حلم «الإمارة الإسلامية».. وتحدي الساحل الأفريقي

«القاعدة في المغرب الإسلامي» باتت تشكل تحديا كبيرا.. ومخاوف من تدخلات عسكرية أوروبية على صعيد محاربة الإرهاب

أحد الرهائن الإسبان الذين كانوا في قبضة «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وتم تحريرهم أخيرا وقد كانوا في طريقهم من نواكشوط إلى بلادهم (إ.ب.أ)
TT

لم يعد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يشكل هما أمنيا لدول منطقة الساحل الأفريقي فحسب، بل تعداه إلى تهديد مباشر لكيانات دوله، خاصة مثلث الحلقة الأضعف، المتمثل في موريتانيا والنيجر ومالي.

فالمطاردات العسكرية التي قام بها الجيش الموريتاني أخيرا ضد عناصر «القاعدة»، واستخدامه الطائرات، ودخوله أراضي مالي، وقيام تنظيم القاعدة بعمليات خطف للأوروبيين، وتجلياته الأمنية والعسكرية والآيديولوجية في غضون السنوات الخمس الماضية، كلها تشير إلى تنامي حجم التنظيم الذي يحلم بإقامة إمارة إسلامية في المنطقة.. يوازيه خطر تعرض المنطقة إلى تدخلات عسكرية على صعيد محاربة الإرهاب، وهو ما تتخوف منه دول كثيرة، من بينها الجزائر التي جمعت رؤساء أركان جيوش دول في المنطقة للتنسيق والوقوف سدا أمام أي تدخلات عسكرية خارجية.

ويبدو أن تنظيم القاعدة يسعى، حسب محللين وخبراء، إلى تحقيق هدفه عبر إثارة القلاقل، مما يمهد للتدخلات الأجنبية، وفي خطوة لاحقة يقوم بتأليب العرب والأفارقة ضدها.

ونالت موريتانيا نصيبها الأوفر من هذا التحدي، نظرا لطبيعتها الجغرافية ومساحتها الشاسعة، وحدودها المترامية الأطراف، وثرواتها الطبيعية المكتشفة، مما أكسبها اهتمام الشركات الأجنبية الباحثة عن المعادن، وبالتالي صارت هدفا سهلا لعناصر تنظيم القاعدة، الذي ينشر خلاياه هناك في صفوف الشباب والمراهقين الباحثين بدورهم عن موطئ قدم ضاقت عليها «أرض الصحراء» بما رحبت.

فالتحدي الذي بدا صغيرا في موريتانيا، عبر مجموعات تتسلل إلى الحدود لتنفذ عمليات، هنا أو هناك، وتدفن نفسها بين رمال الصحراء، تطور بشكل متسارع، إلى خطر يهدد كيان الدولة، على الرغم من المحاولات الكبيرة التي تقوم بها السلطات الموريتانية.

وتعد المواجهات بمثابة رسالة إلى الجميع، مفادها أن موريتانيا تسعى إلى القضاء على الجماعات المسلحة الناشطة في الصحراء، التي أصبحت تمتهن بيع «الرقيق الأبيض»، من خلال اختطاف الغربيين، والمطالبة بافتدائهم من بلدانهم.

ولقد أدت الضربات الموجعة لـ«القاعدة» في معظم البلدان المغربية إلى البحث عن حلقة أضعف لمواجهة تحديات أمنية واضطرابات سياسية. فكانت موريتانيا، في نظر المتطرفين، القشة التي تعلق بها الغريق بعد أن تطورت الجماعة السلفية للدعوة والجهاد إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتلقت هزائم متكررة في الجزائر ليغير التنظيم من أساليب عمله، ويقوم بعمليات إغارة، أو ما يصفها قاموس التنظيم بـ«غزوات»، على ثكنات للجيش موجودة على الحدود الموريتانية.

