11 سبتمبر الدبلوماسية

مدير موقع ويكيليكس معجب بنتنياهو

هيلاري كلينتون تتحدث خلال مؤتمر صحافي عن وثائق ويكيليكس (نيويورك تايمز)
TT

بلغ اهتمام الأميركيين، سياسيين وقانونيين وصحافيين، بنشر الوثائق السرية لوزارتي الدفاع والخارجية في موقع «ويكيليكس» في الإنترنت، أقصاه، وتحولت الصدمة والحيرة، إلى بحث معمق في كيفية التعامل مع الأزمة، التي وصفت بأنها، مثل تسونامي، وأشبه بهجمات 11 سبتمبر (أيلول). وصدم العالم وهو يرى، نحو نصف مليون برقية دبلوماسية، أرسلها دبلوماسيون أميركيون إلى وزارة الخارجية، تنشر على الملأ، وقد احتوت على قضايا وأسرار مهمة وحساسة، وبعضها تعرض بالتقريع لقادة العالم، مما وضع الإدارة الأميركية في موقف لا يحسدها عليه أحد.

ربط عدد من قادة الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري (حزب الشاي) بين هجمات 11 سبتمبر و«هجمات» الوثائق. وقالوا إن الاثنتين تقعان تحت قائمة «الإرهاب»، ومثلما تعاقب الحكومة الأميركية المتطرفين «الذين خطفوا الإسلام»، يجب أن تعاقب الصحافيين «الذين خطفوا الصحافة». وربط عدد من علماء النفس بين رد الفعل الأميركي على الهجومين. وقالوا إن الأميركيين، عندما يتعرضون لهجوم خارجي (لأنهم، عبر تاريخهم، لم يتعرضوا كثيرا لهجمات داخلية)، يتساهلون في تفسير الحرية (بداية بحرية الصحافة).

في الجانب القانوني، قال وزير العدل، اريك هولدر، إن الولايات المتحدة تجري تحقيقا جنائيا و«ستحاكم أي شخص يثبت أنه انتهك القوانين الأميركية». وأدان تسريب الوثائق، وقال: «إنه يهدد أمن البلاد، ويعرض للخطر أمننا القومي، ويعرض الذين يخدمون هذا البلد سواء دبلوماسيين أو استخباراتيين للخطر، ويؤثر على العلاقات مع الحلفاء في شتى أنحاء العالم».

وبينما يستمر البحث عن جوليان أسانج، مؤسس ورئيس تحرير موقع «ويكيليكس»، أشار مراقبون في واشنطن إلى أن الجندي برادلي ماننغ هو الشخص الوحيد الذي اعتقل. رغم مرور فترة طويلة على بداية نشر «ويكيليكس» لوثائق وزارة الدفاع، بداية بنشر شريط فيديو لقصف جوي أميركي على مدنيين في العراق. وقالت صحف أميركية إن ماننغ كان اعترف بأنه سرب الوثائق العسكرية، لكن لم يقدم البنتاغون ما يثبت ذلك، ولم يؤكد أو ينف ذلك. غير أن ماننغ اعتقل لصلته بتسريب فيديو الهجوم العسكري في العراق، وليس مؤكدا إذا كان لاعتقاله صلة بالوثائق.

واتهمت صحيفة «نيويورك بوست» إدارة الرئيس أوباما بالتقصير، ليس فقط في كشف الذين سربوا الوثائق، ولكن، أيضا، في عدم معرفة تسريبات الجندي ماننغ قبل حدوثها. خاصة أن ماننغ كان يكتب في الإنترنت عن كراهيته للعمل العمل العسكري منذ فترة طويلة قبل نشر فيديو العراق، وقبل اعتقاله. كتب في يناير (كانون الثاني) الماضي. على صفحة «فيس بوك» الخاصة به: «برادلي ماننغ لا يريد هذه الحرب. سيخسرون الكثير، وسيخسرون سريعا جدا». وكتب في مايو (أيار): «برادلي ماننغ مصاب الآن بإحساس قاتم بأنه لا يقدر على أن يفعل أي شيء». وكتب في نفس الشهر، بعد أيام قليلة، أنه غضب مع «صديقه»، وفسر ذلك بأنه من المثليين الجنسيين، ويبدو أنه وصديقه اختلفا.

