«السياحة الجهادية» آخر تقليعات حزب الله

على خطى المقاومين من «مارون الراس» إلى «معلم مليتا» المفتوح على السماء

زائرون يشاهدون بعضا من غنائم حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل (أ.ب)
TT

«السياحة الجهادية» تقليعة جديدة ابتكرها حزب الله وأطلقها مع مطلع الصيف الحالي، وبدء توافد الزائرين على لبنان. ففي 25 من الشهر الماضي، افتتح معلم «مليتا» السياحي، وهو متحف عسكري، قد يكون الأول من نوعه في المنطقة العربية، وإلى جانب المتحف بدأ الحزب في تنظيم رحلات إلى مواقع حدودية شهدت معارك ضارية عام 2006، رغبة في التعريف بالمقاومة وفكرها. فما هي «السياحة الجهادية»، وما الغاية منها؟

بعد الجولة السياحية التي نظمتها الهيئة الطلابية في حزب الله، ودعت إليها طلابا من الجامعة اليسوعية إلى المواقع الحدودية الجنوبية، وأحدثت ضجيجا إعلاميا وقلقا في إسرائيل، وجهت دعوة مشابهة إلى أساتذة الجامعة اللبنانية من كل المناطق. الدعوة هذه المرة آتية من هيئة التعليم العالي في الحزب إلى زملائهم الأساتذة الجامعيين لتعريفهم بما يحدث في الجنوب.

وهكذا تكفل الحزب، يوم السبت الماضي، بنقل الأساتذة من مناطقهم بدءا من السادسة صباحا ليتجمعوا في الضاحية الجنوبية، حيث نقطة الانطلاق. وبعد أن امتلأت حافلتان كبيرتان بعشرات الأساتذة الجامعيين، صعد مسؤول هيئة التعليم العالي في الحزب، الدكتور عبد الله زيعور، إلى الحافلة التي وجدنا فيها ليرحب بالجميع، ويقول: «نحن ضيوفكم اليوم وأنتم أهل الدار، نأسف سلفا لأي خطأ يمكن أن يحدث». وقبل أن تتحرك الحافلة كانت قبعات صفراء قد وزعت على الجميع كتب عليها «حزب الله، هيئة التعليم العالي». لم يأخذ أي أحد المبادرة بوضع القبعة على رأسه لكن الدكتور زيعور أخبرنا أنها ستكون ضرورية للغاية، وأعطيت لنا بسبب حدة الشمس التي سيصعب احتمالها، لذلك يفضل أن نعتمرها من الآن. هكذا بحركة لا شعورية وضع المدعوون القبعات، ونظر كل منهم إلى الآخر، لتنتاب الجميع موجة من الضحك، وقد أدركوا أنهم باتوا يعتمرون الرمز الحزبي، من دون أن يتحزبوا.

لا شيء يحدث بالصدفة مع حزب الله، وتفهم منذ البداية أن التنظيم للرحلة بالغ الدقة، وكل التفاصيل مدروسة. فالجولة السياحية الجهادية تبدأ من الضاحية، لأن التجمعات السكنية هنا، هدمتها إسرائيل عام 2006 وأحالتها ركاما، وها هي ناهضة من جديد، وكأن حربا لم تكن. وفي الحافلة، إضافة إلى الدكتور زيعور، الأستاذ في الجامعة اللبنانية، الذي يشرح للزملاء أهمية المواقع التي يمرون عليها، ثمة شخص آخر يهتم براحة المدعوين، وتقديم الفطور الذي يبدأ بالكنافة وينتهي بالمنقوش، ويوزع زجاجات المياه.

«انت ما تفكر بشي، حزب الله بيفكر عنك»، يقول أحد الأساتذة معلقا وضاحكا.

نمر بمناطق كان للمقاومة فيها صولات وجولات، هنا دير قانون حيث نفذ أحمد قصير عام 1982 واحدة من أوائل العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال، وهناك وادي الحجير الشهير والجميل، الذي شهد تدمير دبابات إسرائيلية أو ما بات يعرف بـ«مجزرة الميركافا»، وهذه مدينة بيت جبيل التي دمرتها إسرائيل وتركتها ركاما، وها هي ورشة الإعمار قائمة على قدم وساق.

