مضيق هرمز.. شريان العالم

80% من نفط الخليج يمر خلاله للعالم.. وشهدت الحرب العراقية - الإيرانية آخر حادثة لتعطيل الحركة الملاحية فيه

يشهد مضيق هرمز حركة ناشطة للسفن التجارية طيلة العام («الشرق الأوسط»)
TT

لا يمكن قراءة التهديدات الإيرانية الخاصة بإغلاق مضيق هرمز المائي، إلا وفق رؤية الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، الذي قال إن إقدام إيران على هذه الخطوة هو «عمل حربي خطير»، إذ يكتسب مضيق هرمز أهمية بالغة، لأن 80 في المائة من نفط الخليج يمر عبره إلى العالم، وفقا لما أبلغ به «الشرق الأوسط» مسؤول بارز في أمانة مجلس التعاون الخليجي، ولا يزيد عرض مضيق هرمز عن 54 كيلومترا (29 ميلا بحريا)، ويشرف عليه من الجانب العربي دولتان خليجيتان، هما الإمارات وعمان، ويشير هنا، الدكتور علي التواتي الخبير الاستراتيجي السعودي إلى أن «الجانب الشرقي من المضيق أصبحت إيران تشرف عليه بشكل كامل، بعد احتلال الصفويين لإمارة لينجا العربية التي كانت على الشاطئ الشرقي للخليج وابتلاعها في أوائل القرن التاسع عشر».

ويضيف «أصبح كل الشاطئ الشرقي للخليج من رأس الخليج إلى باكستان ملكا لإيران، فطهران تستطيع أن تعطل حركة المرور في الخليج كما حصل أثناء الحرب العراقية - الإيرانية وتستطيع أن تعرقل مضيق هرمز، وصولا إلى عرقلة الحركة في خليج عمان والبحر العربي لأن لها حدودا حتى باكستان».

وشهدت أواخر الحرب العراقية - الإيرانية، آخر حادثة لتعطيل الحركة الملاحية في مضيق هرمز وفي منطقة الخليج بشكل عام، جراء إلقاء ألغام بحرية في قاع البحر، أصيبت على إثرها سفينة حربية أميركية، ما دفع بواشنطن إلى الرد على تلك الحادثة بتدمير سفينتين إيرانيتين وزوارق بحرية.

ولكن، هل من الممكن أن تقوم طهران هذه الأيام، بإغلاق مضيق هرمز، في الوقت الذي ستكون فيه الصين أكبر المتضررين من جراء هذه العملية؟

لا يتصور الدكتور علي التواتي، وهو خبير استراتيجي سعودي، أن تصمت الصين ودول شرق آسيا على مثل هذا الفعل، إذا عمدت إيران إلى إغلاق مضيق هرمز، كونها ستكون أكبر المتضررين، وذلك بغض النظر عن أميركا ومصالحها وحلف شمال الأطلسي.

ويؤكد التواتي لـ«الشرق الأوسط»، أن أي إغلاق إيراني محتمل لمضيق هرمز، هو «استعداء للعالم أجمع»، ويضيف «كلنا يتذكر حينما تجرأت إيران على تعطيل الملاحة في الخليج رأينا النتائج وكيف أنها خسرت الحرب وجعلت العالم كله يقف مع العراق، فإذا تجرأت على تعطيل الحركة فهي تعلن بذلك حربا عالمية لا تستطيع أن تتحمل أوزارها».

الدكتور أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، يقول إن مجرد التهديد بإغلاق مضيق هرمز، «يجب أن يؤخذ بمحمل الجد، لا محمل الهزل، الولايات المتحدة ودول العالم سوف تضع هذا الموضوع في الاعتبار، لأن أي تعطيل للمضيق سيعطل التجارة الدولية وسيعطل حركة النفط العالمية».

وأظهرت طهران نيتها إغلاق مضيق هرمز، على لسان يحيى رحيم صفوي القائد العسكري البارز في الحرس الثوري والمستشار الأعلى للمرشد الأعلى آية الله خامنئي، الذي قال: «إن إيران تسيطر على مضيق هرمز ولن تتردد في إغلاقه إذا تعرضت للاعتداء».

وأمام كلام صفوي، يقول عشقي لـ«الشرق الأوسط»: «مجرد كلام من هذا النوع يجب أن يؤخذ بعين الجدية، صحيح أن نجاد صرح أنه لم يسمع هذا التصريح، وأن إيران تضمن تسيير التجارة والسفن من خلال مضيق هرمز، لكنه أمر مقلق للغاية».

