كيسنجر.. أبو «السياسة الواقعية»

يعشق كرة القدم.. وبقدر ما وصف بالذكاء والدهاء وصف بالخبث والنفاق

TT

بعد غياب طويل عن الأضواء، ظهر هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق وأحد عباقرة السياسة الخارجية في أميركا وفي العالم، وفي ثلاث مناسبات مختلفة الأسبوع الماضي. وكتب كيسنجر، صاحب نظرية «ريال بوليتيك» (السياسة الواقعية)، مقال رأي حول أفغانستان نشرته عشرات الصحف الأميركية. وفي الظهور الثاني، تحدث عن كرة القدم بمناسبة منافسات كأس العالم في جنوب أفريقيا. وثالثا صدر مسلسل إذاعي اسمه «توب سيكريت» (سري جدا) عن حرب فيتنام، يسلط الضوء على الدور الذي لعبه كيسنجر لإنهاء الحرب هناك.

عن أفغانستان، قال إنه لا بد من تطبيق «سياسة واقعية» هناك. وقال: «ليس واقعيا الاعتقاد أن حكومة كرزاي ستعيش طويلا بعد انسحاب القوات الأميركية والأوروبية.. وليس واقعيا إعلان الرئيس أوباما سحب القوات الأميركية الصيف القادم». وأضاف أن الواقع هو أن «أفغانستان لم ترضخ لأي قوات أجنبية عبر تاريخها، وهي مجتمع قبائل يفضل أن يحكم كوحدات قبلية لأنه ليس معتادا على النظام المركزي (الغربي).. لهذا يحتاج حل هذه المشكلة إلى سنوات طويلة».

وكتب: «لا سياستنا هناك واقعية، ولا انسحابنا العسكري يتسم بالواقعية». وتحدث عن «دوميستيك ريال بوليتيك» (السياسة الواقعية داخل أميركا)، وقال: «أثبتت حرب فيتنام وحرب العراق أن الشعب الأميركي يقدر على أن يغير رأيه لأسباب لا صلة لها بقوتنا العسكرية».

أما في المرة الثانية التي ظهر فيها وتحدث عن كرة القدم، فلم يكن همه مشاهدة المباريات في جنوب أفريقيا فقط، ولكن أيضا الترويج لكي تستضيف الولايات المتحدة منافسات عام 2018، أو 2022 (آخر مرة، استضافتها عام 1994). في وقت سابق، كان رئيس الاتحاد الأميركي لكرة القدم. ونقل على لسانه أن له هدفين (استراتيجيين): أولا: «أن تكون (فوتبول) أو (سوكر) (كرة القدم) اللعبة الشعبية الأميركية الأولى، بدلا من (فوتبول) (كرة يد أكثر منها كرة قدم)».

ثانيا: أن تصير مصدر دخل كبير (إذا فازت أميركا بمنافسة بعد عشر سنوات، ستدر دخلا يزيد على خمسة مليارات دولار). ولا يذكر كيسنجر إلا ويذكر شيئان؛ أولا: الاستراتيجية مهنته. ثانيا: كرة القدم هوايته.

وقبل سنوات كتب الآتي في صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «ظللت مجنونا بكرة القدم منذ صباي في فيورث، المدينة الصغيرة في جنوب ألمانيا التي ولدت وتربيت فيها. لم يفهم والدي لماذا أقف ساعتين (لم تكن في الاستاد مقاعد) أشاهد مباراة تحت مطر أو برد، ولا أجلس ساعتين في مقعد مريح في قاعة الأوبرا، أو في المكتبة، أو في المتحف».

وهو الاستراتيجي العريق، قال إن الاستراتيجية أهم ثلاثة أعمدة تقوم عليها كرة القدم (بالإضافة إلى المهارة والتعاون). وهو الذي تأثر بالقائد الألماني بزمارك (موحد ألمانيا)، وقال إن تحرك لاعبي الهجوم نحو مرمى الفريق المضاد يشبه فرقا عسكرية تتقدم، حسب تنسيق مسبق، لتحتل مدينة الأعداء. وقال أيضا إن تبادل الكرة بين اللاعبين لا يقل أهمية عن وقوف اللاعبين حول طاولة عليها خريطة الملعب واستراتيجية التحرك من مكان إلى آخر (كما يفعل الجنرالات).

وسئل: «مضت ستون سنة من فيورث إلى جوهانسبورغ. ماذا تغير؟»، فأجاب: «كانت الخطة هجومية أكثر منها دفاعية (5 هجوم، 3 وسط، 3 دفاع). لهذا، كان عدد الإصابات أكبر».

لكن، أهم من كرة القدم وكتابة تعليقات تنقلها صحف أميركية وعالمية، يوجد سجل كيسنجر كوزير للخارجية لست سنوات (تحت رئاسة نيكسون، ثم الرئيس فورد)، وكمستشار للرئيس للأمن الوطني لثلاث سنوات (تحت رئاسة نيكسون). لسنوات، كان يعرف بـ«كيسنجر السري»، إشارة إلى رحلات سرية إلى الصين عندما لم تكن أميركا اعترفت بها، تمهيدا للاعتراف بها. ولسنوات، عرف بـ«كيسنجر السحلفائي»، إشارة إلى مفاوضات طويلة ومعقدة مع ثوار «فياتكونغ» لسحب القوات الأميركية من فيتنام. كذك عرف بـ«كيسنجر المكوكي»، إشارة إلى جولات للتوفيق بين إسرائيل والدول العربية بعد حرب أكتوبر (حرب يوم الغفران اليهودي) سنة 1973.

