ما تحت «القبعة»

إقالة عمدة موسكو تشعل الصراع بين بوتين وميدفيديف.. والنيابة العامة تقف على مقربة

عمدة موسكو يوري لوجكوف يتحدث لوسائل إعلام في موسكو عن إقالته (رويترز)
TT

قامت الدنيا.. ولم تقعد في روسيا بعد إقالة عمدة موسكو المخضرم يوري لوجكوف.. الذي ظل 18 عاما في المنصب.

فالرجل المقرب من رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، لم يعترف بإقالته، وأكد أنه سيواصل مهامه متحديا رئيس البلاد، ديمتري ميدفيديف، مما يكشف صراعا ظل خفيا لفترة طويلة بين قطبي الحكم الروسي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في مطلع عام 2012. وثمة من يقول إن ما يدور في أروقة السلطة وخارجها يبدو ذا شجون، لأنه يمس في بعض جوانبه العلاقات المتبادلة بين الثنائي الحاكم.

وتتعالى في أرجاء العاصمة الروسية، الأصوات هذه الأيام، منذرة بمزيد من التداعيات، في الوقت الذي يعرب فيه كثيرون عن خشيتهم من تبعات ردود الفعل في أعقاب الكشف عن كثير من التجاوزات التي ارتقى بعضها إلى حد الجريمة والفساد بعد توارد أنباء تقول إن النيابة العامة وأجهزة وزارة الداخلية عكفت على دراسة بعض «الملفات».

فما قصة يوري لوجكوف عمدة العاصمة؟ وما أبعاد علاقاته مع كل من قطبي الساحة؛ ميدفيديف وبوتين؟ وماذا عن تباين مواقف القطبين تجاه لوجكوف الذي كان يقال عنه إنه يتمتع بدعم بوتين، لا سيما بعد أن عاد من إجازته في مطلع هذا الأسبوع ليؤكد أنه لا يعتزم الاستقالة من منصبه وأنه سيستأنف نشاطه بـ«مزاج رائع» في حين يعتزم القيام بثلاث جولات خارجية في كل من ألمانيا وفيتنام وقرغيستان على الرغم من كل تلميحات رئيس الدولة ميدفيديف حول ضرورة رحيله بعد موجة الانتقادات التي صدرت في حقه وطالت الذمة المالية لقرينته.

ويعرب كثيرون عن خشيتهم من احتمالات فتح الملفات وانكشاف «المستور» لا سيما بعد صدور قرار الإقالة بمثل تلك الصيغة المهينة التي نصت على أن الرئيس «لم يعد يثق في عمدة موسكو» وإعلان أنه لا يعتزم استقباله، مما يبدو مؤشرا نحو تغير كبير في توازن السلطة العليا.

يوري ميخائيلوفيتش لوجكوف البالغ من العمر 74 عاما هو خريج معهد النفط والغاز في موسكو، الذي تدرج في وظائفه الحكومية في وزارة الصناعات الكيماوية حتى تفرغ للعمل العام من خلال عضوية مجلس السوفيات الأعلى وبلدية موسكو التي اتخذ منها في نهاية ثمانينات القرن الماضي نقطة انطلاقته إلى الشهرة وعالم المال. كانت البداية في إدارة التعاونيات التي ترأسها بعد إعلان سياسات البيروسترويكا وتعرف خلال عمله فيها على «اثنين» حددا مسار حياته في الفترة اللاحقة؛ أولهما فلاديمير جوسينسكي أول رئيس للمؤتمر اليهودي الروسي وصاحب إمبراطورية «ميديا موست» والهارب اليوم إلى إسرائيل، أما ثانيهما فهي يلينا باتورينا التي كانت مجرد سكرتيرة بمؤهل متوسط في بلدية العاصمة قبل أن يتزوجها لوجكوف لتصبح إحدى أغنى ثلاث نساء في العالم حسب تقديرات مجلة «فوربس» بملياراتها من الدولارات التي تراكمت خلال سنوات معدودات، وإن كان ألكسندر ليبيديف عضو الدوما وضابط «كي جي بي» السابق قال إنها الأولى بما تملكه من ثروات وعقارات في كثير من الدول الغربية والعربية.