* «مارون الراس» ليست في حاجة إلى «سكود»

* المحطة السياحية الأولى «مارون الراس»، الموقع الأشهر في «حرب تموز» 2006، والنقطة الحدودية الأولى التي اجتازتها الدبابات الإسرائيلية للدخول إلى لبنان، وحدثت فيها أعنف المواجهات. تنبسط أرض فلسطين أمامك والقرى السبع، وها هي جبال سعسع في عكا التي تخفي وراءها صفد يلفها الغمام. ينبهر الأكاديميون بالمشهد الفلسطيني الممتد أمامهم، وقد احتلته المستعمرات، لكنه بدا مقفرا من أي حركة، حتى ليبدو الهدوء لشدته مريبا. يطلب منا أن نجلس على مدرج نشاهد منه اللوحة الفلسطينية الخلابة، ليشرح لنا أحد القادة الميدانيين تفاصيل عن المعارك التي دارت هنا. يصل الحاج عباس ومعه مجموعة من شباب الحزب، ويطلب منا عدم تصويره، كما يرفض التحدث إلينا عبر الميكروفون الموجود لأسباب أمنية. يشرح لنا كيف تحركت الدبابات، وأين اختبأ المقاومون، والخطة التي اتبعوها، بحيث كان رجال الحزب يتعاملون بصبر شديد كي لا يستهدفوا الدبابة إلا حين تصبح إصابتها أكيدة. هناك يقول الحاج عباس: «على تلك التلة، كان يوجد مرصد جوي إسرائيلي، يرصد سماء كل الشرق الأوسط وصولا إلى إيران، وقد استهدفناه بالصواريخ، مما ترك إسرائيل من دون إنذار مبكر، طوال الحرب». نسأل الحاج عباس عن الحرب المقبلة فيقول: «لن نقبل في المرة المقبلة أن تستمر الحرب 33 يوما، بل ستكون أقصر من ذلك، ومن سيدخل إلى لبنان سيصعب عليه الخروج لأنه سيدفن هنا». هم لهم الجو وأنتم لكم الأرض - نقول - وقد انكشفت خطة الأنفاق التي حفرتموها، فماذا بقي لكم تفعلونه، يجيب: «الخطة تغيرت، ولن نكشف أكثر مما قاله السيد حسن». وهل ستستعملون الـ«سكود»؟.. يقول: «لسنا في حاجة إليه، لقد رمينا على مسافات تتجاوز ما يمكن أن يصله الـ(سكود) عام 2006». أين إذن تخبئون الصواريخ؟.. يجيب أحد الأساتذة ممازحا: «لا بد أنهم حفروا لها تحت المستعمرات في غفلة من الإسرائيليين».

يشرح الحاج عباس، إن «الشباب يعملون بلا كلل، وأن الحزب سيدافع عن كل لبنان». نسأل، وهل بإمكانكم الدفاع عن منطقة الشمال، مثلا، وهل لكم وجود هناك؟ يبتسم شبان الحزب وكأنهم يستغربون السؤال، ويجيبون، بالتأكيد، من دون مزيد من الإيضاحات. الأعلام الإيرانية ترفرف عالية هنا في مواجهة إسرائيل، ونكاية بها كما فهمنا من سياق الكلام، وقد أقيم مقهى كبير داخل ما سمي «حديقة إيران»، بحيث قسمت أجنحة الحديقة، باسم المحافظات الإيرانية التي كتبت أسماؤها على لافتات كبيرة، تحية للجمهورية الإسلامية التي مولت المشروع. كما أقيمت ساحة من الرمال شاسعة في الموقع الحدودي الأقرب إلى إسرائيل لألعاب الرماية للأطفال على مرأى من الإسرائيليين الذين لا بد يرصدون كل حركة تدب هنا، ويصورونها ويوثقونها أيضا. لهذا فإن قبعات الحزب الواقية من الشمس التي كان من الصعب التخلي عنها تحت وطأة القيظ الشديد، على رؤوس الأكاديميين، لا بد أنها لفتت الراصدين الإسرائيليين على المقلب الآخر من الحدود، كما حدث عندما كتبت الصحف الإسرائيلية منذ أيام، عن زيارة الطلاب اللبنانيين الذين دعاهم حزب الله وجال بهم هنا، وهم يلبسون الجينز، ويستمعون إلى موسيقى غربية.

