الوجه الآخر للضفة الغربية

بين فرق «راب» موسيقية ومطاعم ومهرجانات ثقافية وفنية و«فورة» سياسية واجتماعية.. ومسابقات للسيارات تشارك فيها الفتيات

تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية كثيرة تحدث في الضفة الغربية (ا.ب)
TT

عندما كانت الدبابات الإسرائيلية قبل أعوام قليلة تجوب الضفة الغربية طولا وعرضا، لم يكن أمام الفلسطينيين سوى أن يقاتلوا أحيانا ويموتوا أحيانا أخرى، ويقضوا حياتهم إما مطاردين أو معتقلين، بينما الناجون منهم «يربون الأمل»، كما قال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.

أما اليوم وهم يطلقون خططا كبيرة لبناء الدولة، فإنهم يجربون كل شيء، كطفل بدأ يتلمس حياة جديدة.

وعلى الرغم من أن هذا «الطفل» ما زال «سجينا» في أحد أكبر معتقلات العالم واسمه الضفة، ما زال يحيط به الجند الإسرائيليون ودباباتهم، فإنه يريد أن يجرب كل شيء في الحياة، يرقص ويغني ويلعب ويسهر ويحضر سينما ومسرحا ويشارك في مهرجانات مختلفة، متفاعلا أكثر من شعوب أخرى في المشاركة والتعبير عن الرأي عبر مواقع الـ«فيس بوك» و«تويتر» الاجتماعية.

ويقف وراء ذلك أسباب مختلفة، ليس أهمها «الهدوء النسبي» ورغبة المجتمع وقواه في التجريب، بل أيضا رغبات النظام السياسي الفلسطيني الحاكم في الضفة.

الشهر الماضي أنهت سرية «رام الله» مهرجان الرقص المعاصر في نسخته الخامسة، بمشاركة فرق فلسطينية وأجنبية. ويمكن القول إن نجاح المهرجان كان مفاجئا، بعدما تعرض في السنوات الماضية إلى هجوم كبير من رجال دين وفصائل كبيرة، مثل حماس، لم تر فيه سوى رقص على جراح الفلسطينيين.

وتجاوز الحضور الفلسطيني الـ500 في كل ليلة من ليالي المهرجان الـ20، وكان ذلك قبل سنوات ترفا لا لزوم له. وانطلقت العروض في رام الله متزامنة مع عروض أخرى في عمان ودمشق وبيروت، وتميز المهرجان هذه المرة بمشاركة فرق عالمية متميزة، مثل فرقة «ستي دانس» الأميركية، وفرقة «ساشا والتس» الألمانية. كما شاركت فيه فرق عربية مثل «نوال إسكندراني» التونسية، و«فونت دي سابل» الجزائرية، وفرق من هنغاريا، وسويسرا، والنرويج، وفرنسا، وكندا، وبلجيكا. ويفاخر مسؤولو سرية «رام الله» بأن المهرجان تحول إلى محط أنظار الفرق العالمية، وقال رئيس مجلس إدارة سرية «رام الله» الأولى، فايق خوري: «المهرجان حقق الكثير من الإنجازات، لكونه بات محط أنظار الكثير من الفرق العربية والأجنبية المعروفة، التي بادرت لطلب المشاركة فيه، إضافة إلى كسره للكثير من الصور النمطية عن الفلسطينيين، ونقله صورة حضارية عن الشعب الفلسطيني».

وقالت أمل الخطيب التي أدت أكثر من عرض راقص مميز في المهرجان، إنها تتطلع إلى الاحتراف في هذا المجال، خصوصا بعدما شاهدت إقبالا جماهيريا كبيرا. وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الناس بدأت ترى شيئا جديدا في فلسطين، بدأت ترى أنواعا جديدة من الرقص الذي يعرض قضايا ويناقش أمورا على المسرح». ويساعد الهدوء النسبي في رام الله أمل على التفكير في مستقبلها، وقالت: «ما كان يجب أن يمنعنا شيء من مثل هذه النشاطات في السنوات الماضية، لكن بصراحة في أوقات سابقة في الانتفاضة ما كان يمكن تأدية مثل هذه العروض».