حتى اليوم، وعمره يقارب التسعين، ظل كيسنجر مثيرا للنقاش بسبب آرائه وسياساته منذ أن ظهر على المسرح السياسي. وبقدر ما وصف بالذكاء والدهاء، وصف بالخبث والنفاق. وبقدر ما خرج تلاميذ على يديه يدينون بالولاء لمدرسته الاستراتيجية، عارضه آخرون، وطالبوا باستقالته عندما كان مسؤولا، أو بمحاكمته بعد أن ترك الحكومة، أو حتى نزع الجنسية الأميركية عنه (كان عمره ست عشرة سنة عندما هاجر مع والديه من ألمانيا إلى أميركا). ومن المعارضين من طلب محاكمته بتهمة جرائم الحرب (دوره في حرب فيتنام التي انتهت سنة 1975). أو بتهمة التآمر (دوره في انقلاب شيلي سنة 1973). أو بتهمة الفساد (الخلط بين كتاباته وعملائه في شركة العلاقات العامة التي يملكها ويرأسها). أو بتهمة الكذب (بداية من أنه كذب حتى في اسمه).

هذه إشارة إلى أن «هنري كيسنجر» ليس اسمه الحقيقي. كان اسم جده الأكبر «ماير لوب»، وغيره في القرن التاسع عشر إلى «ماير كيسنجر» خوفا من اضطهاد الألمان للعائلة لأنها يهودية. وكان اسم الحفيد «هاينز»، وغيره عندما هاجرت العائلة، سنة 1939، إلى أميركا خوفا من الأفران الحارقة التي نصبها هتلر لليهود.

في كتاب مذكراته، قال إنه بقدر ما حاول الاندماج في المجتمع الأميركي في نيويورك (حيث المدرسة الثانوية)، انفرد دون غيره ليس فقط بيهوديته، ولكن أيضا بلهجته الألمانية (حتى اليوم، تظهر في كلامه لكنة ألمانية). وبعد الثانوية، جند في القوات الأميركية للاشتراك في الحرب العالمية الثانية. لكن، كان لا بد أن يحصل على الجنسية الأميركية. وعمل في الاستخبارات العسكرية التي أرسلته إلى خطوط القتال في أوروبا، واستفادت من لغته الألمانية، خاصة في معركة «بلج»، آخر مواجهة رئيسية مع القوات الألمانية قبل هزيمتها. وبعد الهزيمة واحتلال ألمانيا، اشترك في كشف وثائق «غيستابو» (الاستخبارات الألمانية). ثم عمل مدرسا في كلية «كامب كينغ» للاستخبارات في ألمانيا، التي كانت تعيد تأسيس الاستخبارات الألمانية تحت إشراف قوات الاحتلال. ومنح وسام «برونز ستار» (النجم البرونزي).

في وقت لاحق، افتخر هو بأن هذا كان دليلا على وطنيته وحبه لأميركا. لكن، قال معارضوه إن التجسس والخداع والسرية من صفاته الشخصية التي استعملها خلال سبع سنوات كوزير للخارجية ومستشار للأمن الوطني. وفي كتاب «كيسنجر الحقيقي» الذي جمع كل السلبيات عنه، إشارة إلى «سنوات التجسس» (لأن كتاب مذكرات كيسنجر اسمه «سنوات البيت الأبيض»).

بعد نهاية «سنوات التجسس»، كان كيسنجر طالبا ذكيا بعد أن عاد إلى أميركا، وترك الاستخبارات العسكرية. دخل جامعة هارفارد، وحصل على بكالوريوس وماجستير ودكتوراه خلال سبع سنوات فقط. ثم قضى أكثر من عشر سنوات أستاذا في الجامعة نفسها. في الوقت نفسه، استفاد من خلفيته الاستخباراتية العسكرية، وصار مستشارا في الحرب النفسية في البنتاغون، وفي مجلس الأمن الوطني التابع للبيت الأبيض.

وفي سنة 1968، اختاره الرئيس نيكسون مستشارا للأمن الوطني. وبعد ثلاث سنوات من المناوشات والمناورات والمؤامرات من داخل البيت الأبيض ضد وليام روجرز، وزير الخارجية، اضطر روجرز لأن يستقيل. وصار كيسنجر وزير خارجية. وهكذا، تربع كيسنجر على عرش السياسة الخارجية الأميركية. ومعه، تربعت فلسفة «ريال بوليتيك» (السياسة الواقعية)، التي أثرت على السياسة الخارجية الأميركية (والسياسات العالمية) كثيرا؛ أولا: «الواقعية» في أنه لا بد أن تعترف الولايات المتحدة بثورة الصين (نجحت سنة 1953)، على الرغم من أنها شيوعية. وهو صاحب فلسفة «رابورشور» (التقارب) مع الصينيين. ثانيا: «الواقعية» في مهادنة الاتحاد السوفياتي، على الرغم من أنه يهدد الغرب. وهو صاحب فلسفة «ديتانت» (الانفتاح) على الروس.