ولم تشهد موريتانيا عمليات إرهابية قبل عام 2005 في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع، حيث نفذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أول عملية له عرفت باسم عملية «المغيطي» في يونيو (حزيران) 2005. ثم وضعت الحرب أوزارها بين الجانبين طيلة عام 2006، حيث لم يسجل فيه أي عملية، وكانت هذه الفترة بالنسبة للقاعدة «استراحة محارب» وفرصة لإعادة تنظيم صفوفه، خاصة أن مئات الشباب الموريتانيين قد التحقوا بمعسكراته في الصحراء، وربطوا بقواعد لهم داخل البلاد التي كانت تشهد، آنذاك، نوعا من عدم الاستقرار السياسي.

لكن عام 2007 كان موعدا لهجوم جديد على موريتانيا من قبل المسلحين المحسوبين على «القاعدة»، وهكذا بدأ فصل جديد من فصول المواجهة الأمنية والعسكرية بين «القاعدة» والدولة الموريتانية. وبينما كثفت الأجهزة الأمنية من عملياتها ضد خلايا التنظيم التي كانت تنمو بسرعة، كان تنظيم القاعدة يقوم بعمليات ضد ثكنات الجيش، ويخطط للقيام بأعمال في عمق الأراضي الموريتانية. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2007، كان الهجوم على سيارة تابعة لإدارة الضرائب، تحمل داخلها مبالغ مالية ضخمة، مما أجبرها على التوقف والاستيلاء على ما تحمله من أموال، بداية لملامح مستقبل دامٍ في مسار المواجهات بين الفئتين. وبحسب الدوائر الأمنية، فإن تلك المبالغ خصصت لتنفيذ عمليات إرهابية في موريتانيا لاحقا بقيادة أمير التنظيم في موريتانيا، الخديم ولد السمان، الذي يقبع الآن في السجن المركزي بنواكشوط.

وعندما كشف التنظيم عن نجاحه في إدخال الأفكار السلفية الجهادية في أوساط الشباب الموريتانيين حينها، كان تفكير الحكم في انتهاج أسلوب يتوازى مع «الدعوة بالتي هي أحسن» والضرب بيد من حديد على التنظيم الإرهابي الذي رفع عملياته إلى درجة الخطر في موريتانيا، قبل أن يعيد تنظيم القاعدة الكرّة على الأمن الموريتاني بعمليات نوعية، حيث تم اغتيال 4 سياح فرنسيين شمال مدينة ألاك وجرح خامس في ديسمبر (كانون الأول) 2007، وفي نفس الشهر تم الهجوم على حامية الغلاوية شمال البلاد، مما أسفر عن مصرع 3 جنود. كما توالت ضربات «القاعدة» للجيش الموريتاني في عام 2008، حيث تمت عملية تورين، مؤدية إلى مصرع 12 جنديا، وهي أكبر حصيلة في تاريخ المواجهات بين «القاعدة» والجيش الموريتاني.

وفي منتصف 2008 انتقلت المعركة من الداخل الموريتاني إلى العاصمة نواكشوط، حيث تم في فبراير (شباط) 2008 إطلاق النار على ملهى بجانب السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، أسفر عن جرح شخصين، كما حصلت اشتباكات مسلحة مع الشرطة في حي تفرغ زينه، وهو أحد الأحياء الراقية بنواكشوط، أسفرت عن مقتل شرطي وأحد المسلحين. وفي يونيو (حزيران) 2009، تبنى تنظيم القاعدة اغتيال الأميركي، كريستوف ليجيت، رميا بالرصاص في مقاطعة لكصر، أحد أقدم أحياء العاصمة نواكشوط، كما تمت اشتباكات محدودة بين الجانبين أسفر عنها اعتقال اثنين من المتهمين بمصرع الأميركي ليجيت. وتطورت العمليات، إذ شهدت موريتانيا في أغسطس (آب) 2009 أول عملية انتحارية استهدفت السفارة الفرنسية، وأسفرت عن مصرع منفذها، وأصيب 3 فرنسيين بجروح طفيفة.

