المتدينون اليهود.. هل يسيطرون على إسرائيل؟

في إسرائيل العلمانية توجد كراهية يصعب إخفاؤها للتيار الأرثوذكسي وتكاد تشعر بأنهم أعداء وليسوا أبناء شعب واحد

اليهود المتشددون تهديد لإسرائيل والتعايش الاجتماعي المستقر (أ.ب)
TT

عندما سئل المواطنون الإسرائيليون: «هل أنتم سعداء بمعيشتكم في إسرائيل؟»، أجاب 88% من اليهود و82% من العرب (فلسطينيي 48) بالإيجاب. وعندما سئلوا: «وهل تعتقدون أن حياتكم ستكون أفضل في السنوات القادمة؟»، أجاب 57% من اليهود و55% من العرب بالإيجاب. لكن، عندما حاولت دائرة الإحصاء المركزية الرسمية الغور في أعماق هذه الأرقام، وبدأت تفصل الأسئلة والإجابات لتعرف ما الفرق في التفكير في قضية السعادة هذه بين اليهود المتدينين واليهود العلمانيين، وجدت أن العلمانيين هم الشريحة الأقل سعادة في إسرائيل. فقد تبين أن نسبة العلمانيين السعداء 82% بينما نسبة المتدينين السعداء تصل إلى 96%. وبالنظر إلى المستقبل تزداد الهوة، ويتضح أن 52% فقط من العلمانيين اليهود متفائلون من المستقبل، بينما النسبة تصل إلى 67%.

* ولماذا هذا الفارق اللافت للنظر؟

* لأن العلمانيين، وهم الذين أقاموا الدولة العبرية، يشعرون بأنهم يخسرون هذه الدولة لصالح اليهود المتدينين. فقد أصبحوا يشكلون نسبة 42% فقط من السكان اليهود، بعد أن كانوا يشكلون نسبة 82% في سنة 1948، بينما المتدينون الذين كانوا يشكلون نسبة 18% أصبحوا اليوم 58%. ففي الإحصاء المذكور، عرفت غالبية السكان نفسها بأنها غير علمانية. وفي لقائنا مع إحدى أبرز شخصيات التيار الديني الأرثوذكسي، موشيه جرليك، أكد «نحن اليوم أقلية، لكننا نطمح لأن نصبح أكثرية. ليس فقط بدعوة العلمانيين للعودة إلى الدين، بل أيضا بواسطة التكاثر الطبيعي».

وهذا مثير للقلق لدى الإسرائيليين. وليس فقط لدى المواطنين، بل لدى الكثير من المسؤولين وفي شتى مجالات الحياة. ففي الجيش قلقون، لأن غالبية الشباب المتدينين لا يخدمون في الجيش، بدعوى أنهم يدرسون التوراة ويحمون الشعب اليهودي في البلاد روحانيا. ورجال الاقتصاد قلقون لأن المتدينين لا يعملون، بل يتعيشون من المخصصات التي تمنحها لهم الدولة ومن عمل نسائهم (قبل 30 سنة كانت نسبة الممتنعين عن العمل منهم 21%، وارتفعت اليوم إلى 65%). ورجال العلم قلقون، لأن المتدينين لا يتعلمون المواضيع العلمية والتكنولوجيا العالية. والعلمانيون قلقون لأن نسبة التكاثر لدى المتدينين عالية جدا (بمعدل 8 أنفس في العائلة مقابل 4 أنفس لدى العلمانيين). وفي قوى السلام قلقون، لأن المتدينين ينتمون إلى التيار اليميني واليميني المتطرف. والقوى الديمقراطية، التي تريد لإسرائيل أن تكون جزءا من العالم الغربي، قلقة لأن المتدينين يسيرون وراء زعمائهم الروحيين بشكل أعمى ومستعدون لخرق قوانين الدولة والتمرد على سلطة القانون.

ولذلك، فإن الإسرائيليين يخوضون نقاشات حادة في الشارع وفي المؤسسات الأكاديمية وفي الجيش وغيره من أجهزة السلطة، للتوصل إلى كيفية التعاطي مع هذا الواقع الجديد، وماذا يفعلون مع المتدينين.

* ومن هم المتدينون؟

* المتدينون اليهود، لم يكونوا في يوم من الأيام حزمة واحدة. والانطباع بأنهم الأكثر تطرفا في المجتمع الإسرائيلي غير صحيح. فهم منقسمون إلى عدة تيارات سياسية وحزبية، وحتى تدينهم يقسم إلى عدة مستويات.