ثالثا: «الواقعية» في التفاوض مع ثورا «فياتكونغ» في فيتنام بعد أن تأكد أنهم سينتصرون على القوات الأميركية هناك.

رابعا: «الواقعية» في التقريب بين إسرائيل والدول العربية لأن إسرائيل دولة موجودة، ولا يمكن القضاء عليها، ولا بد من التعايش (إن لم يكن التصالح) معها.

ومرة أخرى، استفاد كيسنجر من خلفيته الاستخباراتية، وزار الصين سرا مرات كثيرة تمهيدا لاعتراف الولايات المتحدة بها (في كتاب مذكراته، كشف أنه كان يزور باكستان علنا. ثم يصدر مكتبه بيانا للصحافيين بأنه يريد قضاء أيام في مصيف بالقرب من الحدود مع الصين).

وطبعا، جمع كيسنجر بين الواقعية والمصالح الأميركية. لم يكن التقارب مع الصين حبا في الصين أو في الشيوعية، بل كان لموازنة الاتحاد السوفياتي (خاصة بسبب العداء بين الدولتين الشيوعيتين، وبسبب اشتباكات على حدودهما في ذلك الوقت). وأيضا لطلب مساعدة الصين في إنهاء حرب فيتنام. (خاصة لان عسكريين أميركيين اقترحوا نقل الحرب إلى الصين لأنها كانت ترسل مساعدات إلى ثوار فيتنام. وخاف كيسنجر من أن يقود ذلك إلى حرب شاملة مع الصين).

وهكذا لإنهاء التدخل العسكري الأميركي في فيتنام، لجأ كيسنجر مرة أخرى إلى «ريال بوليتيك». وكتب تفاصيل ذلك في كتاب مذكراته الأول (كتب ثلاثة كتب لمذكراته: «سنوات البيت الأبيض» و«سنوات التوتر» و«سنوات التجديد»). كتب: «بدأت أزور فيتنام سرا سنة 1965، عندما طلب منى هنري كابوت لودج، سفيرنا هناك، تقديم استشارات له. بعد سلسلة زيارات، اقتنعت بأن النصر العسكري في فيتنام لن يكون ممكنا. ليس لأن الأميركيين لن يقدروا على الانتصار على الفيتناميين (كانوا يقدرون على إبادتهم كلهم). ولكن، ما معنى كلمة (النصر)؟ وقلت للسفير الأميركي: صار النصر العسكري من دون معنى. لا بد من (ريال بوليتيك). لا بد أن نكون واقعيين حتى نقدر على سحب قواتنا». (بعد خمسين سنة تقريبا، وفي الأسبوع الماضي، كتب كيسنجر في صحف أميركية كثيرة أنه لا بد من «ريال بوليتيك» في أفغانستان؛ أولا: ليس واقعيا الاعتقاد أن حكومة كرزاي ستعيش طويلا بعد انسحاب القوات الأميركية والأوروبية. ثانيا: ليس واقعيا إعلان الرئيس أوباما سحب القوات الأميركية الصيف القادم).

مرة أخرى، استفاد كيسنجر من خلفيته العسكرية الاستخباراتية، وبدأ مفاوضات سرية غير مباشرة مع ثوار «فياتكونغ». ثم مفاوضات سرية مباشرة. ثم مؤتمرات دولية اشتركت فيه دول مجاورة. وخلط كيسنجر بين المفاوضات والحرب. كان يتفاوض بينما السلاح الجوي الأميركي يقصف هانوي (عاصمة فيتنام الشمالية في ذلك الوقت). وكان يتفاوض بينما تدخلت قوات المارينز في كمبوديا التي كانت تؤوي بعض ثوار «فياتكونغ».

ويوم 10/12/1973 (بعد 17 سنة من أول زيارة له لفيتنام) وقع كيسنجر ولي داك ثو، نائب رئيس فيتنام الشمالية، وفي باريس، اتفاقية «إنهاء الحرب وإعادة السلام إلى فيتنام». وبسبب ذلك، نالا جائزة نوبل للسلام. غير أن مسلسل «توب سيكريت» (سري جدا) الذي بدأ الأسبوع الماضي، قدم صورة سلبية عن دور كيسنجر. وكأن كيسنجر يحتاج إلى مزيد من النقد بعد أن قارب التسعين من العمر.

ربما كانت صدفة أن كيسنجر وقع على اتفاقية إنهاء حرب فيتنام بعد شهرين من حرب أكتوبر (6/10/1973). بعد نهاية الحرب، بدأ كيسنجر «رحلات مكوكية»، التي كانت مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل والدول العربية المجاورة. وبدأت باتفاقية فك الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية (على الرغم من أن القوات المصرية عبرت قناة السويس إلى الشرق نحو سيناء، فإن القوات الإسرائيلية عبرت القناة غربا، واتجهت نحو القاهرة، وتوقفت في الكيلو 101).

