خيبة أمل الغزيين

سكان القطاع يقولون إن تخفيف الحصار شمل إدخال الكماليات فقط ولا يحل المشاكل الاقتصادية

فلسطينيون خلف شريط شائك بالقرب من مركز لتوزيع الإعانات الغذائية أمام منزل مهدم شرق غزة (أ.ب)
TT

تعلو وجهه مسحة من الخجل.. يتردد سمير (35 عاما) قبل أن يدخل الممر المفضي إلى مكتب مدير الجمعية الخيرية في مكان سكنه في مخيم «النصيرات» للاجئين وسط القطاع، لطلب مساعدة عاجلة لعائلته المكونة من 6 أفراد، التي تقطعت بها السبل بعد أن فقد سمير عمله كفني بناء عندما اشتد الحصار على القطاع ومنعت إسرائيل دخول مواد البناء، مما جعله ينضم إلى جيش العاطلين عن العمل في قطاع غزة.

يقول سمير لـ«الشرق الأوسط» إن الآمال تعاظمت لديه بعدما تحدثت إسرائيل عن تخفيف الحصار، حيث إنه اعتقد أن إسرائيل ستسمح بدخول مواد البناء، ليتمكن من العودة للعمل وبالتالي استعادة قدرته على إعالة أسرته بنفسه. لكن بعد شهر تقريبا على إعلانات الحكومة الإسرائيلية المتتالية بشأن تخفيف الحصار، لم يحدث شيء. الأمر الذي دفع سمير للتوجه مرة أخرى للجمعيات الخيرية طلبا للمساعدة.

قطاع البناء والإنشاءات في غزة كان يشغل عشرات الآلاف من العمال الذين يعلقون آمالهم على إمكانية افتتاح أبواب القطاع أمام مواد البناء لكي يتمكنوا مجددا من إعالة أسرهم. «الشرق الأوسط» قامت باستطلاع آراء الناس، فكانت آراؤهم تجمع على أن مظاهر الحصار ما زالت قائمة، وأن التخفيف في جوانب هامشية ليست ذات قيمة كبيرة ولا تحل المشكلات الاقتصادية التي صاحبت القطاع طيلة فترة الحصار.

رامز الأشقر (35 عاما) الذي يعمل مهندسا، يعتبر أن إعلان إسرائيل عن تخفيف الحصار ليس أكثر من مجرد خدعة تمثل «لعبة شد الحبل مع المجتمع الدولي». ويقول «إسرائيل تريد أن تظهر للعالم أنها خففت الحصار لتجهض النضال الذي شرع فيه المتضامنون العرب والمسلمون والأجانب لرفع الحصار». ويضيف «أن الحصار ما زال كما هو، فالبضائع لم تدخل بعد، والمواطن لم يشعر بها، لأن حجم البضائع ما زال ضعيفا مقارنة بما هو مطلوب لإعادة الوضع الاقتصادي للمواطنين على ما كان عليه سابقا».

ويتفق محمد منصور (24 عاما) مع رامز، منوها بأن المواطن لم يشعر بتغيرات في الحصار، لكنه يقول إن هناك بعض الأمور ظهرت، كدخول بعض أطقم النوم وهو ما يسهل على المقبلين على الزواج. ولفحص هذه القضية توجهت «الشرق الأوسط» إلى معرض «بيت الأحلام للمفروشات» وسط مدينة غزة للاستفسار من صاحبه إبراهيم الرفاتي حول دخول أطقم النوم، حيث أكد الرفاتي دخول البعض منها، مستدركا أن عدد أطقم النوم الذي دخل القطاع محدود. وأكد الرفاتي أن دخول أطقم النوم أسهم في تخفيض أسعار ما هو معروض الآن.

وأشار الرفاتي إلى أن سعر طقم النوم الآن أصبح نحو 1800 دينار أردني بعدما كان يزيد عن 3000 دينار وقت الحصار، معتبرا أن دخول أطقم النوم سيساعد الكثير من المقبلين على الزواج في التخفيف عليهم من أعباء تجهيز بيت الزوجية. وأكد أن أسعار أطقم النوم (الأثاث) ستنخفض بشكل ملحوظ في حال سمحت إسرائيل بإدخال كميات أخرى بشكل مستمر، وهو ما سيخفف على المواطنين الذين تعرضت بيوتهم للهدم والقصف خلال الحرب على قطاع غزة قبل عام ونصف العام. ومن زاوية أخرى، يرى نبيل أسعد صاحب أحد مكاتب بيع القرطاسية أن التخفيف الإسرائيلي من الحصار لم يعط مفعولا حقيقيا حتى اللحظة، لأن ما يتم إدخاله من قرطاسية لا يكفي للسوق، حيث إن معظم ما يأتي هو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وليس للمواطن العادي. وأشار إلى أن حاجة السوق للقرطاسية أكبر مما يدخله الاحتلال الإسرائيلي عبر المعابر إلى قطاع غزة، موضحا أن أسعار القرطاسية التي يسمح الاحتلال بدخولها عبر المعابر التجارية أكبر من أسعار القرطاسية التي يتم تهريبها عبر الأنفاق الحدودية مع مصر.