إذن تغيرت أشياء في رام الله. ويقول طارق زبون الذي شارك كذلك في عرض راقص آخر، صفق له الجمهور طويلا، ويشرف الآن على تدريب مجموعة من الشبان الفلسطينيين على الرقص المعاصر لـ«الشرق الأوسط»: «قبل عدة سنوات لم أكن سألبي دعوة كهذه، كان لا يمكن أن أذهب لأرقص هنا بينما آخرون يموتون بجانبي». ويقول زبون ذلك على الرغم من أنه يرى أن الرقص المعاصر ليس معيبا بل حضاريا ويشكل أحد الأدوات الأهم لمعالجة قضايا سياسية واجتماعية، وفوق كل ذلك يساعده على التفريغ. وأينما ذهبت في شوارع رام الله أو بيت لحم أو نابلس، تجد اليوم ملصقات تدعوك إلى حضور عروض راقصة ومسرحيات جديدة أجنبية وعربية، وأفلام ما زالت تعرض في سينمات عربية عريقة. ومؤخرا افتتح الفلسطينيون في نابلس التي كانت مركزا لنشاط المسلحين الفلسطينيين سينما جديدة تلاقي إقبالا فاق توقعات أصحابها.

وقال إياد الحروب لـ«الشرق الأوسط»، إنه يحرص على متابعة أفلام عربية وفلسطينية، في سينمات مختلفة في رام الله وبيت لحم. ويذهب الحروب كل خميس إلى قاعة مسرح الحارة في بيت جالا لحضور عرض فيلم فلسطيني قصير.

وتحاول السينما الفلسطينية إيجاد موطئ قدم لها، بعد أن غابت لفترات طويلة وتركزت فقط على أفلام تسجيلية أنتجتها الثورة الفلسطينية.

ونجحت بعض الأفلام في انتزاع جوائز مهمة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فاز فيلم «الجنة الآن» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد بجائزة الكرة الذهبية «غولدن غلوب» كأفضل فيلم أجنبي قبل سنوات. وقد سبق للفيلم أن حصل على ثلاث جوائز في مهرجان برلين السينمائي.

أما فيلم «عيد ميلاد ليلى» للكاتب الفلسطيني رشيد مشهراوي، والمخرج الفلسطيني محمد بكري فقد حصد جوائز كثيرة، ومنها جائزة اللؤلؤة السوداء في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي قبل عامين.

وهذا الأسبوع افتتح في المركز الثقافي الفرنسي - الألماني برام الله، مهرجان «سيني شباب 2010» للمخرجين الفلسطينيين الشباب.

وبدأ المهرجان بفيلم عن حياة «أم أشرف» بائعة معجنات فلسطينية ويحمل الفيلم اسمها للمخرج الشاب سائد كرزون، وهذه هي المرة الثانية التي ينظم فيها هذا المهرجان في فلسطين، ويشارك فيه خمسة عشر مخرجا فلسطينيا.

ويريد الشباب الفلسطيني أن يفجر طاقات كامنة لديه طالما فجرها في إلقاء الحجارة على الزوار الغرباء. واليوم أخذ العشرات من هؤلاء الشباب الفلسطيني على عاتقهم «مواجهة» الاحتلال بأسلوب مغاير، فلم يجدوا وسيلة أفضل من أغاني «الراب».

وتشكلت في الأراضي الفلسطينية منذ أعوام قليلة ما يزيد على 25 فرقة راب، يقودها شبان صغار في السن نسبيا. وأصبحت المؤسسات الفلسطينية التي تقيم احتفالات أو مهرجانات في الأراضي الفلسطينية تحرص على استضافة فرق الراب، بعد أن لاقت استحسانا لدى الفلسطينيين.

وتنتشر إلى حد كبير على مواقع الإنترنت، وموقع الـ«يوتيوب» الشهير، كثير من أغاني الراب الفلسطينية. وكانت فرقة «دام» التي انطلقت في داخل إسرائيل في نهاية التسعينات أول فرقة راب في فلسطين، وقد أطلقت ألبومها الأول «كف عن بيع المخدرات» عام 1998، لكنها لاحقا غنت عام 2001 أغنية «مين إرهابي؟» من ألبوم يحمل العنوان نفسه، وتعتبر هذه الأغنية من أكثر أغاني الراب التي تنتشر بين الفلسطينيين، ولا تزال الأغنية الأكثر طلبا عبر الإنترنت من بين أغاني الـ«هيب هوب» العربية.

وتقول بعض كلمات الأغنية: «مين إرهابي؟ أنا إرهابي؟! كيف إرهابي وأنا عايش في بلادي؟! مين إرهابي؟.. أنت إرهابي!.. ماكلني وأنا عايش في بلادي.. ليش إرهابي؟ علشان دمي مش هادي، حامي، علشان رافع راسي وأرض بلادي».