* «مربع التحرير»

* يستعجلنا رجال الحزب، للصعود إلى الحافلة، فالمواعيد لا بد أن تحترم، وخاصة أن لكل محطة فريقا ينظمها، وينتظر وصولنا. هذا ما حدث عندما حطت بنا الحافلة في «مربع التحرير». هنا أيضا ينتظر قادة عسكريون شاركوا في المعارك. الحاج عباس مرة أخرى هو الذي يشرح بالتفصيل قصة اقتحام 400 جندي إسرائيلي لهذه المنطقة بعد أن قصف مسجدها وبيوتها ولم يبق منها غير ما قاوم من شجر، اختبأ تحته المقاتلون، ومع ذلك تمكن هؤلاء من إرعاب الإسرائيليين وإجبارهم على الفرار. لكن في المقابل تحت كل شجرة، سقط شهيد أو أكثر في هذه المعركة الدموية.

وبعد الشروحات حول المعارك يطل الحاج أبو علي بنظارة سوداء وملابس عسكرية، وهو قائد ميداني آخر من الحزب، فيقول إن «القرار 1701 يمنع علينا الخروج بملابس عسكرية، لكنني لبستها اليوم إكراما لوجودكم معنا، أطلب منكم عدم تصويري، ولربما رأيتم صورتي في المستقبل، وتذكرتموني» (ملمحا إلى نشر صورته شهيدا). الحاج أبو علي كلامه له دور آخر، مختلف، لا علاقة له بالخطط العسكرية، وإنما بالجانب الوجداني البحت، ويقول: «نقطة ضعفنا هو أنتم، نحن متهمون بقسوة القلب، هكذا كانت تقول أمي عنا». ويروي حكايته منذ كان طالبا جامعيا وترك الدراسة اقتناعا بالمقاومة: «لأنني أردت أن أكون درعا للطلاب والدكاترة. فحين كنت أقاتل في وادي الحجير عام 2006، كنت أفتح الراديو لأسمع صوت استغاثات الأهالي، لأن أصواتهم تشحنني بالعزيمة». يشرح أبو علي أنه التحق بالمقاومة على الرغم من أنها لم تكن تلقى أي شعبية في الجنوب أيامها. وكان الناس لا يتعاطفون مع المقاتلين بل يعتبرونهم سبب الخراب، ويمنعون عنهم أي مساعدة. أما اليوم – يقول: «فقد باتت الأمهات تضحي بأولادها وكل ما عندها في سبيل المقاومة». في كلام أبو علي، على الأرجح إحالة، إلى موقف اللبنانيين الذين لا يزالون يرون في المقاومة تهديدا للأمن، وتحريضا لإسرائيل. فالحاج أبو علي، على ما يبدو، مقتنع، بأنهم في النهاية لا بد أن يتراجعوا عن مواقفهم هذه، كما تراجع أهالي الجنوب عن معارضتهم.

يطلب أبو علي من الدكاترة قبل وداعهم، أن يقرأوا الفاتحة على روح الشهداء الكثر «الذين سقطوا عند كل زاوية وشجرة في هذا المكان».

