الملا برادر.. المسدس في المنديل الأحمر

القائد الأفغاني براغماتي غير تقليدي أنقذ زعيم طالبان من الأميركيين بعدما ألبسه «البرقع»

TT

في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2001، قامت الطائرات الحربية ومروحيات الهجوم الأميركية بالقصف المكثف على المناطق المحيطة بمعقل حركة طالبان في قندهار، وهي مقر القوة العسكرية للحركة والمكان الذي كان القائد الأعلى الملا محمد عمر يختبئ به. وكانت قندهار، وهي واحدة من أكبر المدن في أفغانستان، تثبت أنها بمثابة شرك لقائد طالبان. فمن ناحية كان الأميركيون يضربون المدينة والمناطق المحيطة بها بقنابل ذكية، ومن الناحية الأخرى كانت الوحدات العسكرية الأميركية المتخصصة (المؤلفة من قوات الكوماندوز وعملاء جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية ومساعديهم من بين الأفغان) تقترب من قندهار من جميع الاتجاهات من أجل أسر أو قتل أعضاء القيادة العليا في طالبان وتنظيم القاعدة التابع لها.

وفي هذه اللحظات الباعثة على اليأس، قدم الشاب البراغماتي الملا برادر، أحد قادة طالبان، الذي يبلغ من العمر 33 عاما، فكرة غير تقليدية للقائد المحافظ للغاية لحركة طالبان، الملا عمر. فقد طلب من الملا عمر أن يرتدي البرقع (النقاب التقليدي الذي ترتديه المرأة الأفغانية ويغطي الوجه وكامل الجسد) ويذهب معه على متن دراجة بخارية إلى مكان غير معروف.

كما نصح هذا الشاب القائد الأعلى لطالبان أن يترك أسلحته الشخصية وحرسه المسلحين، لأنه في ظل وجودهم من السهل أن يتعرف عليه الأميركيون. ووفقا لهذه القصة، التي يذكرها المسلحون الباكستانيون وطالبان الباكستانية، كان الملا عمر مترددا في بادئ الأمر في ارتداء الزي التقليدي للمرأة، لكنه رضخ ووافق في النهاية في ظل الخطر المتنامي والحجج المقنعة التي ساقها ذلك الشاب غير العادي الملا عبد الغني برادر، الذي ألقت المخابرات الباكستانية القبض عليه في أحد المعاهد الدينية في ضواحي مدينة كراتشي الساحلية بباكستان. والذي صعد تباعا لمنصب القائد العسكري الأعلى لطالبان في أفغانستان.

وابتداء من عام 2007، وخلال السنوات الثلاث التي قضاها الملا برادر في منصب القائد العسكري الأعلى لطالبان، لعب دورا أساسيا في إعادة بناء حركة طالبان لتكون قوة محاربة فعالة وفي إدارة الشؤون اليومية للحركة على مدار هذه الفترة، حيث تنحى الملا عمر عن القيادة نظرا لظروفه الصحية. لم يكن الملا برادر «عاديا» وسط غيره من عناصر طالبان. كان مختلفا في مظهره وتصرفاته ومزاجه، ليس أقله دأبه على وضع مسدسه في «إيشارب أحمر» تقليدي يستخدمه الأفغان عادة في حمل الحلوى خلال حفلات الزواج. أو حبه للنكت في حركة ليس معروفا عن عناصرها حبها للنكت. ويقول الملا عبد السلام ضعيف سفير حكومة طالبان الأفغانية في باكستان قبل إطاحة الحركة وغزو أفغانستان عام 2001 عنه لصحيفة «فاينناشيال تايمز» البريطانية: «الملا برادر شخص طيب جدا. ماهر جدا. يتحدث مع الناس بطريقة هادئة».

أما طباعه فهي ببساطة طباع شخص عادي، فقد كان يشرب شرابه المفضل «دوغ» وهو شراب مشهور وشعبي في تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان ويتكون من لبن زبادي مضافا إليه نعناع وملح وماء، ثم يذهب إلى الصلاة، ثم إلى مشاهدة أصدقائه يمارسون المصارعة.