وتمكن تنظيم القاعدة من تطوير عملياته، حيث نفذ أول عملية اختطاف لأجانب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، عبر هجوم على قافلة لموظفي إغاثة إسبان، على الطريق الرابط بين نواذيبو ونواكشوط، أسفر عن اختطاف 3 من عمال الإغاثة، كما اختطف إيطالي وزوجته الأفريقية شرق البلاد بفارق زمني لا يتجاوز الأسبوع بين العمليتين. وفي يونيو 2010، هاجمت غارة موريتانية - فرنسية معسكرا لـ«القاعدة» بمالي، في مسعى لإنقاذ الرهينة الفرنسي ميشال جيرمانو، الذي اختطف في الصحراء بالنيجر، أسفرت عن مصرع سبعة مسلحين من التنظيم، ولم يتوان التنظيم في الرد على الغارة بتنفيذ عملية انتحارية استهدفت قيادة المنطقة العسكرية في مدينة النعمة شرق البلاد، أدت إلى مصرع الانتحاري، وجرح 4 جنود موريتانيين.

ومما يؤرق المجتمع الدولي في دول الساحل أن الإرهاب في المنطقة لا يقتصر على الخلفية الآيديولوجية فحسب، بل يتجاوزها إلى الحركة النشطة في شبكات التهريب، والجريمة المنظمة، التي تغذيها حركات التمرد من القبائل العربية والطوارق الموجودة في مالي وشمال النيجر.

وفي هذا الصدد، قال أحمد سالم ولد كعباش، الخبير العسكري الموريتاني لـ«الشرق الأوسط» إن «من أهداف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي جر القوات الأجنبية، وخاصة الغربية، إلى مناطق الصحراء، لتأليب العرب والأفارقة ضد تلك القوات، خاصة أن التنظيم دعا أكثر من مرة لمواجهة ما سماه خطة غربية صليبية لشن حرب بالنيابة ضد حماة بيضة الإسلام في المغرب العربي». وأضاف كعباش (وهو ضابط سابق في الجيش الموريتاني): «إن عوامل قوة تنظيم القاعدة في مساعيه المستقبلية، مستمدة من قدرته على إذكاء الصراعات القبلية، وإيقاظ العداءات النائمة بين قبائل الصحراء، لكي تظل الحاضن له من جهة، وتأليبها على الحكومات التي تستهدفه في أرضها، وقد نجح حتى الساعة في مبتغاه هذا نظرا لعوامل اجتماعية، أهمها العصبية التي هي أقوى بكثير من الانتماء للدولة في قبائل الصحراء». وأوضح الخبير العسكري أن «رهان (القاعدة) على جر القوات الغربية إلى صحراء خبرها مقاتلوه بات قريبا، مع تزايد وتيرة الرعايا الغربيين النوعيين، إذ أغلب المختطفين حديثا هم خبراء في النفط والمعادن النفيسة، فضلا عن ضرورة وجود قوات غربية حامية للمؤسسات العملاقة المستثمرة في الصحراء الكبرى».

ومن جانبه، يعتقد الباحث الربيع ولد ادوم، الذي أجرى تحقيقات عن «القاعدة» في نواكشوط ومناطق الشرق الموريتاني أن «القاعدة» تنشط عبر عشرات المتعاطفين معها، ممن يشكلون خلايا تهدد الأمن وتتواصل مع تنظيم القاعدة عبر شبكة اتصالات معقدة، تجاوزت أجهزة التنصت التي زرعتها إدارة الأمن المركزي لمتابعة المشتبهين في الارتباط بتنظيم القاعدة.

ويشير الباحث في شؤون الجماعات الجهادية بمنطقة غرب أفريقيا لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، تم تفكيك إحدى هذه الخلايا، من خلال اعتقال شرطة مكافحة الإرهاب لشاب في منطقة دار النعيم بنواكشوط، التي تعتبر معقلا لخلايا «القاعدة» النائمة، حيث كشف أنه عضو في خلية تخطط لعمليات ضد مصالح موريتانية أجنبية تابعة لتنظيم القاعدة.