فهنالك متدينون معتدلون في تدينهم ويرفضون اعتبارهم متدينين، ويسمون أنفسهم «تقليديين»، ويشكلون حسب آخر إحصاء لدائرة الإحصاء المركزية ما يعادل 25% من نسبة اليهود في إسرائيل. وهناك من يسمون أنفسهم «تقليديين متدينين» وتبلغ نسبتهم 13%، وهم أيضا معتدلون من الناحية الدينية. وهناك الذين يعتبرون أنفسهم «متدينين» ويشكلون نسبة 12%. والأقلية تعتبر دينية متزمتة (بالعبرية «حريديم» وتعني بالعربية «الورعين»)، وهي تشكل نسبة 8% من اليهود في إسرائيل وتسمى بالتيار الأرثوذكسي.

هذا التقسيم، لا يعكس بالضرورة المواقف السياسية لهم. فهذه المواقف متباينة، خصوصا لدى التقليديين والمتدينين الذين يشكلون الأكثرية. فنجد أن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بغالبيتهم الساحقة متدينون أو تقليديون متدينون، وهم من أشد المتطرفين سياسيا، ومن بين صفوفهم خرج الإرهابي الذي قتل رئيس الوزراء، إسحق رابين، والإرهابيون الذين نفذوا عشرات العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين. والأحزاب التي يصوتون لها هي بالأساس أحزاب تحالف «الاتحاد القومي»، وهو يميني معارض ومتطرف لا يؤمن بتسوية سياسية على أساس مبدأ «دولتين للشعبين» ويعتبر «أرض إسرائيل (أي فلسطين الكاملة) ملك للشعب اليهودي، لأن الله سبحانه وتعالى منحها لليهود منذ القدم». وهو ممثل بأربعة مقاعد (من مجموع 120 مقعدا) في البرلمان الإسرائيلي. وحزب آخر هو «البيت اليهودي»، الممثل بثلاثة مقاعد فقط، ويعتبر أقل تطرفا من الاتحاد القومي، لكنه ليس بعيدا عنه كثيرا، وهو ممثل في الحكومة بوزير العلوم.

لكن هناك متدينين كثيرين يصوتون للأحزاب العلمانية، خصوصا الليكود. لكن يوجد بينهم أيضا مصوتون لحزب كديما وحزب العمل وحتى حزب ميرتس اليساري الصهيوني. وتصويتهم مبني بشكل تدريجي، الأكثرية يمينية والأقلية يسارية وهناك قوى كثيرة في الوسط.

وأما المتدينون المتزمتون («الحريديم» الأرثوذكس)، فهم من قوى اليمين السياسي في إسرائيل لكنهم يقفون على يسار الحزبين السابقين، الأقل تزمتا. وما يميزهم أنهم ملتزمون تنظيميا أكثر من بقية المتدينين، لكنهم هم أيضا منقسمون على أنفسهم إلى ثلاث فرق كبيرة وبعض الفرق الصغيرة..

الفرقة الأولى والأكبر، هي «الحريديم» الشرقيون: وهم منضوون سياسيا تحت يافطة حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين. وهو أجدد الأحزاب الدينية في إسرائيل، حيث تأسس فقط في سنة 1982. وأصبح أكبر الأحزاب الدينية على الإطلاق. وعلى عكس الأحزاب الدينية الأرثوذكسية الأخرى، أعلن منذ البداية أنه ليس معاديا للصهيونية. واقترب من الحركة الصهيونية ومؤسساتها. وأعضاؤه غالبيتهم يخدمون في الجيش. ونوابه يشاركون في الحكومة. في المرة الأولى التي خاض فيها الانتخابات العامة (1984) حصل على 4 مقاعد، لكن قوته زادت رويدا رويدا ووصلت إلى أوجها في سنة 1999 عندما فاز بـ17 مقعدا. وقوته اليوم 11 مقعدا. سبعة من وزرائه ونوابه في البرلمان أدينوا بتهم الاحتيال وسرقة خزينة الدولة. يتميز عن الأحزاب الدينية المتزمتة الأخرى بانفتاحه على الجمهور الواسع أولا وتركيزه على الطابع الطائفي. فقد نجح في جرف مئات الألوف من اليهود الشرقيين، بعد أن وضع في رأس الاهتمام محاربة العنصرية الأشكنازية ضد الشرقيين، وتمكن من سحب مئات الألوف من مصوتي الليكود لصالحه. ومن الناحية السياسية كان لدى تأسيسه على يسار الليكود، وتعاون مع حزب العمل، وامتنع عن التصويت لدى توقيع اتفاقيات أوسلو، وبذلك أتاح لها أن تحظى بالأكثرية. وزعيم هذا الحزب الروحي، الحاخام عوفاديا يوسيف، معروف بفتوى بالغة الأهمية، قال فيها: «الإنسان أغلى من الأرض»، وبذلك أجاز الانسحاب من أراض فلسطينية محتلة بهدف تحقيق السلام والحفاظ على الإنسان. وقبل شهور قليلة أفتى بجواز وقف الاستيطان في القدس، إذا كان ذلك يمنع الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية.