وانتشر الراب بشكل لافت في الأراضي الفلسطينية حتى إنه راج مؤخرا في مجتمعات عشائرية ومحافظة إلى حد كبير. ويحاول 5 شبان في مدينة الخليل، جنوب الضفة، التي يوصف أهلها بالمتشددين دينيا وبالمحافظين، نشر أغاني الراب. وقال راجح دعنا لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لم يكن سهلا أن ننطلق في مجتمع محافظ، البعض لم يفهمنا في البداية لكن المجتمع تقبلنا الآن، خصوصا أننا نغني معاناتنا». ويركز راجح ورفاقه على أغان تعكس واقع الحياة التي يعيشها أهالي الخليل وسط الحصار الإسرائيلي واحتلال جزء كبير من الأراضي هناك.

ولم يطل التغيير في حياة الفلسطينيين الجوانب الثقافية وحسب، بل يذهب الفلسطينيون اليوم إلى قضاء أوقات أطول في المطاعم والخيم والمتنزهات، ويمكن إيجاد مطعم في كل شارع رئيسي أو فرعي في رام الله، وخلال سنوات افتتحت عشرات المطاعم والمقاهي والمتنزهات في المدن الفلسطينية.

وقالت ريما وهي تقضي وقتا طيبا مع عائلتها في مطعم «المغارة» في مدينة بيت لحم لـ«الشرق الأوسط»: «كل شيء تغير الآن.. يمكن القول إننا بدأنا نعيش حياة أشبه بالطبيعية».. وأضافت: «قبل أعوام كنا حبيسي المنازل، كانت مجرد سهرة مثل هذه ترفا صعبا، وغير ممكن».

وتابعت، «كان همنا اليومي متابعة أخبار من قتل ومن اعتقل، نقضي وقتنا من جنازة إلى أخرى واليوم نستطيع أن نذهب إلى المسرح أو السينما أو إلى سهرة كهذه مع العائلة».

كان شقيق ريما (محمد) يجرب النرجيلة، وقال محمد: «نقضي وقتا ممتعا هنا»، وأضاف: «بنغير جو وبنطلع من الروتين القاتل، بصراحة سهرة النرجيلة ما بتتعوض في هيك جو».

وأخذت النرجيلة تتحول إلى ظاهرة في الضفة الغربية، وتتجمع العائلات والأصدقاء في مطاعم ومقاه مختلفة من أجل سهرة نرجيلة.

ويكتظ مطعم «ريم البوادي» في بيت لحم بالعائلات التي تأتي طلبا للنرجيلة بالدرجة الأولى، وقال نبيل ثلجية صاحب المطعم لـ«الشرق الأوسط»: «الظروف تغيرت، الناس تبحث عن التغيير، منذ أعوام لم تكن لتشاهد ذلك، الناس اليوم بتسهر وبتنبسط وبتأرجل».

وكان أحد المطربين الشباب يغني للزبائن أغاني طربية، بينما ينفثون مزيدا من دخانهم في المكان المكتظ بالعائلات والشباب. وهذا مشهد يومي يتكرر في كل مطعم وحديقة ومتنزه في الضفة الغربية، وما أكثرها خلال العامين الماضيين! وأضاف ثلجية: «منذ عامين تقريبا أصبح الجميع يأتون ويطلبون النرجيلة يوميا، أصبحت أحد الطقوس اليومية لكثير من العائلات هنا، ما في بديلن الناس وين بدها تروح». وأصبحت مشاهدة شبان أمام بيوتهم وفي الشوارع العامة يدخنون النرجيلة في مدن الضفة الغربية أمرا اعتياديا، لم يكن مألوفا.

وقال عماد عبد الرحمن، «أحمل معي النرجيلة أينما ذهبت، أصبحت صديقتي المفضلة».

وازدهرت ظاهرة المتنزهات والمطاعم التي افتتح كثير منها في رام الله ونابلس وأريحا، بفعل الإغلاق الذي ما زال مفروضا على الضفة الغربية، إذ لا يتمكن الفلسطينيون من الذهاب إلى التسوق في شوارع القدس أو المالحة، أو من الوصول إلى بحر يافا مثلا.

وشيئا فشيئا، تتغير عادات كثيرة في حياة الفلسطينيين وتدخل على الخط اهتمامات كانت غائبة من قبل، والرياضة اليوم أصبحت أحد أكثر ما يشغل الفلسطينيين بعدما كانت شبه ميتة.

