التغير المناخي يسابق زعماء العالم

محادثات قمة المناخ المنعقدة في المكسيك «صعبة وبطيئة».. والأزمة الاقتصادية حجة جديدة

عمال إنقاذ يحاولون انتشال امرأة في الهند تغرق في الفيضانات التي ضربت شمال الهند بداية سبتمبر الماضي (رويترز)
TT

خلال الأسبوعين الماضيين، في مصيف كانكون في المكسيك، انعقدت قمة البيئة لمناقشة التغيرات المناخية في العالم، وتأثيراتها السلبية، وإمكانيات مواجهتها أو حلها. الاسم الرسمي للمؤتمر هو: الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأمم المتحدة، والدورة السادسة لإعلان كيوتو (في اليابان)، والدورة الثالثة والثلاثين لدول اتفاقية المشورة العلمية والتكنولوجية التابعة للأمم المتحدة. وجاء المؤتمر بعد سنة من مؤتمر كوبنهاغن. وسبقته أربعة مؤتمرات تحضيرية: ثلاثة في بون، والرابع في الصين.

وهكذا، يبدو أن مؤتمر كانكون بيروقراطي، ممعن في البيروقراطية.

لكن هناك الجانب السياسي عن المناورات بين الحكومات، وهناك الجانب الرأسمالي عن نفوذ الشركات متعددة الأوطان.

في الجانب البيروقراطي، تتولى الأمم المتحدة الإشراف على المساعي الدولية لمواجهة التغيرات المناخية. وكعادة الأمم المتحدة، ترى أن مجرد عقد اجتماع دولي هو تقدم، وأن مجرد النقاش بين الدول هو خطوة نحو اتفاق، حتى إذا استغرق ذلك عشرات السنين. وكما قال بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة «هذا المؤتمر يقربنا من الاتفاق على تنسيق جهودنا الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق أهدافنا».

في نفس مؤتمر كانكون، كشف تقرير للأمم المتحدة تسارع ذوبان الكتل الجليدية في العالم. وحذر من أن «كوكب الأرض في خطر»، ودعا المجتمعين في كانكون «لإيجاد اتفاق سريع بشأن المناخ».

وقال التقرير إن سبب تسارع ذوبان الأنهار والكتل الجليدية هو التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض، وأن هذا «يشكل خطرا كبيرا على حياة آلاف السكان والكائنات الحية». وأوضح التقرير أن ذوبان الأنهار الجليدية في جنوب القارة الأميركية وجبال ألاسكا يتسارع بشكل كبير مقارنة مع الأنهار الجليدية الأخرى في العالم.

وحث التقرير ممثلي الـ190 دولة المجتمعين في كانكون على «الاتفاق على خطوات لمكافحة التغير المناخي وعدم الانتظار لحين التوصل لاتفاق كامل».. وأضاف «صحة الكوكب في خطر».

وركز التقرير على الدول الكبرى في العالم بسبب دورها في تلويث البيئة. وأشار إلى الدول المتقدمة، لكنه حدد كلا من الصين والولايات المتحدة، وقال إنهما مصدر نحو 40 في المائة من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في العالم. وبالتالي، كما قال التقرير «يعتبر البلدان مهمين لأي اتفاق عالمي للتعامل مع ظاهرة تغير المناخ».

ورغم أن مؤتمر كانكون يتمتع بتأييد كل الحكومات، فإن مسؤولين فيه لم يقدروا على إخفاء تشاؤمهم من إمكانية تحقيق أهداف المؤتمر، في الوقت الحاضر على الأقل، مثل نوربرت روتجن، وزير البيئة الألماني، الذي قال إن المحادثات الدولية الجارية حول المناخ في مدينة كانكون «صعبة وبطيئة». وأضاف «ليس من الممكن القول حتى الآن بأن المؤتمر سيسفر عن نتيجة»، لكنه، وهو السياسي الذي يريد أن يكون دائما متفائلا، أضاف «الأجواء التي تجري خلالها المفاوضات الحالية مختلفة بالفعل عن تلك التي كانت في مؤتمر كوبنهاغن».

وربما هذا ما يدعو للتفاؤل، وذلك لأن قمة كوبنهاغن قبل سنة لم تكن ناجحة. لكن، وقتها قيل إن مجرد انعقادها كان نجاحا في معالجة هذا الموضوع الشائك. وربما سيقولون الشيء نفسه بعد نهاية قمة كانكون.

وبينما تتصارع الدول مع بعضها بعضا، وتتصارع شركات وسياسيون ومنظمات بيئية داخل هذه الدول، تواجه دول معينة الأمر الواقع. هذه الدول هي جزر لاحظت أن مستوى سطح المحيطات يرتفع قليلا بسبب الانحباس الحراري:

أولا: هناك دول الجزر الصغيرة مثل: مالديف، مارشال، تونغا. وفي مؤتمر كانكون، كان رئيس جمهورية مالديف نجما ساطعا، ليس فقط لأنه فصيح وذكي ومتحمس. لكن، أيضا، لأن جزيرته من أولى الجزر التي ستختفي (ليس في المستقبل القريب) إذا استمرت التغيرات المناخية، واستمر ارتفاع مستوى سطح المحيطات.