ويتابع قائلا إن شبكات اكتتاب أعضاء تنظيم القاعدة تتنامى في نواكشوط ومدن الداخل، وتستفيد من دعم مالي كبير، عبر تبييض الأموال والتحويلات التي تخترق النظام المصرفي، لكن إدارة أمن الدولة تحاول بقوة اختراق هذه الخلايا، وبين الحين والآخر يتم الكشف عن خلية جديدة، مما يضعف حركة اكتتاب جنود جدد في التنظيمات الإرهابية.

وحذر متابعون لنشاط الجماعات الإسلامية المسلحة في أفريقيا من دخول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في تحالف مع جماعة «بوكو حرام» الملقبة بـ«طالبان نيجيريا»، بعد الاتصال الذي أجراه معها الجزائري أبو مصعب عبد الودود، أمير التنظيم.

وأكد المراقبون أن اتصالات أولية جرت بين جهاديي الساحل الأفريقي وإسلاميي نيجيريا، «مما يثير خطر تحالف الجماعتين المتشددتين على البلد الأفريقي الذي يضم أكبر عدد من السكان». وأشار المحللون إلى أن الأمير المعروف بعبد القادر دروكدال، يحلم بتوسيع منطقة نفوذه، حيث أطلق نداء، عبر الإنترنت، إلى الجماعة النيجرية، يحثهم من خلاله على مواصلة الجهاد، ويعدهم بتوفير السلاح. وفي المقابل، تحاول دول كثيرة في المنطقة، من أجل تفادي التدخلات الأجنبية، القيام بعمليات متقنة ضد عناصر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.. وعندما قال رئيس أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، لنظرائه في دول خط المواجهة مع «القاعدة»، إنهم مطالبون باحترام تعهداتهم في محاربة الإرهاب والبدء في عمل ميداني ضد الجماعات الإسلامية المسلحة وكل أشكال الجريمة»، كان ذلك عبارة عن رسالة موجهة من أعلى السلطات الجزائرية إلى جهتين: الأولى حكومة مالي المدعوة، حسب الجزائر، إلى إظهار حزم وإصرار أكبر في تطويق نشاط جهاديي التنظيمات المسلحة المنتشرة فوق الأراضي المالية. والثانية قوى غربية وفي مقدمتها فرنسا، التي ترفض الجزائر أن يكون لها «موطئ قدم عسكري» في الساحل.

وكان اجتماع رؤساء أركان جيوش الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا المنعقد بالجزائر، الأحد الماضي، بمثابة تأكيد من الجزائر على أنها لا تزال تملك زمام التنسيق الأمني والعسكري الذي انطلق بشكل رسمي في مارس (آذار) الماضي، بمناسبة اجتماع رؤساء دبلوماسية الدول الأربع. وقد فهم متتبعو لقاء الضباط الساميين، الذي جرى بتمنراست، في أقصى جنوب الجزائر، من مضمون الخطاب الذي ألقاه الفريق قايد صالح، أن الجزائر ترى أن محاربة الإرهاب في أراضي الساحل مهمة تنازلت عنها حكومات المنطقة لتقوم بها دول أجنبية، وتحديدا فرنسا. وتعكس هذه النظرة، مخاوف جزائرية من «النشاط الموازي» الذي تقوم به الأجهزة الفرنسية بالمنطقة. وكانت العملية العسكرية التي قادها الجيش الموريتاني في 22 يوليو (تموز) الماضي، تحت إشراف القوات الخاصة الفرنسية لمحاولة إنقاذ الرهينة ميشال جيرمانو، بمثابة صافرة إنذار للجزائريين، الذي يرون أن التحرك الأمني الفرنسي على حدودهم الجنوبية، يشوش على خطتهم في محاربة الإرهاب.

