مصاعب الحكومة الباكستانية

مطالبة جنرالات الجيش بالتغيير.. وتحدي الجماعات المتشددة

TT

خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر (أيلول) الماضي شهدت الساحة السياسية الباكستانية إحياء لقرار تقليدي، لكنه غير رسمي، بتشكيل جهاز يستقبل معلومات من ثلاثة مكاتب قوية بالحكومة: مكاتب الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش.

ويتمثل المصطلح الشائع في الأوساط السياسية لوصف مثل هذا الجهاز في «الثلاثية»، وهو المصطلح الذي استخدمته صحف باكستانية ومحللون بارزون في تعليقهم على اجتماع الرئيس آصف علي زرداري ورئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني ورئيس أركان الجيش الجنرال أشفق برويز كياني مساء 27 سبتمبر 2010. وناقش «الاجتماع الثلاثي» الوضع السياسي العام بالبلاد، ومن الواضح أن عضوين من الثلاثة (الرئيس ورئيس الوزراء) رغبا في استغلال الاجتماع كأداة للقضاء على الانطباع بأن حكومة حزب الشعب الباكستاني في طريقها للخروج.

قبل هذا الاجتماع بأيام، طالبت المحكمة العليا بقيادة افتخار محمد تشودري الحكومة بتقديم طلب للسلطات السويسرية لإحياء قضايا غسل أموال ضد الرئيس زرداري. وفي رده على الطلب، أعلن جيلاني أنه من غير الممكن أن تبعث الحكومة بطلب لحكومة أجنبية لإحياء قضايا جنائية ضد رئيسها الذي يعد رمزا لسيادة البلاد.

وقد بدأت المواجهة المباشرة بين حكومة حزب الشعب الباكستاني والمحكمة العليا تتكشف على الصعيد المعلن بمرور الوقت. ومما زاد من تفاقم الأوضاع الفوضوية بباكستان ظهور تقارير إعلامية حول أن أيام الحكومة الراهنة في السلطة أصبحت معدودة.

جاء عقد «الاجتماع الثلاثي» في فترة شديدة الحساسية، حيث تقف الحكومة والمحكمة العليا في مواجهة بعضهما بعضا بشأن مسألة إعادة فتح قضايا سويسرية ضد زرداري. كما انتشرت في البلاد شائعات قرب حدوث تغيير في النظام مع تعرض الحكومة لضغوط كبرى لتغيير أسلوبها في الحكم. في اليوم السابق لإعلان الحكومة رفضها تنفيذ أمر المحكمة العليا، عقد «الاجتماع الثلاثي» داخل دار الرئاسة، وفي أعقاب الاجتماع قررت الحكومة تجنب الدخول في مواجهة مع السلطة القضائية، وسعت بدلا من ذلك للحصول على إذن من رئيس المحكمة العليا بمزيد من الوقت حتى تنفذ أمره.

في الوقت ذاته، أبدت الحكومة ميلا أكبر لتحقيق مكاسب أكبر من وراء الاجتماع. وعليه، وزعت صور للاجتماع على وسائل الإعلام، وأخبر المتحدث الرسمي باسم دار الرئاسة، فرحة الله بابار، الصحافيين بأن الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش عقدوا عزمهم على تعزيز العملية الديمقراطية. ونظر الرأي العام الباكستاني ووسائل الإعلام الدولية إلى هذا التصريح من قبل المتحدث الرسمي باسم الرئاسة باعتباره محاولة لاستغلال وجود الجنرال كياني في الاجتماع لخلق انطباع بأن قيادة الجيش لا تبغي تغيير الحكومة.

في اليوم التالي، عزز رئيس الوزراء هذا الانطباع عندما أخبر حشدا من الصحافيين في إسلام آباد بأن الحكومة تتمتع بعلاقات طيبة مع المؤسسة العسكرية، مضيفا أن الجيش وهيئة الاستخبارات الداخلية يفضلان الديمقراطية.

ومع ذلك، من الواضح أنه ليس الجميع في باكستان سعداء بمحاولة استغلال الحكومة مشاركة الجنرال كياني في الاجتماع الثلاثي. وفي هذا الصدد، أشار شاهين صحابي، رئيس تحرير صحيفة «نيوز»، أعلى الصحف الباكستانية توزيعا، إلى أن «مساعي تحقيق مكاسب من قبل الرئاسة من وراء الاجتماع الثلاثي، خاصة بعد البيان الصادر على لسان المتحدث الرسمي الرئاسي، لم تلق قبولا من جانب رئيس أركان الجيش. وفي غضون ساعات، تلقت صحيفة (نيويورك تايمز) في هدوء معلومات بشأن ما همس به قائد الجيش في أذن الحكومة».

ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين باكستانيين لم تسمهم قولهم إن رئيس أركان الجيش الجنرال كياني طلب من الحكومة التخلص من الأعضاء الفاسدين بين وزرائها على نحو فوري. ونشر موضوع «نيويورك تايمز» في غضون يوم من إعلان المتحدث الرسمي الرئاسي بيانه أمام وسائل الإعلام الباكستانية، والذي حاول من خلاله إثارة انطباع بأن قائد الجيش تعهد بمساندة الحكومة.

وتكمن المفارقة في أنه حتى عندما لم يكن الجيش حاكما للبلاد مباشرة، فإنه يبقى مضطلعا بدور مهم خلف الكواليس في عملية صنع السياسات. والمثير أن الجيش حرص طوال الفترة الماضية على عدم الإعلان عن وجهة نظره حيال الحكومة. ورغم ذلك، أدرك جميع السياسيين والإعلاميين بباكستان ما يدور في ذهن قادة المؤسسة العسكرية حيال القضايا السياسية والاقتصادية التي تواجه البلاد، وذلك عبر قنوات لا تزال مخفية عن أعين الرأي العام.

عن هذا، أكد زعيم سياسي معارض في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم الكشف عن هويته، أن «الجميع يدركون أن الجيش يساوره قلق بالغ حيال تردي الأوضاع الاقتصادية، خاصة بعد الفيضانات المدمرة التي أتت على كل آمال استعادة النشاط الاقتصادي عافيته في المستقبل القريب». والمفارقة أن أداء حكومة حزب الشعب الباكستاني في السيطرة على الأوضاع الاقتصادية المتردية ظل رديئا على مدار السنوات الثلاث الماضية.

وتزيد الروايات المتداولة حول الفساد المستشري في الوزارات الحكومية إلى الانطباع العام أن الحكومة الحالية تشكل جزءا من المشكلة. وطبقا لأحدث التقديرات للمؤشرات الاقتصادية الصادرة عن وزارة المالية الباكستانية، فإن الاقتصاد الوطني شهد نموا في إجمالي الناتج الداخلي بلغ صفرا في المائة، بينما بلغ معدل التضخم 25% خلال السنة المالية 2010/2011. قبل الدمار الذي سببته الفيضانات، أشارت تكهنات إلى استقرار معدل التضخم عند 12.3%. وأعلن تقرير وزارة المالية أن ضياع نسبة نمو إجمالي الناتج الداخلي البالغة 4.5% تعني خسارة الاقتصاد 751.5 مليار روبية.

ويتفق معظم المحللين المعنيين بقضايا الدفاع حول أنه حتى الآن اتسمت العلاقات بين حكومة حزب الشعب الباكستاني والجيش بالسلاسة، لكن استمرار هذه العلاقات يعتمد في جزء كبير منه على الاستقرار السياسي والاقتصادي. وأشار محلل سياسي إلى أن «المؤسسة الوحيدة التي تأثرت مباشرة بتدهور الظروف الاقتصادية والمالية هي الجيش، بالنظر إلى الأموال الضخمة التي توجهها إلى الآلة العسكرية، خاصة في وقت يشن فيه الجيش عمليات موسعة لمكافحة التمرد بالبلاد».

وأخبر سياسي باكستاني بارز «الشرق الأوسط» بأن هناك قضيتين مثارتين حاليا بين الجيش الباكستاني وحكومة حزب الشعب «أولاهما تردي الأوضاع الاقتصادية، والثانية غياب الحكم». ومما زاد من مشكلات الحكومة تنامي الشعور العام بأن الحكومة مسؤولة عن جميع المشكلات التي تعانيها البلاد حاليا. والمعروف أن البلاد سبق أن واجهت فترات من الانحسار الاقتصادي وغياب الاستقرار السياسي أجبرت طبقة المفكرين والنخبة السياسية على التطلع نحو الجيش باعتباره المخلص.

من ناحيته، وصف الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف الوضع برمته في تصريحات ألقاها أمام مؤتمر صحافي في لندن أعرب خلاله عن خوفه من تحرك باكستان نحو انقلاب عسكري جديد. وأضاف أن «ضغوطا» مشابهة واجهها خلال عامه الأول كقائد للجيش دفعته لشن انقلاب عسكري ضد رئيس الوزراء السابق نواز شريف. وقال «خلال العام الأخير تحركت باكستان نحو التراجع، وأخبرني عدد من الأفراد من سياسيين ونساء ورجال: لماذا لا تفعل شيئا؟ ألن تعمل لمصلحة باكستان؟».

إلا أن المحللين السياسيين بوجه عام لا يأخذون كلمات مشرف بجدية كبيرة. مثلا، أشار مقال افتتاحي بمجلة «هيرالد» السياسية البارزة، إلى أن «الجنرالات غير مستعدين للقيام بدور المنقذ، والسبب واضح، وهو لماذا سيرغبون في طي اللعبة في وقت يلتزم فيه الجميع بقواعدهم ولا يلومهم أحد على اللعب الخاطئ».