ثانيا: هناك دول الجزر الكبيرة مثل: كوبا، نيوزيلندا واليابان. هذه لا تواجه مشكلة غرق، لكنها تواجه مشكلة زحف الماء نحو سواحلها. وربما ليس صدفة أن اليابان في مقدمة الدول المؤيدة لمواجهة التغيرات المناخية (فيها عقدت اتفاقية كيوتو).

وبينما تتصارع الدول المتقدمة والدول التي تتقدم، كانت المتقدمة (دول غرب أوروبا، وكندا والولايات المتحدة، وأستراليا ونيوزيلندا) هي التي بدأت، قبل أكثر من نصف قرن مؤتمرات مواجهة التغيرات في المناخ.. وكما كتبت مجلة «تايم»: «تتحمل الدول المتقدمة مسؤولية كثير من العوامل البشرية التي تساعد على تغير المناخ. وفي الوقت نفسه، تتحمل مسؤولية مواجهة هذا التغير. ويمكن انتقادها، لكن، أيضا، يمكن الثناء عليها».

في سنة 1969، أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون مبادرة لمواجهة التغيرات المناخية. في ذلك الوقت، ظهرت بصورة واضحة علامات الأمطار الحمضية (بسبب اختلاط دخان المصانع بالسحاب). وبدأت مشكلة بين الولايات المتحدة وكندا بسبب دخان مصانع مدن أميركية قريبة من الحدود مع كندا، مثل شيكاغو وديترويت، خاصة محطات إنتاج الكهرباء التي تعمل بالفحم الحجري. وجعل هذا المزارعين الكنديين يشتكون من الأمطار الحمضية. وأعلن نيكسون قوانين لتنظيف الدخان المتصاعد، أو للتقليل منه.

وبعد ذلك بعشر سنوات تقريبا، أمرت مارغريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، كثيرا من محطات إنتاج الكهرباء بالتحول من الاعتماد على الفحم الحجري إلى الغاز الطبيعي (كان بحر الشمال صار مصدرا كبيرا للغاز الطبيعي لبريطانيا).

وهناك ملاحظتان عن دور نيكسون وثاتشر. كانا قائدي حزبين يمينيين (الجمهوري في أميركا، والمحافظين في بريطانيا) يميلان نحو خدمة مصالح الشركات، وتخفيض القوانين الحكومية، بهدف فسح المجال أمام الاستثمارات الخاصة. وبالتالي، يترددان في فرض قوانين لنظافة البيئة ومواجهة التغيرات المناخية:

أولا: وافقا على نصائح علماء فيزياء وكيمياء وأحياء بأن الإنسان مسؤول عن هذه المشكلات. لم يتحديا الشركات الرأسمالية في وطنيهما، لكنهما، على الأقل، أعلنا مبادرات صارت جزءا من الحملة العالمية التي وصلت الآن إلى قمة كانكون في المكسيك.

ثانيا: في الوقت الحاضر، يميل قادة الحزبين في البلدين نحو العكس. مؤخرا، أعلن ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، أنه، طبعا، مع نظافة البيئة، لكنه قال إن الأزمة الاقتصادية الحالية ربما ستؤجل بعض خططه ليفعل ذلك. ومؤخرا، عندما فاز الجناح اليميني في الحزب الجمهوري الأميركي (حزب الشاي) بمقاعد كثيرة في الكونغرس، صار واضحا أن نظافة البيئة ستكون في أسفل خططه.

في الوقت الحاضر، أكثر من بريطانيا، تشهد الولايات المتحدة حملة متزايدة ضد نظافة البيئة، وضد مواجهة التغيرات المناخية. حتى قبل «حزب الشاي»، لم يوافق الكونغرس الأميركي على معاهدة كيوتو، التي وقعت قبل أكثر من عشر سنوات في اليابان، وهي أساس الجهود الحالية لمواجهة التغيرات المناخية. لم يوافق في عهد الرئيس كلينتون (الديمقراطي)، ولم يوافق حتى الآن في عهد الرئيس أوباما (الديمقراطي).

وطبعا، بعد انتخابات الشهر الماضي، وسيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس، صار واضحا أن معاهدة كيوتو لن تنفذ في الولايات المتحدة في المستقبل القريب على الأقل. صارت ليس فقط موضوعا حزبيا، بل موضوعا عقائديا. في الولايات المتحدة، في سنة 2007، وجدت دراسة أن 95% من الديمقراطيين في الكونغرس يوافقون على أنه «قد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن التغيرات المناخية سببها مشكلات من صنع الإنسان». بينما قال ذلك 13% فقط من الجمهوريين.