فالجزائر تعتبر نفسها أدرى بما يجري بالمنطقة، لأنها تمثل عمقا استراتيجيا بالنسبة إليها، ولأنها أعلم من أي دولة في الساحل وخارجه، بالتنظيم المسلح الذي يثير هواجس الغرب حاليا، وبالتالي فهي أقدر على كسر شوكته، كما فعلت مع قيادته الموجودة في شمال الجزائر، التي تأتمر تنظيمات الجنوب بأوامرها.

لهذا السبب جمعت قيادة الجيش الجزائري قيادات جيوش الساحل، لتبلغهم رسالة مفادها بأن «الأجنبي غير مرغوب فيه عندنا».

في هذا الموضوع بالذات، نشر «معهد توماس مور» الدولي، المتخصص في قضايا الاستراتيجية والعلاقات الدولية، تقريرا، الشهر الماضي، تناول الحراك الأمني في الساحل، وتداخل المصالح بالمنطقة. ومن بين ما ورد في التقرير، مقاربة جيوستراتيجية للأزمة الأمنية في الساحل جنوب الصحراء، أعدها الباحث أنتوان تيسرون، وهو أحد شركاء المعهد المتخصصين في البحوث العلمية، وصاحب التقرير «من أجل أمن دائم بالمغرب العربي»، الصادر في أبريل (نيسان) الماضي. ويرى تيسرون أن تولي دول الساحل والمغرب العربي حماية أمنها بنفسها، أنسب من أي مقاربة أخرى بالنسبة لفرنسا ودول أوروبا، التي تملك مصالح بالمنطقة. وقال بالتحديد: «كما ذكرت به الجزائر عندما نظمت لقاء في مارس (آذار) الماضي جمع ست دول من المنطقة، ينبغي البحث عن حلول للمشكلات الأمنية بين دول المنطقة»، في إشارة إلى لقاء وزراء خارجية دول الساحل برعاية الجزائر، الذي أفرز قيام هيئة أركان مشتركة لجيوش المنطقة، تحسبا لشن حملات ضد معاقل «القاعدة».

وأوضح الباحث أن المبادرة التي أطلقتها الجزائر «تعكس رغبة دولة في بسط هيمنتها على شمال أفريقيا، من خلال الارتكاز على سياسة الحرب المعلنة على الإرهاب». ودعا إلى التعامل مع المبادرة من زاوية خارطة طريق ينبغي اتباعها، بهدف تعزيز الأمن في الساحل. وأضاف أنتوان تيسرون: «جميع دول المنطقة المعنية بالإرهاب مدعوة إلى الجلوس على طاولة واحدة، ولكن التركيز على المعطى الأمني كأولوية لا ينبغي أن يحجب الروابط الموجودة بين العنف والجوع من جهة، والإرهاب والتنمية من جهة ثانية» ويرى الباحث أن بلدان المغرب العربي مدعوة لأداء دور يساعد دول الجوار التي تقع إلى جنوبها، على مواجهة تهديدات الإرهاب.

وفي هذا السياق قال: «إن هذا الدور يدفع البلدان المغربية إلى تجاوز الخلافات والحساسيات فيما بينها، التي تنتمي إلى عصر آخر، كما الحال بالنسبة للخلاف بين الجزائر والمغرب بشأن الصحراء الغربية». ويصب هذا الموقف، إلى حد ما، في إطار رغبة الرباط في أن يتم إشراكها في المساعي الأمنية التي تقوم بها الجزائر على جبهة الساحل، بذريعة أن المغرب يواجه نفس المخاطر ونفس الجماعة المسلحة التي تحاربها دول الساحل بقيادة الجزائر.