ويحقق المحققون في كيفية وصول الوثائق من ماننغ إلى أسانج. لكن، يبدو أن التحقيقات تسير في بطء غير عادي. هل لأن كلا من ماننغ وأسانج أذكى من المحققين؟ لماذا لا يوجد غير شخص واحد، ماننغ، معتقل حتى الآن؟ ما هي التهمة التي ستوجه إلى أسانج إذا اعتقل؟ وأين هو الآن؟

نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مساعدين سابقين لوزراء عدل، وعن قانونيين، أنه لا يوجد قانون أميركي يعاقب موقعا في الإنترنت. وأن القانون الوحيد ضد التجسس يعود إلى سنة 1917. لكن، في وقت لاحق، أعلنت المحكمة العليا (التي تفسر الدستور) أن القانون غير دستوري لأنه لا يفرق بين التجسس وحرية الرأي.

وهناك نقطة أخرى، وهي أن جنسية أسانج الاسترالية تجعله قادرا على العودة إلى استراليا، ولا توجد اتفاقية تبادل مجرمين بين البلدين. بالإضافة إلى أن حكومة استراليا لن تسلمه قبل أن توجه له الحكومة الأميركية اتهاما محددا. هذا إذا كان في استراليا. وأيضا، لا بد أن يكون الاتهام جنائيا لاستعجال إرساله إلى الولايات المتحدة، لأن الاتهام المدني لا يعتبر ذا أهمية كبيرة في تبادل المتهمين حسب القوانين الدولية. رغم عدم وجود قوانين مدنية أميركية عن معلومات الإنترنت.

غير أن بداية بحث «الإنتربول» (الشرطة الدولية) لأسانج ضيقت الخناق عليه، ورغم أن الموضوع له صلة بتهمة اغتصاب فتاة سويدية كانت تساعده في «ويكيليكس» عندما كان في السويد، صار واضحا أن هذا زاد مشكلاته. وقال محامي أسانج البريطاني (هل أسانج في بريطانيا؟) إن الاستخبارات الأميركية تريد توريط أسانج في تهمة اغتصاب الفتاة السويدية لتشوه سمعته، حتى قبل موضوع تسريب الوثائق الأميركية.

وبينما يشرع القانونيون الأميركيون في كيفية معاقبة أسانج، وبينما تريد الاستخبارات الأميركية توريطه (أو ربما قتله)، ويهيج السياسيون الأميركيون مثلما لم يهيجوا منذ هجوم 11 سبتمبر سنة 2001. انتقد الرئيس باراك أوباما في شدة تسريب الوثائق، وقال: «وضعت حياة كثير من الناس في خطر».

وقال المرشح الرئاسي السابق، مايك هاكابي: «الطرف المذنب هنا يجب أن يواجه عقوبة الإعدام لأنه وضع الأمن القومي في خطر بالغ». وأضاف: «عرض حياة الأميركيين للخطر، ودمر الثقة الدبلوماسية التي ستستغرق عقودا لإعادة بنائها».

وقال بيل اورايلي، مقدم برنامج في تلفزيون «فوكس» اليميني: «لقد حان الوقت لتصل يد العدالة (إلى أسانج)، لاتهامه، ومحاكمته بتهمة الخيانة، وإذا وجد أنه مذنب، ينبغي إعدامه». وقالت ساره بالين، من قادة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري عن أسانج: «إنه خائن، إنه غير أميركي. إن يديه ملطختان بالدم». وعلق صحافي ليبرالي: «تريد ساره بالين مطاردة جوليان أسانج مثلما نطارد أسامة بن لادن».

وفي كندا المجاورة، تحمس سياسي متطرف، ودعا إلى قتل أسانج، حتى قبل اعتقاله وقبل اتهامه وقبل محاكمته. وقال توم فلاناغان في مقابلة تلفزيونية: «سأكون سعيدا إذا اصطاده شخص ما بطريقة ما». وأضاف: أعتقد أنه يجب أن يقتل. أعتقد أن الرئيس أوباما يجب أن ينهي حياته بطائرة «درون» (دون طيار)، أو بأي شيء». وعلق مقدم البرنامج التلفزيوني: «أعتقد أن هذه أول فتوى قتل تصدر في التلفزيون منذ فتوى آية الله الخميني ضد الكاتب البريطاني سلمان رشدي». (سنة 1989).