وفي حين كانت باتورينا قد بدأت أولى خطواتها على طريق الثروة من خلال تعاونية «انتيكو» التي عاونت شقيقها في تسجيلها لصناعة البلاستيك قبل أن تتحول لاحقا إلى عالم تجارة الأراضي والبناء والعقارات مستفيدة من اسم زوجها، كان قرينها يتحسس خطواته على درب السلطة بعد توليه منصب عمدة موسكو عام 1992 بمساعدة الأوساط اليهودية ممثلة في شخص جوسينسكي وبدعم مباشر من الأوساط التي كانت تصف نفسها بالديمقراطية وزعيمها بوريس يلتسين، في فترة الفوضى الشمولية التي أصابت كل مناحي الحياة وفتحت خزائن الدولة على مصاريعها للنهب والسلب في غياب الدولة والقانون. وليست بعيدة عن الذاكرة والأذهان جرائم تلك الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي وتفشت خلالها ظواهر الجريمة المنظمة والفساد «الرسمي» إبان سنوات حكم الرئيس الأسبق بوريس يلتسين والعلاقة العضوية الجدلية التي ربطت بين رموز المافيا والجريمة وممثليها في السلطتين التنفيذية والتشريعية.

هل اختلف معهم.. فظهرت الحقيقة؟ تساؤل يتقافز على الشفاه أملا في فضح المستور. هل نشب الشقاق بين رفاق الأمس؟ إذن، ففيم الخلاف والاختلاف؟ وما «المستور» الذي ثمة من يبذل الغالي والنفيس من أجل إخفائه بمن في ذلك أولئك الذين يدعمونهم وممن يتدثرون بمعاطف المناصب الرسمية ويتمترسون وراء ستار «السلطة».

معارك الفساد، مستمرة، منذ تلك المواجهة المباشرة بين الزعيم بوتين وعدد من أبرز أساطين المال ممن لاذ بعضهم بالفرار إلى إسرائيل وعدد من الدول الغربية مثل جوسينسكي صاحب إمبراطورية «ميديا موست» وليونيد نيفزلين أحد قيادات مؤسسة «يوكوس» النفطية والملياردير بوريس بيريزوفسكي، بينما يقبع البعض الآخر في غياهب سجون سيبيريا مثل ميخائيل خودوركوفسكي مؤسس وصاحب «يوكوس» الذي قال بوتين مؤخرا عنه إن يديه ملطختان بدماء ضحاياه ممن لقوا حتفهم ثمنا لإفساح الطريق أمام ثرواته غير المشروعة.

أما عن سلسلة تجاوزات لوجكوف وقرينته، فلم تكشف كل الأفلام والتقارير جديدا في هذا الشأن سوى عن أن السلطة الرسمية نفضت يدها منه بعد أن فاض الكيل، كما يقال، وبعد أن كان القاصي والداني على علم بكل ما سردته هذه التقارير، بل وسجل كثيرون احتجاجاتهم تجاه عبث سلطات موسكو وتجاوزاتها.

وكانت السلطات الرسمية أماطت اللثام عن بعض ملفات لوجكوف عمدة موسكو من خلال فيلم «القضية في الطاقية» (نسبة إلى قبعة لوجكوف التي طالما اعتمر بها صيفا وشتاء) وتقارير أخرى جرى إعدادها على عجل لتواكب أوار الحملة التي استعرت مع تصاعد الجدل حول احتمالات المنافسة بين ميدفيديف الطامح إلى ولاية جديدة في الكرملين، وبوتين الواثق من عودته إلى عرشه لولايتين أخريين تمتدان حتى 2024 تيمنا بالرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت الذي امتدت سنوات حكمه لأربع فترات رئاسية وهو ما لمح إليه بوتين خلال لقائه مع الصحافيين والمعلقين الأجانب في ملتقى «فالداي» في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي.