ويكفي أن تذهب إلى شوارع رام الله بعد كل مباراة بين فريقي برشلونة وريال مدريد الإسبانيين لتشاهد ما لا تشاهده في إسبانيا نفسها، تظاهرات تأييد وغضب، واشتباكات بين أنصار الفريقين تضطر معها الشرطة الفلسطينية إلى التدخل وتفريق «المشاغبين».

وقد أطلق اتحاد كرة القدم الفلسطيني دوريات مختلفة، ومؤخرا اعتمد الاتحاد 12 ناديا في الضفة كأندية محترفة، بعد أن نظمت صفوفها وأبرمت عقودا رسمية مع لاعبيها برواتب شهرية وجاءت بمدربين يحملون شهادات معترف بها من قبل الاتحاد الآسيوي.

وسيطلق أول دوري محترفين في 21 من شهر أغسطس (آب) المقبل، بعدما ظلت الرياضة في فلسطين تقتصر على الهواة وفي أوقات الفراغ. وقال جبريل الرجوب رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني، إنه يراهن على الضمانات السياسية. هذه الضمانات حملت كثيرا من المؤسسات على افتتاح مراكز رياضية وبرك داخلية، تعطي دورات متخصصة في السباحة واليوغا والكونغ فو. وقال إبراهيم عليان مدرب السباحة والكونغ فو في مركز «دار الكلمة الرياضي»: «نساء وأطفال وشباب وكبار في السن يأتون للتدرب على السباحة والكونغ فو واليوغا كذلك».

وأضاف: «الناس كأنها بدأت حياتها من جديد، يقضون وقتا طويلا هنا ويتعلمون أشياء جديدة وممتعة». وقبل أعوام كان إبراهيم الذي يعتبر محترفا في مجاله يمارس رياضة الكونغ فو والسباحة من باب ممارسة هواياته المفضلة، أما اليوم فإنه يقضي كل وقته في تدريب الآخرين، ويعتبر ذلك مصدر دخله الوحيد.

ولا يرغب الفلسطينيون في ترك شيء جديد لا يجربونه، والأسبوع الماضي نظم اتحاد السيارات الفلسطيني بطولة مسابقات سيارات هي الثانية هذا العام بينما يخططون لإطلاق 3 مسابقات أخرى.

وقال خالد قدورة رئيس الاتحاد الفلسطيني لرياضة السيارات والدراجات النارية لـ«الشرق الأوسط»، إن 50 متسابقا بينهم 4 سيدات خاضوا سباق سرعة في اجتياز الحواجز، الذي أجري في طريق مغلق في نابلس. ويتمنى قدورة لو يستطيع الاتحاد تنظيم سباقات رالي طويلة، لكن هذا يبدو غير ممكن، بينما ما زالت إسرائيل تسيطر على 60 في المائة من مساحة الأراضي في الضفة الغربية.

وأخذ المئات من الحضور الذي فاق 4000 مشجع يهتفون للمتسابقين الذين وزعوا على 5 فئات حسب قوة ماتور السيارة، وتوج بطلا لهم عبد الإله ناصيف من طولكرم، بينما تمكنت مرح زحالقة من جنين من الفوز بالمركز الأول على السيدات والـ13 من بين المتسابقين الـ50. واشتعلت المنافسة بين المتسابقين في الجولتين الأوليين بفارق أجزاء من الثانية، وحسمت المسألة في الجولة الثالثة التي تقدم لها 10 متسابقين فقط. وشارك المتسابقون بسياراتهم الشخصية، وحقق ناصيف الفوز بسيارة «رينو كليو» بوقت قدره 1:06:33 دقيقة. وحصل السباق على اهتمام رسمي وشعبي فلسطيني، وقالت عنان الأتيرة، نائب محافظ نابلس: «اعتقدت أنني أتابع سباقا للسيارات في أوروبا وليس في فلسطين». بينما قالت مرح زحالقة (19 عاما) لـ«الشرق الأوسط»، إنها تشعر بمتعة كبيرة وهي تقود سيارتها. وتعشق زحالقة سباقات السيارات وترى فيها نوعا من المغامرة. وأضافت: «السواقة شعور كتير حلو، وكتير ممتع، واللي حببني فيها اني بعتبرها نوعا من المغامرات وأنا كتير بحب المغامرات». وتجد زحالقة وقتا لممارسة رياضة السيارات على الرغم من أنها ما زالت تدرس علوم مصرفية في جامعة بيرزيت في رام الله. وتعلمت زحالقة السواقة وهي في الصف الخامس، وساعدها في ذلك أن والدتها كانت مدربة سواقة، وقالت: «كنت أطلع معها في الدروس وكنت أنتبه كتير للتعليمات اللي بتحكيها للطالبة، لأني بحب السيارات كتير واتعلمت لحالي بس ماما ساعدتني بشغلات بسيط».