وشمل الغضب الأميركي أعضاء الكونغرس، خاصة قادة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري (حزب الشاي) الذي أحرز انتصارا كبيرا في انتخابات الكونغرس التي أجريت الشهر الماضي. ولكن، رب ضارة نافعة. قدم أعضاء في الكونغرس مشروع قرار يمنع معاقبة موظفي الحكومة الذين يشيرون إلى أعمال غير قانونية داخل وزاراتهم ومصالحهم. هذا هو قانون «ويسلبلوارا» (الذي يصفر بصفارة، مثل حكم مباراة).

وقال النائب هنري واتسون (ولاية كاليفورنيا) إن الهدف هو «تشجيع كشف الفساد والظلم من الداخل، حتى لا نعطى فرصة للذين في الخارج، مثل (ويكيليكس) ليفعلوا ما فعلوا». في الماضي، كانت تهمة تسريب أسرار حكومية تلصق بكل من يكشف وثيقة حكومية. لهذا، يبدو أن السياسيين الأميركيين استفادوا مما فعلت «ويكيليكس» دون أن يعترفوا بذلك. لأنه صار واضحا أن الشعب الأميركي، رغم أنه غير مرتاح لكشف الوثائق الحكومية بهذه الطريقة، لا يؤيد إخفاء معلومات هامة عنه.

وهناك الجانب الصحافي في الموضوع. وكما قال زعيم في الجناح اليميني للحزب الجمهوري (حزب الشاي) إن الإرهابيين الذين نفذوا هجوم 11 سبتمبر «خطفوا الإسلام»، مثلما أن الصحافي أسانج «خطف الصحافة».

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن كثيرا من الصحافيين الأميركيين المشهود لهم بالنزاهة لم يتحمسوا لكشف وثائق الخارجية الأميركية. ورغم أن كشف وثائق حرب العراق وحرب أفغانستان لم يسبب نقدا كثيرا، أو معارضة، وسط الصحافيين الأميركيين الذين عارضوا الحربين، صار واضحا أن كشف وثائق الخارجية الأميركية وجد معارضة أو، على الأقل، تململا ربما عند كل صحافي أميركي مشهور بالنزاهة.

وكتبت مجلة «نيشن» الليبرالية أن الصحافيين الأميركيين بدا وكأنهم نسوا حرية الصحافة. وقالت: «تظل الحرية الصحافية الأميركية تعتمد على التعديل الأول في الدستور الأميركي (لا يصدر الكونغرس أي قانون يحظر الحريات). وتظل الصحافة الأميركية تتمتع بهذه الحرية كل هذه السنوات. لماذا هذا الغضب على (ويكيليكس)؟ لا يجب على الشخص أن يؤيد ما فعل ليقول إن كشف أخطاء الحكومة شيء مطلوب». رغم أن موقع «أمازون» ليس موقعا صحافيا (يبيع الكتب وغيرها)، ظل أيضا يعتمد على الحرية الأميركية في نشر ما ينشر. لكنه، أول من أمس، أعلن إغلاق موقعه في وجهه موقع «ويكيليكس»، وكان يوفر له منطلقا إلكترونيا.

ورغم أن مراقبين في واشنطن قالوا إن الشركة التي تدير «أمازون» تعرضت لضغوط من سياسيين في الكونغرس، مثل السناتور جوزيف ليبرمان، رئيس لجنة أمن الوطن في مجلس الشيوخ الأميركي، أصيب كثير من المدافعين عن حرية الصحافة بخيبة أمل لأن الشركة بدا وكأنها تسير في ركب الحكومة التي تحاول خنق حرية «ويكيليكس».

في جانب آخر، قال ليبرمان: «سوف يكون السؤال الذي يواجه شركة (أمازون) وغيرها من مقدمي خدمة الإنترنت حول علاقتها مع (ويكيليكس) لضمان عدم استخدامهم خدماتها لتوزيع المعلومات المسروقة، والمعلومات سرية».

في الجانب الآخر، قال د. ريان كالو، محاضر في مركز جامعة ستانفورد للإنترنت والمجتمع، إن قوانين الحريات في الولايات المتحدة تحمي «أمازون»، الذي من المرجح ألا تتعرض لأي ملاحقة محتملة من قبل الحكومة. وأضاف: «ستكون سابقة خطيرة لو أن شركات مثل (أمازون) صارت تواجه حجرا على حرياتها لمجرد أن عضو مجلس الشيوخ (يقصد السناتور ليبرمان) هدد بتدخل الحكومة».