ولفت أسعد إلى حقيقة أنه بعد شهرين سيبدأ العام الدراسي في ظل نقص في القرطاسية في حال ظلت إسرائيل لا تسمح بدخول الكمية المطلوبة، الأمر الذي يؤدي إلى التشويش على العملية التعليمية. ويشكو الكثير من التجار من أن السماح بدخول بعض المواد عبر المعابر التجارية بين قطاع غزة وإسرائيل لم يؤد إلى تخفيض الأسعار، حيث لم تكن هناك منافسة بين واردات الأنفاق وواردات المعابر مع إسرائيل، لأنه ما يدخل عبر الأنفاق ما زال قليلا جدا لدرجة لا تؤثر على واقع الناس هنا.

وفي حي الشيخ رضوان التقت «الشرق الأوسط» أبو محمد الباز الذي كان يفترش الأرض في فناء منزله، حيث يقول «أنا كمواطن عادي لم أشعر بالتغيير في أسعار البضائع حيث ما زالت البضائع الغذائية بنفس السعر المرتفع وقت الحصار، خصوصا أن ما يدخل عبر المعابر قليل ولا يكفي لإغراق السوق فالكل يرفع الأسعار لقلتها». ويشير أبو محمد إلى أنه لم يتمكن من بناء شقة جديدة لابنه لأن أسعار الإسمنت المصري التي تدخل ما زالت مرتفعة بالنسبة إلى تلك التي كانت تأتي من الجانب الإسرائيلي، آملا أن يتم السماح لمواد البناء بالدخول إلى قطاع غزة. ولفت إلى أن معظم ما سمحت إسرائيل بإدخاله يندرج في إطار الكماليات التي لا يبحث عنها معظم الفلسطينيين، مثل المايونيز والكاتشاب وعصير الفاكهة الإسرائيلي. وما زالت إسرائيل تمنع إدخال المواد الخام إلى قطاع غزة، حسبما تحدث مصدر في وزارة الاقتصاد الفلسطينية. وقال: «إسرائيل ما زالت تتلكأ في تنسيق إدخال المواد الخام إلى قطاع غزة التي تعمل على تشغيل المصانع المحلية». وأشار المصدر إلى أن إسرائيل سمحت بدخول جميع أنواع المواد الغذائية لكنها تمنع بعض الأصناف الصناعية التي تدخل في الصناعة المحلية، مؤكدا سعي وزارة الاقتصاد والسلطة الوطنية الفلسطينية لإدخال هذه المواد التي سيكون من أثرها تحريك السوق وفتح مجالات جديدة ووظائف جديدة للبطالة.

وعلى صعيد مصانع الخياطة التي توقفت بشكل شبه كلي إبان الحصار، يقول الخياط أبو محمد حسونة: «إسرائيل لم تدخل حتى الآن أي أقمشة جديدة، وهو ما يعني أن الحصار الاقتصادي ما زال مستمرا علينا، ونحن نأمل أن تفتح إسرائيل معابرها للخياطة وإدخال الأقمشة وتصدير ما يتم تصنيعه في غزة». ويضيف «في حال تم إدخال الأقمشة سأعيد افتتاح مصنعي، لكن قبل ذلك نريد ضمانة بسماح الاحتلال بتصدير ما ننتجه لإسرائيل أو الخارج». ويشير أبو محمد إلى أن مصنعه كان يشغل 50 رب أسرة قبل فرض الحصار الإسرائيلي، الذي حرم هذه الأسر من مصدر رزقها، منوها بأن إعادة افتتاح مصنعه من جديد سيعيد الروح لهذه الأسر التي أصبحت تعيش على المعونات الإنسانية.