ولد الملا برادر في عام 1968 في قرية «ويتماك» في إقليم أوروزغان جنوبي أفغانستان. وفي سنوات مراهقته الأولى، شارك في الجهاد الأفغاني ضد القوات السوفياتية. ويتحدر برادر من قبيلة بوبلزاي، التي ينتمي إليها أيضا الرئيس الأفغاني حميد كرزاي. وعلى الرغم من أن لغته الأم هي اللغة البشتونية، فإنه، كما يقال، يتحدث بطلاقة اللغات المحلية الأخرى الموجودة شمالي باكستان، بما في ذلك اللغة الأردية واللغة البنجابية. وعلى عكس الكثير من قادة طالبان، يتمتع الملا برادر بمظهر قوي، وجسم رياضي. وكان أول لقاء بين الملا برادر ومرشده الروحي الملا عمر خلال الحرب الأفغانية مع السوفيات، حيث أطلق الملا عمر على صديقه الجديد أسم «برادر» أي «الأخ». وقد جعلت سنوات الجهاد القائدين على اتصال وثيق. وما يؤكد على العلاقة الوثيقة بين الاثنين أنهما بعد ذلك بسنوات تزوجا من شقيقتين.

أنشأ الملا عمر والملا برادر مدرسة في مدينة مايواند الصغيرة جنوبي البلاد في عام 1992، بعد انسحاب القوات السوفياتية وانهيار النظام الأفغاني الحاكم بقيادة نجيب الله. وعندما أطلق الملا عمر ثورة ضد لوردات الحرب المحليين بمساعدة ثلاثين رجلا، كان الملا برادر من بين أوائل المجندين. وشكل ذلك أيضا بداية حركة طالبان، التي سيطرت على كامل أفغانستان في وقت لاحق وأسست إمارة إسلامية.

ويقال إنه منذ عام 2007 كان الملا عبد الغني برادر يزور المدن الباكستانية بانتظام للالتقاء بالأعضاء الآخرين فيما يسمى بمجلس الشورى في كويتا، وهو مجلس القيادة. ويعتقد أن اعتقاله في باكستان قبل أيام يعود إلى أنه دأب على زيارة البلد دون شعور بالخطر بسبب كثرة أنصاره ومعارفه وصلاته.

وفي العام نفسه 2007، تولى برادر قيادة مجلس الشورى في كويتا بعد إلقاء القبض على القادة السابقين في المجلس. وفي عام 2002، جرى تعيين أربعة من كبار القادة لإعادة تنظيم المقاتلين في أقاليم أوروزغان وهلمند وقندهار وزابول جنوبي البلاد. وهؤلاء القادة هم الملا برادر آخوند، نائب وزير الدفاع الأسبق في النظام الحاكم لطالبان، والملا أخطر عثماني، القائد الأسبق للجيش، والملا داد الله، أحد قادة القوات المشهورين، والملا عبد الرزاق، وزير الداخلية الأسبق.

بحلول عام 2007، كانت قوات التحالف قد قتلت أو ألقت القبض على هؤلاء الأربعة، الذين بدأوا تمرد طالبان جنوبي أفغانستان. وفي الحقيقة، مهدت هذه التطورات الطريق لصعود الملا عبد الغني برادر في نهاية المطاف إلى موقع الرجل الثاني في حركة طالبان في أفغانستان.

ويصف خبراء عسكريون لـ«الشرق الأوسط» الملا برادر على أنه «أكفأ قائد عسكري وجه تمرد طالبان ضد القوات الدولية في جنوب أفغانستان». ويقول خبير أمني باكستاني مستقل لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أوقعت قواته أضرارا بالغة بين القوات الغربية جنوبي أفغانستان العام الماضي».

وخلال السنوات الثلاث الماضية، كلفه الملا عمر أيضا بمهمة معالجة الشؤون المالية لحكومة طالبان، وذلك بالإضافة إلى مهمة إدارة الشؤون العسكرية للحركة، ويشمل ذلك تعيين القادة العسكريين المحليين ووضع التكتيكات العسكرية لإلحاق أكبر ضرر ممكن بين القوات الغربية. ويقول خبراء عسكريون باكستانيون إن الملا برادر اعتمد اعتمادا تاما على تكتيكات «حرب العصابات» لدرجة أنه أخبر مقاتليه ألا يواجهوا القوات الأميركية التي تمتلك منظومات أسلحة متقدمة. كما يقال إنه كان مسؤولا عن تكتيكات طالبان في استخدام العبوات الناسفة البدائية ضد القوات الأميركية في أفغانستان.