يوم الثلاثاء الماضي، نشرت مجلة «تايم» مقابلة بين رئيس تحريرها وجوليان أسانج (يعتقد أنها ستختاره «رجل العام»). كانت فرصة بالنسبة للصحافي الأميركي البارز ليعكس أحاسيس زملائه و«وطنه يواجه عدوا جديدا». وكانت فرصة بالنسبة لأسانج ليقول رأيه. نلتقط منها المقتطفات الآتية:

«تايم»: ماذا تحس بعد ما حدث؟

«ويكيليكس»: ما يحدث يفوق قدرتنا على فهمه.

«تايم»: ما نتائج ذلك على الحكومات والدبلوماسيين؟

«ويكيليكس»: أعجبني قول بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، إن الحكام والسياسيين يجب أن يتكلموا في العلن كما يتكلمون في السر.

«تايم»: هل ما تفعلون يقود إلى عالم أقل حروبا وأكثر سلاما؟

«ويكيليكس»: عندما نعرف الحقائق نقدر على الوصول أكثر من عندما نكتفي بمعرفة عبارات دبلوماسية منمقة.

«تايم»: هنا، في أميركا، أعلنت وزارتا الدفاع والخارجية فرض إجراءات جديدة لمنع تسرب الأسرار في المستقبل. هل هذا ما كنتم تريدون؟

«ويكيليكس»: هذا شيء إيجابي.

«تايم»: كيف تقولون ذلك؟

«ويكيليكس»: نحن لا نقدر على أن نجعل الحكام والسياسيين صادقين ونزيهين. لكننا نريد أن نضعهم أمام خيارين: هل يريدون أن يكونوا صادقين ونزيهين، ويعلنوا لشعوبهم ما يفعلون حقيقة؟ أم يريدون أن يعيشوا في سرية وظلام؟

«تايم»: هل هناك أي شيء سري في السياسة والدبلوماسية؟

«ويكيليكس»: نعم، سرية مصادر الأخبار، ولهذا، نحن حريصون على حذف أسماء المصادر. لا يهمنا الناس، يهمنا معرفة الحقيقة والكذب.

«تايم»: تحدثت عن الخيارات أمام الحكام والسياسيين. صار واضحا أن الشعب الأميركي، بقدر ما سره أنك أعلنت أسرارا يريد أن يعرفها، لا يؤيدك في إيذاء الأمن الوطني الأميركي؟

«ويكيليكس»: الشعب الأميركي أيضا أمام خيارين: هل يكتفي بسماع الحكام والسياسيين يتحدثون عن تضحيات الجنود الأميركيين هنا وهناك فقط؟ أم هل يريد أن يعرف حقيقة ما يرى هؤلاء الحكام والسياسيون عندما يتقابلون سرا، ويتحاورون، ويناورون، ويزايدون؟

«تايم»: ما هو رأيك في تصريحات وزراء أميركيين بأنك تهدد الأمن الأميركي؟

«ويكيليكس»: نسمع هذا كل مرة يتعرض فيها وزير أو مدير لإحراجات لأن الصحافيين نشروا أشياء تؤذي سمعته وتتهمه بالكذب.

«تايم»: هل ارتكبت أي جريمة يجب أن تعاقب عليها؟

«ويكيليكس»: خلال أربع سنوات، لم ننشر شيئا سبب قتل شخص. لكن الحكومات التي تنتقدنا تسببت في قتل عشرات الآلاف من الناس، وفي اعتقالهم ومطاردتهم والإساءة إليهم.

صباح أول من أمس، في مقابلة في إذاعة «دبليو ام ايه ار» في واشنطن، تحدث ثلاثة صحافيين عن الموضوع:

قال الأول: «أنا صحافي، طبعا، مع حرية الصحافة. لكن، عندما يتعرض وطني إلى الخطر، أين أقف؟» قال الثاني: «في عصر الإنترنت، لم تعد الحروب تقتصر على الدول والجيوش والأساطيل. هذه حرب أفراد، كل واحد عنده (لاب توب) يقدر على أن يعلن الحرب علينا».

قال الثالث: «ما فائدة حرية الولايات المتحدة دون أمن الولايات المتحدة؟».

وعندما فتح المذيع ردود المستمعين بالتلفون، اتصل واحد وقال: «نعرف حرية الولايات المتحدة. إن الإنسان إما حر أو غير حر. لكن، ما هو أمن الولايات المتحدة؟. متى تكون الولايات المتحدة آمنة؟ ومتى لا تكون؟».