ويقول هيثم عمار (30 عاما) أحد العمال في مصنع الخياطة: «منذ بداية الحصار ونحن نجلس في بيوتنا من دون أي عمل سوى بعض أعمال البطالة التي توفرها الحكومة ووكالة غوث»، آملا بعودته للعمل قريبا في حال تم إعادة فتح المعبر لمصنع الخياطة. ويستطرد عمار الذي يعيل 7 من الأبناء إضافة إلى والدته الكبيرة في السن: «لم نشعر بعد إعلان إسرائيل عن تخفيف الحصار بأي تغيير عما كنا عليه في الحصار، فالأسعار ما زالت مرتفعة وبضائع الأنفاق السيئة ما زالت تملأ القطاع، كل شيء على حاله ولم يتغير شيء، لأن إسرائيل تتلاعب بنا، وكل ما تقول عنه من تخفيف للحصار هو لكي يقولوا للأوروبيين خففنا الحصار».

ومن جهة أخرى، ما زالت مصانع الباطون الجاهز متوقفة عن العمل بسبب منع إسرائيل إدخال مواد البناء والإسمنت بزعم أنها قد تستخدم في إعداد الأنفاق الأرضية من قبل المقاومة الفلسطينية وهو ما ينفيه أصحاب المصانع بالقول إن عملهم هو مع المواطنين فقط وأمام أعين جميع الناس.

ويقول محمد أبو عيدة صاحب مصنع باطون جاهز في شمال قطاع غزة: «ذرائع إسرائيل غير حقيقية في منع إدخال الإسمنت والحصى وباقي مواد البناء، فلا أحد من أصحاب مصانع الإسمنت يعمل مع المقاومة، وعملهم يقتصر على بناء وصب الأسقف للمواطنين، حيث يكون أمام أعين جميع الناس». وسخر أبو عيدة من هذه الحجة، حيث أكد أن «المقاومة حينما تريد استخدام الباطون في الأنفاق فإنها تشتري الإسمنت عبر الأنفاق المصرية بطريقة سهلة ومخفية، وهي لا تحتاج إلى العمل مع أحد المصانع بمعداته الكبيرة حتى لا يكتشف أماكن عملها الاحتلال الإسرائيلي». ويشير أبو عيده إلى أن مصنعه توقف كباقي مصانع الباطون منذ بدء الحصار الإسرائيلي الذي فرض إبان سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، مرجعا ذلك إلى أن سلطات الاحتلال منعت إدخال المواد الخام للبناء بحجة أنها تستخدم في صناعة الأنفاق الأرضية من قبل المقاومة الفلسطينية.

من ناحيته، أكد جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لكسر الحصار أن كل الإجراءات والإعلانات الإسرائيلية ليس لها أي أثر على المواطن الفلسطيني، لأنها مجرد إجراءات إعلانية أمام الساحة الدولية والمجتمع الدولي، والحديث ما جاء في هذا الوقت إلا للتخفيف من وقع مجزرة سفينة «مرمرة» التركية، وهذه القائمة السوداء مرفوضة بشكل كامل لأنها مطاطة وفضفاضة، حيث أعطت إسرائيل الحق في منع البضائع التي تريدها تحت ذريعة أنها مزدوجة. وأضاف الخضري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك الكثير من البضائع يمكن أن تؤول وتدخل ضمن قائمة البضائع الفضفاضة المزدوجة، خاصة أن الاحتلال هو صاحب الحق في القول إن هذه البضاعة مزدوجة أو غير مزدوجة»، مؤكدا بالقول: «الحصار ما زال مستمرا، والوضع الاقتصادي لم يتغير على المواطن الفلسطيني في ظل وجود قوائم سوداء، حيث إن إسرائيل لا تسمح حتى الآن بإدخال سوى 100 إلى 130 شاحنة يوميا، الأمر الذي لا يكفي لسد حاجة السوق بشكل طبيعي». وأكد أنه «قبل فرض الحصار كانت أكثر من 600 شاحنة تدخل القطاع يوميا، أما الآن فنحتاج في الوقت الراهن إلى 1000 شاحنة يوميا، وهذه المعابر بحاجة للتطوير لتستوعب هذا الحجم من البضائع». وطالب الخضري بفتح كل معابر القطاع التجارية بشكل كامل وموسع من دون شروط مسبقة أو قوائم سوداء تعيق دخول البضائع وإدخال مواد البناء للمواطن العادي حتى يتمكن من إعادة بناء البيوت والتوسع الطبيعي في المنازل والبيوت. وأكد ضرورة فتح الممر الآمن بين الضفة وقطاع غزة حتى لا يبقى فصل بين شطري الوطن، إضافة إلى فتح الممر المائي الذي يعطي مساحات واسعة للاقتصاد الحر.