وطبقا للمعلومات المتوافرة، حول حجم النفط الذي يسير عبر المضيق، فإن ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميا، تعبر هرمز، بمعدل ناقلة كل 6 دقائق في ساعات الذروة، تحمل على متنها 17 مليون برميل نفط، وهذا ما دفعه ليكون من أهم المضايق حول العالم.

ودائما ما كانت المضايق، ورقة تنازع مصالح بين الدول الكبرى، وهو ما أسس لتفاهم دولي أعطى كافة الدول حق المرور بها، وأعطى مقابل ذلك شرعية أي عمل عسكري ينفذ على الدول التي تلجأ لإغلاقها.

ويعطي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، تصورا للكيفية التي ستتبعها إيران في تعطيل حركة الملاحة البحرية في مضيق هرمز، حيث يقول «إما أن يوقف بتفجير سفن في نفس المضيق، وهذا قد لا يعطل الحركة إلا إذا كانت أكثر من سفينة، وإما عبر الألغام البحرية في هذه المنطقة».

وفي وصف التواتي خبير الاستراتيجيات السعودي، لمدخل مضيق هرمز من ناحية الشمال، يقول: «إيران احتلت ابتداء جزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى، لأن هناك خطا ملاحيا بحريا يمر إلى الشرق من الجزيرتين، هذا الخط ضحل ولكن يمكن أن يستخدم في عبور السفن ذات القطع المتوسط والخفيف، ومن ثم وجدت أن هناك خطا بحريا آخر إلى الغرب قليلا ويمر بالضبط قرب جزيرة أبو موسى، فهو يمر بين هذه الجزيرة وجزيرة يسري، فهذا الخط يمر بين أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى».

ويوضح التواتي في محاولة تحديده للمنطقة التي يمكن أن تقوم فيها طهران بأي عمل لعرقلة السفن، بأن مدخل قلب مضيق هرمز، هو عبارة عن خط بحري أقرب ما يكون إلى شبه جزيرة مسندم، وهي منطقة يتراوح العمق البحري فيها بين 200 و500 متر، فيما يقل العمق كلما تم الاتجاه شمالا في الخليج ويتناقص حتى يصل على السواحل الإيرانية إلى 25 مترا، وهذه المنطقة هي موقع القتال والمناورة، وبالذات للسفن الحربية الكبيرة، التي عادة ما تتمركز الأميركية منها في خليج عمان والبحر العربي كونها مناطق عميقة.

ويؤكد التواتي، أن كافة التحركات العسكرية التي تتم عند السواحل الإيرانية التي يصل فيها العمق إلى 25 مترا، تستخدم فيها قطع عسكرية صغيرة، ويشير إلى أنه في 18 أبريل (نيسان) 1988، شن الأميركيون عملية عسكرية بحرية اسمها «فرس النبي» دمروا خلالها سفينتين حربيتين إيرانيتين و6 قوارب مسلحة، انتقاما لإصابة السفينة الحربية الأميركية سامور روبرت بلغم بحري إيراني.

وستكون إيران، هي أول وأكبر المتضررين من إغلاق مضيق هرمز، لكنها وكما قال أنور عشقي قد تبني موقفها على قاعدة «عليّ وعلى أعدائي».

ويبرز عشقي، الذي يدير مركزا لدراسات الشرق الأوسط يتخذ من مدينة جدة الساحلية مقرا له، إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الأخرى بالتمركز في المناطق القريبة من مضيق هرمز، في حال نفذت إيران تهديدها، وهو ما سيؤدي إلى قيادة حرب عالمية ضدها، ويتفق الخبراء، أن إيران ستختنق اقتصاديا بشكل كبير، يقول التواتي: «أول من سيختنق من العملية هي إيران نفسها».

وطرح خبير الاستراتيجيات السعودي، فرضية ما إذا تم تعطيل العبور عبر مضيق هرمز دون نشوب حرب، فهذا يعني تعطل تصدير النفط الإيراني. ويقول: «الدول العظمى التي تقفل إيران في وجهها مضيق هرمز، لن تسمح لك أن تصدر النفط من أي مكان آخر جنوب مضيق هرمز بأي حال من الأحوال».

وتساءل: «إيران كدولة كم من الزمن تحتاج أن تعيش من دون تصدير نفط، وكم من الزمن تستطيع التحمل ألا تأتي واردات عبر البحر من الخارج عبر مضيق هرمز ومن خلال علاقاتها التجارية مع دول الخليج العربي وبالذات الإمارات ومدينة دبي على وجه التحديد؟».