في الجانب الآخر، جميع البلدان الأوروبية صدقت على معاهدة كيوتو. ووضعت خطة لتخفيض كثير من الغازات التي تلوث البيئة. ودعمت جميع تخفيضات كثيرة في انبعاثات الغازات الدفيئة، وصدقت عليها أيضا أستراليا، لكن بعد أن جاءت حكومة حزب العمال الجديدة إلى السلطة في سنة 2007، وكانت الحكومة الائتلافية السابقة اعترضت لسنوات كثيرة، واتبعت نفس منطق الأحزاب المحافظة واليمينية: أنها ستؤثر على التنمية الاقتصادية. وصار واضحا أن الموضوع سياسي أكثر منه دينيا، وذلك لأنه حتى البابا بنديكتوس قال إنه يتعين على زعماء العالم «اتخاذ قرارات جريئة لإنقاذ كوكب الأرض قبل فوات الأوان».

لهذا، مع انعقاد قمة كانكون، تزيد تعليقات كثير من السياسيين والصحافيين والخبراء عن الجدوى من القمة مع زيادة الشكوك في الموضوع. في سنة 2007، نشرت مجلة «نيوزويك» موضوع غلاف «حقيقة الرفض»، وناقشت فيه، ليس فقط فشل العالم في مواجهة التغيرات المناخية (خاصة بعد اتفاقية كيوتو)، لكن، أيضا، «الحرب» التي أعلنت ضد مواجهة هذه التغيرات. وقالت «صار واضحا أن هناك حملة منسقة تنسيقا جيدا، وممولة تمويلا جيدا، باسم المحافظة على فلسفة السوق الحرة. خلقت الحملة ضبابا حول الموضوع».

وأشارت المجلة إلى أن هذه الحملة تشبه حملة مماثلة قبل أكثر من عشرين سنة، عندما أصدرت الحكومات في كثير من الدول الغربية قوانين لمنع التدخين. في ذلك الوقت، تحالفت شركات زراعة التبغ، وشركات صناعة السجائر ضد هذه القوانين (لكن فشلت الحملة، في الدول الغربية على الأقل). وقال كثير من العلماء والسياسيين والخبراء والصحافيين إن الحملة ضد جهود نظافة البيئة، ومواجهة التغيرات المناخية، فيها إنكار للحقيقة: مثل رئيس معهد الشؤون الاقتصادية الأميركية في واشنطن، دال ريتشارد، الذي كتب «إنه أمر بالغ التحقير إنكار علامات تغير المناخ التي نشاهدها أمامنا صباحا ومساء».. ومثل كاتب التعليقات في صحيفة «نيويورك تايمز»، بيتر كريستوف، الذي كتب «يوجد اختلاف بين التشكيك والإنكار. الذي يشك في التغيرات المناخية ربما يفعل ذلك بعد دراسة وأبحاث، رغم أنها قد تكون تناقض الاعتقاد العام. والذي ينكر، يفعل ذلك عن جهل واضح، يجب أن يخجل منه.

ومثل مارك هوناغيل، خبير أميركي، كتب تحت عنوان «الإنكار»: «يريد البعض استعمال حجج بلاغية لنفي حقائق علمية. وخلال السنوات الأخيرة، ارتبط مصطلح الإنكار مع سلسلة حملات طعون في القضايا العلمية. مثل: الآثار الصحية للتدخين، والعلاقة بين فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز، والتغيرات المناخية».

في الجانب الآخر، لم يعد سرا أن شركات النفط والكيماويات والصلب ومحطات الكهرباء التي تستعمل الفحم الحجري تقوم بحملات عالمية منسقة ومنظمة ضد فرض قوانين حكومية صارمة لنظافة البيئة ومواجهة التغيرات المناخية.

في سنة 2008، جندت شركة «أكسون موبيل» الأميركية أقوى المحامين لمواجهة قضية رفعتها مجموعة من الهنود الحمر (الذين لا يزالون يعيشون في مستوطنات). اتهموا الشركة بتلويث البيئة في مستوطناتهم، وذلك بسبب عمليات التنقيب وأنابيب النفط. ورغم أن الموضوع محلي وعلى نطاق صغير، فإن حملة الشركة توضح أنها تقدر على مواجهة حملات المطالبين بنظافة البيئة. ليس ذلك فحسب، بل تحالفت مع الشركة شركات نفط أخرى، مثل: «بريتيش بتروليوم» و«شيفرون» و«كونوكو فيليبس» و«شل». ولم يكن ذلك غريبا، لأن هذه الشركات هي عماد «لوبي النفط» في واشنطن. والذي يمكن اعتباره أقوى لوبي في العاصمة الأميركية، إن لم يكن في كل العواصم.

وأخيرا، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، تقول الشركات الرأسمالية المتعددة الأوطان إنه لا بد من تركيز الحكومات على حل الأزمة. وصار هذا عذرا جديدا لهذه الشركات للتهرب من قوانين حكومية صارمة لنظافة البيئة. وعن هذا كتبت مجلة «تايم»: «سهل الاعتقاد بأن المشكلة التي نعيشها أهم من التي لم نصل إليها بعد».