* مغامرة الخروج من النفق

* المحطة الأكثر إثارة، في هذه «السياحة الجهادية» التي نظمت للأكاديميين، هي زيارة أحد الأنفاق الذي قصف شمال إسرائيل بفضله طوال 33 يوما، من دون أن تتمكن الطائرات من إسكات منصة الصواريخ القريبة منه. بعد أن تدخل بنا الحافلة في طريق ضيق للغاية ووعر، في منطقة كونين، يطلب منا أن نترجل ونتسلق هضبة صخرية مرتفعة، تغطيها الأشجار بشكل كثيف. وتسهيلا لمهمة السياح الذين باتوا كثرا (قيل لنا إن 50 ألفا زاروا هذا المكان)، فقد تم حفر درج طويل في الصخر وزود بسياج حديدي، يؤدي إلى فتحة النفق. هناك ينتظرنا المقاتلون بنظاراتهم السوداء، وابتساماتهم الدائمة، ودماثة أحاديثهم التي لفتت الزوار. الترحيب لا يتوقف، والمساعدة دائمة، لإيصالنا بأفضل السبل إلى المواقع الحربية. يحذرنا المقاتلون من أن النفق طويل ويقع تحت مرتفع صخري علوه عشرون مترا ومن المحال أن يخرقه أي قصف جوي. ويؤدي النفق إلى فتحة في الجبل، وقد لا يحتمل البعض النزول إليه، لكنهم ينصحوننا أيضا بعدم تفويت فرصة الاكتشاف. يدار موتور كهربائي صغير لإنارة النفق، وتبدأ المغامرة.

النفق عبارة عن منزل صغير مكتمل المواصفات. ممر طويل بارتفاع مترين أو أكثر وعلى أحد جوانبه مطبخ كامل التجهيز ثم حمام تتلوه غرفة متسعة نسبيا، قيل لنا إنها لمعالجة الجرحى، ويوجد فيها مسعف باستمرار. كل النفق بغرفه وممراته مصفح بالمعدن المطلي بالأبيض الذي أخفى كل أثر للصخر، وثمة تمديدات لتزويد المختبئين بالمياه. وينتهي النفق بفتحة ثانية مزودة بسلم عمودي تماما ارتفاعه عشرون مترا. يصر غالبية الزوار رجالا ونساء على تسلق السلم على الرغم من صعوبة المهمة وخطورتها، ليعيشوا المغامرة حتى الذروة. يشرح لنا المقاتلون أن منصة الصواريخ كانت بقرب النفق، من هنا كان يقصف الرفاق إسرائيل، ثم يدخلون النفق للاختباء، وبقوا على هذه الحال طوال الحرب على الرغم من محاصرة الدبابات لهم، وقصف الطيران، ولم يجرؤ الإسرائيليون على مهاجمة الهضبة سيرا على الأقدام لإسكاتهم، واضطروا بسبب الحصار الطويل إلى أكل ما ينبت حولهم.

يقول أحد المقاتلين: «استغرق حفر هذا النفق ست سنوات. وقد كشفه عميل بعد الحرب بتسعة أشهر وأخبر (اليونيفل) الذين جاءوا وعاينوا المكان، وبالتالي لم يعد سريا وصالحا للاستعمال مرة جديدة، وتحول مزارا للسياح». يضحك شباب الحزب ويقولون: «هذا نفق موديل قديم ولا أسف عليه!». أين الأسلحة والصواريخ؟ تسأل إحدى الزائرات. يأتي الجواب: «لا تقلقي، الصواريخ تجهز بدقائق معدودات، ثقوا بنا». ثم تسأل وكيف يمكن أن تضرب الطائرات منصة الصواريخ أكثر من شهر، من دون أن تصيبها؟ الجواب جاهز: «الله الحامي، لا نستطيع أن نقول أكثر مما قاله السيد».