وشجع فادي أبو السباع، وهو أحد المتسابقين الشبان زحالقة على المشاركة في مسابقات السيارات. ولم تشعر زحالقة بالخوف وهي تنافس نحو 46 شابا. وقالت: «ما بخاف من السيارات ولا من السباقات، وبستغرب لما الناس يحكو عنها أنها خطرة، بس بنظري أنها مش خطرة». ولم تتعرض زحالقة لأي حادث ولو بسيط خلال فترة سواقتها على الرغم من أنها كانت «تسرق» سيارة والدتها عندما كانت صغيرة، وفق تعبيرها.

وواجهت زحالقة في بداية الأمر رفض المجتمع لمشاركتها في سباقات تعتبر إلى حد كبير شبابية، لكنها الآن ترى قبولا كبيرا وتشجيعا أكبر، وقالت: «في البداية، أول ما شاركت في السباقات، معظم المجتمع ما تقبل الفكرة، بس أنا واجهت ذلك وبقيت مستمرة حتى توجت بطلة فلسطين لعام 2009، وبعد ذلك وجدت تغييرا، بدأ المجتمع يتقبل الفكرة وشجعها كتير».

وشجعت عائلة زحالقة ابنتهم على المواصلة، وقالت: «طبعا أهلي دعموني كتير وراح يضلو يدعموني وكتير بحبو أشارك في السباقات، وآخر سباق ما كنت بدي أشارك بسبب امتحانات الجامعة، بس لما شفت أهلي انزعجوا عشان ما بدي أشارك درست الامتحان بكير وشاركت».

ولا تجد هذه الرياضة الدعم الكامل بعد، باستثناء رعاية السباق نفسه وتقديم جوائز مالية من شركات ومؤسسات راعية للمتسابقين. وشاركت زحالقة بسيارة والدتها «الغولف»، وقالت: «شاركت بالسيارة التي تستخدمها ماما اللي في التدريب، وهي (غولف) ماتور 1600». وتعرف زحالقة أن قوة ماتور السيارة ليس كافيا لكن ما باليد حيلة، وقالت: «بتمنى يكون لي سيارة علشان أتحدى بها المتسابقين مش بس المتسابقات». وتخطط زحالقة للاحتراف إذا تمكنت من ذلك، كما تخطط للمشاركة في سباقات عربية ودولية.

ولا يبدو أن الفلسطينيين سيقفون عند هذا، ويقول المحلل السياسي خليل شاهين لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا مرتبط بتطور العصر، هناك جيل جديد من الشباب يريد أن يتواءم مع ثورة العصر».

ويرجع ما سماه شاهين «الفورة» الثقافية والاجتماعية والسياسية الجديدة لدى الفلسطينيين إلى «رغبة» المستوى السياسي في إحداث تلك الفورة ما دامت لا تتعرض إلى السياسة. وقال: «المستوى السياسي يستخدم هذه الفورة العلمانية ليقول إن هناك تطورا شاملا في الضفة بخلاف قطاع غزة الذي سيطرت عليه حماس».

لكن شاهين يرى أن هذه «الفورة» لا تعكس بالضرورة تنمية حقيقية، وقال إنها على هامش التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في حقيقة الأمر. وحذر شاهين من انهيار اقتصادي في الضفة الغربية، وقال: «النمو في الضفة وصل إلى 8 في المائة وفي غزة يتحدثون عن 1.50 في المائة، هذه فجوة كبيرة ودليل على أننا نسير نحو كارثة».

وتابع: «لا يوجد تطور اقتصادي حقيقي ولا تطور في النظام السياسي ولا تطور في البيئة القانونية، ولا تطور اجتماعي، هذا لا يمكن في مجتمع خاضع للاحتلال». وأردف: «أعتقد أننا ما زلنا متخلفين في هذه المجالات».

وعلى الرغم من ذلك يرى شاهين أنه يجب تشجيع هذه «الفورة»، ويقول إنها أحد عوامل الضغط على النظام السياسي والاقتصادي القائم. وأضاف: «صانعو الفورة هم قوى اجتماعية تريد التغيير وقد يقود تشجيع هذه الفورة إلى تحول قادم في الحياة السياسية.. هناك مؤشرات».