ويتفق مع ما طرحه التواتي، الدكتور أنور عشقي، الذي يقول: «إيران ليست من الحماقة أن تقوم بغلق مضيق هرمز في حال تعرضت لعقوبات، لأنها لو فعلت ذلك فإن دول العالم ستتضافر لضربها وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية».

ويشير رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، إلى أن «أي محاولة لإغلاق المنفذ سيجعل التدخل بالقوة هو الخيار المطروح، وهو ما يطرح سيناريو احتلال الدول الغربية للمضيق ووضع قواعدها هناك لضمان عدم تأثر خطوط الملاحة بأي تصرفات من شأنها تعطيل حركة التجارة»، وطرح بعض من تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، سيناريو الدفع بإيران لإغلاق مضيق هرمز، لإعطاء الغطاء الشرعي لأي عمل عسكري قد يشن ضدها، واستحضر أنور عشقي، موضوع قفل مضايق في خليج العقبة، الذي أدى إلى اندلاع حرب 67، التي لا يزال العرب يعانون منها حتى الآن.

ويقول الدكتور علي التواتي، وهو عميد متقاعد من القوات المسلحة، إنه وبحسب القانون الدولي، فإن إغلاق المضايق هو إعلان حرب على العالم، ويضيف «السبب الرسمي المسجل عالميا لحرب 67 هو أن الرئيس المصري أعلن إغلاق مضيق إيران، وبخرقه القانون الدولي منع حرية العبور من الممرات التي عرفت بأنها دولية، وبذلك أعطى إسرائيل المبرر الشرعي كي تقوم بعمل عسكري».

ويصف الدكتور التواتي، أي عمل ستقوم به إيران تجاه مضيق هرمز، بأنه لا يعدو أن يكون عملا عبثيا، لا تستطيع من ورائه السيطرة على المضيق، ويقول: «من السهل أن تقوم إيران بإغلاق المضيق عن طريق الألغام البحرية أو الزوارق السريعة المفخخة، لكن اعتقادها أن الاحتلال للجزر الإماراتية سيمكنها من السيطرة على المضيق هذا أمر مستحيل، إيران سيكون دورها عبثيا، لأن الجزر هذه ستكون رهينة بالقوى الأعظم، لأن أي حرب محتملة ستدفع بالقوى الكبرى لإلغاء القوات الإيرانية المتمركزة والمسيطرة على الجزر الثلاث وتتمركز فيها».

وهناك من يقرأ التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، وفق سيناريوهين، قد يدفع الأول باندلاع حرب سيكون الخاسر الأول والأخير فيها طهران، أما الثاني فقد يدخل في باب التصعيد السياسي الغربي والعالمي، بالنسبة لموضوع الملف النووي الإيراني.

ويشير الخبير الاستراتيجي السعودي، إلى أن الضغوط التي تمارس على إيران إضافة إلى تشديد المقاطعة بشكل أكبر ستؤدي إلى انفراج الأزمة بشكل أو بآخر، لأن كل ما يحدث في المنطقة هو على خلفية البرنامج النووي الإيراني.

وينبه هنا، إلى أن كل أجهزة الاستخبارات العالمية تجمع على أن البيان الإيراني إعلامي، ويضيف «طهران لا تستطيع أن تخصب 20 في المائة مثل ما أعلنت قبل عدة أيام».

لكن القوى الكبرى، طبقا للتواتي، «مصرة على منع إيران من تطوير التقنيات لتصل إلى قدرة تخصيب على مستوى 20 في المائة، لأنها إذا استطاعت أن تخصب بنسبة 20 في المائة فهي تستطيع أن تخصب بنسبة 90 في المائة، وتستطيع إنتاج القنبلة النووية».

ولكن، في حال وافقت الصين على مشروع العقوبات الأميركي المقترح على إيران في مجلس الأمن، هل من الممكن أن تلجأ طهران لإغلاق مضيق هرمز.

ويقول التواتي مجيبا على هذا التساؤل: «أستبعد تماما أن تلجأ طهران إلى القيام بإغلاق مضيق هرمز، وكما قال وزير الخارجية السعودي، إن الإقدام على هذه الخطوة هو إقدام على عمل حربي، وبمثابة إعلان فعلي للحرب، إغلاق المضايق الدولية من الأفعال الحربية، لا تسمح به الصين قبل أميركا».

وتستبعد دول الخليج العربية أن تقوم إيران بخطوة خطيرة مثل إغلاق مضيق هرمز، ويعبر هنا الدكتور عبد العزيز العويشق الوزير المفوض ومدير إدارة التكامل في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن اعتقاده بأن إيران لا يمكن أن تقدم على هذه الخطوة.

