أقوى رجال باكستان

أشفاق كياني: جعل الحرب العالمية على الإرهاب حرب باكستان الخاصة

TT

وجهت 91 ألف وثيقة أميركية مسربة نشرها موقع «ويكيليكس» الإلكتروني المتخصص في الاستخبارات، صفعة للعلاقات الأميركية الباكستانية، بعد أن كشفت تلك الوثائق عن تعاون وثيق بين عملاء استخبارات وعناصر في الجيش الباكستاني، وحركة طالبان الأفغانية، التي تقاتل الجنود الأميركيين.

فالولايات المتحدة التي تبحث عن مخرج من أفغانستان يزداد اعتمادها على قائد الجيش الباكستاني الجنرال أشفاق كياني، للمساعدة في تمهيد الطريق لها، على الرغم من مزاعم بأن عناصر تحت قيادته يساعدون طالبان، ويلتقون بهم بصورة منتظمة أثناء «دورات تتعلق بتدريبات سرية على الاستراتيجية» التي تهدف إلى «تنظيم شبكات من مجموعات متمردين يقاتلون الجنود الأميركيين في أفغانستان، حتى إنهم يعدون مؤامرات تهدف إلى اغتيال قادة أفغان».

وفي وقت تزداد فيه الضغوط على باكستان، يبرز الجنرال أشفاق كياني كأقوى رجالها، ويمكن أن يشكل الحلقة المفقودة للأميركيين، التي يمكن أن تكون طوق النجاة بالنسبة لهم. فالضغوط الآن تأتي من كل الاتجاهات.. الرئيس الأفغاني حميد كرزاي قال أمس إن الحلفاء الغربيين لديهم القدرة على ضرب قواعد طالبان في باكستان، لكنه تساءل عن مدى رغبتهم في القيام بذلك. وقال إن «الحرب ضد الإرهاب ليست في قرى أو منازل أفغانستان.. لكن في الملاذات ومصادر التمويل والتدريب على الإرهاب، وهي تقع خارج أفغانستان»، في إشارة إلى باكستان وأيضا إيران.

وتنظر الكثير من الدوائر العسكرية، سواء على الصعيد الباكستاني أو الدولي، إلى الجنرال أشفاق كياني، قائد أركان الجيش الباكستاني، على أنه الرجل الذي جعل الحرب العالمية على الإرهاب، حرب باكستان الخاصة.

ويقول المحلل الأمني البارز البريجادير المتقاعد، شوكت قادر، الذي تابع الجنرال عن قرب، خلال عمله إلى جانبه في التشكيلات العسكرية نفسها «يعني ذلك، من ناحية عملية، أن الجنرال كياني هو الذي أوجد الرغبة في نفوس الجنود الباكستانيين لمحاربة طالبان». وقال الجنرال لـ«الشرق الأوسط»، واصفا التحول الذي أحدثه الجنرال كياني في القوات المسلحة الباكستانية على مستوى الجنود «أتذكر أنه قبيل تلك الفترة التي سبقت تولي الجنرال كياني قيادة الأركان في الجيش، وقعت حادثة في شمال وزيرستان، عندما استسلم ما يقرب من 800 جندي لقوات طالبان. لم يستسلموا بدافع الجبن، بل بسبب الارتباك، نظرا لأن قيادة الجيش في تلك الفترة، وبينهم الجنرال مشرف ومعاونوه، كانوا يخبرون الناس بشكل عام بأنهم يخوضون حربا أميركية».

وقال مسؤولون عسكريون إن الجنرال كياني في أعقاب توليه قيادة أركان الجيش في 2007 وضع وحدات الجيش في أيدي أشخاص أقوياء تم توزيعهم بصورة استراتيجية في المناطق التي يتوقع أن تشهد مواجهات مباشرة مع مقاتلي طالبان شمال غربي البلاد. وأضاف شوكت قادر «هذا التغيير في القيادة العليا للجيش ظل بعيدا عن الاهتمام العام، لأن وسائل الإعلام لم تكن تركز على التغييرات في قيادات الجيش على مستوى الفرق، لكنه أحدث تأثيرا كبيرا في سياق الحرب على الإرهاب».

خلاصة القول إنه في أعقاب تولي الجنرال كياني القيادة في عام 2007 كانت التشكيلات التي نشرت في المنطقة الشمالية الغربية (حيث الجزء الأكبر من تمرد طالبان) تقع في يد ضابط أذكياء وشباب يرون النصر العسكري الكامل على طالبان هو الخيار الوحيد المتاح أمامهم. وقد زار الجنرال كياني القوات المسلحة الموجودة في المنطقة الشمالية الغربية، والتقى بالجنود العاديين، وقضى معهم أياما يخبرهم بأن هذه حرب وسوف ينتصرون فيها، وأن هذه حرب عليهم خوضها لضمان مستقبل أطفالهم.