* رسائل «السياحة الجهادية» غير مشفرة

* لا شك أن الزيارة السياحية تهدف إلى إيصال رسائل متعددة، فهناك الجانب الميداني والوجداني الذي تكفل به العسكريون، والجانب الفكري والتحليلي الذي تولاه الدكتور عبد الله زيعور مع الزملاء الأكاديميين، شارحا طوال الرحلة، وعارضا وجهة نظر الحزب في الاتهامات الموجهة إليه، مفندا لها من خلال شواهد تاريخية، ووقائع محددة، من دون أن تفوته الاستشهادات بأقوال كبار صناع التاريخ. أما الجانب السياسي، فسيتكفل به النائب محمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني، الذي التحق بالوفد الأكاديمي على الغداء، في أحد مطاعم عربصاليم الجميلة، وألقى كلمة مقتضبة، لكنها كافيه لإيضاح فكرة الحزب السياحية. فقد تحدث النائب رعد عن «معلم مليتا السياحي» الذي افتتح منذ أيام وسنشاهده بعد قليل، وقال إن رؤية محتويات هذا المتحف العسكرية وغنائمه التي انتزعت من إسرائيل «ستدخل الفرح والأمل على قلوبكم بتحقيق المزيد من الانتصارات»، «صحيح أن لبنان بلد صغير في مساحته، قليل في سكانه لكنه صار رقما صعبا في المنطقة العربية والإسلامية». وقال رعد: «نحن أمام تأكيد معادلة الجيش والشعب والمقاومة، في مواجهة إسرائيل، ومن يجادلنا لا يقدم بديلا، وإنما يريد أن يترك لبنان رهنا للدول الاستكبارية... ما نطرحه من تأكيد لهذه المعادلة يفسح المجال أمام الجميع ليكونوا شركاء في صنع عظمة لبنان، فهي معادلة تتسع للجميع ولا تلغي أحدا، وترسم مسار البلد في الاتجاه الصحيح». أما وإن معادلة الجيش والمقاومة قد تحققت، وها هي مراكز الجيش على الحدود تتعايش مع حزب الله في ثيابه المدنية، فإن هذه الزيارات، تريد للشعب أن ينضم إلى المعادلة طواعية. و«معلم مليتا» الذي سيكون محطتنا الأخيرة يؤكد ما يقوله رعد ولا يخالفه.

* انزعاج «قواتي» ولا قلق عند «المستقبل»

* النائب أحمد فتفت أحد البارزين في تيار المستقبل يؤكد أنه لا يشعر بأي انزعاج أو قلق، من «السياحة الجهادية» التي يطلقها حزب الله، ويضيف: «هذا جزء من العمل الإعلامي الذي يقوم به الحزب عبر قناة (المنار) أو إذاعته، ولا أرى استفزازا في ذلك، ولا حتى إسرائيل تعتبره استفزازا لها. ما دام أن الأمر يبقى ضمن العمل السياسي والإعلامي، ولا يدخل الحيز العسكري أو يخرق القرار 1701، فلا مشكلة لنا مع هذا الموضوع». أما النائب أنطوان زهرة من القوات اللبنانية (وقيل إن بعض طلاب القوات شاركوا في إحدى الجولات السياحية)، فاعتبر أن ما يحدث هو «دليل على غياب الدولة، بحيث إن الحزب يستكمل مشروعه من دون إعطاء فرصة للدولة أن توجد. ونرى أن هناك محاولة لتعميم فريق واحد لثقافته على كثيرين لا يوافقونه الرأي». وتمنى زهرة «لو يدعى السائح لرؤية معالم الدولة ومشاريعها لبناء مستقبل مستقر للبنان، لا أن تخلي الدولة الساحة لجهات أخرى، مهما بلغت تضحياتها التي نقدرها».

لكن حزب الله ماض في تطوير صناعته السياحية، وفي طريق العودة، سنكتشف «مليتا»، وهو «معلم سياحي عن المقاومة» بل متحف في الهواء الطلق بني على الطرز الحديثة، افتتح في الخامس والعشرين من مايو (أيار) الماضي، جمعت فيه بطريقة فنية لا تخلو من صرامة عسكرية، الغنائم التي خلفتها إسرائيل سواء بعد حرب التحرير أو بعد عام 2007. وفي هذا المتحف أيضا مختلف أنواع الأسلحة التي استخدمتها المقاومة، نوع من الأرشفة والتوثيق الدقيقين لمسار الحزب ومقاتليه، في موقع جبلي مرتفع يعتبر بالنسبة إلى الحزب رمزا لمقاومة الاحتلال قبل التحرير عام 2000.

وفي طريق العودة إلى بيروت يمازح الدكتور عبد الله زيعور الزملاء الأكاديميين ويقول لهم: «كل واحد منكم تسلق درج النفق للخروج منه ستمنحه المقاومة شهادة تعادل مدة شهر تدريبي!»، لكنه يقول جادا، لا بل بمنتهى الجدية، إن «أهل المقاومة يتابعون مسيرتهم بكثير من الاطمئنان، وإن اهتمام النخبة الأكاديمية بالتعرف على تجربتهم ومعايشتها عن قرب، هي موضع ارتياح وتقدير هائلين».