غير أن أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، نبه الدول الخليجية إلى ضرورة أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، مبرزا إمكانية حدوثه، وقال: «لا بد للدول الخليجية أن تبحث عن منافذ أخرى، فالسعودية الآن تسيّر البترول عبر الجزيرة العربية وصولا إلى البحر الأحمر كما هو موجود في ينبع، وعبر الموانئ السورية واللبنانية وغيرها بواسطة خطوط التابلاين».

ويؤكد أنه «لا بد من التفكير جديا في فتح قنوات عبر اليمن وعمان حتى لا يبقى العالم في ورطة إذا ما حدث هذا العمل»، في إشارة إلى إغلاق مضيق هرمز.

وتفرض التهديدات الإيرانية المتتالية بإغلاق مضيق هرمز، هاجسا يؤرق الدول الخليجية، وخصوصا «السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين»، حيث يشير المسؤول الخليجي عبد العزيز العويشق في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن معظم الصادرات النفطية الخليجية تمر عن طريق هرمز باستثناء عمان.

وبدأت الإمارات العربية المتحدة فعليا، بالتفاعل مع تهديدات الجارة الإيرانية، وذلك بمد خط أنابيب نفطي، يجنبها الاعتماد على مضيق هرمز بشكل أساسي، ويتوقع أن يتم الانتهاء منه العام المقبل 2011.

ويرى الوزير المفوض ومدير إدارة التكامل والدراسات في مجلس التعاون الخليجي، أن إغلاق مضيق هرمز لا يعدو كونه فرضية حتى الآن، لكنه قال: «لو حدث (الإغلاق)، فسيشكل تهديدا لوصول النفط إلى الأسواق العالمية، فالغالبية العظمى من نفط دول مجلس التعاون تتم عن طريق مضيق هرمز، الإشكال سيكون للمنطقة وللعالم».

ويعتقد العويشق أن النفط هو الجزء الأكبر من المشكلة، لكنه يعتقد أن دول مجلس التعاون ستتأثر أيضا بقضية وصول الواردات من العالم الخارجي، ويقول: «السعودية وعمان لديهما منافذ أخرى، ولكن غالبية دول المجلس ليس لديها منافذ بالنسبة للسلع الأخرى».

ويسوق المسؤول الخليجي، تأكيدات بعدم وجود بديل لمضيق هرمز فيما يتعلق بالتجارة النفطية لغالبية دول مجلس التعاون، ويقول: «السعودية لديها أنبوب من الشرق إلى الغرب ولكن طاقته محدودة».

بدوره، حذر الدكتور عبد الرحمن الزامل، رئيس مجلس إدارة مركز الصادرات السعودي، من مغبة بقاء الدول الخليجية تحت المخاطر والاستفزازات الإيرانية، إذا لم يتم إيجاد خطوط أنابيب وموانئ نقل مختلفة وبديلة لموانئ الخليج، ويشير الزامل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن بلاده لديها تجربة بتمديد أنابيب من الشرق إلى الغرب وهي تنقل الآن أكثر من مليوني برميل نفط يوميا.

ويطرح رئيس مجلس إدارة مركز الصادرات السعودي بديلا قد يغني عن الاعتماد على مضيق هرمز، بقوله: «المطلوب الآن أن نمدد أنابيب من رأس تنورة والمواقع في المنطقة الشرقية إلى صلالة في عمان، فسنفتح بذلك 4 ملايين برميل توجه عن طريق البحر العربي».

ويشير إلى أن مثل هذه الخطوة «ستحقق وفرة لأن البواخر لن تضطر إلى دخول الخليج وقضاء 4 أيام إضافية في الدخول والخروج والانتظار والتهديد والتأمين المرتفع، فإذا لم نفعل هذا الخيار مع دولة شقيقة سياسية آمنة تحكمها حكومة عاقلة مثل سلطنة عمان فسنستمر تحت التهديد»، يؤكد الزامل أنه «في هذه الحالة، بمجرد بنائنا لهذا الخط، من الممكن أن ترتبط الكويت بهذا الخط، وحتى قطر والدول الأخرى، ما سيقلل من أهمية الخليج الاستراتيجية والتهديدات التي دائما تضع دول الخليج في وسطها».

لكن رئيس مجلس إدارة مركز الصادرات السعودي، عاد ليؤكد أنه «لا يمكن لأي إنسان أن يقلل من هرمز على التجارة الدولية، أي توقف أو تدخل في المضيق، هو إعلان حرب على العالم، لأنه إذا توقف النفط تحطم الاقتصاد العالمي».