خلال السنوات القليلة الماضية، كشفت دار الوثائق الوطنية الأميركية وثائق عن هذه «الرحلات المكوكية». ومنها محاضر اجتماعات كيسنجر مع قادة في المنطقة. وهنا مثالان من سنة 1974:

أولا: جزء من محضر اجتماع كيسنجر مع الملك فيصل في الرياض.

ثانيا: جزء من محضر اجتماع كيسنجر مع إسماعيل فهمي وزير خارجية مصر في أسوان.

* من الاجتماع مع الملك فيصل:

* «الملك:

* لست عنصريا عندما أقول ذلك. وليست المشكلة عنصرية، ولكنها إحقاق الحق. ونحن نتعامل في هذه المنطقة مع ناس بنفس هذا المقياس، سوى يهود أو غير يهود. وهدفنا هو إحقاق الحق. ولهذا، يجب أن تتأسس في فلسطين دولة مختلطة من المسلمين واليهود. لا يوجد من يشير إلى الولايات المتحدة بأنها (دولة مسيحية)، لأنها دولة ديمقراطية، ومفتوحة لكل الأديان..

* كيسنجر:

* يا صاحب الجلالة، تواجه الولايات المتحدة مشكلة الانتقال من الوضع الحاضر، وهو وضع لا يقدر العرب على تحمله، إلى وضع سلام حقيقي.

* الملك:

* لتبدأوا بأن تضغطوا على إسرائيل لتنسحب.

* كيسنجر:

* نعم، أتفق مع جلالتكم في هذه النقطة، وهي أن على إسرائيل أن تنسحب. لكن المشكلة هي كيف نقدر نحن على تحقيق ذلك؟ إذا سمحتم لي جلالتكم، أود أن أشير إلى بعض آرائنا في هذا الموضوع.

* الملك:

* أنا متأكد بأن إسرائيل ستنسحب في نفس اللحظة التي تعلنون فيها أنكم لن تحموها، ولن تدافعوا عنها، ولن تدللوها.

* كيسنجر:

* أنا فكرت في آراء جلالتكم هذه. ويجب أن أقول إن فيها موضوعية كبيرة.. نعم، تقدر الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل لتحقيق السلام. نعم، جلالتكم على حق في هذه النقطة. لكن، هذه مهمة صعبة جدا. والسبب هو أن الظروف الداخلية التي تؤثر على علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل هامة جدا بالنسبة لجماعات داخلية معينة (يقصد اليهود وحلفاء إسرائيل). ويعود سبب فشل كثير من محاولات حل المشكلة في الماضي إلى أننا عالجناها كمشكلة خارجية. ولم نبذل جهدا كافيا لمواجهة الجانب الداخلي لها. يا صاحب الجلالة، أنا أتحدث معكم في هذا الموضوع حديثا صريحا جدا.

* الملك:

* أقدر صراحتكم. وأبادلكم الصراحة. وأقول لكم إن مواطن أي دولة يجب أن يدين بالولاء لهذه الدولة (للولايات المتحدة)، لا لدولة أخرى (إسرائيل).

* كيسنجر:

* ربما هذا صحيح. لكن، الحقيقة هي أن كثيرا من الأميركيين في مواقع هامة، في الحكومة، وفي الكونغرس، يرون أن مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل متطابقة.

* الملك:

* أكرر لكم أننا لا نفهم هذا الوضع. ما هي مصلحة الولايات المتحدة في ذلك؟ نحن نرى أن إسرائيل عبء على الأميركيين. إنها تكلفكم كثيرا..».

ومن اجتماعه مع إسماعيل فهمي:

«ناقش الاجتماع مسودة اتفاقية فك الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية التي ستوقع بعد يومين، في الكيلو 101، على الطريق بين القاهرة ومدينة السويس. وتجادلا في أشياء مثل اسم الاتفاقية، والسماح للسفن الإسرائيلية بعبور باب المندب (طلب فهمي من كيسنجر أن يكون ذلك «سرا»).

وقال كيسنجر: «أعرف الإسرائيليين. إذا غيرنا أي كلمة، يجب أن يعقدوا اجتماعا لمجلس الوزراء». وعلق فهمي: «لا يخدعوك. إنهم يعقدون اجتماعا لمجلس الوزراء كل يوم. هذه مجرد تمثيلية». وقال كيسنجر: «أنا مثلك، كنت أعتقد ذلك. لكن تأكد لي أنهم، حتى في قراراتكم المحلية، لا بد أن يعقدوا اجتماعا لمجلس الوزراء لكل كبيرة وصغيرة. لا بد أن يوقع كل وزير على أي تعديل، ولو كان كلمة واحدة». وأضاف كيسنجر: «رئيسكم أفضل. عندما يقول لي شيئا، أعرف أن هذا هو الرأي النهائي. لكن، الإسرائيليين مثل حلفائكم السوريين (ضحك)».