بعدما استولت طالبان على كابل، عين الملا عمر الملا برادر حاكما على إقليم هرات.

وفي بادئ الأمر كان الملا برادر قائدا لقوات طالبان في غرب أفغانستان، ثم عمل بعد ذلك قائدا لحامية عسكرية في كابل، حيث قام بتوجيه القتال ضد قوات قائد تحالف الشمال أحمد شاه مسعود.

وفي سياق السيطرة العسكرية لطالبان على الأراضي الأفغانية، بداية من عام 1994 وحتى عام 2001، كان الملا برادر يقود القوات التي استولت على إقليم باميان، وهو أهم الأقاليم من الناحية الاستراتيجية. كما يقال إنه لعب دورا أساسيا في قرار طالبان تدمير تماثيل بوذا الشهيرة في باميان (تماثيل ضخمة لمؤسس البوذية في إقليم باميان الأفغاني)، والتي أثارت امتعاض المجتمع الدولي إلى حد كبير.

وكان الملا برادر صاحب فكرة تشكيل «حكومات ظل» في مختلف أنحاء أفغانستان. وكانت هذه الفكرة تهدف في الأساس إلى ملء الفراغ الذي نتج في المناطق الريفية في الجنوب الأفغاني، في الوقت الذي فشلت فيه حكومة كرزاي في إعادة تشكيل هيكل الدولة في هذه المناطق.

وعلى ما يبدو أنه تولى القيادة العسكرية لحركة طالبان بعد مقتل الملا داد الله في عام 2007 وإلقاء القبض على القائد المهم في الحركة الملا عبيد الله آخوند.

وأثناء القتال مع الأميركيين نجح الملا برادر في النجاة من القتل عدة مرات. وكان الأشهر من بين هذه المرات في شهر يوليو (تموز) من عام 2002 عندما فجر الأميركيون حفل زفاف ابنة شقيق برادر. وتقول التقارير إن الأميركيين عرفوا بالمعلومة من صهر برادر الذي أخبرهم أنه تم دعوة برادر للحفل. لكن بعض الأقرباء علموا بالمحادثة التي تمت بين صهر برادر والأميركيين وأخبروا برادر في الحال. ولم يحضر برادر إلى الحفل، لكنّ الأميركيين قاموا بتفجير حفل الزفاف، وقتلوا الكثير من المدنيين الأبرياء. لكن الحظ الجيد لبرادر لم يستمر، ففي منتصف شهر فبراير (شباط) من هذا العام، بدا أن الملا برادر مُني بسوء الحظ عندما ألقى جهاز المخابرات الباكستانية القبض عليه في معهد ديني يسمى «خدام القرآن» في ضواحي كراتشي. وفي الوقت الذي أكد فيه المتحدث باسم الجيش الباكستاني الميجور جنرال أطهر عباس أن الملا عبد الغني برادر رهن الاعتقال لدى المخابرات الباكستانية، رفض كشف النقاب عن تفاصيل القبض عليه. وقال عباس «لا نستطيع الكشف عن تفاصيل العملية لوسائل الإعلام في هذه المرحلة لأسباب أمنية».

وبكل تأكيد لم تكن هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها الملا عبد الغني برادر إلى كراتشي، وهي أكبر مدينة في باكستان وتقطنها أعراق متعددة، ويشكل البشتون (جماعة عرقية تنتمي إليها حركة طالبان بما فيها الملا برادر) غالبية القوة العاملة في المدينة. ويقال إن الملا عبد الغني برادر يتقن اللغة الأردية، وهي اللغة التي يتحدث بها السكان في مدينة كراتشي الحضرية. وقال مصدر بارز في المخابرات الباكستانية لـ«الشرق الأوسط»: «إنه (الملا برادر) يتحدث الأردية بطلاقة، وهو الأمر الذي على ما يبدو جعله مقبولا في البيئة الحضرية لكراتشي».