الفرقتان الكبيرتان الأخريان هما: الليطائيون (حزب «ديغل هتوراة») والحسيديون (حزب «أغودات يسرائيل»). وهم طائفتان من اليهود المتزمتين الأشكناز، أي من أصول أوروبية. كل طائفة منهما متعصبة لتنظيمها، وقد حصل أن تحولت خلافاتهما إلى شجار دام، لكنهما متحدتان سياسيا في تحالف واحد هو «يهدوت هتوراة» الممثل في الكنيست بستة نواب. من الناحية الآيديولوجية، لا تؤمن قيادة هذا التيار بالصهيونية، بل تعتبرها معادية لليهودية. فهي تؤمن بأن قيام إسرائيل يكون فقط عندما تقوم القيامة ويصل إلى إسرائيل المسيح المخلص. وفي البدايات لم تقبل المشاركة في الحكم. وحتى عندما دخلت الائتلاف لم تقبل أن تمثل في الحكومة. وقد خففت من حدة رفضها، شيئا فشيئا، واليوم يشغل ممثلها يعقوب ليتسمان منصب نائب وزير الصحة، مشترطا ألا يكون وزير آخر فوقه. وهكذا، فإن الوزير رسميا هو رئيس الحكومة، نتنياهو، لكن الوزير الفعلي هو ليتسمان. المواقف السياسية لهذا الحزب تعتبر يمينية لكنها على يسار اليمين المتطرف. عندما قرر رئيس الوزراء الأسبق، آرييل شارون، الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، عارضوه لكنهم لم ينسحبوا من حكومته. يعارضون تقسيم القدس لكنهم لا يقفون عثرة أمام تسوية.

هناك فرق أخرى صغيرة مختلفة. فنجد فرقة «نطوري كارتا»، وهي متطرفة جدا ومتمسكة بالموقف الآيديولوجي القديم ضد الصهيونية. فلا تعترف بها ولا تعترف بالدولة. وتقيم لنفسها دولة بداخل دولة. لها وزير خارجية مستقل. ونكاية في قيادة الحركة الصهيونية وقيادة إسرائيل السياسية، تقيم علاقات حميمة مع أعداء إسرائيل. وقد بدأت العلاقات مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وتقيم علاقات مع الرئيس الحالي، محمود عباس. وسافر وفد عنهم إلى إيران متضامنا مع قيادتها ضد العدوان الصهيوني.

وهناك فرقة أخرى أقل راديكالية، تنشط في العمل السياسي كحركة سلام، وتدعى «يش دين» (أي «توجد عدالة»). وهي التي تثير الكثير من القضايا ضد الاحتلال ودفاعا عن الفلسطينيين، ومنطلقها في ذلك ديني. فهي تعتبر الديانة اليهودية أم الديانات. وعليها أن تتعامل مع الديانات الأخرى بشكل ودود وإنساني. وتسير على مبدأ الآية التوراتية «وأحب لغيرك ما تحب لنفسك».

* الصراع الإسرائيلي معهم

* في إسرائيل العلمانية، خصوصا في أوساط اليسار، توجد كراهية يصعب إخفاؤها للحريديم. والحريديم يبادلونهم الكراهية. الكاتب المتدين موشيه جرليك، وهو أيضا رجل دين (رباي) يصف هذه الكراهية قائلا: «تكاد تشعر بأننا وإياهم (أي العلمانيين) أعداء وليس أبناء شعب واحد. لكن من طرفنا، نحن نتعامل مع العلمانيين على أننا شعب واحد». ويتهم جرليك العلمانيين بالتسبب في هذه الأزمة، قائلا: «بثوا الكراهية لنا منذ البدايات. فقد جاءوا إلى البلاد وهم يحملون عادات وتقاليد الغرب. يقيمون جيشا للحرب، ونحن لا نحارب بالسلاح بل بالقيم الدينية. يريدوننا أن نأتي إلى ملاعب كرة القدم أو كرة السلة أو المسارح والكونسيرت الموسيقي أو شاشات التلفزيون، ونحن لا نحب هذا، ولا نؤمن بجدواه. ونفضل الجلوس في البيت أو في الكنيس، ونقرأ التوراة المباركة ونتعلم القيم الدينية».