وكانت القنوات الفيدرالية أنتجت بعض هذه الأفلام بدعم مالي من الوكالة الحكومية للصحافة والنشر، فيما أشارت إلى ما قاله الرئيس ميدفيديف في منتدى «ياروسلافل» وفي حضور عدد من ضيوفه الأجانب حول أنه يختلف مع تقديرات لوجكوف إزاء أن توترا يسود الساحة الروسية على الرغم من كل الجدل الذي يتواصل حول هذه القضية لأسابيع طوال. وكان الحديث يتناول في مدينة ياروسلافل شمالي موسكو بعضا من موضوعات مقاله الشهير «روسيا إلى الأمام» الذي كان في العام الماضي أودعه رؤيته لتحديث روسيا وما كان يعني ضمنا انتقاداته لسنوات حكم سلفه. ومن هذا المنظور يكون الحديث عن المستقبل محفوفا بالمخاطر في ظل وجود مصادر فساد سبق أن أعلن ميدفيديف مكافحته في صدر أولويات ولايته، وهو مما جعل البعض يتوقع سرعة رحيل عمدة موسكو، الأمر الذي دفع لوجكوف إلى تعجل الرد على مثل هذه التوقعات بقوله إنه لن يترك منصبه قبل انتهاء تاريخ مدته في عام 2011، وهو ما جعل إدارة الكرملين تسارع إلى إعلان أن مثل هذه القرارات مسألة من صميم صلاحيات رئيس الدولة، وهو ما حسمته بالقرار الذي صدر بصيغة مهينة لم يسبق لها مثيل، وإن قال ميدفيديف باحتمالات تكرارها. وهنا نتذكر الهجوم الذي شنه فلاديمير جيرينوفسكي ضد عمدة موسكو واتهاماته له بالتستر على الفساد وبيع أراضي الدولة في مجلس الدوما ومطالبته لبوتين بمحاكمته وطرده من منصبه، وهو ما رد عليه بوتين في حينه بسخرية متجاهلا مثل هذه الاتهامات.

وكانت الأفلام والتقارير التلفزيونية كشفت عن وقائع كثيرة لا تعد ولا تحصى بتفاصيلها التي تسكنها شياطين كثيرة بعد أن تدفقت إلى السطح ومعها ما يقول إن ميدفيديف سوف يستند إليها في تصفية حساباته مع مناوئيه، وهو الذي لم يهنئ عمدة موسكو بعيد المدينة على عكس بوتين الذي قام بذلك، وهو ما عكس استمرار غضبه وسخطه على «العمدة» الذي ترك العاصمة وحدها تواجه محنة الحرائق ليقضي إجازته بعيدا عنها. وكان ميدفيديف قال إن من يقوم بإجازة في مثل هذه الظروف يجب عليه مواصلتها إلى أمد غير محدود لأن الوطن لم يعد في حاجة إليه. أما بوتين فلم ير في ذلك شيئا يستحق المساءلة، بل أشاد بمأثرة هذا العمدة حين «تفضل وقطع إجازته» وعاد إلى مباشرة مهام عمله، بينما كانت التقارير التلفزيونية قد نقلت بعضا من كلمته في عيد ميلاد العمدة التي أشاد فيها بمآثره تجاه تحسين وجه العاصمة والاهتمام بمشكلات أبنائها، لا سيما المتقاعدين، فضلا عن إشادته بعدد من إنجازات عمدة موسكو بعد صدور قرار إقالته، مؤكدا في الوقت ذاته مشروعية موقف وقرار الرئيس تجاه إقالة لوجكوف.

وكان الرفيقان بوتين وميدفيديف اختلفا أيضا في تقدير الموقف تجاه ما يعرف اليوم باسم «غابات خيمكي» وهي الضاحية القريبة من موسكو التي اختارت السلطات الرسمية أن تشق عبرها الطريق الجديد الذي يربط موسكو وسان بطرسبورغ على الرغم عن اعتراضات سكان المناطق المجاورة وخبراء البيئة ممن يواصلون مظاهراتهم واحتجاجاتهم ضد هذا القرار، لا سيما في ظل وجود مسارات أخرى يمكن أن يمر عبرها هذا الطريق الذي ظهرت قرائن كثيرة تشير إلى أنه يتعارض مع مصالح السيدة قرينة عمدة موسكو المليارديرة باتورينا، وهو ما أشارت إليه التقارير «الوثائقية الفضائحية». وقد كشفت هذه التقارير عن كثير من خفايا علاقة باتورينا بعمدة العاصمة قبل وبعد الزواج واستغلالها لموقعها إلى جواره وما نجم عن ذلك من مليارات الدولارات وضعتها في مقدمة أغنى سيدات العالم. وفي الوقت الذي كشف فيه بوتين عن موافقته على الاستمرار في عملية شق الطريق عبر غابات خيمكي على الرغم من اعتراضات كثيرين، فإن ميدفيديف أعلن ضرورة وقف العمل في بناء الطريق إلى حين التوصل إلى قرار مقبول من الجميع.

إذن، المواجهة تتخذ أبعادا ألقى عمدة موسكو في أتونها بمزيد من الزيت بمقاله الذي نشرته «روسيسكايا غازيتا» (الصحيفة الرسمية للحكومة) وأيد فيه موقف بوتين الداعم عمليا لمصالح زوجته (زوجة العمدة) وهو ما أثار كثيرا من التوتر وساهم في تصعيد أجواء المواجهة بين الأطراف المعنية وما بدا أشبه بمحاولات دق إسفين في العلاقة بين الصديقين بوتين وميدفيديف.

