شهر الدعاية العسكرية.. في إيران

أعلنت خلال أسابيع قليلة عن مجموعة معدات عسكرية جديدة واختتمتها بتجربة صاروخ متطور

صورة وزعتها وزارة الدفاع الإيرانية لتجربة إطلاق صاروخ «قيام 1» (إ.ب.أ)
TT

أعلنت إيران التي تخشى من تعرضها لضربة عسكرية من أميركا وإسرائيل، في الأسابيع الأخيرة، عن ضم وتطوير معدات عسكرية جديدة منها طائرة مقاتلة من دون طيار طويلة المدى اسمها «كرار»، وغواصات خفيفة باسم «الغدير» وزوارق سريعة مسلحة وغيرها. واختتمت هذا «الاستعراض» أول من أمس باختبار الصاروخ «فاتح - 110» وهو من النوع قصير المدى، قائلة إنه «متطور ومحلي الصنع»، إلى جانب ما تمتلكه بالفعل من صواريخ طويلة المدى مثل «شهاب 3» و«سجيل».

ويقول العسكريون الإيرانيون إنهم بصدد إنتاج واسع للأسلحة الجديدة لاستخدامات الجيش بغرض «خدمة السلام والاستقرار والأمن في منطقة الخليج»، والدفاع عن البلاد ضد أي هجوم محتمل بسبب برنامجها النووي الذي يتخوف الغرب من استغلاله في صناعة أسلحة نووية.

وينظر الكثير من الخبراء في منطقة الشرق الأوسط للتجارب العسكرية الإيرانية الأخيرة وما تعلن عنه من تطوير لأسلحة جديدة، على اعتباره أنها دعاية إعلامية ممنهجة، تهدف إلى احتواء قلق الشعب الإيراني من استمرار الخلافات بين بلاده والمجتمع الدولي، وما نتج عن ذلك من تزايد العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية.

ويشير هؤلاء الخبراء - الذين تحدثوا أيضا عن هشاشة الدفاعات الصاروخية الإيرانية أمام أي ضربة عسكرية محتملة - إلى محاولة طهران إخافة الدول المجاورة لها، وطمأنة الدول المتحالفة معها في المنطقة، قائلين إن الأسلحة الجديدة التي تعلن عنها بين حين وآخر في الفترة الأخيرة، يوجد ما هو أحدث منها، ولا تخيف الغرب وأميركا ولا إسرائيل، بسبب الفرق الكبير في إمكانات هذه الدول العسكرية، مقارنة بإمكانات إيران الحالية، حتى لو حصلت على نظام الدفاع الصاروخي الروسي لاحقا.

وإذا كان عدد من هؤلاء الخبراء يرون أن ما تقوم به طهران لا يزيد على كونه «بروباغندا»، فلماذا الآن، وما هي الرسائل التي تريد إيران أن تقولها بتجاربها واستعراضاتها في التصنيع العسكري، ولمن تريد أن توجه هذه الرسائل؟

الدكتور عادل سليمان مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، ومقره القاهرة، يرى أن ما تعلن عنه إيران بين الحين والآخر، خاصة في الفترة الأخيرة، عن تطوير أسلحة عسكرية، «لا يخرج عن كونه حملة إعلامية مخططة». ويقول: «أعتقد أنه لا توجد دولة سواء كانت صغيرة أو متوسطة، تقوم كل 24 ساعة بالإعلان عن تطوير نوع جديد من الأسلحة».

ويوضح الدكتور سليمان، اللواء السابق بالقوات المسلحة المصرية، أن الهدف من الحملة الإعلامية الإيرانية بشأن تطوير مثل هذه الأسلحة، «محاولة للحفاظ على مكانتها وهيبتها في المنطقة، كما أن الغرض من الحملة توجيه رسالة للداخل الإيراني بعد العقوبات التي فرضتها عليها الدول الغربية... تريد أن تقول للداخل الإيراني إن النظام (الحاكم) قوي ويطور وينتج ويصنع أسلحة وصواريخ وطائرات من دون طيار».

ويعود سليمان ليشدد مجددا على أن ما تقوم به إيران من إعلان عن «تجارب ناجحة بشأن معدات عسكرية متطورة»، ما هو إلا «رسالة للداخل الإيراني وللمنطقة الإقليمية، لكنها لا تصلح كرسالة للدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.. لأن هؤلاء (الغرب وإسرائيل) يعرفون نوع التعاون الإيراني ومداه مع الدول الأخرى، سواء كانت الصين أو روسيا أو كوريا».

ويقول إن النظام الإيراني يريد على ما يبدو أن يمتص القلق الذي يبدو أن الإيرانيين يشعرون به من جراء العقوبات المفروضة على بلادهم، مشيرا إلى أن النظام الإيراني يسعى لطمأنة الداخل ودول المنطقة بأنه ما زال قوة مؤثرة.

وعما إذا كان يعتقد أن القوة العسكرية الإيرانية قادرة في الوقت الحالي على مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية أو الأميركية، يوضح سليمان قائلا: «المواجهة الإيرانية مع الآلة العسكرية الإسرائيلية أو الأميركية لن تكون قادرة على تحقيق انتصار على أميركا أو إسرائيل التي تقف وراءها أميركا».

الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم، الأستاذ بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالمملكة العربية السعودية، ينظر إلى الأمر بطريقة مختلفة. ويشير في هذا الصدد إلى أن مسألة كشف إيران عن أسلحة جديدة بين يوم وآخر تتضمن شقين: «الجدية والاستعراض». ويضيف: «من ناحية الجدية، (إيران) عليها حصار يعرقل بناء قدراتها العسكرية، تتزعمه أميركا التي تضغط على أي دولة تتعاون مع طهران في المجال العسكري. ليس لدى إيران مجال سوى محاولة تطوير قدراتها الذاتية بقدر الإمكان. كما أن الأمر فيه نوع من الاستعراض، على اعتبار أنه لا توجد دولة تستطيع أن تبرز في كل أنواع الأسلحة في صناعتها العسكرية».

ويوضح اللواء مظلوم أن الإيرانيين أعلنوا عن طائرات من دون طيار وطائرات مقاتلة وزوارق عسكرية وصواريخ، «ولا توجد دولة تستطيع أن تجمع بين كل هذه القدرات». ويقول: «يمكن أن نجد دولا من الدول الغربية تتخصص في الطائرات، وأخرى تتخصص في الدبابات وأخرى في الصواريخ... ليست إيران التي تستطيع أن تسير في كافة القدرات، لكن هي تحاول قدر الإمكان تطوير ما عندها، لأنه ليس لديها مخرج إلا هذا». ويعتبر مظلوم أن إيران حققت بالفعل نتائج طيبة، ويشير إلى أنها دولة بترولية، «ولا شك أنها استقطعت جزءا من ميزانيتها تتناسب مع محاولة بناء قدراتها العسكرية». ويضيف: «في نفس الوقت هي تريد أن تقول لمن يريد أن يضربها أو أن يعتدي عليها: أنا أبني قواتي المسلحة، أنا أطور أسلحتي، وإنه إذا كان لدى إسرائيل طائرات من دون طيار تصل إلى إيران، فإن إيران تريد أن تقول إن لديها طائرات من دون طيار يمكن أن تصل إلى إسرائيل».

ويرى الخبير العسكري أن إيران «في حقيقة الأمر تجمع ما بين الجدية بقدر الإمكان، وفي نفس الوقت فيها قدر من المظهرية حتى تُوهم الآخرين بقدراتها على الردع في أي صراع مستقبلي». وعما إذا كان يرى أن إيران قادرة بالفعل، وفق هذه المظاهر، على ردع أي عدوان محتمل، يجيب مظلوم: «من تجربتي ومما حدث مع العراق، أستطيع أن أقول إن إمكانيات إيران، في الحقيقة، لا تتناسب مع ما هو موجود عند إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. مهما كان، فإن هناك فجوة بين ما تحوزه إيران من إمكانات عسكرية، وبين الإمكانات المتوافرة لدى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل... نشعر أن إمكانات إيران لا تتناسب مع التفوق الحاسم الموجود لدى أميركا وإسرائيل، من توجيه للصواريخ بالأقمار الصناعية والتوجيه عن بعد وغيرها».

ومع ذلك، وطوال الأسابيع الماضية لم يتوقف العسكريون الإيرانيون عن استعراض عضلاتهم العسكرية. وتقول وزارة الدفاع الإيرانية، إن قواتها المسلحة وصلت إلى «الاستغناء الكامل عن المنتجات الدفاعية الأجنبية»، وتشير كذلك، في بيان صدر بمناسبة «اليوم الوطني للصناعات الدفاعية» في إيران هذا الأسبوع، إلى «التقدم المذهل في مختلف فروع الصناعات الدفاعية مثل الجو والصواريخ البحرية والاتصالات».

من جانبه يرى الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء سامح سيف اليزل، أن ما تقوم به إيران من تطوير للأسلحة ليس أمرا جديدا. ولكنه يقول إن «الجديد هو الإعلان عن سلسلة متتابعة من التسليح الإيراني الجديد». ويضيف: «نحن نسمي مثل هذا النوع من التسليح الذي تعلن عن تطويره، تسليحا هجوميا، لأن الصواريخ والطائرات من دون طيار التي تمت تجربتها هي صواريخ وطائرات هجومية. الجديد في الأمر أيضا هو الاستغراق في تطوير الأسلحة الهجومية وليست الأسلحة الدفاعية».

ويرى اللواء سيف اليزل، الذي يرأس مركز الجمهورية للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية بمصر، أن هناك فارقا بين الأسلحة الدفاعية والأسلحة الهجومية، ويقول: «الصواريخ التي أعلنت إيران عن تطويرها أسلحة هجومية وليست أسلحة دفاعية أو مضادة للطائرات». وعن السبب وراء هذا الاتجاه الإيراني في التركيز على تطوير أسلحتها الهجومية لا الدفاعية، يقول «إن هذا يتماشى مع السياسة العامة في إيران، سياسة إيران تقول إن أسلحتها ستطول أي منطقة (مجاورة) ترى أنها تشكل خطورة عليها».

وهل هذا يعبر عن خلل في التكتيك العسكري الإيراني ما بين الهجوم والدفاع، يجيب اللواء سيف اليزل قائلا: «لا.. ليس خللا، ولكن هناك قدرات دفاعية (إيرانية) موجودة، وهناك (في المقابل) تطوير للصواريخ الموجودة والطائرات الموجودة لدى إسرائيل ولدى أميركا ولدى الاتحاد الأوروبي أيضا، وهو تطور كبير، لا يقابله استعدادات دفاعية على نفس المستوى داخل إيران».

وبالتالي، يرى سيف اليزل أن المحصلة النهائية هي «أن الدفاعات الأرضية الإيرانية المضادة للطائرات والصواريخ لا يمكنها التصدي لمثل هذه الهجمات التي قد تستهدف طهران، رغم كل ما هو موجود الآن من زخم في الإعلام عن التطوير والتصنيع العسكري في إيران».