ويرفض النائب موشيه جفني، وهو أيضا من معسكر الحريديم، أن يحاسب الحريديم على عدم الخدمة في الجيش أو عدم النزول إلى العمل. ويقول إن نحو نصف الشباب المتدين يخدم في الجيش والنصف الآخر يتعلم التوراة، وليس صحيحا التعميم بأن الجميع لا يخدم. ويرفض القول إنهم لا يعملون، ويؤكد أن نصف الشباب يذهبون إلى العمل (حسب دائرة الإحصاء فإن 52% من شباب الحريديم يعملون مقابل 93% من العلمانيين، وفي العائلات الشابة فقط 19% منها يعمل الزوجان، وفي 54% من هذه العائلات يعمل أحد الزوجين، وعلى الغالب - في نحو 60% من الحالات - الزوجة هي التي تعمل وتعول العائلة).

ويقول جرليك إن العلمانيين والمتدينين يتخندقون كل في موقعه ضد الآخر، لكن من بدأ بهذا هم العلمانيون. فهم الذين يسيطرون على الحكم حتى الآن منذ بداية الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر ومنذ إقامة إسرائيل منذ عام 1948 وحتى اليوم. وقد تعاملوا مع كل الأقليات بعنجهية واستعلاء وتمييز، لكنهم حرصوا على إبقاء الجميع داخل الإجماع القومي، ما عدا الحريديم: «تعاملوا معنا وكأننا جربان مقرفون فلم يقتربوا منا. أشاروا إلينا من بعيد على أننا قذرون لا نستحم». ويضيف: «نحن مثل جميع البشر. وراء لباسنا الأسود الكثيف تجدون إنسانا. قد يكون حكيما وقد يكون غبيا. قد يكون نظيفا وقد يكون قذرا. قد يكون طيبا وقد يكون شريرا. قد يكون ناجحا وقد يكون فاشلا. قد يكون متحضرا وقد يكون متخلفا. نحن بشر مثلكم. وإن اختلفنا، فخلافنا هو في الشكل الخارجي السطحي فقط. لكن، اعترفوا بأنكم لا تعرفون ولا تريدون أن تعرفوا».

ويضيف جرليك أن بقاء «الحريديم» اليوم في سنة 2010 هو «عجيبة. فعندما نجونا من المحرقة وجئنا إلى أرض إسرائيل، وجدنا أنفسنا أقلية مكروهة وسط أكثرية يهودية اشتراكية معادية للدين. والدي منع من العمل. احتجنا إلى لقمة الخبز. عدنا إلى الشعور الذي عشناه في أوروبا حيث كان يطاردنا أعداء اليهود. وبصورة مذهلة، قبلنا هذا الوضع. وعدنا نشتاق إلى مسقط رأسنا. فكل طائفة أرثوذكسية قدمت من أوروبا تسمي نفسها على اسم البلدة الأوروبية التي قدمت منها. لكن الأمر الأكبر الذي حافظنا عليه هو دراسة التوراة. وماذا تعني دراسة التوراة؟ إنها ليست قراءة وتفسيرا فحسب، إنما العمل على الذات حتى تكون قادرة على بناء إنسان مؤمن ومخلص للقيم اليهودية، وأهمها حب الإنسان واحترامه.

ويشير الكاتب جونتان روزنبلوم إلى إحصائيات لجنة الإحصاء المركزية، التي تبين أن 50% من اليهود الأرثوذكس يستخدمون الحاسوب (مقابل 82% من العلمانيين و68% من التقليديين والتقليديين المتدينين)، و32% من الحريديم يستخدمون الإنترنت (80% من العلمانيين و65% من التقليديين والتقليديين المتدينين). و5% يرون التلفزيون (99% من العلمانيين و87% من التقليديين والمتدينين).