فما هذه المصالح؟

المصالح كثيرة وقديمة وسبق أن تناولها كثير من الصحف العالمية والمحلية في معرض الحديث عن رموز الفساد وعلاقاتها مع عمدة موسكو. وقد أشار كثيرون بأصبع الاتهام إلى تيلمان إسماعيلوف «ملك أسواق» موسكو غير المتوج الذي قال لوجكوف لدى الاحتفال بأحد أعياد ميلاده إنه «أهم أعياد العام» في حين سافر وقرينته إلى الأناضول للمشاركة في افتتاح فندق «ماردان بالاس» الذي شيده إسماعيلوف هناك، مع أبرز نجوم العاصمة الروسية وأشهر الفنانين العالمين ومنهم جنيفر لوبيز التي قالت إنها حصلت على مليوني دولار مقابل حضورها وهو ما استثار بوتين في حينه وكان ضمن أسباب تصفية سوق «تشيركيزوف – المدينة داخل المدينة» بكل مخالفاتها وجرائمها في أطراف موسكو، التي كانت ضمن ممتلكات إسماعيلوف.

أما عن ما تحدث عنه الفيلم الفضائحي «القضية في الطاقية»، فيتلخص في وقائع استغلال النفوذ، والتربح من خلال الوظيفة، في حين سرد كشفا بما أغدق به عمدة موسكو على قرينته من تسهيلات وامتيازات ساهمت في مضاعفة ثرائها؛ والثراء مناصفة مع زوجها بطبيعة الحال وبحكم القانون الروسي! ومن هذه التسهيلات ما حصلت عليه من أراض داخل وخارج العاصمة، وما اتخذته حكومة موسكو من قرارات حول التصريح لها بالبناء في هذه الأراضي مع تحمل نفقات البنية التحتية بما في ذلك شق الطرق وإمدادها بالمياه والغاز والكهرباء.