وأصر فهمي على أن اتفاقية الكيلو 101 ستكون بين مصر والولايات المتحدة. وقال: «الرئيس السادات لا يتعامل مع الإسرائيليين. إنه يتعامل معكم». وأضاف: «نحن لا نؤمن بتوقيع هذه الاتفاقية مع الإسرائيليين. نحن نراها كلاما فارغا. نحن نريد التعاون معكم».

ورد كيسنجر: «أنا أفهم». لكن، كان واضحا أن كيسنجر لا يتفق مع هذا المنطق لأن فك الاشتباك هو، طبعا، بين المصريين والإسرائيليين.

وفي نهاية الاجتماع، أثنى فهمي على جهود كيسنجر، وقال له إنه، بعد نهاية إدارة نيكسون، يستطيع أن يعود أستاذا في جامعة هارفارد (كان هناك قبل انضمامه إلى إدارة نيكسون سنة 1968). ورد كيسنجر: «لن أستطع العودة إلى هارفارد. لأن طلاب الجامعات يكرهونني بسبب حرب فيتنام. ولأن أساتذة الجامعة اليهود سيرفضون عودتي..».

في الحقيقة، أوضحت وثائق كيسنجر التي كشف عنها دار الوثائق الوطنية معلومات عن شخصية كيسنجر نفسه. منها عدم ارتياحه لقادة المنظمات اليهودية في واشنطن. وغزله لكاثرين غراهام، صاحبة صحيفة «واشنطن بوست». وتندره على رئيسه نيكسون. في الوقت نفسه، إطاعته لنيكسون، مثلا عندما طلب منه قائمة بأسماء اليهود في إدارته. ومعلومات عن مواعيده الغرامية مع ممثلات سينما وتلفزيون في هوليوود. وعن أصدقائه وأعدائه. وبعد أن كشفت وثيقة انتقد فيها كيسنجر أنديرا غاندي، رئيسة وزراء الهند، وكانت حليفة لروسيا، وقوله إنها «بنت كلب»، اضطر كيسنجر لأن يعتذر لعائلتها وللشعب الهندي.

ولا يذكر معارضو كيسنجر إلا ويذكر الصحافي الأميركي البريطاني كريستوفر هيتشنز، مؤلف كتاب «محاكمة هنري كيسنجر»، الذي تخصص في انتقاد ما يسميها «السنوات الدكتاتورية»، أي تأييد كيسنجر لحكومات دكتاتورية (خاصة في أميركا الجنوبية والوسطي) ما دامت تعارض انتشار الشيوعية في بلادها.

في سنة 1973، ألغى كيسنجر سياسة «الايانس فور بروغريس» (التحالف من أجل التطور) التي كان أعلنها الرئيس كيندي قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات. وكان أساسها الاعتماد على «مشاورات أخوية». وفي عام 1973 نفسه وقع انقلاب يميني في تشيلي قتل الرئيس اليساري سلفادور الليندي الذي كان انتخب انتخابا حرا سنة 1970.

وفي وقت لاحق، عندما كشفت دار الوثائق الوطنية وثائق تلك الفترة، صار واضحا أن كيسنجر طلب، باسم الرئيس نيكسون، من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الاتصال بالعسكريين في تشيلي لتنظيم الانقلاب. يوم 16/9/1973 (بعد أسبوع من الانقلاب)، جرى النقاش الآتي في البيت الأبيض بين نيكسون وكيسنجر:

نيكسون: هل من جديد في تشيلي؟

كيسنجر: يقوي العسكريون سيطرتهم، وتزيد الصحف (الأميركية) حزنها على سقوط الحكومة الشيوعية.

نيكسون: ألا يدعو هذا للاستغراب؟ ألا يدعو هذا للاستغراب؟

كيسنجر: لو حدث هذا في أيام الرئيس أيزنهاور، كانت هذه الصحف اعتبرتنا أبطالا. لكنهم الآن يقولون إننا قتلة الليندي.

نيكسون: لسنا قتلة. نحن ساعدنا على القضاء على حكومة شيوعية..».

قبل كشف هذه الوثائق، كان الصحافي الأميركي البريطاني هتشنز طلب تقديم كيسنجر إلى المحاكمة، وسماه «قاتلا». وأيضا، سماه «فاسدا»، وذلك بسبب شركة العلاقات العامة التي أسسها بعد أن ترك الوزارة: «كيسنجر أسوشييتدز» (مشاركو كيسنجر).

في ذلك الوقت، كتبت صحيفة «واشنطن بوست»: «انتقل بروفسور الاستراتيجية الدولية من السياسة إلى المال، وسط تعليقات بأن الخلط بين الاثنين لن يكون في صالحه». في ذلك الوقت، بدأ كيسنجر نشر آراء منتظمة في الصحيفة وصحف أخرى، من دون أن يكشف أسماء عملائه في شركته، ومن دون أن يؤكد أن كتاباته ليست لها صلة بشركته. ونظم معارضو كيسنجر حملة ضد هذه الصحف لأنها تصفه بأنه «وزير خارجية سابق» من دون أن تشير إلى شركته التي «يمكن أن تؤثر على الآراء التي يكتبها». وفعلا، بدأت هذه الصحف تشير إلى اسم الشركة.

وبعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أعلن الرئيس بوش الابن تشكيل لجنة تحقيق برئاسة كيسنجر. حسب القانون الأميركي، كان لا بد أن يكشف كيسنجر عن معاملاته الاقتصادية، لكن بعد يومين، اعتذر كيسنجر بسبب «وعكات تتكرر كثيرا». لكن صار واضحا أنه لا يريد أن يكشف عن أسماء عملائه. بعد ذلك بأربع سنوات، نشر وولتر إيزاكسون، الذي كان رئيس تحرير مجلة «تايم»، كتابا اسمه «كيسنجر: قصة حياة»، فيه قائمة العملاء السرية، وفيها شركات: «أميركان إكسبريس»، و«كوكاكولا»، و«فيات»، وبنك «جيس مانهاتان»، و«فولفو»، إلخ.. وكتب: «يقول كثير من السياسيين ذلك، لكنى لا أصدق أن أي شخص يدفع لي مالا لا يقدر على أن يؤثر على بطريقة أو أخرى. حتى لو قبلت اتصالا تلفونيا معه، ورفضته مع آخر، لا بد أن ماله سبب ذلك».

وقال مراقبون وصحافيون في واشنطن إن كيسنجر، على الرغم من كثرة معارضيه وناقديه، فإنه لا يمكن إنكار أنه ذكي، وناجح، وترك مدرسة قوية في نظريات العلاقات الدولية (حتى إذا كانت بعض ممارساته سلبية). وأيضا، يتمتع بروح فكاهة. وعندما كان أصغر سنا، وفي قمة السلطة، كان محط إقبال كثير من النساء. وطبعا، كان يتندر على ذلك. سئل: «نفت غلوريا ستاينمان (من زعيمات الحركة النسائية الأميركية) أنها صديقة لك». فأجاب: «لم تقل إنها ستفوز إذا ترشحت». ومن أقواله المشهورة: «ليس هناك أقوى من السلطة في كسب إعجاب النساء».

ولسنوات، كان الإعلام الأميركي يتابع نجمات المجتمع اللائي كن صديقات له. (طلق زوجته عندما كان أستاذا في جامعة هارفارد). كانت هناك جيل سنت جورج، وسمانثا ايغار (ممثلتان سينمائيتان)، ونانسي ماغنز (علاقات عامة). وفي النهاية، تزوج الأخيرة.

* كيسنجر في سطور

* ولد هنري ألفريد كيسنجر يوم 27 من شهر مايو (أيار) عام 1923 في مدينة فورث الألمانية لأسرة يهودية، وكان أبوه معلما، وبسبب أصله اليهودي هرب مع عائلته عام 1938 من ألمانيا إلى الولايات المتحدة الأميركية خوفا من النازيين الألمان.

* في موطنه الجديد بالولايات المتحدة، التحق كيسنجر بمعهد جورج واشنطن في نيويورك، وحصل على الجنسية الأميركية عام 1948 والتحق بالجيش في العام نفسه.

* شغل منصب وزير الخارجية الأميركية من 1973 إلى 1977 وكان مستشار الأمن القومي في حكومة ريتشارد نيكسون.

- فاز بجائزة نوبل للسلام عام 1973 مناصفة مع الفيتنامي لي دوك ثو لتوصله لاتفاق لوقف إطلاق النار بين أميركا وفيتنام.

* لعب دورا بارزا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة مثل سياسة الانفتاح على الصين، وزياراته المكوكية بين العرب وإسرائيل التي انتهت باتفاقية كامب ديفيد عام 1978.

*عينه الرئيس رونالد ريغان عام 1983 رئيسا للهيئة الفيدرالية التي تم تشكيلها لتطوير السياسة الأميركية تجاه أميركا الوسطى. وأخيرا، قام الرئيس جورج بوش (الابن) بتعيينه رئيسا للجنة المسؤولة عن التحقيق في أسباب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

* قالوا عن كيسنجر...

* واشنطن: «الشرق الأوسط»

* وولتر إيزاكسون (أميركي ومدير معهد اسبن - ولاية كولورادو):

في سنة 1973، عندما صار كيسنجر وزيرا للخارجية، صار، حسب استفتاء في الولايات المتحدة أجرته مؤسسة «غالوب» في ذلك الوقت، أكثر شخص يعجب به الأميركيون. وأيضا صار واحدا من أكثر الشخصيات العالمية شهرة. بعد وزارة الخارجية، طبعا، أفل نجمه كثيرا، لكن، لا يزال للنجم بريق. في الجانب الآخر، قالت نسبة كبيرة من الأميركيين إنهم لا يتفقون معه في أسلوب عمله. قال هذا محافظون وليبراليون. وهكذا، يظل الرجل خليطا من إنجازات وصفات.