ويعتقد غالبية المحللين العسكريين أن أسلوب الجنرال كياني في قيادة الجيش يختلف بشكل واضح عن سلفه الجنرال مشرف، الذي نادرا ما كان يختلط بالجنود وضباط الصف، وأحيانا ما كان يرسل بإشارات متضاربة حول التزامه بالحرب على الإرهاب. وقد أجبرت النجاحات التي حققها الجيش الباكستاني على التمرد، في ظل قيادة الجنرال كياني، الحكومة الباكستانية بشكل واضح على مد خدمته ثلاث سنوات أخرى، وهو قرار نادر، إذ لم يسبق مد خدمة موظف مدني في قيادة الجيش خلال 60 عاما هي عمر الجيش الباكستاني. وقال يوسف رضا جيلاني، رئيس الوزراء، لدى إعلانه نبأ مد خدمة الجنرال كياني «تمر البلاد بوقت حرج، واستمرار القيادة العسكرية ضرورة لضمان النجاح في العملية العسكرية ضد المتمردين».

يعني التمديد لثلاث سنوات أخرى بالنسبة لكياني أنه سيثبت أنه اللاعب الأقدم بين كل الوجوه التي تسيطر على الساحة الباكستانية. فسيكون الجنرال كياني في وداع الرئيس زرداري الذي ستنقضي ولايته الرئاسية في سبتمبر (أيلول) 2013، وكذلك رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني الذي ستنتهي خدمته في مارس (آذار) 2013. يذكر أن كياني تولى قيادة الجيش الباكستاني في 2007 لدى بدء العمليات العسكرية ضد مقاتلي طالبان.

تولى كياني قيادة الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) خلفا لبرويز مشرف، الذي تنازل عن السلطة بعد ثماني سنوات من الحكم العسكري. وقال جيلاني «يعود الفضل إلى الجنرال كياني في نجاح العمليات العسكرية ضد طالبان شمال غربي البلاد». وعلى الرغم من اتفاق غالبية المحللين السياسيين على أن ما أحرزه من انتصارات عسكرية لم يكن السبب وراء رغبة القيادة السياسية في الجنرال كياني، فإن الجنرال ينتمي إلى نوعية نادرة (نادرة لأن غالبية قيادات الجيش في التاريخ الباكستاني دائما ما كانت تتدخل في الشؤون السياسية) حريصة على النأي بنفسها عن التدخل في الشؤون السياسية الداخلية خاصة في أوقات أزمة حكومة حزب الشعب الباكستاني.

وقال حسن العسكري، المحلل الأمني والسياسي البارز «عندما أصدرت المحكمة العليا حكمها بشأن قضية غسل أموال كان الجميع يتوقعون استقالة الرئيس، وأن يقوم الجيش بتنفيذ قرار المحكمة العليا، لكن الجنرال كياني نأى بالجيش عن الأزمة السياسية، وربما كان قراره هو ما أكسبه ثقة القيادة السياسية». لكن الجيش الباكستاني يشغل مكانة مميزة في النظام السياسي في البلاد، لدرجة أن قائد أركان الجيش لا يستطيع البقاء منعزلا تماما عما يحدث في البلاد. فعندما هدد رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف في مارس من عام 2009 بالقيام بمسيرة إلى العاصمة إسلام آباد مع آلاف من مناصريه في حال عدم عودة رئيس المحكمة العليا والقضاة الآخرين، الذين أقالهم الجنرال مشرف، إلى مناصبهم مرة أخرى، ردت حكومة زرداري على الموقف بنشر القوات شبه العسكرية حول العاصمة، وأعطتهم أوامر بالتعامل بعنف مع المتظاهرين الذين يحاولون دخول العاصمة.

وقال سهيل ناصر، صحافي في إسلام آباد «كانت هناك مؤشرات واضحة بإمكانية وقوع مواجهة بين القوات شبه العسكرية ومؤيدي نواز شريف. وكانت هناك إمكانية لسقوط قتلى. حينها تدخل الجنرال كياني لإقناع كلا الجانبين بالبقاء كل في مكانه». من ناحية أخرى، أقنع الجنرال كياني الرئيس زرداري بإعادة رئيس المحكمة العليا افتخار محمد شودري، كما طلب من نواز شريف إلغاء المسيرة الطويلة نحو إسلام آباد.

وصف الأشخاص الذين يعلمون الجنرال كياني بالليبرالي والمفكر الذي عمل عن قرب مع الجيوش الغربية خاصة الأفراد في البنتاغون. وبعد الاشتراك في الحرب العالمية على الإرهاب عمل الجنرال عن قرب مع الجيوش الغربية خاصة الجيش الأميركي. ونظرا لعمله السابق كرئيس للاستخبارات الباكستانية عمل الجنرال مع القادة العسكريين الغربيين، ويقال إنه على وفاق جيد معهم. وخلال السنوات الأولى من عمله درس كياني في المؤسسات العسكرية الأميركية. وتقول الدوائر العسكرية إن ارتقاء الجنرال كياني في أوساط الجيش الباكستاني كان سريعا. كما زادت خلفيته المتواضعة كابن لأحد ضباط الصف من شعبيته بين الرتب الدنيا من الجيش.