وأشار الخضري إلى أن المنع والإغلاق ما زالا مستمرين ضد قطاع غزة، رغم الإعلان الإسرائيلي عن تخفيف الحصار، منوها بأنه ما زالت الكثير من البضائع محتجزة في الموانئ الإسرائيلية، ويمنع إدخالها لغزة مع تغريم أصحابها بأرضيات على كل يوم تبقى فيه في الموانئ الإسرائيلية. وبين الخضري أن المطلوب الآن هو كشف زيف وتلاعب الاحتلال في قضية الحصار على جميع المستويات. واعتبرت الحملة الفلسطينية الدولية في شبكة المنظمات الأهلية أن إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن تخفيف الحصار وإصدار قائمة السلع الممنوع دخولها إلى قطاع غزة يعد تقزيما للمطالب المتصاعدة على مختلف المستويات الدولية لرفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر بشكل كامل أمام حركة البضائع والأفراد، وتكريسا للحصار وتشريعه وإدامته.

واستنكرت الحملة تعنت الاحتلال الإسرائيلي في منع إدخال مواد البناء، وخصوصا تلك اللازمة لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية خلال الاعتداءات المستمرة على القطاع، وخصوصا خلال الحرب الأخيرة حيث لا تزال آلاف الأسر تعيش في ظروف مأساوية جراء عدم قدرتها على إعادة بناء منازلها المدمرة وتأهيل منشآت البنية التحتية المدمرة، وفي مقدمتها المدارس والمستشفيات والشوارع وغير ذلك. وأشارت إلى أن قرار الاحتلال الإسرائيلي لم يشمل تسهيل حركة الأفراد من وإلى قطاع غزة، وخصوصا إلى الضفة الغربية والقدس التي تمثل مع القطاع وحدة سياسية وجغرافية واحدة، الأمر الذي يؤكد استمرار الاحتلال في مخططاته لفصل الضفة الغربية والقدس عن قطاع غزة، مؤكدة أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى إغراق قطاع غزة بالسلع الاستهلاكية المصنعة مما يعمق من الأزمة الإنسانية ويكرس تراجع الاقتصاد الفلسطيني ويزيد معدلات البطالة والفقر واعتماد سكان القطاع على المساعدات الإنسانية.

كما أشارت الحملة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يواصل منع ذوي معتقلي قطاع غزة من زيارة أبنائهم في سجون الاحتلال، وكذلك فرض الحصار البحري، ومنع أكثر من 3500 صياد من ممارسة عملهم، إضافة إلى منع وصول آلاف المزارعين إلى أراضيهم الزراعية الواقعة فيما يسمى المناطق الحدودية لقطاع غزة، وتصدير منتجاتهم الزراعية إلى الضفة الغربية وخارج الأراضي الفلسطينية.

وأضافت أن «الاحتلال الإسرائيلي يواصل كذلك فرض القيود على حركة الشخصيات الدولية والمتضامنين الأجانب الذين يحاولون الوصول إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون ايريز» مؤكدة مواصلة الشعب الفلسطيني نضاله على طريق رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة والعيش بحرية وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال.

وحملت الحملة الاحتلال المسؤولية القانونية تجاه حالة التدهور ومأساة الحصار في قطاع غزة، وذلك وفق اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، حيث أثبتت التجربة أن الاحتلال ما زال باقيا بشقيه المادي والقانوني، وأن ادعاءاته بالانسحاب عام 2005 ما هي إلا تضليل للرأي العام، حيث تم تحويل قطاع غزة إلى معتقل كبير ومحكم السيطرة عليه من قبل جيش الاحتلال. وطالبت الحملة المجتمع الدولي بضرورة استمرار الجهود وتكثيفها للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي لرفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل بصفته حقا أصيلا لشعبنا، وتشدد على أنه آن الأوان لرفع الحصار بصورة كاملة ونهائية وعبر كافة المعابر عن قطاع غزة.

وفرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الحصار على قطاع غزة منذ 4 سنوات، بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي حققت فيها حركة حماس فوزا ساحقا، حيث فازت بالأغلبية المطلقة من مقاعد المجلس التشريعي. وأعلنت إسرائيل قطاع غزة كيانا معاديا لها عقب سيطرة حركة حماس عليه في يونيو (حزيران) 2007، حيث تمنع دخول المواد التموينية، وتمنع سكان المنطقة من التنقل عبر الحدود والمعابر بشكل اعتيادي بما في ذلك معبر رفح على الحدود المصرية - الفلسطينية.