ومع ذلك، يختلف الرئيس الأسبق (والمتقاعد) لجهاز المخابرات الباكستانية حميد غول بشدة مع التقارير التي تقول إنه أُلقي القبض على الملا برادر في كراتشي. وقال غول «لقد أُلقي القبض عليه في أي مكان آخر، والقول بأنه ألقي القبض عليه في كراتشي هو ادعاء يروجه الإعلام الأميركي بالأساس».

وقالت مصادر إن المخابرات الباكستانية علمت بوجوده في كراتشي من خلال التنصت على محادثات تليفونية عبر الأقمار الصناعية، والتي قام بها مع حركة طالبان في أفغانستان. وعلى مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، كان برادر ومضيفوه الباكستانيون تحت المراقبة الشديدة، على الرغم من أن المخابرات الباكستانية لم تتخذ خطوات لاعتقاله إلى أن أصبحت على يقين من هويته.

وهناك تقارير تشير إلى أن الخلافات نمت أخيرا بين الملا عبد الغني برادر ومرشده الروحي الملا عمر بشأن مسألة بدء محادثات مع الأميركيين حول قضية الاستجابة لعروض المصالحة التي قدمها الرئيس كرزاي. وذهبت وسائل الإعلام الغربية إلى الإشارة بأن الملا برادر سهل أخيرا اجتماعا في دبي بين أحد أعضاء القيادة الوسطى في طالبان ومسؤول بارز في بعثة الأمم المتحدة في كابل، كاي إيد. وتساءل أحد المحللين في إسلام آباد: «هل كان ذلك هو السبب في أن الباكستانيين ألقوا القبض عليه (الملا برادر)؟» وأضاف المحلل نفسه: «كان من الممكن أن يكون الملا برادر الحر رصيدا قيما للأميركيين والباكستانيين، الذين لديهم مصلحة في المصالحة». لكن هناك إجابات لهذا السؤال أيضا. يقول مسؤولون أمن باكستانيون إنهم جادون للغاية في إرسال رسالة واضحة إلى الأميركيين والحكومة الأفغانية مفادها أنهم يسعون إلى نجاح هجوم هلمند. ويقول محلل أمني بارز في باكستان إن هناك شيئا أكيدا وهو أن الملا برادر لن يكون ذا فائدة بالنسبة للأميركيين، إذا كانوا يفكرون في استخدامه للتأثير على عملية صنع القرار في طالبان الأفغانية.

يذكر أنه خلال اجتماع الأربعاء الماضي الموافق 24 فبراير (شباط)، اتفق وزير الداخلية الأفغاني محمد حنيف مع نظيره الباكستاني رحمن مالك على إعادة الملا عبد الغني برادر إلى أفغانستان بدون تحديد موعد. وكانت الحكومة الباكستانية قد رفضت في وقت سابق طلبا مماثلا من الولايات المتحدة لتسليم برادر إلى مسؤولين أميركيين. فالسياسة الباكستانية في هذا الشأن مفهومة، تسليم زعيم في حركة طالبان مثل الملا عبد الغني برادر إلى أميركا يمكن أن يحدث تطورا يصعب على الحكومة الباكستانية التعامل معه، إذ يتوقع أن تكون هناك ردة فعل عنيفة من جانب الجماعة الباكستانية المسلحة.

ويعرب خبراء الأمن عن تخوف آخر بشأن إلقاء القبض على الملا عبد الغني برادر، حيث يؤدي إزالة القيادة المركزية في أي جماعة متطرفة من الساحة إلى شكل لا مركزي من عملية صنع القرار، وهو غالبا ما يقود إلى تصاعد أعمال العنف وهجمات الثأر على قوات الأمن والمدنيين. ويحفل تاريخ الحرب ضد الإرهاب في باكستان وأفغانستان على مدار ثمانية أعوام بأمثلة تصاعدت فيها أعمال العنف وهجمات الثأر عقب إلقاء القبض على أي من أعضاء القيادة المركزية أو مقتله. الوقت فقط سيحدد تأثير اعتقال ذلك الرجل على أفغانستان وباكستان، والأهم العلاقات بين البلدين اللذين يتشاركان أخطر حدود جغرافية في العالم.