرشاد أو مجلس الشورى العام أي اقتراع أو انتخاب لأي من الأعضاء، باستثناء ما حدث في عام 2008 من تصعيد البعض، من خلال استطلاع الرأي في مجلس الشورى بالتمرير، وهو ما أسفر في العام قبل الماضي عن اختيار كل من أسامة نصر، ومحيي حامد، وسعد الحسيني، ومحمد الكتاتني، ومحمد عبد الرحمن لعضوية مكتب الإرشاد، على الرغم من أن الفرصة كانت مواتية حينذاك لإجراء انتخابات كاملة للمكتب، الذي كانت مدته قد تجاوزت خمسة عشر عاما. وبالمقارنة بين المدة الطويلة لمكتب الإرشاد السابق، والهرولة وراء إجراء انتخابات الشهر الماضي لهذا المكتب على وجه السرعة، كانت هناك تساؤلات، تطرق إليها تقرير مرصد الديمقراطية بالتفصيل قائلا: «ما الداعي لأن يكون شهر ديسمبر من عام 2009 هو مسرح الأحداث لمجلس قد استقر دون تجديد منذ عام 1995؟»، و«أين الرابط اللائحي، الذي جعل هذه الفرصة - انتخاب مكتب الإرشاد - فرصه لاختيار المرشد الجديد؟». ويشير التقرير إلى أنه كان هناك خطأ في التوقيت وفي الإعلان عن إجراء انتخابات مكتب الإرشاد، مشيرا إلى أن عضوا واحدا من أعضاء المكتب، هو الدكتور محمود عزت، منظم إجراءات هذه الانتخابات، هو الذي أعلن عن موعدها في القنوات الفضائية، قبل علم أعضاء مجلس شورى الجماعة، أو اللجنة المشكلة للإشراف على الانتخابات.

وبعد إعلان عزت التلفزيوني، الذي كان في الساعة العاشرة من ليل يوم الأربعاء، 16 من الشهر الماضي، جرى البدء في طلب التصويت بالتمرير في صباح اليوم التالي مباشرة، الخميس 17 من الشهر الماضي. وانتهت إجراءات الانتخابات كافة يوم الجمعة، 18 من الشهر الماضي. وكما يشير التقرير، لم يكن أمام جمعية الانتخاب، وهى هنا مجلس الشورى، إلا ساعات محدودة للاختيار، وفى عجلة لم يبررها أحد حتى هذا الوقت.

بهذه الطريقة، لم يتمكن أحد من الإشراف الفعلي على هذه العملية. «كما أن أعضاء مجلس الشورى أنفسهم لم يعلموا بنتيجة الانتخاب إلا على صفحات الصحف والمواقع الإلكترونية، وترتب على هذا التوقيت المتعجل أن الذين تم اختيارهم للإشراف على الانتخابات، لم تترك لهم تلك الإجراءات المتلاحقة أي فرصة للنقاش حول الإجراءات ومدى سلامتها، كما لم تترك لأحد حرية اتخاذ ولو قرار واحد يساعد على تدعيم حرية الإرادة، فكأنهم قد تم حصارهم بين لجنة صورية وإجراءات متسارعة، بحيث تتم الانتخابات حتى ولو اختلت الإجراءات».

ويقول المرشد العام مهدي عاكف، الذي تنتهي ولايته يوم الثالث عشر من الشهر الجاري، إن الانتخابات أجريت وفقا لقرار من مجلس الشورى العام للجماعة، بعد استطلاع رأيه. وكان رأي أغلبية المجلس أن تجري انتخابا كاملا لمكتب الإرشاد، وكذلك كان رأي الأغلبية أن يتم انتخاب لمكتب الإرشاد الآن؛ نزولا على رأي مجلس الشورى، واحتراما للشورى كمبدأ إسلامي أصيل، وإعمالا للائحة والمؤسسية. لكن عاكف يوضح قائلا: «قمت شخصيا بتشكيل لجنة لإجراء هذه الانتخابات من أعضاء مجلس الشورى تحت إشرافي، وتمت هذه الانتخابات بالطريقة المناسبة؛ على الرغم من الظروف التي نعيش فيها».

وجاء تشكل مكتب الإرشاد الجديد معبرا عن توجه «محافظ دعوي» أكثر منه «منفتح سياسي». ويتكون المكتب في تشكيله الجديد من 18 عضوا، بينهم اثنان في السجن، هما: خيرت الشاطر، والدكتور محمد علي بشر؛ حيث احتفظا بموقعيهما بسبب وجودهما في السجن، وبشكل استثنائي حسبما تنص اللائحة.

أما من خاضوا الانتخابات وفازوا فيها، ليتشكل بهم مكتب الإرشاد الجديد، فهم: الدكتور أسامة نصر الدين، وجمعة عبد العزيز، الدكتور رشاد البيومي، والمهندس سعد الحسيني، والدكتور عبد الرحمن البر، والدكتور عصام العريان، والدكتور محمد بديع، والدكتور محمد سعد الكتاتني، والدكتور محمد عبد الرحمن المرسي، والدكتور محمد مرسي، والدكتور محمود أبو زيد، والدكتور محمود حسين، والدكتور محمود عزت، والدكتور محمود غزلان، والدكتور محيي حامد، والدكتور مصطفى الغنيمي.

وسيكون على هؤلاء الأعضاء، وعلى رأسهم المرشد الجديد الذي انحصر اسمه في أحد اثنين من القطبيين المحافظين، التعاطي مع الواقع المصري الذي سيشهد فعاليات جمة، خصوصا خلال هذا العام والعام المقبل، من انتخابات برلمانية ورئاسية، وكذا النظر في طروحات قيادات بالجماعة، للحد من اللغط والاتهامات والاستقالات، والعودة إلى مبدأ السمع والطاعة، حتى لو كان ذلك على حساب وجود الجماعة سياسيا أو اجتماعيا، سواء من خلال حزب سياسي أو جمعية دعوية، أو الاستمرار على نهج عدم الوضوح، أو ما يسمى «بين البينين».