* الستر هورن (أميركي بريطاني عمل مستشارا للرئيس السابق بوش الابن):

أعتقد أن أهم سنة في حياة كيسنجر كانت سنة 1973: تربع رئيسه نيكسون على مقعده في الغرفة البيضاوية بعد أن فاز للمرة الثانية في انتخابات الرئاسة. ووقع على اتفاقية إنهاء حرب فيتنام. وعلى اتفاقية «ديتانت» (الوفاق) مع الاتحاد السوفياتي. ونال جائزة نوبل للسلام. وأخيرا، وليس آخرا، هزته فضيحة رئيسه نيكسون (ووترغيت)، التي قضت على رئيسه، وأثرت على سمعته هو، اشترك فيها أم لم يشترك.

* كريستوفر هيتشين (صحافي أميركي - بريطاني):

لا يستحق كيسنجر غير أن يحاكم أمام محكمة عالمية لارتكابه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، ولإساءته للقانون الدولي، بما في ذلك مؤامراته لقتل، وخطف، وتعذيب مواطنين. لا يستحق كيسنجر وصفا غير أنه «مسؤول شرير»، وليس «مسؤولا رسميا» كما كان يحرص على أن يناديه الصحافيون.

* روبرت دالاك (صحافي أميركي):

لم يشهد التاريخ الأميركي في القرن العشرين شخصين استمتعا معا بالسلطة المشتركة مثل الرئيس نيكسون ومستشاره ثم وزير خارجيته كيسنجر. ولم يشهد القرن العشرون مستشار أمن وطني لرئيس أميركي في قوة وتأثير كيسنجر. ولم يشهد القرن العشرون رجلا جمع بين منصبي مستشار الأمن الوطني ووزير الخارجية.

* ماريو ديل بيرو (أستاذ جامعي أميركي - إيطالي):

رغم إنجازات كيسنجر، تظل فلسفته في السياسة العالمية تجد معارضة وسط عدد كبير من المثقفين والأكاديميين الأميركيين. في اليمين، وفي اليسار. يقول كثير من هؤلاء إن كيسنجر لم يكن غير شخص وجد فرصة للدعاية لنفسه ولآرائه. وأنه وضع فلسفة سياسة خارجية غير أخلاقية، وغير إنسانية. حتى بالنسبة لكثير من السياسيين الذين يطلبون مشورته، مثل كل من باراك أوباما وجون ماكين خلال الحملة الانتخابية سنة 2008، لم يكونوا يريدون آراء كيسنجر، ولكن شهرته.

* الدبلوماسي الأميركي.. صاحب الجولات المكوكية بين مصر وإسرائيل

* الريدي: سياسي قوي لديه رؤية كاملة ويعرف كيف يضغط على الأطراف المختلفة

* القاهرة: حمدي سليم

* رغم أعوامه الـ87 لا يزال الدبلوماسي الأميركي هنري ألفريد كيسنجر عاملا مؤثرا وفاعلا في الكثير من معادلات السياسة الدولية التي تكون الولايات المتحدة طرفا فيها (أميركا طرف في كل المعادلات السياسية بالعالم تقريبا).. إذ تلجأ إليه الإدارات الأميركية المتعاقبة لاستشارته ومساعدتها في رسم سياستها الخارجية ومواقفها إزاء الكثير من القضايا المتفجرة في أنحاء شتى من العالم. إنه وفقا لما أطلقه عليه أغلب سياسيي مصر والعالم «ثعلب السياسة الدولية».. لم تتكالب عليه السنين، ولم تعصف به الأنواء، وظل طوال العقود الأربعة الماضية ألمع السياسيين الأميركيين، ومهندس السياسة الخارجية الأميركية في عهد إدارتي كل من الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، عدا عن كونه مستشارا في السياسة الخارجية في إدارتي كل من الرئيسين كيندي وجونسون.

اشتهر هنري كيسنجر في منطقة الشرق الأوسط بجولاته المكوكية بين القاهرة وتل أبيب، التي أعقبت حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 بين مصر وإسرائيل، حيث كان يشغل حينذاك منصب مستشار الأمن القومي الأميركي (في إدارة الرئيس نيكسون - وتولى وزارة الخارجية في عهد الرئيس جيرالد فورد) ليقود الطرفين (مصر وإسرائيل) إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 التي تحتوي على وثيقتين مهمتين لتحقيق تسوية شاملة للنزاع العربي الإسرائيلي، الأولى هي إطار السلام في الشرق الأوسط، أما الوثيقة الثانية فهي إطار الاتفاق لمعاهدة سلام بين مصر وإسرائيل، التي تم توقيعها في 26 مارس (آذار) 1979 (بعد مغادرة كيسنجر منصبه بعامين) وأدت إلى انسحاب إسرائيلي كامل من سيناء ونصت على إنهاء الحرب بين الطرفين وإقامة السلام بينهما على أن تسحب إسرائيل كل قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.

ووفقا للكثير من الدبلوماسيين المصريين فإن اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل كانتا أبرز الإنجازات السياسية والدبلوماسية لهنري كيسنجر، إضافة إلى اتفاق إنهاء الحرب في فيتنام، وفتح حوار مع بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.