وهنا يتوقف المشاهد عند بعض هذه الأراضي في منطقة «مولجانينوفو» التي اقترح البعض أن يمر عبرها مسار الطريق الجديد بين موسكو وسان بطرسبورغ الذي يرفضه عمدة موسكو. بل وراح يحذر من احتمالات تبني هذا المسار لأن ذلك سوف يعني وحسبما كتب في الصحيفة الحكومية في 6 سبتمبر (أيلول) الماضي تضرر 3 - 4 آلاف أسرة تنتظر مساكنها في هذه المنطقة من دون أن يشير بطبيعة الحال إلى أن المتضرر الأول هو وبطبيعة الحال زوجته التي تعمل شركاتها في تشييد هذه المساكن. وكان الفيلم أشار أيضا إلى مرور الطريق إلى سان بطرسبورغ عبر هذه المنطقة التي تسيطر زوجة العمدة على 225 هكتارا من أراضيها (!!) إلى جانب ما تملكه من مواقع في أفضل مناطق العاصمة والتي اختارتها شركته «انتيكو» لبناء العقارات والفنادق باستثمارات تتجاوز قيمتها سبعة مليارات دولار فضلا عن هدم كثير من المباني ذات القيمة التاريخية استعدادا لتحويلها إلى ممتلكات عقارية لأثرياء روسيا الجدد ممن يرتبطون بعمدة موسكو وقرينته. وكانت التقارير التلفزيونية التي أنتجت بمساهمة مالية حكومية قد أسهبت في سرد وقائع استغلال النفوذ والتطاول على المال العام بما في ذلك مخالفات وجرائم مساعدي عمدة العاصمة ممن حققوا كثيرا من الثراء غير المشروع الذي كان حديث المدينة لفترة طويلة من الزمن وما تناولته النيابة العامة في معرض تحقيقاتها معهم. لكن الغريب والمثير معا أن يتطرق عدد من المتحدثين في هذه التقارير الفضائحية إلى شخصيات من أمثال رومان إبراموفيتش الملياردير اليهودي الروسي الذي نجح في الإفلات بأمواله وثرواته التي راكمها إبان سنوات النهب والبلطجة في تسعينات القرن الماضي تحت ستار قوانين الخصخصة وبمساعدة الرئيس الأسبق بوريس يلتسين و«العائلة» التي كان إبراموفيتش «خزينتها المالية» كما قيل آنذاك. ومن اللافت أيضا أن إبراموفيتش يبدو من القلائل الذين لم تمسهم يد التطهير والعقاب شأن زملائه من أساطين المال والأوليجاركيا لأسباب قالوا إنها تتعلق بوفائه بأن يظل «مصدرا ماليا» لبعض ممثلي السلطة و«الأجهزة الخاصة» في الخارج شريطة عدم المساس بأمنه وثرواته وحرياته. وثمة من يقول أيضا إن فتح ملفات المليارديرين إبراموفيتش واوليج ديريباسكا ملك صناعة الألمنيوم في روسيا قد يفضي إلى فتح ملفات كبار رموز السلطة وهو ما يهدد به البعض وما يخشاه آخرون يتحرج ويخشى البعض التطرق إلى شبكة علاقاتهم. ومن اللافت أن هذا «الفيلم» وغيره من التقارير التلفزيونية تناول «المثير» مما كان ولسنوات طويلة في متناول العامة إبان سنوات الفوضى الشمولية وهو ما يصفون به عهد الرئيس الأسبق يلتسين الذي شهد «بيع تاريخ الوطن» متمثلا في التفريط في آثاره ومبانيه التاريخية التي آلت إلى مجموعة من «تجار العقارات» من ذوى المناصب الرسمية وغير الرسمية. الغريب في هذا الصدد يتمثل في أن الحزب الحاكم الذي كان لوجكوف أحد أبرز قياداته لم يقف إلى جانب لوجكوف في «أزمته» على الرغم من إعلان وحدة الحزب في موسكو عن تأييدها له وشجب حملات الهجوم ضده. وبلغ الأمر أيضا حد معرفة قيادة الحزب بقرار إقالة ميدفيديف له قبل صدوره بخمسة أيام من دون أن تحذر عمدة العاصمة من مغبة الاستمرار في عناده مما جعله يعود من إجازته ليعلن أنه لن يتقدم باستقالته. وإذا كان لوجكوف اضطر إلى إعلان خروجه من الحزب، فإن الرئيس المناوب للحزب بوريس جريزلوف رئيس مجلس الدوما عاد وأعلن أن لوجكوف نسي نفسه وتصور أنه «يمتلك موسكو» في الوقت الذي هو فيه ليس أكثر من مسؤول عن إدارة شؤونها!! وتقول مؤشرات كثيرة إن الصراع لم ينته بعد، وإن ما حدث ليس سوى حلقة في سلسلة مسيرة ستحدد بدرجة كبيرة مستقبل الصراع في النسق الأعلى للسلطة، لا سيما بعد أن أعلنت النيابة العامة وأجهزة وزارة الداخلية عن فتح باب التحقيقات تجاه كثير من الاتهامات في حق عمدة موسكو وقرينته. وكانت باتورينا قرينة عمدة موسكو كشفت في وقت سابق عن أن الحملة ضد زوجها جزء من الصراع الذي يحتدم استعدادا للانتخابات الرئاسية المرتقبة في عام 2012. وقالت إن هناك في إدارة الكرملين من يخشى أن يتخذ زوجها موقفا غير مؤيد لميدفيديف في حال ترشحه لمنصب الرئيس في هذه الانتخابات، مؤكدة أن لوجكوف لن يتقدم لخوض هذه الانتخابات.

وبغض النظر عن التفاصيل التي يقولون إن الشيطان يسكنها، فإن ما يصاحبها من أجواء يبدو مقدمة لاحتدام معارك أخرى ستحدد، في أغلب الظن، نتيجة الصراع الذي يجرى تحت السطح بين «الرفيقين»؛ بوتين وميدفيديف، استعدادا للانتخابات الرئاسية في عام 2012 على الرغم من المؤشرات التي كانت تقول حتى مطلع هذا الأسبوع إن بوتين يظل صاحب اليد العليا وحتى إشعار آخر، وإن توجب مراعاة أن ميدفيديف استطاع خلال أقل من عامين إقصاء عدد من أهم أركان نظام بوتين ومنهم رئيسا تترستان وبشكيريا وعمدة موسكو، وكلهم من أعمدة الحزب الحاكم الذي يتزعمه فلاديمير بوتين!! وكان فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الحالي كشف عن طموحاته نحو ولايتين أخريين في الكرملين تيمنا بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت الذي تذكر أنه حكم لأربع فترات رئاسية، وهو ما رد عليه الرئيس ديمتري ميدفيديف من خلال المتحدثة الرسمية باسمه ناتاليا تيماكوفا التي قالت إن خطط ميدفيديف لتحديث روسيا لا تقتصر على سنة أو اثنتين أو ثلاث.