* في خندق واحد مع حماس

* عندما وجه جرليك كلامه إلينا كعرب، قال: «الجندي اليهودي الحردي يختلف عن الجندي العلماني. فالعلماني يمكن أن يكون حاقدا أو معتدلا. لكن الجنود الحريديم أجمعين لديهم قيم إنسانية عالية ويصعب عليهم أن يبطشوا بالفلسطينيين. فنحن نحترم كل خلق الله بغض النظر عن انتمائه».

وسألناه هنا: «لماذا تقفون إذن في يمين الخريطة السياسية في إسرائيل ولا تقفون إلى جانب السلام مع الفلسطينيين وسائر العرب؟». فأجاب: «أولا صحيح أن شبابنا اليوم، الجيل الصاعد، هم أقرب إلى اليمين. لكن الكبار في وضع مختلف. ودعني أذكرك ببعض المواقف السياسية لتيارنا. الراب شاخ (الرئيس الروحي لليهود الأرثوذكس الأشكناز وله تأثير أيضا على اليهود الشرقيين المتدينين) دعا في سنة 1967، بعد أيام من الحرب، إلى إعادة جميع الأراضي العربية التي تم احتلالها. وحذر يومها من أن هذا الاحتلال سيؤدي إلى مقتل يهود في الشارع. والحاخام عوفاديا يوسيف (الرئيس الروحي لليهود الحريديم الشرقيين) قال إن الإنسان أهم من الأرض. لكن مشكلتنا الحقيقية ليست مع العرب، بل مع اليهود. فنحن لا نريد سلاما حقيقيا مع العرب في هذه المرحلة بسبب اليهود العلمانيين».

وسألناه: «ماذا تعني.. هل تؤيدون الحرب إذن؟ فأجاب موشيه جرليك: «لا بالطبع لا نريد الحرب. نحن كمتدينين حقيقيين ملتزمون بأحد أهم القوانين اليهودية الصارمة، وهو (عدم الاختلاط). فكما تعرف، اليهودية لا تؤيد الزواج من أديان أخرى على الإطلاق. نحن ننظر إلى ما يجري في الجيش الإسرائيلي اليوم، حيث الجنديات اليهوديات يتجولن بكامل الحرية مع الجنود البدو (العرب) ويعشن معهن، ونشعر بقلق شديد. ننظر إلى ما يجري في الجامعات الإسرائيلية من اختلاط بين الشبان العرب والصبايا اليهوديات ونشعر بضيق شديد. إن العلمانيين اليهود لا يكترثون لهذه القضية، وإذا استمروا في الحكم فإنهم سيجلبون على اليهودية الدمار من هذه الناحية. لذلك، نحن لا نؤيد السلام الحقيقي الكامل والشامل الذي يزيل الحدود بيننا وبين الدول العربية. إنما نؤيد التوصل إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد، لـ30 - 40 سنة، حتى نتكاثر نحن اليهود المتدينين ونصبح ذوي تأثير أكبر ونفرض موقفنا الديني بأن نمنع الاختلاط».

وعندما سألناه: «هل تعرف أنكم بهذا تقتربون من مواقف حركة حماس الفلسطينية.. فهي أيضا تفضل هدنة طويلة الأمد، ليس 30 - 40 سنة بل عشر سنوات، لكن المبدأ واحد؟»، أجاب موشيه جرليك: «لا يضايقني أبدا التشبيه بحماس. وأنا أؤيد الحوار والتفاوض مع حماس، مع معرفتي التامة بأن نشر هذا الكلام سيقيم القيامة علي من طرف العلمانيين اليهود. وأنا أعرف كيف قامت حماس في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. فقد كانت تلك جمعيات خيرية دعمها (الشاباك/المخابرات العامة الإسرائيلية) لكي تحارب منظمة التحرير الفلسطينية. إنهم - أي العلمانيين اليهود - يمنعون عنا ما يجيزونه لأنفسهم. وهم ليسوا ضد المتدينين اليهود بل ضد المتدينين العرب أيضا. أما نحن، فإننا نطرح مواقف تخدم أكثر مصلحة السلام. صحيح أننا نقدس الأرض ونعتبر ما تسمونه فلسطين أرض إسرائيل، لنا فيها حقوق مثبتة في التوراة، والإسلام والمسيحية يقبلان التوراة. لكن هذا الحق الديني والتاريخي لا ينبغي أن يتحول إلى صراع، فالصراع هو على السيادة السياسية وليس على الحق. هذه يمكن التفاهم حولها».