وقبل اندلاع الحرب بين مصر وإسرائيل في 6 أكتوبر 1973 لم تكن لكيسنجر صلة وثيقة بالصراع في الشرق الأوسط، لكنه وجد نفسه - حسبما قال في مذكراته - في صباح ذلك اليوم (6 أكتوبر) في قلب الصراع، حيث كلفه الرئيس نيكسون بالبحث عن حل للأزمة المتفجرة في الشرق الأوسط.. فقابل محمد حسن الزيات وزير خارجية مصر آنذاك الذي كان يزور الولايات المتحدة وقال له إنه سوف ينظر في موضوع الحرب.

جاء كيسنجر إلى الشرق الأوسط يومي 6 و7 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1973 للبحث عن سبل حل الصراع التاريخي بين العرب وإسرائيل، ووفقا للسفير عبد الرؤوف الريدي الذي كان عضوا في الوفد المصري المرافق لإسماعيل فهمي وزير الخارجية آنذاك «فإن كيسنجر جاء إلى الشرق الأوسط محملا برؤية شخصية تخالف رؤية الرئيس نيكسون الذي كلف كيسنجر بالبحث عن حل نهائي للأزمة، في حين تبنى هو سياسة حل المشكلة جزئيا وعلى فترات، رافضا أن يلقي بثقل أميركا وراء هدف حل نهائي للصراع تحسبا لعدم استجابة إسرائيل، رغم أن إسرائيل في ذلك الوقت كانت مؤهلة لقبول حل نهائي بعد صدمة 73».

ويضيف الريدي لـ«الشرق الأوسط» أنه بدلا من العمل لإنجاز اتفاق نهائي بدأ كيسنجر العمل بهدف إنجاز عدة اتفاقيات من خلال جولاته المكوكية التي قام بها بين العرب وإسرائيل فيما عرف إعلاميا بـ«سياسة الخطوة - خطوة».. وكانت أولى هذه الاتفاقيات هي اتفاق فض الاشتباك الأول في 11 نوفمبر عام 1973 الذي تم التوقيع عليه في يناير (كانون الثاني) عام 1974 (مشروع النقاط الست)، وحدد الاتفاق، الخط الذي ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية على مساحة 30 كيلومترا شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات التي سترابط فيها قوات الطوارئ الدولية.

بعدها جاء اتفاق فض الاشتباك الثاني في سبتمبر (أيلول) 1975 الذي بموجبه تقدمت مصر إلى خطوط جديدة (نحو 4500 كيلومتر من أرض سيناء)، ومن أهم ما تضمنه الاتفاق أن النزاع في الشرق الأوسط لن يحسم بالقوة العسكرية لكن بالوسائل السلمية، وهو ما عبر عنه الرئيس أنور السادات في كتابه «البحث عن الذات» بقوله «وفعلا لم تستطع إسرائيل إلا أن توافق، فوقعنا في أول سبتمبر 1975 اتفاق فض الاشتباك الثاني، وبذلك تمت المرحلة الثالثة من عملية السلام. بعد ذلك لم يعد هناك مجال لحل الخطوة خطوة، فنحن الآن بصدد تسوية شاملة، أي اتفاق السلام النهائي وإنهاء حالة الحرب التي لا تزال قائمة منذ ثلاثين سنة، وعلينا أن نسعى إلى السلام الدائم العادل».

وبين فض الاشتباك الأول (نوفمبر 1973) وفض الاشتباك الثاني (سبتمبر 1975) جرت مياه كثيرة في بحيرة الشرق الأوسط كان كيسنجر أمهر سباحيها، يقول السفير عبد الرؤوف الريدي في حديثه عن كيسنجر «إنه شخصية سياسية قوية جدا، ومناور من الدرجة الأولى لديه رؤية معينة يعمل دائما على تطبيقها أيا كانت الآراء الأخرى، فهو قارئ جيد للملف الذي يعمل فيه، لذا يعرف كيف يستطيع الضغط على الأطراف المختلفة».

* أشهر أقوال كيسنجر:

* «لا تنجذب النساء لرجل مثل الذي في السلطة».

* «لا يستحق القائد أن يسمى قائدا إذا لم يكن يقدر على أن يقف وحيدا أحيانا».

* «يجب أن تقبل كل شيء عن نفسك.. كل شيء. أنت أنت. هذه هي البداية والنهاية. لا عذر، ولا أسف».

* «الدبلوماسية هي فن السيطرة على القوة».

* «حتى المجنون له أعداء».

* «بالنسبة للدول الأخرى، اليوتوبيا ماض لن يعود. بالنسبة لأميركا، اليوتوبيا قريبة في الأفق».

* «الوسطية فضيلة بالنسبة للذين يعتقدون أن لديهم بديلا».

* «أغلبية السياسات الخارجية التي نجحت، في أي بلد، أصحابها قادة عارضهم خبراء».

* «لن تكون هناك كارثة في الأسبوع القادم. امتلأ جدولي الأسبوعي».

* «تسعون في المائة من السياسيين يسيئون إلى سمعة عشرة في المائة منهم».

* «لن تقدر أي دولة على أن تتصرف بحكمة في وقت واحد في كل مكان في العالم».

* «لن تنجح أي سياسة خارجية إذا وضعها من لديهم عقول، ونفذها من ليس عندهم قلوب».