وهناك سبب ثالث يراه شاهين، سببا لهذه الفورة، وهو تلقائي تماما، حيث قال: «الناس لديها رغبة في التقاط أنفاسها بعد انتفاضتين.. الناس عانت في الانتفاضة الثانية بسبب تشوهات في الكفاح الفلسطيني جاءت بردود فعل عكسية، وهي اليوم في استراحة».

* رام الله واحة من الازدهار!

* تعكس رام الله صورة مدينة مزدهرة تشهد حركة أعمال محمومة وفورة عقارية كست تلالها بالمباني، غير أن هذه المدينة التي تؤوي مقر السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية تبقى استثناء في مشهد اقتصادي عام هش. ففي هذه المدينة، البالغ عدد سكانها أربعين ألف نسمة، تشيد المباني السكنية والتجارية بوتيرة متسارعة، كما تفتح مقاه ومطاعم جديدة أبوابها على الدوام. إنها واجهة مثالية لجهود رئيس الوزراء سلام فياض الطامح لإقامة دولة فلسطينية «مستقلة وقابلة للحياة» بحلول 2011. غير أن «رام الله تبقى استثناء» على حد قول ناصر عبد الكريم الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة بيرزيت. فإن كان النمو في الضفة الغربية وصل إلى 8% عام 2009 بحسب أرقام صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الفلسطيني يبقى مرهونا بالمساعدة الدولية وبالقيود التي تفرضها إسرائيل على تنقل الأشخاص والبضائع.

وأوضح عبد الكريم: «إن توقفت المساعدة الدولية لمطلق سبب أو تم تخفيضها، عندها ستهبط النفقات الحكومية وسيعود الاقتصاد بكل بساطة إلى الصفر». وتمثل حصة المساعدة في إجمالي الناتج الداخلي الفلسطيني 22%، رغم أنها تراجعت.

وقدمت الدول المانحة 1.35 مليار دولار للسلطة الفلسطينية عام 2009 لتمكينها من تمويل ميزانيتها، مع مبلغ إضافي قدره 400 مليون دولار خصص لبرامج إنمائية. وذكر عبد الكريم من جهة أخرى أنه «ليس هناك تحسن ملحوظ في الاستثمارات الخاصة، خصوصا في القطاعات التي يمكن أن تشكل بنية تحتية لدولة مستقلة مثل الزراعة والصناعة».

وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن القيود الإسرائيلية «ما زالت تعيق النشاط الاقتصادي الداخلي والتجارة الخارجية» في الضفة الغربية. لكن مهدي المصري رئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات الفلسطينية اعتبر أن «هذه مجرد مظاهر»، مؤكدا أن بناء اقتصاد متين لن يتم إلا في حال بسط السيطرة الفلسطينية على مجمل الضفة الغربية.

وبموجب اتفاقية أوسلو للسلام الموقعة عام 1993، فإن السلطة الفلسطينية تسيطر أمنيا وإداريا على 18% من الضفة الغربية صنفت ضمن المنطقة أ، وتتعاون مع إسرائيل في المنطقة ب (20%)، فيما تسيطر إسرائيل على المنطقة ج. وقال المصري لوكالة الأنباء الفرنسية إن «في وسع أدنى جندي في الجيش الإسرائيلي عرقلة حركة نقل بضائع بقيمة ملايين الدولارات». وقال عبد الكريم إن «إسرائيل احتفظت بالمفاتيح ويمكنها تغيير كل شيء في أي لحظة بمجرد إقامة حاجز» على سبيل المثال.

ومن العراقيل الأخرى التي تعيق النمو الاقتصادي الفلسطيني الحصار المحكم الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ 2007. وقال المصري إن «35 إلى 40% من الاقتصاد الفلسطيني معرقل بسبب الحصار على غزة» حيث وصلت نسبة البطالة إلى 40% بالمقارنة مع نحو 20% في الضفة الغربية. وثمة أخيرا تباينات كبيرة بين رام الله ومدن الضفة الغربية الأخرى مثل نابلس والخليل، حيث يبقى الازدهار الاقتصادي حلما بعيد المنال في البلدات الواقعة في المنطقة ج.

وفي بير نبالة، بين رام الله والقدس، لخص محمود نعيم الموظف في محل للخزفيات الوضع بـ«الركود»، مشيرا إلى أن الجدار الأمني الذي أقامته إسرائيل بدل كليا حياة المدينة التي كانت تشهد من قبل حركة كبيرة. وقال «قبل الجدار كنا نتعامل كثيرا مع القدس. أما اليوم، فلم تعد هناك أي حركة، أو بالكاد».