ولد الجنرال كياني في قرية جوجار خان الصغيرة، نحو 50 كيلومترا من إسلام آباد. وتقع جوجار خان في إقليم بوتوهار الشمالي من باكستان المعروف بانضمام أغلب سكانه إلى الجيش منذ إنشاء باكستان. وقد خدم إخوة الجنرال الباكستاني في أوقات ما في الجيش. والتحق الجنرال كياني بالجيش عام 1971، وهو العام الذي شهد اندلاع الحرب الباكستانية - الهندية الثانية. ويوضح سجله الرسمي أنه شارك في الحرب كضابط صغير في الجيش الباكستاني. تلقى كياني تعليمه الأساسي في جامعة جهلوم العسكرية.

تولى الجنرال الكثير من المناصب خلال عمله. وتلقى كياني دراسات في كلية القادة والأركان في كويتا، وكلية القيادة والأركان العامة، وفورت ليفنورث بالولايات المتحدة، وكلية الدفاع الوطني في إسلام آباد. ثم تولى قيادة كتيبة مشاة، ثم لواء مشاة، ثم فرقة مشاة. ويمتلك كياني خبرة واسعة في القيادة، وأكسبته خبراته التعليمية والقيادية ثقة برويز مشرف في عام 2003 عندما ترأس التحقيقات في محاولة اغتيال الرئيس مشرف في 2003. نتيجة لهذه التحقيقات اعتقل الجيش الباكستاني الكثير من الإرهابيين وتم تقديمه للمحاكمة.

وقال المسؤولون العسكريون إن الجنرال كياني تولى التحقيقات في محاولات اغتيال مشرف عندما كانت تواجه طريقا مسدودا.

بيد أنه بث خلال شهور روحا جديدة في التحقيقات، فتذكر سيرة الجنرال كياني الذاتية «كقائد للفيلق العاشر حقق تقدما كبيرا في اختراق الجماعات الإرهابية الشديدة التنظيم التي ارتكبت عملا إرهابيا وتضع خططا إرهابية ضد الدولة. وكان التزامه المطلق وفطنته المهنية في القيادة السبب في اعتقال قادة الإرهاب».

عمل كياني كقائد للفيلق العاشر من الجيش الباكستاني، وهو أمر يحمل أهمية من ناحيتين: الأولى أن الفيلق العاشر متمركز في المنطقة الحدودية من كشمير، والثانية أن الفيلق العاشر يلعب دورا مهما في اللعبة السياسية الباكستانية.

حال نجاحه في إدارة التحقيقات في محاولة اغتيال الرئيس، تم تعيين الجنرال كياني رئيسا للاستخبارات الباكستانية، حيث اكتسب ثناء واسعا، لدى اعتقال جهاز الاستخبارات الباكستانية اثنين من قادة «القاعدة» في عام 2004 - 2005.

بيد أن السنوات الثلاث القادمة كقائد للأركان لن تمر من دون مشكلات، كما هي الافتراضات (التي عملت الصحافة المحلية على تضخيمها) بشأن بتنامي توجهاته المؤيدة للغرب، وفي الوقت ذاته سيتعرض لضغوط كبيرة من القيادات العسكرية الغربية لتوسيع نطاق العمليات العسكرية في المناطق القبلية الحدودية.

ويرى حسن العسكري، المحلل السياسي والأمني، أن أحد العوامل التي أدت إلى اتخاذ قرار الحكومة بمد خدمة كياني ثلاث سنوات علاقاته الجيدة مع القيادات الاستخبارية والعسكرية الغربية. وقال العسكري «أحد الأسباب التي أدت إلى القرار الحكومي تعاون الجنرال كياني السلس مع القوات الدولية التي نتعاون معها في الحرب ضد الإرهاب. فجيشنا يتعامل مع القيادة الأميركية في أفغانستان والقيادة المركزية الأميركية الموجودة في الدوحة وقوات الناتو في أفغانستان، والجنرال علاقاته طيبة بكل هؤلاء».

قبل ثلاث سنوات من تعيين الجنرال كياني رئيسا لأركان الجيش الباكستاني، وصفه ديفيد سانغر، كبير مراسلي صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو صحافي أميركي بارز، في كتابه «ذا إنهريتانس»، بأنه «المفضل لدى البيت الأبيض، فتاريخ مشرف من الخداع معروف، في حين يعتبر كياني الأفضل لدى البيت الأبيض».

هذا التصور بشأن الجنرال كياني يتناقض بشكل تام مع قراره بمقاومة الضغط الأميركي بإرسال قوات إلى شمال وزيرستان، حيث يعتقد القادة العسكريون الأميركيون وجود قيادة طالبان و«القاعدة».

وترى آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات استطلاعات الرأي الخاصة أن نسبة تأييد الجنرال كياني والجيش فاقت شعبية الرموز السياسية في الدولة. ويمكن أن يعزى جزء من ذلك إلى الانتصارات التي حققها الجيش على طالبان في الشمال الغربي في البلاد خاصة في إقليم سوات. بالنسبة للأفراد الذين يحظون بشعبية كبيرة، فإن الإغراءات بالقيام بأمور مألوفة لدى الرأي العام تعد خيارا طبيعيا. لكن المثل الباكستاني يقول «الخيار الشائع ليس الخيار الأصوب دائما».