ويعتقد الباحث المتخصص أن الاتحاد الأوروبي «لا يمكنه إدارة ظهره لمشكلات الساحل»، وقال إنه مطالب بأن يتعامل مع الأزمة الأمنية ضمن إطار يتعدى العلاقات الثنائية. وأوضح تيسرون هذه الفكرة بنوع من التفصيل، عندما قال: «في هذا الوقت الذي يقيم فيه الاتحاد الأوروبي سياسة خارجية موحدة، تمثل المشكلات الأمنية بمنطقة الساحل رهانا لدول أوروبية يتحدد مصير أمنها في نواكشوط ونيامي بدل لامبيدوسا (جنوب إيطاليا) وجزر الكناري». يقصد أن الإرهاب يهدد استقرار وامن دول أوروبا جنوب المتوسط، أكثر من مخاطر الهجرة غير الشرعية التي دفعتها إلى تعزيز قدراتها الأمنية، لمواجهة موجات المهاجرين القادمين من أفريقيا، الذين يتم توقيفهم عند حدود إيطاليا وإسبانيا.

وفي جانب محاولات التدخل الأجنبي في الساحل، وتداعيات ذلك على التنسيق الجاري بين دول المنطقة، قال الضابط المتقاعد والخبير في الشؤون العسكرية، الجزائري أحمد عظيمي لـ«الشرق الأوسط»: «إن التدخل العسكري الأجنبي في منطقة الساحل يثير الكثير من الملاحظات.. من أهمها تصميم فرنسا على أن يكون لها دور مؤثر في المنطقة، وأن يخدم هذا الدور المصالح الفرنسية بالدرجة الأولى، دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير هذا التدخل على أمن بلدان المنطقة. هذا الأمر أصبح واضحا، فبعد دفع الفدية والضغط على دولة مالي من أجل إطلاق سراح إرهابيين مطلوبين في بلدانهم (الجزائر وموريتانيا)، ترسل فرنسا عساكرها للتدخل بقصد تحرير رهينة فرنسي».

ويعتقد الباحث الذي يحاضر بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالعاصمة، بأن ما يسميه «التصرف الفرنسي لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الأفريقية ولا مستقبل النشاط الإرهابي بمنطقة الساحل والصحراء، فهو جاء في نفس الوقت الذي تسعى فيه الجزائر إلى دفع مجلس الأمن لإصدار قوانين دولية تحرم دفع الفدية للإرهابيين، للإسهام في تجفيف منابع التمويل المالي».

وأضاف: «الجزائر ترى أيضا أن أي تدخل عسكري أجنبي في منطقة الساحل والصحراء لن يحل الأزمة بل يؤزمها أكثر، لأن التواجد العسكري الأجنبي سيغير طبيعة الصراع، من صراع ضد الإرهاب إلى صراع ضد العدو الأجنبي. وستأخذ المجموعات الإرهابية شرعية الجهاد ضد (العدو الصليبي)، ولن تتمكن وقتها، لا فرنسا ولا كل قوات العالم، من كسر شوكة المقاومة، لأن الأمر سيتحول إلى مقاومة وطنية شرعية.

وفرنسا، وأميركا أيضا، تدركان جيدا هذا، ومع ذلك تصران على التدخل العسكري، مما يجعل كل التحاليل ترى أن هذا الموقف يهدف، إضافة إلى رفع مستوى شعبية الرئيس ساركوزي في فرنسا أو الرئيس أوباما في الولايات المتحدة الأميركية، إلى تحقيق أغراض أخرى، تنطوي على تحقيق مصالح مادية. وأهم هذه الأغراض حماية الاستثمارات الفرنسية في مجال اليورانيوم، والسيطرة على منابع النفط وغيرها من المعادن، التي تحتوي عليها المنطقة، وهي كثيرة ومتنوعة ولم تستغل بعد. فالمعروف أن 15 في المائة من واردات الولايات المتحدة من النفط، تأتي من القارة الأفريقية، وسيزداد الاعتماد على النفط الأفريقي خلال العشر سنوات المقبلة ليبلغ نسبة 25 في المائة من واردات هذا البلد، مما يجعل المنافسة شديدة بين البلدين، فالذي يسيطر على المنطقة سيتحكم في مستقبل التنمية، خاصة أن دراسات كثيرة تشير إلى أن أفريقيا هي مستقبل العالم في مجال الطاقة».